تقرير عن برنامج (الفقيه الإنسان) في الكويت
بمناسبة الذّكرى السنويَّة الأولى لرحيل المرجع الإسلامي الكبير السيِّد محمد حسين فضل الله (رضوان الله تعالى عليه)، أقامت شبكة البشائر الإسلامية وحسينية دار الزهراء (ع) في الكويت احتفالٌ تأبينياً كبيراً في جمعية الثقافة الاجتماعية تحت شعار «الفقيه الإنسان»، وذلك بمشاركة حشد من المؤمنين والمؤمنات امتلأت بهم قاعة مسرح جمعية الثقافة الاجتماعية تقدّمهم الوجيه الحاج كاظم عبد الحسين، وسماحة الشيخ صالح جوهر، وسماحة الشيخ غانم طالب، وعضو مجلس الأمة السيد عدنان عبد الصمد، وعضو المجلس البلدي د. عبد الكريم السليم.
بدايةً الاحتفال مع آيٍات من الذّكر الحكيم تلاها الحاج/ عبد الله أبل، بعده جاء رثاء رسالي لسماحة السيد (رض) ألقاه الشاب/ عمار نبيل المسقطي على وقع كلمات آية الله السيد عبد الله الغريفي عند إعلانه رحيل السيد الكبير (رض) .
وقد تضمن البرنامج حلقة نقاشية شارك فيها من الكويت كل من الكاتبة الإسلامية أ. ايمان شمس الدين والناشطة الإسلامية أ. ليلى المحميد، ومن القطيف شارك الباحث الإسلامي سماحة الشيخ محمد المحفوظ، ومن لبنان مدير المركز الإسلامي الثقافي السيد شفيق الموسوي.
السيد شفيق الموسوي:
السيد فضل الله كان من الفقهاء القلائل الذين حولوا خطبهم الى أفعال
في البداية أكد السيد شفيق الموسوي (مدير المركز الإسلامي الثقافي في مجمع مسجد الإمامين الحسنين "ع" في بيروت) أن عالَمُ السيّد، عالَمٌ متنوّع، متعدّد، قد تحتار في طرق الأبواب التي يمكن أن تُدخلك إلى هذا العالم، والحَيرة نابعةٌ من انجذابك إلى كلّ مفردة من مفردات هذا العلم، فقهاً واجتهاداً وعلمَ قرآن وحديثاً شريفاً، ونهجَ بلاغة، وتحدّيات معاصرةً وما إلى ذلك.. والحديث عن رجلٍ بقامة السيد لن يكون إلاّ بقرب القلب من القلب، وتماس العقلِ من العقل.
وأكد الموسوي أن السيد كان معلّمٌ للصلاة: في الوقت الذي كان فيه السيّد الشهيد محمد باقر الصدر(رض) يقول: "كلُّ من خرج من النجف خسر النجف، إلاّ السيد محمد حسين فضل الله فقد خسرته النجف"..
هذا السيد الذي خسرته النجف، كفقيه ومجتهد، هذا السيّد يقف على باب حسينية النبعة في ضاحية من ضواحي بيروت المزنّرة بالحرمان، ينتظر الأطفال المارّين في الشارع ليقنعهم بالدخول إلى المسجد ليعلّمهم الوضوء والصلاة.. هذه شهادةٌ موثّقةٌ أدلى بها أمامي أحدُ أكبر الأطباء النفسيين في أميركا، وهو الدكتور حيدر مكي، الذي حظي بنعمة تعلّم الصلاة على يدي السيّد، حين أدخله وأخاه من الشارع إلى المسجد ومعهما مجموعة من الأطفال يعلّمهم السيد كيفية الوضوء والصلاة.
وأضاف الموسوي أن السيد (رض) كان يملك روحٌ متسامحة: يصبرُ ويصبرُ حتى يملَّ الصبر منه..
وفي ليلةٍ، كانت الحملة الظالمة على سيدنا في ذروة عنفها... تلك الليلة كنا نستمع إلى السيّد، وهو يشرحُ الحديث الشريف: "اللهم صِلْ من قطعني، وأعطِ من حرمني، واغفر لمن ظلمني.."
