السيّد والشّباب
من جملة المواضيع التي تحدّث عنها المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(ره)، وبرز اهتمامه البالغ بها، كانت مسألة "الشّباب"، وكيفيّة النّظر إلى هذه الشّريحة، أو الفئة الاجتماعيّة، التي يرتكز عليها بشكل رئيسي وأساسي في بناء أيّ مجتمع من المجتمعات، ولأنّ للشّباب دوراً كبيراً في المجالات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة والتربويّة والجهاديّة وغيرها، أولاهم سماحته اهتماماً مميّزاً، برز من خلال الحوارات والنّقاشات والخطب والمقابلات والكتابات.
بدايةً، أبرز السيِّد ضرورة الاهتمام بـ "الأحداث"، وذلك من خلال مقولاته وطروحاته، حيث كان يركِّز على الوصيَّة الّتي يوصى بها الآباء والمربّون، والّتي مفادها: "عليك بالأحداث، فإنّهم أسرع إلى كلِّ خير"، وهو يعتبر أنَّ المهمّة الملقاة على عاتق الأهل تبدأ بالأحداث الصّغار، الّذين يكونون في سنّ الصّفاء والطّهر والعطاء، دون منّةٍ أو تصنّعٍ أو رياء، وهم كالعجينة الطريّة، التي يمكن أن نحرّكها كما نشاء.
ولأنَّ عنصر الشَّباب هو عماد المستقبل، وعليه تبنى المجتمعات وتتطوَّر، فإنَّ سماحته أولى هذه الفئة رعايةً خاصّةً ومميّزة، وكان يرى أنّ المسؤوليَّة في الرّعاية والتّوجيه والتّربية والإرشاد تقع على عاتق أكثر من جهة، وخصوصاً البيت والمدرسة والبيئة والأصدقاء، والمرشد والموجِّه الاجتماعي، ورجل الدّين.
أولى المرجع فضل الله فئة الشباب رعايةً خاصّةً ومميّزة، وكان يرى أنّ المسؤولية في الرّعاية والتّوجيه والتّربية والإرشاد تقع على عاتق أكثر من جهة..
مسؤوليّة بناء الشّباب
ركّز السيِّد فضل الله(ره) على فترة المراهقة، لأنَّها الفترة التي تتّسم بالقلق والحيرة والاضطراب والاكتئاب، والانحراف في بعض الأحيان، وتغيّر السّلوك العامّ والخاصّ.
وكان سماحته يهتمّ بموضوع الشّباب من عدّة مواقع: موقع الأبوّة، والبنوّة، والرّسالة والصّداقة، وكان يرى أنّ المسؤوليَّة في بناء الشّباب هي مسؤوليّة مشتركة.
كان يؤكّد أهميّة الكلمة؛ الكلمة الطيّبة، أصلها في الأرض وفرعها في السّماء؛ الكلمة التي يكون الهدف منها الإرشاد والوعظ والنّصيحة، وهي تفعل فعلها، فإن كانت سيّئةً تؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه، وإن كانت صادقةً نابعةً من منبعٍ إيمانيّ قرآنيّ، معتمدةً على مسألتين أساسيّتين هي العقل والعاطفة، فإنّ تأثيراتها الإيجابيَّة تكون بارزةً وواضحة.
وكان السيِّد يركّز على مسألة الاقتداء، وهنا يمكن للإنسان أن يقتدي بنفسه، بحيث يراقب أعماله وتصرّفاته، فيحاول تكريس الإيجابيَّات وتطويرها، والاستفادة من السّلبيّات وأخذ العبر منها، وكذلك الاقتداء بالآخرين، وخصوصاً أولئك الذين يتّصفون بالصّفات الحميدة والإيمانيَّة السّليمة الهادفة.
في موضوع الطّاعة، يؤكِّد سماحته مسألة إسلاميّة تربويّة، تجسّدت بالطّاعة المطلقة لله عزّ وجلّ، في كلّ ما أمر به أو نهى عنه، وبرز ذلك بوضوح مع بعض الأنبياء، كالنّبي إبراهيم الخليل(ع)، الّذي أطاع ربّه في موضوع ابنه إسماعيل، وأبرز أمثلةً عديدةً أخرى في هذا المجال، تتعلّق بطاعة الرّسول وأهل بيته، والوالدين، فأعطى السيِّد للمسألة بعداً إيمانيّاً مميّزاً، كما أنّه أعطاها بعداً آخر، تمثَّل بتعلّم الإنسان كيف يقتل عاطفته وأحاسيسه بالعطف والحنان والمحبَّة والأبوَّة، أمام تنفيذ أوامر الله عزّ وجلّ، وهنا، تبرز مسألة التّضحية بالنّفس أو بالولد أو بالمال في سيبل العقيدة والمبدأ.
