 |
-
المرجعية الشيعية والسياسة في العراق / بقلم: الدكتور موسى الحسيني
المرجعية الشيعية والسياسة في العراق
بقلم: الدكتور موسى الحسيني
الفصل الاول: المرجع والمرجعية الاجتهاد والسياسة عند الشيعة
تناقش هذه المقالة السلوك السياسي للمرجعية الدينية الشيعية في العراق بهدف التعرف على الألية التي تتحكم بهذا السلوك، وتاثير ذلك على الواقع السياسي العراقي بمختلف تركيباته الطائفية والدينية، بهدف استشراف السمات السلوكية العامة التي يمكن ان تعتمدها المرجعية الحالية للتعامل مع الحدث العراقي في الوضع الراهن.
سيحاول الكاتب ان يتحاشى الخوض في الامور والمسائل الفقهية، فتلك شؤون تحتاج لذوي الاختصاص ممن تبحروا في هذه العلوم، ويعترف الكاتب بعدم المامه بها باستثناء ما هو شائع ومعروف للجميع، إلا انه مثله مثل سائر البشر يمتلك العقل، وهو احد الادلة الشرعة الاربعة عند الشيعة " فمنذ ان تم تدوين اصول الفقه عند الشيعة اعتبر العقل واحد من الادلة الشرعية، وقالو ان الادلة الشرعية اربعة: الكتاب والسنة والاجماع والعقل." اكثر من ذلك يتميز الرواد الاوائل للمذهب الشيعي بالتركيز على قيمة العقل واهميته في استنباط الحكم الشرعي الى الحد الذي اعتبرو فيه ان " كل ما حكم به العقل حَكَمَ به الشرع" كأحد قواعد اصول الفقه.
المرجعية، كما هو واضح من لفظها تعني الرجل أو المؤسسة التي يرجع لها الناس لمعرفة صحة أو خطأ موقفاً ما في الامور الخاصة بحقل ما من حقول المعرفة اي الخبير المتمكن من خبرته بموضوع اختصاصه، وفي مقالتنا هذه، المرجعية المقصودة هي المرجعية الدينية التي يعتمدها الشيعة لمعرفة احكام الدين في الشؤون العامة ، والطقوس المختلفة. وهي تكاد ان تكون محصورة بشخص واحد ، لا مؤسسة. فمن بين مجموعة المجتهدين ، في مرحلة زمنية خاصة ، تتمثل المرجعية في اعلم هؤلاء المجتهدين. هذا ما يؤهله لكسب اكبر قدر من المقلدين أو الاتباع. وهوبالتالي يصبح صاحب الحُكمْ أو الرأي الاول ، الذي يُلزم بطريقة غير مباشرة بقية المجتهدين بتحاشي أتخاذ موقف او رأي مخالف منعاً لتعريض سمعتهم أو مركزهم للتهديد. كما حصل مثلاً للشيخ منتظري في ايران الذي انزوى من الصف الاول للمرجعية الى صف المنسين من المجتهدين. او ما حصل للشيخ مهدي الخالصي ، وابنه الشيخ محمد ، من عداء وتشهير بسبب قناعاته الفقهية التي مثلت مدرسة جديدة في الفقه الشيعي. ( على انه لا يمكن تغافل اصول الخالصي العربية التي قد تكون سبباً اخر وراء ما تعرض له.)
ان الاجتهاد كمبدأ للتشريع برز عند الشيعة بعد غيبة الامام الثاني عشر ، وحاجة الناس لمعرفة احكام الدين. تلك المعرفة متوفرة ومعلومة لمن يريد الوصول لها في كتاب الله والحديث والسنة ، لكنها تحتاج لمقدمات أو وسائل عقلية او فكرية ، كالالمام بعلوم القرآن والتفسير ، والحديث والسيرة ، واللغة ، وغيرها من العلوم الاخرى ، اضافة الى أنها تحتاج لتوفر القدرات العقلية اللازمة للاستقراء والاستنتاج. وهذا يعني ان استنباط الحكم الشرعي السليم يحتاج لجهد ووقت غير عاديين ، لاتتوفران للانسان العادي . لذلك يتفرغ بعض الناس ، أو افراد قلائل لكسب هذه المعارف والعلوم ، تفرغاً قد يستمر لسنوات طويلة قبل ان يصلوا الى مرحلة القدرة على استنباط الحكم الشرعي الصحيح ، فيعتمدهم الناس حكاماً لمعرفة ما هو مبهم من الامور الدينية .