كان هذا ليلة جمعة في مسجد الإمامين الحسنين(ع) بعد الخطبة والصلاة والدعاء، ذهب السيّد إلى البيت، وهذا ما يحدّث به ولده سماحة السيّد علي، وقال: اتصلوا بفلان، وفلانٌ رأس الحربة المسمومة الموجّهة إلى صدر السيّد، تعجّب كلَّ مَنْ حول السيد، اتصلوا به، حادثه السيّد، تودّد إليه، اطمئنّ عنه وعن عياله، وفلانٌ باردٌ برودة الثلج، وعندما سُئل (رضوان الله تعالى عليه) عن سبب إقدامه على الاتصال، قال: كيف لي أن أترجم عمليّاً ما كنتُ أشرحه لعموم المؤمنين: صِلْ من قطعك، وأعطِ من حرمك، واغفر لمن ظلمك... أيُّ سيّدٍ هذا السيّد؟
وفي لقاء جمعنا بالدكتور إبراهيم الجعفري، تحدّث فيه عن السيّد، ومن جملة ما رواه عن علاقته بالسيّد، أنّه جاءه مرّة يشكو إليه قريبَه عن ارتكاب الإثم باستغابة السيّد، قال السيد للدكتور الجعفري: أنت تعرف محمد حسين فضل الله.. دعهم يقولون...
انطلق السيّد في ذلك من موقفه الرسالي الثابت وهو كما يقول: كُنْ أكبر من أساليب الاتهامات والشتائم، إذا أساءوا فأحسِن، حاول أن تدفع سيئاتهم التي يوجّهونها إليك بالكلمة الأحسن حتى تستطيع أن تفتح عقولهم على الحق.
وقال الموسوي أن السيد (رض) كان العابدُ العارف: أنتقلُ إلى ضفّةٍ أخرى من ضفاف حياة السيد، نحن نعرف أنّ الحديث الشريف يقول: "أفضل الناس مَنْ عشق العبادة، فعانقها، وأحبّها بقلبه وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عُسر أم على يُسر".
كمثال تطبيقي على الحديث الشريف، حرصُه على الدعاء بنفسه بعد الصلاة يتلوه على جموع المصلين، وكانت له علاقةٌ خاصّة بدعاء كميل كلّ ليلة جمعة، كنا نسمعه يقول: إنَّ بكاء هؤلاء الشباب وكبار السنّ وهم يستمعون لي في الدعاء يحمّلني مسؤولية إسلامية أكبر، لذلك لم يقعده عن الدعاء، لا حربٌ ولا مرضٌ ولا أيُّ انشغال حتى نال منه المرض منالاً عظيماً...
أذكرُ عندما يحسُّ بالتعب ليلة الجمعة ويصادف أن يكون الحاج ميثم كاظم في بيروت بطلب مني أن يقرأ الحاج ميثم الدعاء، ويبقى جالساً في محرابه حتى انتهاء الدعاء..
العابدُ العارف الذي مثّلت له العبادة ممارسةً عمليّة في شتى مناحي الحياة.. فيما يذكره لي الشيخ حسن بشير مدير مكتبه في بيروت أنّه عندما كان يتسلّم الحقوق الشرعية من الناس كان يردّد دائماً: "لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم... حسبي الله ونِعم الوكيل استغفر الله ربي وأتوب إليه" هنا يسأله الشيخ بشير، ولماذا الحوقلة والاستغفار، سيّدنا؟ كان يجيب: أشعر بأنّ هذه الأموال عقاربُ وأفاعٍ تلسعني إن لم تُصرف في مكانها الطبيعي وحدي المسؤول عن صرفها أمام الله..
ذابَ في الله تعالى، وكان العابدَ بحقّ، والعابدُ العابد، هو الذي لا يقدّم رِجلاً ولا يؤخّر أخرى إلاّ أن يعلم أنَّ في ذلك لله رضى.. نستمع هنا، إلى ما حدّثت به حرمه السيّدة أم عليّ أولادها السادة، تقول: ليلة عزمه على إعلان مرجعيّته، كان يبكي كما الأطفال، وكانت تحاول أن تهوّن عليه، فيجيبها بأنَّ المسؤولية أمام الله كبيرة، وبأنّ هؤلاء الناس الذين سيقلّدونه هم أمانة الله في عنقه...
لم يترك الصلاة في المسجد، كان مَنْ حوله ينصحه بالصلاة في المنزل ولكنه كان يتحامل على نفسه ويردّد ما كان صادق أهل البيت (ع) يقوله: "ما ضعف بدنٌ قويت عليه النيّة".
