في أثناء الحرب الباردة التي اصطنعها المعسكر الشرقي و المعسكر الغربي ، كان هناك ترابط وثيق و اتصالات دؤوبة بين أجهزة المخابرات لكلا المعسكرين. و حدث أن اكتشفت المخابرات السوفييتية وجود جاسوس داخل مؤسسات الحزب الشيوعي لإحدى دول أوربا الشرقية ( أظنها هنغاريا ) من الذين يحتلون منصبا ًإدارياً عالياً في مرافق الدولة ، فقاموا بإبلاغ رفقائهم في المخابرات الهنغارية بأن الرفيق "مارانوفيتش" يعمل لصالح المخابرات الأميركية و عنده حساب في بنك سويسري و فيه أموال طائلة ، و لكنهم لا يعرفون كيف يقوم بتهريب المعلومات و بأي طريقة. فأصيب الهنغاريون بالذهول .. و قالوا لهم أن الرفيق "مارانوفيتش" من أخلص الرفاق و أكثرهم عملاً و هو يشغل منصبه هذا منذ خمسة عشر عاماً و لا يمكن أن يكون متورطاً لمصالح دولة أجنبية ، لكن الروس أصروا على موقفهم و قالوا لهم : نقول لكم أنه عميل و هذه أمواله .. فهل أنتم من يعطيه هذه الأموال ؟ فقال الهنغاريون سنعمل على مراقبته إذن.
و شرعوا في ذلك .. أجهزة تنصت ، و تصوير ، و مراقبة الرسائل ، و التحركات على مدار 24 ساعة .. و لمدة ستة أشهر .. و لكنهم لم يكتشفوا الطريقة التي يتصل بها الرفيق "مارانوفيتش" بالمخابرات الخارجية و لم يشهدوا عليه أي تصرف مريب. فعادوا إلى رفقائهم الروس و أخبروهم بأن الرفيق "مارانوفيتش" نظيف جدا ًو مخلص جداً و غير مريب. لكن الروس أصروا على موقفهم و قالوا لهم إما أن تقوموا بدوركم أو نقوم نحن به. فاضطر الهنغاريون إلى استخدام أسلوب آخر ، و هو اسلوب المواجهة.
فاحضروا الرفيق "مارانوفيتش" و قالوا له: لقد تم الكشف عنك و عن دورك في التجسس لصالح المخابرات الأميركية ، و هذا رقم حسابك في بنك سويسرا و هذا المبلغ الذي لك فيه و اللعبة انتهت حتى هذا الحد ، و أنت أمام خيارين .. إما أن تعترف بصورة كاملة عن دورك و عندها سنبقيك في موقعك لستة أشهر أخرى ، نحيلك بعدها على التقاعد و لكنك تبقى في البلد و لن تغادره و نأتي لك بأموالك من سويسرا ، أو ترفض الإعتراف .. و عندها سنقطعك إرباً إربا ! فاختر لنفسك ! فابتلع الطعم و قرر الإعتراف .. لأنه كان جاسوساً فعلاً.
فاعترف بأنه فعلاً كان يعمل لصالح المخابرات الغربية .. فقالوا له : كيف كنت تهرب المعلومات إليهم ؟
و هنا بيت القصيد ..
فقال: لم يكن دوري أن أمرر أية معلومات .. فلم تعد هناك أسرار خافية تحتاج إلى تهريب و الأمور كلها مكشوفة و واضحة.
فقالوا له: فما كنت تفعل إذا؟
فقال: دوري في هذا المنصب الإداري الذي أتحكم فيه في عمليات التوظيف و إسناد الأدوار في مرافق الدولة هو أن أحرص على أن لا يتولى أي شخص ذكي أو مثابر أي مركز قيادي أو إداري تنموي من ضمن قائمة المرشحين لتولي ذلك المنصب! يعني بصراحة هي عملية قتل لبوادر الإبداع و التنمية في مهدها ، وبذلك يبقى البلد متأخرا!
فقالوا له : و كم من هؤلاء "الحمير" وضعت لنا في مرافق الولة؟
فقال لهم: أمضيت خمسة عشر عاماً على هذا المنوال .. و لكم أن تقدروا بعد ذلك !
----------------------
"مارانوفيتش" هذا ليس حالة فردية نادرة ، و هذه الحادثة تعكس جانباً من التخطيط الستراتيجي للمؤسسة الغربية التي تحرص – و مصلحتها تحتم عليها ذلك – على أن تبقى غرمائها في بؤرة التخلف ..
و لنا أن نسأل : كم من "مارانوفيتش" هذا عندنا يؤدي دوره بالضبط ؟
و كم هي درجة الإختراق ، طولا و عرضاً ، التي وصل إليها المخطط الغربي في مؤسساتنا الدينية و الحاكمة و كل بؤر الهيمنة على العقل و الطاقات العربية ؟
هل هذا يفسر تفشي ظاهرة الإستحمار .. و وصول جيل من الحمير إلى مراكز القيادة و القرار و التأثير العاطفي و النفسي ... و الديني .. بمباركة "مارانوفيتش" ؟