أرتبط مفهوم الاجتهاد بمفهوم أخر اصطلح على تسميته بـ - التقليد – اي ان يتبع الانسان أحد المراجع لمعرفة امور دينه. ومتى ما قلد الانسان مجتهداً ما ، لا يحق له تغيره ، مادام المجتهد حياً. ويحق له (المُقَّلدِ) ان يستمر في تقليد نفس المجتهد حتى بعد ممات هذا المجتهد . ولا يجوز الجمع بين مجتهدَّين او اكثر في وقت واحد . والانسان غير ملزم بتعاليم المجتهدين الاخرين.
يستمد المجتهد مكانته واحترامه كصاحب رأي او خبرة مميزة مثله مثل بقية المختصين في العلوم المختلفة ، إلا انه يتميز عن غيره في انه اكثر ارتباطاً بالانسان العادي ، وهو يمارس حياته اليومية ، ويصبح المجتهد بذلك اقرب لشخصية زعيم الجماعة او قائدها بأعتبار انه يمتلك الصورة الاوضح ، او الاقرب للشريعة، وتغدو اراءه واحكامه الشرعية نموذجاً للسلوك الملزم لجميع اتباعه الراغبين في معرفة ما هو حلال والابتعاد عما هو محرم من المواقف الشرعية.
والالزام هنا طوعي، يعتمد على رغبة المُقلِدْ، بأعتبار انه محكوم بمبدأ الثواب والعقاب في الدنيا الاخرة ، ولا يمتلك المجتهد الحق بفرض احكامه بالقوة . اي ألزام بما شرعه الباري(عز وجل) ، وهو وحده العالم ، العارف بما يبطنه الانسان او يظهره ، ولم يمنح تعالى اسمه الوكالة عنه حتى لنبيه .
الملاحظ ، ومنذ منتصف القرن الماضي ، ظهر اتجاه عام لتضخيم هذه المكانه ، واضفاء صورة القدسية عليها. واصبح المجتهد يلقب بألقاب توحي وكانها امتداد للربوبية ، مثل اية الله، وحجة الله ، كما أضيفت صفة العظمى للدلالة على المرجع الاكبر بعد ان كان المرجع يستعمل القاب التصغير للدلالة على التواضع كلما ارتقت درجته ، ويستخدم لختم فتاويه بالتوقيع بعبارات "الفقير لله"، "والحقير لله".
اتخذ نزعة التضخيم هذه شكلاً مغالياً ومتطرفا مع ظهور الخميني ، الذي اعتبر ان الفقيه يمتلك صفات من القدسية تضعه جنباً لجنب في صف الائمة والانبياء واعتبار ارادته امتداداً لارادة الخالق . مستنداً في ذلك لبعض الاحاديث المنسوبة للامام الصادق ، التي لا يخفى على عاقل حجم الاختلاق الوارد فيها . منظوراً لها من خلال نظرية الحسن والقبح العقلين ، والتي اخذها رواد المذهب الشيعي الاوائل من المعتزلة.
يقول احد هذه الاحاديث: " الراد على الفقيه كالراد على الامام ، والراد على الامام ، كالراد على النبي ، والراد على النبي كالراد على الله ، وهو على حد الشرك بالله."
او " علماء امتي بمنزلة انبياء بني اسرائيل."
لا شك ان واضع مثل هذه الاحاديث ينتمي لذلك النموذج من وعاظ السلاطين ممن لا يتحرج ان يختلق الاحاديث والروايات لتدعيم سلطة أو نفوذ " الحاكم بأمر الله " من الملوك والسلاطين ، وزعماء الجماعات .