وفيما ذكره ولده السيد جعفر يقول: "كان لديه برنامجٌ ثابتٌ، هو صلاة الليل، يستيقظ قبل الفجر بساعة، يصلّي، ويدعو بدعاء أبي حمزة ويقرأ القرآن، ثم يصلّي الفجر، وكان من عادته أن تنهمر دموعه غزيرة وهو يدعو الله في صلاة الليل... ولطالما كان يردّد الآية الكريمة: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) وأظنّ كما يقول السيد جعفر يلاحق حتى الوهم والفكرة التي تطرأ على أفق النفس، فكان يطردها بذكر الله عزّ وجلّ..
وذكر الموسوي أن السيد (رض): حَرّم على نفسه الراحة... الراحة على الدعاة حرام.. هذا الكفر قد شحذ كلّ أسلحته ضدّ الإسلام والمسلمين، وهذه الأرض تهتزُّ من تحت أقدامنا، وهذا عالمٌ لا يحترم إلاّ الأقوياء، فلنكن الأقوياء بالعلم والثقافة والسياسة والاقتصاد وما إلى ذلك..
وترجم مقولته إلى عمل: كان ينطلق كما يحدّث سائقه الشخصي فوزي صالح، من بيروت الواحدة فجراً، يصل إلى الجنوب في الثالثة يبيت عند أحد الأصدقاء، لينطلق في صباح اليوم التالي، من قرية إلى قرية، يخطب ويعظُ ويوجّه، ويحلُّ مشاكل الناس، ثم يعود إلى بيروت في الواحدة فجراً...
ويحدّث السيد محمد الحسيني، مدير حوزة المرتضى (ع) في دمشق، كنّا ننطلق صباحاً من دمشق إلى حمص إلى حلب إلى حدود تركيا، ثم وبشكلٍ معاكس إلى درعا على الحدود الأردنية، ثم إلى دمشق، يقول السيد الحسيني، لم أسمعه شكا من التعب، بل كان عندما ينظر إلينا ويجد أنَّ التعب قد نهش كلّ مفاصلنا، كان يمازحنا ويقرأ الآية الكريمة: (قَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً).
كلّ من رافق السيّد في لبنان، في سوريا، في إيران، في باكستان، في الخليج، في الحج، في أوروبا وأميركا، يحدّث عن جهد السيّد كما لو أنّ واحداً بعينه مرافقاً له في كلّ سفراته إلى كلّ البلدان يحدّث بذلك..فهذا الحاج أبو هاشم الوزان، والسيد عبد السميع البهبهاني والسيد رضا الطبطبائي، يحدّثون بأن يوم السيّد العملي، يبدأ من لقاء إلى ندوة إلى محاضرة إلى حوار، وهكذا على مدى ساعات الليل والنهار..
أنقل لكم حادثة وهي أنّه أثناء زيارة له إلى إيران، وبعد أن بذل مجهوداً كبيراً، في اللقاءات والمحاضرات والندوات، شعر المسؤولون عن أمْن السيّد أنّه بحاجة للراحة ذهبوا به إلى منطقة بحر قزوين، حيث الجوّ اللطيف والساحر، قضى السيّد ليلة أو ليلتين هناك، قضاهما بالكتابة والبحث والقراءة، في صباح اليوم الثالث طلب من الجميع التوجّه إلى طهران، بحجة أنّنا لم نأتِ إلى النزهة بل إلى العمل...
كما ذكر السيد شفيق الموسوي عدد من الوقفات السريعة في حياة السيد (رض):
انشغالٌ دائم
كان عندما ينتقل بالسيارة من بيروت إلى دمشق أسبوعياً فإنّه كان يقضي وقت الرّحلة بالكتابة.
الفطور خيرٌ من النوم
أحياناً، ومن شدّة تواضعه وحبّه للناس، كان يُعدّ طعام الفطور بنفسه للمرافقين، يوقظهم في الصباح قائلاً لهم: "الفطور خيرٌ من النوم".
قد يذهب الدكتور عَلَم إلى الحج في العام القادم
عندما وَصَفَ بدقّة وتشويق رحلة الحج لطبيبه المسيحيّ الدكتور سليم علَم ظنَّ من حول السيد أنّ الدكتور عَلَم سيذهب إلى الحجّ في العام القادم..
