زفرات هاربة من قفص ذكريات سجين/1
يلح الكثير من الاخوة بكتابة بعض من ذكريات ومشاهدات من خلف قضبان السجون ، من بين عفونة جدران الامن العامة ، من خلف جدران بيت سمير غلام الذي تحول الى مديرية امن تُرتًّل فيه ايات الرعب بدل ايات الرحمة الربّانية ، ذكريات تحمل عبق الحقيقة المغموسة بدم الطفل الذي نزف حتى الموت ، مغموسة بدم البنت التي فقدت بكارتها ، دفعت رمز عفتها لتحافظ على عفة غيرها ، مغموسة باحلام الشاب
الذي سالت منه حتى الموت احلام بعراق وردي اللون بلا اغلال ، احلام بحبيبة يهمس باذنيها بلا خوف من جاسوس الامن . والقائمة تطول ، يعتبون يقولون ان هذه الذكريات ليس ملك لنا بل ملك التاريخ التي ستضيع ان لم تأرخ ومع تقادم الجريمة سيغطيها تراب النسيان ، ثم لابد ان نفضح الجلاد فلا زال الكثيرون يعتقدون انه بطل العروبة ورمزها حامي شرف العربيات فكيف بالحرائر الماجدات العراقيات كما يسميهن ، نعرف هذا ، لم نغفل لكن نعرف ان لهذه الذكريات شواهد وابطال لازالوا في قبضة الجلاد ، وان موّهنا عن الحقيقة بعموميات بلا شواهد حسية وارقام شاخصة فقدت قدرتها على تحريك الضمائر فقدت لونها وطعمها ، لكن رغم ذلك رشح شيء منها ، رغم انه لايمثل رقما يذكر قياسا للحقيقة المذهلة ، كتب- سليم العراقي - اوراق مهربة وكتب دكتور حسين الشهرستاني الهروب الى الحرية ، وكتب اخروف بعض ومضات في صحف المعارضة وعلى الانتر نت ، وكتب اخرون وتوقفوا عن
نشرها قبيل طباعتها ، وهذه رشحة منها ربما ستكون كلمات هاربة من بين قفص الذكريات الذي نمنع انفسنا ان ننساه ولكن بصمت لتكون شقشقة واحدة بلا عودة ،
وربما تتوالى منها شقشقهات ، او قل اذا شئت زفرات ، الله العالم .
لااتكلم عن نفسي فلازلت اقوى على ان ابوح ببعض اسراري مع الايام ، ولكني اتحدث عنه ، الذي لم يعد قادرا حتى على ان يحكي قصته .
كان شابا بعمر الورد لا بل قل بعمر وريدة لم تتفتح بعد ، لازالت في اول ساعات التفتيح ، يفوح عطرا وحبا وادبا وشبابا وحيوية ووسامة ، سيد ( ح ) من البصرة الحالمة على ضفاف شط العرب لم يتجاوز عمره السابعة عشرة او الثامنة عشر ، طالب علوم دينية في النجف الاشرف
ربما كان يحلم بان يكون عالما كبيرا او وكيلا لاحد مراجع الدين في مدينته ايقضته يد الجلاوزة بدعوته خمس دقائق كالعادة ، كان من عائلة ملتزمة اعتقل مع اخيه الكبير السيد ( ص ) - كان في منتصف العقد الرابع - وزوجة اخيه وبنت اخيه ،
ربما اخرون لكن هذا القدر الذي اعلمه منهم ، كانوا من عائلة معروفة شريفة ومحترمة في منطقته .
عذبوه تعذيبا شديدا ، وعلقوا بنت اخيه عارية امامه ، جن جنونه ، ربما لم يكن يعرف حتى لون الدم ، لم يكن يعرف حتى لون الجسد العاري ، ربما لم يكن يعرف حتى ....قبل تلك الدقائق المرعبة ، فاذا به يرى بنت اخيه الطفلة التي لا نستطيع حتى ان نقول عنها شابة بعمر حوالى خمسة عشر عاما عارية معلقة الى السقف والذئاب تنظر اليها بعين حمراء ، ماذا راى اكثر لاادري ، السيد ( ص ) ادخلوه من اجل
اخذ الاعترافات منه الى غرفه وجد فيها امراة مغطات الراس - اعتقد السيد ( ص ) انها زوجته ولكنها لم تكن في الواقع زوجته - كانت جالسة على قنينة زجاج والدم الطاهر يسيل من بين افخاذها على الارض كانت روحها على ما اعتقد السيد ( ص ) وربما كان الارجح قد فاضت لهول مابها من الم جسدي ونفسي .
لم اكن اعرفهما في مديرية الامن عرفتهما وعرفت قصتهما في ابوغريب بداية الثمانينات من القرن المنصرم، في الاحكام الخاصة - يعني السياسيين ، في المغلقة - يعني الذين لايسمح لهم بمواجهة اهلهم ، في ق1 المعقل الاول لسجناء الحركة الاسلامية بعد العفو الصادر عام 1979 ، ليت الموضوع وقف عند هذا ، استمر التعذيب لهم ولغيرهم في السجن رغم ان الجميع قد حكم عليهم ومن المفترض انهم قد اخذوا جزاءهم على زعم النظام لقاء جرائرهم ، قلة الغذاء التعذيب اليومي الحرب النفسية ، ............الخ ، وكانت صور الذكريات المرة لاتفارق عيني - السيدين ح وص لاسيما صوت البنت الصغيرة المعلقة عارية وهي تصرخ ، والمراة الهامدة الساكنة فوق قنينة الزجاج الدامية ، جن جنون السيد ( ح ) بالكامل فقد السيطرة تماما على عقله ، وعاش السيد ( ص ) بازمات نفسية شديدة لكنها لم تصل الى حد الجنون المطبق كاخيه الصغير .
وليت الامر انتهى عند هذا الحد لهانت ، فقد اكتشف احد رجال الامن جنون السيد ( ح ) فتفتقت عبقريته الاجرامية عن فكرة ، رجل الامن هذا كاغلب رجال الامن ، كانوا لايتجاوزون العشرين من العمر نزقين الى حد الطفولة رعونة ورغبة بالاستمتاع بتعذيب الاخرين والتفنن بذلك فهي المجال الابداعي الاوحد لهم ، المهم ماذا كانت الفكرة ؟ ان يستعمل السيد ( ح ) في تعذيب الاخرين ، ولكن كيف ؟؟
بالعض نعم بالعض هل سمعتم كهذا ، فقد كان يامر السيد ( ح ) بان يعض السجين الذي يريد ان يعذبه رجل الامن ، لتبدأ رحلة عذاب اخرى داخل نفس السيد ( ح ) فرغم انه مجنون لكنه يعي ولو جزءأ مما يجري وفي بعض الاوقات التي تهدأ بها روحة يزداد عذابا وتزداد حالته سوءأ ، اما السجين الذي يعذب فلا يدري ما يفعل ايصرخ من الالم ؟ ام من الحزن على السيد ( ح ) الذي يحبه ويشعر بالامه وتقفز كل صور التعذيب والمعانات التي اوصلت السيد ( ح ) الى هذه الحالة امام عينيه ليغرق هو وكل السجناء بموجة من حزن سرمدي لن تستطيع كل نعم الارض ومتعها ان تمحيها من ذاكرة سجين الى يوم القيامة ولا اظننا سننساها حتى بعد ذلك اليوم .
سجين
sojana82@hotmail.com