تصدي السيد الخوئي لمثل هذه الاحاديث وتوصل الى انها احاديث قاصرة السند والدلالة. كما رفض الاخذ بها جميع المجتهدين الذين يمكن اطلاق مصطلح رواد لمدرسة النجف الفقهية، بما فيها المرجع الحالي السيد علي السستاني . أو رواد مدرسة الولاية الخاصة مقابل ما يمثله الخميني بأعتباره مؤسس مدرسة الولاية العامة للفقيه.
من الواضح جداً ، هنا ، اثر النزعات السياسية في مفهوم الاجتهاد وتطلعات المجتهد ذو الطموحات السياسية ، لاستخدام الاجتهاد في قيادة اتباعه ، وضمان مطاوعتهم الكلية له ، لقيادتهم بسهولة اكثر نحو الاهداف التي يرجو الوصول لها. فالخروج على المجتهد ، أو عدم اطاعته تحسب بحكم الشرك بالخالق ، ويحقق المرجع بذلك سيطرة سيكولوجية تتشكل داخل المنظومة النفسية للأنسان لتمنعه عن الاختلاف او التمرد وتضمن الخضوع التام للمرجع. كما ان مثل هذه التوجهات السياسية تعطي المجتهد حق استخدام الردع ضد مخالفيه على اساس انهم مشركين ، وليسوا معارضين ، ليقلل ذلك من رد فعل الناس ضد ممارساته القمعية . وهي ان جردناها قليلاً من لبوسها الروحي الذي حاول اتباعها اضافئه عليها ، لاتختلف في شئ عن نظرية " الخليفة الحاكم بأمر الله " ، التي ابتدعها الخلفاء الامويين والعباسيين من بعدهم وحاول ان يلعبها خلفاء بني عثمان عندما اجبروا واحدا من بقايا بني عباس التنازل لهم ليصبحوا بذلك وكلاء او امتداد لحاكمية الله .
كما تبدو هذه الاحاديث أقرب للبدعة التي تنسف جميع اساسيات المذهب التي وضعها رواده الاوائل، الذين قالو بتخطئة المجتهد بأعتبار " ان مختلف الناس يمكن ان يدركوا موضوعاً واحد بأدراكات مختلفة، فالحقيقة بالنسبة لكل فرد تختلف عنها بالنسبة للفرد الاخر."
يتماشى هذه الرأي مع النظريات السيكولوجية الحديثة التي تقر بتأثر الادراك كوظيفة عقلية ، بكثير من العوامل . فأدراك موضوع ما قد يختلف من فرد الى اخر ، بل يختلف ادراك الفرد الواحد لنفس الموضوع باختلاف الظروف البيئية وحتى السيكولوجية للفرد . فالمجتهد باعتباره بشراً لا يمتلك العصمة ، ويتأثر بمختلف المؤثرات السيكولوجية والاجتماعية والبيئية ، فهو يمكن أن يخطأ ويصيب . لذلك عرف الشيعة بالمخطئة مقابل مذاهب اسلامية اخرى ترى ان الفقيه او المجتهد لا يمكن ان يخطأ ، فعرفوا بالمصوبة ، يؤكد مطهري هذه الرأي بقوله : " لا يمكن ان نتصور المجتهدين مصيبين دائماً. أو أنهم لا يحتمل ان يخطئوا ، اذ كيف يمكن ان نقول ان ما يدركه المجتهد هو الحكم الحقيقي عينه . مع أن من الممكن جداً ان يختلف عدد من المجتهدين في رأي واحد في مسألة واحدة . أو ان مجتهداً واحد يمكن ان تكون له وجهتا نظر مختلفتان في وقتين متباعدين . فكيف يمكن اذن ان يكون مصيباً في نظرته دائماً ."
ان الاشكالية التي تطرحها مثل هذه الاحاديث ، هي ان عدم الالتزام برأي الفقيه هو شكل من اشكال "الرد" ويصبح بذلك كل الشيعة من مقلدي المجتهدين الاخرين ، في "حد الشرك"، فالمقِلد لاحد المجتهدين غير ملزم باعتماد احكام المجتهدين الاخرين. نفس الامر يمكن ان يقال عن بقية المسلمين من المذاهب الاخرى ، أو جماعات الشيعة الاخبارية ، او ذلك المحتاط الذي يجد في نفسه الكفاية لاستنباط الحكم الشرعي دون ان يحتاج لتقليد احدا من المراجع .