مَلَّ الصبرُ من صبرِه
رغم مرضه كان لا يشكو أبداً وعندما كانوا يدخلونه إلى غرفة الأشعة لتُجرى له صورة سكانر، وكانت تستغرق حوالي الساعتين، لم تتوقف شفتاه البتّة عن ذكر الله..
أعصابٌ حديديّة
بعد ليلةٍ عنيفة من القصف في حرب تموز، وكانت ليلة الجمعة وآخر ما أفكّر فيه أنّ السيد يمكن أن يأتي لصلاة الجمعة، عند الأذان استُدعيت إلى المسجد لتنظيم مراسم الصلاة لأنّ السيّد يتهيأ للخطبة والطيران الصهيوني في الأجواء..
عزيمةٌ ما بعدها عزيمة وهو مصداقٌ للحديث الشريف: "المؤمن أعزُّ من الجبل، الجبل يُستقل منه بالمعاول، والمؤمن لا يستقلّ شيءٌ من دينه".
الثقةُ بالله
عندما كانت تضيق الأحوال المادّية بمؤسساته وحاجات الفقراء كثيرة، كان بعض المشرفين يقول لو نخفّف من الصرف سيّدنا، كان يقول: اصرفوا كلّ شيء ولتكن ثقتكم بالله كبيرة.
المستقبلُ للإسلام
يحدّث العلامة الشيخ حسين الراضي يقول: قلتُ للسيّد، إنّ المستقبل هو لفكركم سيّدنا، قال: المستقبل هو للإسلام.. لأنّ السيد (رض) كان يؤكّد على خطّ البطل وليس على بطل الخطّ.. وكثيراً ما كان يقول: "إذا كان الفكر الذي أطرحه لله، فالله يتكفّل به، وإذا لم يكن لله، فما النفع منه؟"
المسجدُ لله وليس للشيخ
حدّثني المرحوم الحاج سمير حمدون وهو كان من الذين لا يقُدمون على شيء إلاّ بعد استشارة السيّد، قال: إنّ مسجداً يُبنى، وإنّ المشرف طلب مساعدة المرحوم حمدون، ذهب لسؤال السيد وفي ظنّه أن السيد لن يشجّعه كون شيخ هذا المسجد على مسافة بعيدة من السيّد.. قال له السيّد: هذا مسجدٌ لله وليس للشيخ.. ادفع وتوكّل على الله.
المتواضعُ في محرابِ العِلْم
كان (رض) معروفاً عنه بمراجعة أهل الخبرة، فليس من ضير عنده أن يسأل بنفسه العلماء والأطباء وغيرهم، ولذا، كان الفلكي الشيخ العُجيري، يقول: لا أحد يحقُّ له أن يتكلّم بموضوع الفلك إلاّ الشيخ فضل الله، فهو الوحيد الذي يتصل به.
أَدْخِلوا الفرحَ إلى قلبه
شابٌ يريد الزواج، ويرغب بإقامة حفلة مولد، وليس من مال عنده، يلجأ إلى السيد، يتّصل السيد فوراً بالحاج محمد رمال متمنّياً عليه إقامة الحفل من دون مقابل ليسعد هذا الشاب وهكذا كان.
لا تكونوا مبذِّرين
كان عندما تنام عائلته، يتفقد البيت غرفة غرفة ليطفئ المصابيح أو اللمبات التي بقيت مشتعلة، ويردّد: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ).
احترامُ الصغار
ينقل الأخ أبو نقاء المسقطي أنَّ ولده الصغير كان يناقش السيد في أمور عقائدية أكبر من مستواه العقلي، وكان يستمع إليه السيّد ويناقشه ويحدّثه على قَدْر عقله، ويخاطبه بكلمة يا أخي...
اتركوا "نور" تسألُ ما عندها!
تُحدِّثُ السيدة أم هاشم الوزان، أنّه في أثناء زيارة عائلية للسيد، جرت فيها نقاشات وطُرحت أسئلة وكانت الصغيرة نور تريد أن تسأل السيّد سؤالاً، ولأنّ الوقت صار متأخراً منعوها من طرح سؤالها على السيّد، من دون أن يلتفت السيّد إلى ذلك.. بدأت بالبكاء، عاد السيّد على صوت بكائها، استفسر عن حالها، هدّأ من روعها وأجابها على سؤالها...