لقد رأى السيِّد فضل الله(ره) وجوب ألا يكون البناء المنزليّ متصدّعاً من الدّاخل، يعني أن يحاول الأب جاهداً منع أبنائه من الانحراف ـ والأمر طبعاً موجّه إلى الأمّ فيما يتعلّق ببناتها وأبنائها ـ وألا يستسلم لهم في ممارسة الأمور الشّاذّة، وأن يضع لهم حدوداً واضحةً حيال كلّ الممارسات والتّصرّفات.
ركّز السيّد فضل الله(ره) على فترة المراهقة، لأنّها الفترة التي تتّسم بالقلق والحيرة والاضطراب والاكتئاب، والانحراف في بعض الأحيان، وتغيّر السّلوك العام والخاص
التَّحصين الإيمانيّ والأخلاقيّ
كان يؤكِّد ضرورة تحصين الشَّباب أمام الإغراءات اللاأخلاقيَّة، والشَّواذات التي تودي بهم إلى الهلاك، وهو يأخذ من قصَّة النّبيّ يوسف(ع) عبرةً ودليلاً واضحاً، وكيف أنَّ كلَّ الإغراءات التي مورست معه، وكلَّ الضّغوطات التي فرضت عليه، لم تنفع في ثنيه عن إيمانه وطريقه القويم، وطاعته لأوامر ربّه، وهو لم ينجذب إلى امرأةٍ خارقة الجمال، استعملت معه كلَّ وسائل التَّرغيب والتَّرهيب، بل إنَّ المناعة الإيمانيّة والأخلاقيّة منعته من ارتكاب المعصية والمنكر والحرام.
البيئة والصّداقة
في موضوع الصَّداقة والبيئة، فإنَّ السيِّد رأى أنَّ على الشَّباب المؤمنين أن يختاروا أمثالهم في الإيمان والصِّدق والسّلوك الحسن ليتَّخذوهم أصدقاء لهم، وشبَّه هؤلاء بالنّبتة، الّتي إن وضعتها في جوٍّ ملائم، فإنَّها تنمو وتكبر وتعطي أكلها، والعكس صحيح. ومن هنا، فإنَّه ركَّز على دور الصّاحب والصّديق، وحذّر من أصدقاء السّوء، وتحدَّث عن حقوق الصّداقة، وخصوصاً في أوقات الضّيق وفي الأسفار وغيرها...
ونبّه السيِّد من خطورة أن يتأثّر الشباب عاطفيّاً بخطٍّ ما، أو نهجٍ ما، دون فهم أو إدراك صحيح وسليم، حيث ركّز على المعرفة الحقيقيّة أولاً، تمهيداً للالتزام بأيّ فكر أو عقيدة.
هذا وقد وجّه السيّد كلامه إلى الشّباب بوجوب الصّلاة، لأنّها عمود الدّين، ولأنّها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وإن قبلت قبل ما سواها، وإن ردَّت ردّ ما سواها.
لقد ركَّز على وجوب ألا ينعزل الشّباب عن مجتمعهم وبيئتهم، واعتبر أنَّ أيّ تغييرٍ في وضع المجتمع، لا يمكن أن يتمّ ويحصل إلا بالتصاق الشّباب بمجتمعهم.
كما دعا الشّباب إلى ضرورة تجسيد مفاهيم القرآن تجسيداً فعليّاً وعملياً، وخصوصاً فيما يتعلّق بالمفاهيم العقيديّة، العباديّة، الأخلاقيّة والحركيّة، وهذا يعني انفتاح الشّباب على القرآن الكريم، وفهمه فهماً صحيحاً، وتطبيق ما فيه تطبيقاً عمليّاً.
يرى السيّد أنّ مرحلة الشّباب هي المرحلة الحركيّة التي يبحث فيها الشّاب عن هدف يتجّه إليه، وعن مجتمع يرتبط به، ومن حق الشّباب اختيار الخطّ السّياسي الذي يرونه مناسباً لهم
مرحلة المراهقة وتحدّياتها
يتطرَّق السيِّد إلى مسألة المراهقة من وجهة نظرٍ إسلاميَّة، ويعتبر أنَّ هذه المسألة هي حالة طبيعيَّة في الإنسان، ترتبط بعمليّة النّموّ الجسديّ، وتطوّره وتفاعلاته، وهذه العمليّة تعبّر عن حالة الشّعور بالوجود والاستقلاليّة، ومحاولات التّمرّد على الواقع، وفقدان التّوازن في بعض الأحيان، ويؤكِّد أنَّ الإسلام دعا إلى رعاية المراهقين، وتوجيههم وتعليمهم وإرشادهم، وعدم استعمال القسوة والعنف معهم، ومحاولة إبعادهم عن أيّ انحرافٍ سلوكيّ أو شذوذٍ جنسيّ.