ان سيرة الائمة الاثني عشر (عليهم السلام)، ليس فيها ما يدل أو يوحي انهم ادعو مثل هذه القدسية المبالغ بها لانفسهم ، لذلك ليس من المنطق ان يمنحوا ذلك لأتباعهم . يذكر الدكتور عبد الله فياض ( وهو متهم بالطائفية وكان من أوائل اساتذة الجامعة الذين احالتهم سلطة البكر- صدام على التقاعد ) من خلال مناقشة لموقف الامام الصادق من حركات الغلو التي ظهرت في زمانه والتي تنسب له أو لأباءه بعض السمات والصفات القدسية ، مجموعة من الاحاديث . نذكر منها الحديثان التاليان ، اللذان يعكسان موقف الامام من هذه الحركات والتوجهات المتطرفة :
الاول: "أشهد اني امرؤ ولدني رسول الله (ص) وما معي براءة من الله ، ان اطعته رحمني ، وان عصيته عذبني ."
الثاني: "لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهداً من احاديثنا المتقدمة ، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب اصحاب ابي أحاديث لم يحدث بها ابي ، فأتقوا الله ولا تقبلو علينا ما خالف ربنا تعالى ، وسنة نبيه محمد (ص)..."
المرجع بشر كسائر الناس ، وليس هناك من سند فقهي يمكن ان يضعه فوق مستوى البشر ، وما يمكن ان يتعرضوا له من ارتكاب للاخطاء ، حتى لو استند الادعاء بالقدسية على حديث او اكثر من احاديث الائمة ، فالثابت لدى محققي الشيعة " ان الغلاة كانوا ينتحلون الاحاديث عن الائمة ويضعونها على ألسنَّة دعاة من ثقات الشيعة المعتدلين ليضمنوا رواجها بين الناس بعامة وجماعات الغلاة خاصة ." وحدد هؤلاء المحققين شخصيات بعض من هؤلاء الغلاة ، أمثال بنان والمغيرة بن سعيد ، محمد بن بشير ، وابو الخطاب ، وغيرهم .
يحدد الشيخ محمد جواد مغنية في دراسته المعروفة عن "الخميني والدولة الاسلامية"، دور علماء الدين ، بانهم "يمتازون عن غيرهم بأنهم دعاة خير واصلاح ، يامرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر وفيما عدا ذلك فهم والناس بمنزلة سواء ."
الفصل الثاني: الاجتهاد والسياسة:
ان الجدل حول موضوع منزلة المجتهد واختصاصاته ، يتمحور اساساً على علاقة المجتهد بالسياسة ، اي ما اذا كان المجتهد يمتلك الحق في ان يكون حاكماً ومشرعاً ، نيابة عن الامام الغائب ، كما يرى اصحاب نظرية الولاية العامة ، أو يكتفي بالاختصاص في الافتاء والقضاء، اي "التصدي لنصب القيم والولي على العصر والمتولي على الاوقاف التي لا متولي لها والحكم بالهلال وغيرها". وهذا ما يفسر وقوف بعض المجتهدين في العراق موقف المتفرج من الاحداث السياسية التي مرت بالعراق ، ويمكن فهم بعض تدخلاتهم من باب علاقتهم المباشرة بالشرع ، كما حصل في فتوى المرجع السيد محسن الحكيم ضد الشيوعية في 1960. في حين وقف السيد الخوئي موقفاً محايداً من احداث انتفاضة اذار 1991، وما تلاها من عمليات قمع واسعة تعرض لها الشيعة (انصار الخوئي نفسه) .