أطعموهم ولا تسألوهم عن دينِهم
الحاج أبو فيصل غضنفر والعم الحاج كاظم عبد الحسين عندما بدأت أعمالُهما الاجتماعية التبليغية في إفريقيا جاءا إلى السيّد يطلبان التوجيه والنصيحة، قال لهما: ما أوصيكما به أن تساعدا الناس وتقدّما لهم الخدمات من دون أن تسألا عن دينهم وطائفتهم، أطعموهم وكفى. أيّ روحٍ إنسانية هذه... إذا أردت كما يقول السيد أن تدخل إلى عقل إنسان، فادخل إلى قلبه أوّلاً...
أغيثوا الملهوف
الحاج جواد حمدان، ملازمٌ دائمٌ للسيّد، أُصيبت زوجته بمرض نفسي، تعب من جرّاء معالجتها، أراد طلاقها، جاء إلى السيد يستشيره، أجابه السيد بالحديث الشريف: "مَنْ أغاث ملهوفاً أعانه الله يوم القيامة"، أحجم عن ذلك ولم يطلّق.
حِفْظكم للنظام حِفْظكم لإسلامكم
كان يُرشد الشباب إلى عدم الانفعال في العمل الإسلامي، يحدّث السيد عبد السميع البهبهاني يقول: عندما كنّا في أميركا وكنّا شباباً متحمّسين، هذّب فينا الكثير من الأمور وهدّأ من فورة حماسنا، حيث كان يوجّهنا إلى أن تكون قوّتنا في عقولنا وأفكارنا لا في تهوّرنا. ولأنّه كان يحرص على الوحدة الإسلامية كان ينصحنا بعدم إقامة تجمّع شيعي، بل بإقامة تجمّع ينضوي تحت لوائه الطلبة المسلمون من الشيعة والسنّة.
لطالب عِلْم الدين: "إيّاك وأن تفتح دكاناً"
كان يؤكّد على طالب العلم الديني أن يكون مشروعَ قائد رساليّ وألاّ تكون العمامة مدخلاً لفتح دكان للبيع والشراء.
أَقْرأُ 200 كتاب يومياً
كان يُسألُ كم كتاباً تقرأ؟ كان يقول: أقرأ مائتي كتاب يوميّاً، فأنا ألتقي يومياً بحوالي 200 إنسان أتعلّم من خلالهم الشيء الكثير، حتى أنّني أتعلّم من الأطفال.
ضوءُ الشموع و"الحوار في القرآن"
في حرب لبنان عام 1975، وكان محاصراً مع مجموعة صغيرة من الناس في حسينية النبعة، حيث رفض الخروج إلاّ إذا خرجوا إلى بيروت الغربية، كان يكتب تحت القصف وعلى ضوء الشمعة، كتابه (الحوار في القرآن).
تذكّروا حوائج الناس
عندما تضغط ظروف العمل على بعض الإخوة، يأتون إليه طالبين النصيحة، كان يقول: "من نِعَم الله عليكم حاجة الناس إليكم". وكان يركّز على كلّ واحد: إجعل من نفسك حاجة للآخرين..
"وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً"
أثناء إحدى زياراته إلى قمّ المقدّسة، وخلال لقاءٍ علمائي كان السيد يتحدّث فيهم، دخل أحد المعمّمين وصار يكيل التهم للسيد من دون سبب سوى الحسد: كان رابط الجأش، كاظم الغيظ، أجابه بالآية القرآنية: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).
بعد لقائك به... ستكون أفضل
السفيرة البريطانية في بيروت، كانت لها لقاءات فكريّة وسياسية مع السيد: كانت تقول دوماً: "كلّما خرجت من عند السيّد فضل الله كلّما شعرت بنفسك أنّك أصبحت أفضل".
بعد لقائك به.. ستكون أفضل
وتنقل زوجة السيد (رض) أنه كان كثير البكاء في الدعاء والمناجاة في ليلة إعلان مرجعيته بسبب المسؤولية الكبيرة التي حملها على عاتقه.
