البصرة اول مدرسة في النحو
الاستاذ حسين مزهر السعد
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
تذكر المصادر إن أول من وضع النحو هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( صلوات الله وسلامه عليه ) إذ علمه لأحد أصحابه من أهل البصرة وهو أبو الأسود الدؤلي .
يذكر الانباري في نزهة الألباب ص13 عن أبي الأسود قوله : « دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فرايته مطرقاً مفكراً فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين ؟ فقال: إني سمعت في بلدكم هذا لحنا فأردت أن أضعه كتابا في أصول العربية، فقلت : إن فعلت هذا أجمعتنا وبقيت فينا هذه اللغة، ثم أتيته بعد أيام، فألقى إلي صحيفة فيها
بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله اسم وفعل وحرف فالاسم ما أنبا عن مسمى ، والفعل ما أنبا عن حركة المسمى، والحرف ما أنبا عن معنى ليس باسم ولا فعل ، ثم قال لي : تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، واعلم يا أبا الأسود إن الأشياء ثلاثة ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ، قال أبو الأسود، فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها إن وان وليت ولعل وكان ولم اذكر لكن ، فقال لي : لم تركتها فقلت لم احسبها منها ، فقال بل هي منها فزدها فيها » ،
وقد رواها القفطي أيضا في أنباه الرواة 1 \4 وغيره كثير ، إذن فعند
أبي الأسود نمت تلك البذرة التي غرست في الأرض البصرية، حتى غدة شجرة أينعت ثمارها في العديد من علماء النحو الأفذاذ
أمثال عبد الله بن أبي اسحق الحضرمي ـ وهو أول من بعّج النحو ومدّ القياس
ـ وعيسى بن عمر ويونس بن حبيب وأبي عمرو بن العلاء
وأخيرا تلميذه الخليل بن احمد الفراهيدي.
ولقد كان لهؤلاء العلماء الفضل الكبير في إرسال دعائم ذلك العلم ونشره عن طريق الدروس والحلقات التي كانوا يلقونها في
البصرة ومسجدها ، لكن الملاحظ على مرحلة النشأة تلك بدءاً من العلماء الأفذاذ الذين ذكرناهم ووصولاً
للخليل إن هذه المرحلة من حياة النحو لم تكن خالصة له ، وبتعبير أدق ، إن هؤلاء العلماء لم يتجهوا إلى التخصص في علم النحو بصورة كاملة على الرغم من إسهاماتهم في التأصيل والتقعيد له .
إذ كثيراًُ ما كان يمتزج النحو بعلوم أخرى كانوا قد برعوا فيها وأبدعوا فمنهم من كان عالماً بالقراءات القرآنية كعيسى بن عمر وصاحب قراءة كابي عمرو بن العلاء، ومنهم من كان بارعاً في لغات العرب وقد جمعها في معجم عد أول معاجم اللغة في العربية وهو العين للخليل الفراهيدي، فضلا عن براعته في اكتشاف علم العروض وبحور الشعر العربي ، كل ذلك إلى جانب علم النحو.
والملاحظة الأخرى التي يمكن أن نسجلها حول علم النحو في تلك المرحلة، أنها لم تشهد حركة في التأليف في ذلك العلم فلا نجد كتاباً تخصص في علم النحو قد ألف في تلك المرحلة كتاباً يحيط بكل جوانب ذلك العلم ويضم كل أبوابه ومسائله.
وان كان قد روي إن عيسى بن عمر كان له كتابان هما ( الإكمال والجامع ) إلا أنهما لم يصلا إلينا وبالتالي فلا يمكننا التحقق من كونهما قد تخصصا في النحو، فلربما كان فيهما بعض من مسائل النحو على شاكلة كتاب العين للخليل الذي أورد فيه عددا من مسائل النحو وتعليلاته لها وعلى كل حال لم تكن تلك المرحلة تمثل باكورة نشوء مدرسة نحوية .
أما بواكير النشأة فقد بدأت حينما لاح في الأفق نجم سيبويه ( عمرو بن عثمان بن قنبر ) ـ احد ابرز تلامذة الخليل وأقربهم منه وأوعاهم لعلمه وابرعهم في ذلك العلم ـ وعلى يديه بدا عهد التخصص في علم النحو فكان سيبويه أول من تخصص فيه وكرس كل عمره له ، ثم بدا يؤسس لتلك المدرسة ويبني أركانها معتمداً على أصول النحو العريقة التي تمتد من الخليل صعوداً إلى مشاهير ذلك العلم وبعدما تمثل كل تلك الجهود أفرغها في مؤلفه الكبير والشهير وهو ( الكتاب ) فكان أول تأليف تخصص في النحو وأحاط بكل أبوابه ومسائله ، ولقد أحدث ذلك الكتاب الذي أخرجه تلميذ سيبويه المقرب له ( الاخفش الأوسط ) وبعد وفاة سيبوية أحدث ذلك الكتاب ضجة كبرى في الأوساط العلمية فطار صيته في البلاد الإسلامية كونه أول كتاب يضم في طياته أدق التفاصيل واضبطها تحليلاً وتعليلاً وترتيباً واحاطة في علم النحو فضلاً عن انه حوى اغلب آراء
علماء النحو الأفذاذ
كعيسى بن عمر
ويونس بن حبيب
وأبي عمرو بن علاء
والخليل،
فكان الكتاب جامعاً لكل مسائل النحو وآراء علمائه العظام، ولهذا كان محل عناية كل علماء النحو ممن عاصر سيبوية أو من جاء بعده
وأصبح المرجع الأوحد لكل دارسي النحو
بعد سيبوية حتى وصف قارئ الكتاب براكب البحر أعظاما لشانه .
أما دور الكتاب في تلك المرحلة فكان يمثل الدستور الذي وضعه
سيبوية لمدرسته التي أسسها ، والمرجع لكل منتم إلى مذهبه لأنه قد وضع فيه الأصول والقواعد العامة لمذهبه النحوي والسمات البارزة لمنهجه ومدرسته في النحو .
وبهذا نستطيع القول أن
سيبوبه كان يمثل وبكل جدارة مرحلة جديدة من مراحل النحو في البصرة هي مرحلة التأسيس والتنظير لمدرسة جديدة لها أصولها العريقة ومنهاجها في الطرح وقد بدأت أولا باستقطاب طلبتها نحو التخصيص في النحو ثم اعتماد الدستور الذي وضعه سيبويه والسير على نهجه فنبغ من
تلامذته المباشرين
الاخفش الأوسط سعيد بن مسعدة
وقطرب النحوي،
وابن شرشير الناشئ
ثم على أيدي هؤلاء تتلمذ العديد من نوابغ ذلك العلم كالمازني
وأبي عمر ألجرمي
والفراء
والمبرد
وابن السراج
وأبي علي الفارسي
وابن جني
وغيرهم الكثير، وكلهم ينتمون لمدرسة النحو البصري التي أسسها سيبويه وينهلون من دستوره ( الكتاب ) وينهجون نهجه حتى وصفوا في كتب النحو بالبصريين نسبة لمدرسة البصرة .