يظل الجهاد ، ومقاومة المحتل الاجنبي : باعتباره ركناً اساسياً من اركان الاسلام ، هو الموقف السياسي الوحيد الذي يجمع عليه جميع المجتهدين من انصار المدرستين على انه واحداً من مهام المرجع الذي لا يحتاج للافتاء به الحصول على اذن مسبق من الامام . للشروع فيه. ويسمى بالجهاد الدفاعي ، تمييزاً له عن الجهاد الابتدائي اي ابتداء المسلمين بالهجوم على بلاد الكفار بغاية دعوتهم للاسلام والذي لا يجوز الا بفتوى مباشرة من الامام المعصوم .
يسجل تاريخ المرجعية الشيعية ، الالتزام الكلي بهذا المبدأ ، ليس فقط ضد الغزو العسكري المباشر ، بل ازاء اية خطوة مهما كانت صغيرة ، اذا كانت تشكل مساساً باستقلال وسيادة الدولة الاسلامية ، كما حصل في قضية التنباك المشهورة ، حيث منح شاه ايران ناصر الدين امتياز احتكار التنباك وبيعه في كافة انحاء ايران لشركة بريطانية عام 1891. مما دفع المرجع الميرزا محمد حسن الشيرازي لتحريم استعماله ، وهذا ما اجبر الشاه على التراجع ، والغاء الاتفاقية. كما استجاب شيعة العراق ومراجعهم لدعوة الجهاد التي اعلنها المراجع في ايران ضد الاحتلال الروسي لمدينة تبريز الايرانية عام 1911.
قد يوحي الحدثان ، وكان مجتهدي الشيعة معنيين فقط بالشؤون الايرانية ، وباعتبار طبيعة الحكومة التي تتبنى المذهب الشيعي ، الا ان موقفهم ازاء كثير من الاحداث التالية التي مرت بالبلاد العربية والعراق ، تبعد مثل هذا التصور ، فقد اشترك مجتهدين الشيعة مع اخوتهم من علماء السنة بالفتوى بالجهاد عن طرابلس الغرب( ليبيا حالياً). عندما تعرضت للاحتلال الايطالي عام 1911. وليبيا عملياً موطناً للمسلمين السنة ، تابعة للدولة العثمانية ، التي ظل التمييز الطائفي ضد الشيعة يحكم سلوك خلفائها وسلاطينها حتى سقوطها. الامر نفسه يمكن ان يقال عن حركة الجهاد التي قادها علماء الشيعة لمواجهة طلائع الاحتلال البريطاني في العراق عام 1914، حيث سار مجتهدي الشيعة شوطاً بعيداً في الدفاع عن الدولة العثمانية ، ولم يكتفوا بالافتاء بالجهاد ، بل تبوء معظمهم ادواراً قيادية ميدانية ، وساروا على رأس حملات عسكرية لتجمعات من المجاهدين المتطوعين لمواجهة قوى الاحتلال، كالسيد محمد سعيد الحبوبي، والشيخ مهدي الخالصي، والسيد محمد الحيدري وكثيرون غيرهم .
سجل هؤلاء العلماء مواقف مميزة من الاستعداد للتضحية بالنفس والمال في مقاومة المحتل ، ويدون لهم التاريخ " انهم لم يكتفوا بأنفاق المبالغ التي وضعت تحت تصرفهم على حركة الجهاد ، بل زادوا على ذلك فأنفقوا من اموالهم الخاصة أو من الحقوق الشرعية التي كانت تُقدم لهم . وقيل عن الحبوبي بوجه خاص انه كان غنياً له املاك خاصة فرهنها لكي ينفق منها على المجاهدين ."
عندا تحقق لقوات الغزو البريطانية الانتصار على القوات التركية ، وقوات المجاهدين ، واحتلال العراق . وتوجه القوة المحتلة لتنصيب برسي كوكس حاكماً للعراق ، كما هو حالة بريمر الآن . تحرك علماء الشيعة بقيادة الميرزا محمد تقي الشيرازي والشيخ مهدي الخالصي لمواجهة واحباط مخططات المحتل، وقيادة ثورة 1920 التي اجبرت البريطانيين على التراجع ، والخضوع لارادة العراقيين بأختيار فيصل الاول ملكاً على العراق .