وختم الموسوي بالإشارة إلى أن السيد (رض): كان مرشداً للشباب، يجالسهم ويسمع منهم، ويمدهم بالعلم والمعرفة، ولم يكن محباً للسفر إلا لإقامة الدروس والمحاضرات والندوات، وكان حريصاً أشد الحرص على تزويد هذه الفئة من المجتمع بما ينفعهم ويرشدهم.
أ. إيمان شمس الدين:
لقد أثبتت الأيام أن السيد فضل الله حقق كثيرا من أمنيات الشهيد الصدر
من ناحيتها قالت الأستاذة/ إيمان شمس الدين (الكاتبة الإسلامية من الكويت) : لقد أثبتت الأيام كيف أن السيد فضل الله (رض) حقق كثيرا من أمنيات السيد الشهيد الصدر (رض) خاصة تلك المتعلقة بالحوزة والمرجعية والاجتهاد وآلياته والفقه ودوره في الحياة.
وتضيف شمس الدين: ولكي نعرف ونقف على معالم رؤية السيد فضل الله (رض)، علينا بداية أن ننظر لمنهجه في بناءاته الفكرية والنصية والآليات التي اعتمدها السيد (رض) بشكل عام وانعكس ذلك على رؤيته للمرأة في كل جوانبها على مستوى: الذات والأسرة والمجتمع.
إن المسألة عند السيد فضل الله ليست موضوع المرأة بذاتها، بل هي مسألة منهج وأدوات وآليات اجتهاد اعتمدها كرؤية عامة تجاه الموضوعات كافة وقد نلخص هذا المنهج في نقاط أبرزها:
- جعل المرجعية المعرفية في فهم النصوص والتراث للقرآن الكريم. وفي ذلك يقول: «إنّنا كمسلمين نرى الحقيقة في كتاب الله من خلال أنّه النصّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فليس هنالك شكٌ في أنَّ القرآن كتاب الله».
- عدم تقديس السلف وتراثهم وإخضاع كل الآراء والنصوص للتثوير العلمي والمنهجي وفق الدليل العقلي القطعي والنصي والبرهان. ويقول في ذلك: «كلمات القرآن تبقى خاضعة لاجتهاد المفسّرين والعلماء، مما لا يسمح لنا بالتوقّف عند ما اجتهد به العلماء وما فسَّر به المفسّرون القرآن باعتباره الحقيقة الكاملة، فقد نستطيع أنْ نكتشف كثيرًا من الأخطاء في هذا التراث... إنّنا نعتقد أنَّ كلّ ما جاءنا من تراث فقهي وكلامي وفلسفي هو نتاج المجتهدين والفقهاء والفلاسفة والمفكّرين، من خلال معطياتهم الفكريّة، ولا يمثّل الحقيقة إلاّ بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة على أساس ما نملكه من مقاييس الحقيقة، وبهذا فإنّنا نعتقد أنَّ كل الفكر الإسلاميّ- ما عدا الحقائق الإسلاميّة البديهيّة- هو فكر بشريّ، وليس فكرًا إلهيًّا، وقد يخطئ البشر في ما يفهمونه من كلام الله عز وجل وكلام رسول الله (ص) وقد يُصيبون». وهو بهذا الكلام يفرّق بين الدين الثابت (النصّ المقدّس والسنّة الصحيحة) وبين معرفة الدين وفهمه البشريّين.
الشيخ محمد المحفوظ:
السيد فضل الله كان نموذجاً معاصراً للإصلاح الشامل
من جهته، أكد الشيخ محمد المحفوظ (الباحث الإسلامي) : أن المقومات الثقافية والفكرية هي مشروع أية أمة، مشيراً إلى أن علماء الاجتماع والتاريخ اتفقوا على أن الفكرة الدينية رافقت الحضارات والتي ترجمت الواقع الانساني لبناء حضاري، وعليه برزت المفارقات بين ما هو كائن وما يكون خاصة في المنهج الاسلامي كمبدأ والعقيدة كعمل مع بروز بعض المظاهر ضد الدين.
وأشار الشيح المحفوظ: إلى ظاهرتين في هذا المجال الأولى ظاهرة المصلح الجزئي والثانية ظاهرة التجارب الاصلاحية الشاملة، اي أن المصلح أو المرجع يعمل على توثيق النهضة الشاملة، موضحاً بأن السيد فضل الله (رض) كان نموذجاً معاصراً للإصلاح الشامل، حيث صاغ الرؤية الاسلامية الشاملة المتكاملة، بل حوّل مشروعه النظري إلى واقع عملي، كما في احياء الدور العبادي، وكذلك في إحياء قيم الاسلام وازالة الركام التاريخي عنه، والعمل على بناء نخبة دينية واعية.