وإنّ التّوجيه، يكون، في رأيه، روحيّاً وفكريّاً واجتماعيّاً، وهنا يبرز دور الدّين، على اعتبار أنّه يمثّل حصانة رئيسيّة للشّباب، وخصوصاً في هذه السّنّ الخطيرة، فالدّين يمنعهم من الانزلاق في مخاطر واهية. وأكّد سماحته مسألة التّربية الجنسيَّة، حتّى لا يكون هناك تعقيدات لدى الشّباب أو الفتيات، ويتمّ ذلك عبر رجال الدّين، الأهل، المدرسة، الكتب والمجلات العلميَّة، ومعرفة الأحكام الشَّرعيَّة معرفة حقيقيَّة.
لقد وجَّه السيِّد النّشء إلى مسألة الزّواج الشّرعيّ، وبشكلٍ مبكر، حتَّى لا يقع الشّباب في المحرَّمات، وأكَّد بالنّسبة إلى مسألة الحبّ بين الشّباب والفتاة، أنّ هذه المسألة هي إنسانيّة، حيث يرتبط الإنسان عاطفيّاً مع إنسانة، تجعله يحسّ وإيّاها بإحساس مشترك، ويكون الحبّ بهذا المستوى مظهراً إيمانيّاً، والمهمّ هنا ألا تتغلَّب الغريزة على العقل في علاقة الحبّ هذه، ويجب أن يبقى الحبّ عذريّاً، إلى أن ينتهي بالزّواج.
وصايا وحلول
لقد طرح سماحة السيِّد حلولاً لمشاكل عديدة، مثل: الانحراف والشّذوذ الجنسي، الموقف بين التّربية الجنسيَّة والعلوم الجنسيَّة، الموقف من الأفلام، ضرورة التَّوازن في حياة الشّباب، فلا جنوح إلى اللّهو والعبث وعدم تحمّل المسؤوليَّة، ولا تطرّف في ممارسة الأجواء الروحيّة والعباديّة.
وفي موضوع العلاقات داخل العائلة، نبَّه سماحته إلى خطورة التَّمييز في تعامل الأهل مع أولادهم، كما نبَّه إلى ضرورة عدم ممارسة العنف مع الشَّباب، بسبب المردود السلبيّ لهكذا تصرّف، وتحدَّث عن هجرة الشَّباب إلى الخارج من منظورٍ إسلاميّ واجتماعيّ، وعن ضرورة صيانة المغتربين لأنفسهم في بلاد الاغتراب. وفي أكثر من مقابلة لسماحته، كان يوجّه كلامه إلى المغتربين، في ضرورة احترام قوانين البلاد الّتي تستضيفهم، واحترام تقاليد تلك الشّعوب وعاداتها.
حول الانتماء السياسيّ للشّباب، فإنّ السيِّد يرى أنّ مرحلة الشّباب هي المرحلة الحركيّة التي يبحث فيها الشّاب عن هدف يتجّه إليه، وعن مجتمع يرتبط به، ومن حق الشّباب اختيار الخطّ السّياسي الذي يرونه مناسباً لهم، لكن قبل ذلك، عليهم أن يدقّقوا كثيراً في خصوصيات الاتجاهات السّياسيّة، الخفيّة والمعلنة، حتّى يمكنهم الاطمئنان إلى أنّ طاقاتهم لا تتحرّك في فراغ، وأنّها لا تستغلّ من قبل آخرين للوصول إلى طموحاتهم الخاصة وأهدافهم الشّخصيّة.
من هنا، كان السيّد يوصي الشّباب بالدّقة في دراسة الأمور ومقاربة القضايا، وبالوعي والتّنبه لكلّ أبعاد الواقع السّياسي.
أخيراً وليس آخراً، فإنّ سماحة السيِّد طرح مشاكل عديدة يعاني منها الشّباب، والحلول المناسبة لها، وخصوصاً تلك التي تدور في خلدهم، مثل:
النّظرة المحرّمة في الإسلام، الزّواج المؤقت، تعدّد الزّوجات، الزّواج المبكر، التّدخين والمحرّمات الخطرة، مسألة حلق اللّحية، مصافحة الجنس الآخر، الطّهارة، الشّطرنج والدومينو والموسيقى والغناء، الأبراج، قراءة الحظّ والسّحر، وغير ذلك من الأمور التي تهمّ الشّباب، وكذلك الصّبايا في المجتمع، ويمكن الاطّلاع على الحلول التي طرحها سماحة السيّد لهذه الأمور كافّةً، من خلال فتاويه وكتبه، والمقابلات الّتي أجريت معه كما أسلفنا. والله وليّ التّوفيق.
- راجع حول هذا الموضوع: أحمد أحمد، عادل القاضي: " دنيا الشّباب " دار الملاك، بيروت.
التاريخ: 22 رمضان 1432 هـ الموافق: 22/08/2011 م
د. مصطفى بزّي