يسجل التاريخ ايضاً ، لكل من الميرزا محمد تقي الشيرازي ، والشيخ مهدي الخالصي ، ومن أزّرهما من العلماء ، ارتقاءهم فوق مستوى الانتماءات الطائفية ، ليبرزا كقائدين لجميع العراقيين وبمختلف طوائفهم. واذا كان الموت قد قطع الدور الذي تبوءه الشيرازي ، ظل الشيخ مهدي الخالصي يتحرك كقائد لكل العراقيين في تصديه لترسيخ اهداف ثورة العشرين ومنع توقيع المعاهدة التي ارادت بريطانيا ان تقيد بها العراق ، وتنتقص من استقلاله . اضافة لتحركه بالمطالبة ببناء قوات مسلحة وطنية تتولى الدفاع عن امن البلاد وحدوده ، بعد ما عرف بغارة الاخوان على عشائر مدينة الناصرية في 11/أذار/1922.
تلك المطالبة التي كانت تعبر عن رغبة العراقيين بكل طوائفهم ، ووقف السنة كما هم الشيعة جميعاً خلف الخالصي ، وشارك علماء السنة بقيادة عبد الوهاب النائب في مؤتمر كربلاء الذي دعى له الخالصي ، كما شارك مندوبوا وممثلوا المدن السنية الموصل ، وتكريت ، وعشائرهما في المؤتمر. وارسل اهاليهما برقيات تاييد للشيخ الخالصي تؤكد على استعدادهم "لتنفيذ اي قرار يصدر منه بأموالهم وأنفسهم" ترأس وفد تكريت في هذه المؤتمر مولود مخلص ، كما ترأس كل من سعيد ثابت وعجيل الياور وفد الموصل .
جرى هذه في الوقت الذي أنشق فيه بعض شيوخ العشائر الشيعة على الخالصي ، وعقدوا مؤتمر في الحلة ، يؤيد توقيع المعاهده ، ويطالب بتفويض قوات الاحتلال مهمة الدفاع عن العراق ، ورفض تشكيل جيش عراقي مستقل . ونذكر هناك حقيقة كون تشكيل الجيش العراقي كان مطلباً شيعياً ، وليس كما يحاول ان يروج بعض مزوري التاريخ من الشعوبيين من انه اسس لقمع الشيعة ، وضد رغبتهم وارادتهم ، ولم تكن هذه الدعوات الشعوبية الا مقدمات لتدمير الدولة العراقية بالاحتلال كما حصل فعلاً .
وهكذا وقف مع الخالصي غالبية الشعب العراقي من الشيعة والسنة باستثناء قلة من الطرفين كانت قد حسمت موقفها مع المحتل الاجنبي دون اعتبار لقيم دينية او طائفية او وطنية.
الفقيه الشيعي ، اذاً ، وان كان من مدرسة الولاية الخاصة ، وغير معني شرعاً بالسياسة ، إلا انه مكلف تكليفاً شرعياً بأتفاق الاراء بمقاومة اي شكل من اشكال الاحتلال ، ولاي بقعة من بلاد المسلمين ، واذا كان هناك حالات شاذه قليلة حاولت ان تتخذ من مفهوم الولاية الخاصة غطاء لتتهرب لسبب أو اخر عن اداء هذا التكليف الشرعي . كما هي حالة السيد كاظم اليزدي الذي كان يتهرب عن دعم ومؤازرة المطالب الشعبية العراقية ، بالاستقلال ، وتعين حاكم عربي مقابل توجهات قوى الاحتلال البريطاني لتعيين حاكم بريطاني في العراق عام 1918، بقوله "انا كرجل دين لا يعرف غير الحلال والحرام ، ولا دخل له بالسياسة مطلقاً، فأختاروا ما هو اصلح للمسلمين ."
ان شذوذ السيد اليزدي هذا ، لا يلغي حقيقة اجماع فقهاء الشيعة اصحاب المدرستين على مبدأ مجاهدة اي شكل من اشكال الغزو والاحتلال الاجنبي لاي بقعة من ارض المسلمين ، بغض النظر عن طبيعة الحكم ، وشخصية الحاكم .