وخلص المحفوظ إلى أن: السيد (رض) كان مشروع ذا حراك اجتماعي وديني وسياسي لا يتوقف أو يستكن أو يخلد إلى الراحة، وعلى هذا الأساس هو منهج حياة ومشروع حضارة، علينا جميعاً أن ننهل من تلك الحضارة، والتي تمتعت بشموليتها عند السيد (رض).
أ. ليلى المحميد:
لم يعرف السيد فضل الله طعم الراحة إلا في العبادة
أما الأستاذة/ ليلى المحميد (ناشطة إسلامية من الكويت) فقالت: حمل السيد (رض) من روح رسول الله (ص) ومن رسالته كما حمل نسبه المبارك فكان ومازال له حضور قوي في عقولنا ووجداننا وتفاصيل حياتنا فلا تزال ارشاداته تتمثل أمامنا في كل مفترق طريق، علاوة على استشاراته التي كانت متواجدة في كل مكان وزمان، حيث أن السيد (رض) كان الأب الروحي لأغلب الإسلاميين في الساحة.
وأكدت المحميد: أن السيد (رض) أخلص للرسالة وأعطاها كل وجوده وسخر لها كل طاقاته وجسد عالمية الإسلام فكراً وموقفاً، وتجاوز عطاءه للإسلام حدود المكان والزمان فشجرته المباركة سوف تؤتي أكلها كل حين.
وأضافت المحميد: بأن السيد (رض) كان مثالاً حياً في الجهاد حيث كان مستمراً في عطائه ولم يعرف طعم الراحة إلا في العبادة.
وقالت المحميد: بأن السيد كان دائم الارشاد والتوجيه والنصح للتصدي للصراعات وترك الخلافات فقد كان يقول: "حذار من أن تنطلق حركة إسلامية لتهاجم حركة إسلامية أخرى لمجرد أن هناك خلافاً في بعض تفاصيل الأسلوب وبعض تفاصيل المنهج، لا وقت لنا أن نختلف مع بعضنا، لا فرصة لنا لأن نختلف مع بعضنا، لا يجوز لنا أن نختلف مع بعضنا".
وكانت هناك مشاركة شعرية للدكتور/ عبد الله بهبهاني
من الكويت فرثى السيد (رض) بخمسين بيتاً:
يا أيها الفيض الالهي الذي ذكر له في الخافقين جميلُ
أسست بالسعي الدؤوب مبرة ورعيت أيتاما فأنت كفيلُ
ولكم أياد بيض قل نظيرها في العالمين و ما لهن مثيلُ
ان ابن عباد لحقا صادق لو كان يقصد مثلكم فيقولُ
( لو كان عمرك الف عام كامل ما كان حقا أن يقال طويلُ)
وفي الختام كان فقرة الأوبريت الإنشادي الذي كان بمشاركة
المنشدين الإسلاميين: أسامة الهمداني، جعفر الدرازي،
علي عسكر، محمد رمال.
لقطات من البرنامج :
- تضمن البرنامج فلاشات رسالية متعددة لسماحة السيد (رض) .
- قامت اللجنة المنظمة بتجهيز مكان إقامة البرنامج بالوسائل الإعلامية التي تبرز رسالة الإسلام الحركي الذي دعا إليه سماحة السيد (رض) .
- أقامت اللجنة المنظمة معرضاً إعلامياً بعنوان "الفقيه الإنسان" حيث تضمن لوحات فكرية مدعمة بالصور تحكي مسيرة سماحة السيد (رض)، كما تم عرض بعض اصدارات السيد (رض)، ووفرت اللجنة المنظمة العديد من الاسطوانات الصوتية والمرئية لسماحة السيد (رض) .
- وزعت اللجنة المنظمة بعض المطبوعات الإعلامية وكتيب "أيها الأحبة".
- شارك أخوة من القطيف وعُمَان في البرنامج التأبيني.
- اعتذر الإعلامي الأستاذ/ غسان بن جدو عن الحضور لوعكة صحية حادة ألمت به.
ونسألكم الدعاء والزيارة
وسامحونا على التقصير