الفصل الثالث: موقف الائمة المعصومين من الاحتلال الاجنبي
من الصعب الحكم بالاصل الشرعي لمسؤولية الفقيه عن الجهاد الدفاعي ، إلا ان مراجعة سيرة الائمة من آل البيت ، قد تفسر ذلك الاجماع باعطاء الاولوية لمقاومة الاحتلال الاجنبي حتى على مقاومة الحاكم الظالم ، أو غير الملتزم بتطبيق الشريعة الاسلامية . فمن الروايات الشائعة عن الامام علي (ع) ، ما عبر به أمام جيشه في معركة النهروان ، عن استعداده للتغاضي عن انشقاق معاوية ، ووضع يده بيد معاوية للتوجه لمقاومة الروم الذي استغلوا انشغال المسلمين في حروبهم الداخلية ليحتلوا قرية في شمال بلاد الشام تابعة ادارياً لسلطة معاوية (وليس لسلطة الامام) .
وكان أحد الخيارت التي عرضها الامام الحسين عند محاصرته في كربلاء من قبل جيش عمر بن سعد ، هو ان يتركوه ، ما داموا مصممين على قتله ، ليلحق بجيوش المسلمين للدفاع عن الثغور ليقاتل هناك حتى يُقْتلَ .
تلك كانت جيوش الدولة الاموية ، الخاضعة لسلطة يزيد بن معاوية ، الذي خرج الحسين (ع)ليقود الثورة عليه.
يقدم الامام الرابع علي زين العابدين بن الامام الحسين (ع) ، منهجاً واضحاً للتمييز بين دولة المسلمين وحاكمها الظالم أو الغير ملتزم بالشريعة الاسلامية ، من خلال الدعاء المعروف بدعاء الثغور ، وهو أحد أدعية الصحيفة السجادية التي يعتز بها الشبعة جميعاً بمختلف توجهاتهم ومدارسهم الفقهية. الغاية من الدعاء هو شد أزر ودعم معنويات الجنود المسلمين المقاتلين دفاعاً عن ثغور المسلمين ، مع انهم جنود الدولة الاموية ، اي انهم مقاتلي نفس الجيش الذي قتل ابيه وسبعون من اهله وأعوان ابيه ، وأسَّرَه وبقية أسرته من النساء والاطفال. ومع ذلك يدعو الامام زين العابدين لهم بالنصر ، بمفردات ملهوف يستخدم فيه كل عبارات التمني بالانتصار ، وبكل عبارات الكره ، وتمني الشر لاعدائهم . اغرب ما في الامر ورغم ام ادعية الامام زين العابدين (ع) شائعة جدا ويروج لها بكل المناسبات ، لكن هناك تغييب يبدو مقصود لهذا الدعاء ، الذي لايعرف به الا قلة من الشيعة . (تكرر قناة المنار اللبنانية التابعة لحزب الله يوميا قراءة هذا الدعاء وكانها تريد ان تذكر رجال الدين الشيعة بالامر ، وان تقول بشكل غير مباشر ما نقول نحن هنا بوضوح ) .
التراث الشيعي اذاً وكما يتمثل من خلال سيرة ائمتهم الابرار ، الذين وان ابتعدوا عن طلب الحكم والتدخل بالسياسة ، حتى في ظل سلطة حاكم جائر ، إلا انهم كانو قد جسموا موقفهم من اية قوى محتلة غازيه يمكن ان تتطاول على بلاد المسلمين ، ينسون معارضتهم او سلبيتهم تجاه السلطة الحاكمة ، ويستنهضوا شيعتهم واصحابهم لمقاومة الغازي. كان موقفهم من الوضوح بحيث لم يستطع جميع فقهاء الشبعة تجاوز الأمر ، فأقروا جميعاً وعلى امتداد المسيرة الطويلة لمبدأ الاجتهاد بواجب الجهاد الدفاعي ، لا يعفيهم عن هذا الواجب ، قرارهم بالولاية العامة أو الخاصة.
ينتمي المرجع الحالي السيد علي السستاني لمدرسة الولايه الخاصة ، وهو لم يتخلى عن اداء واجبه الشرعي بالافتاء بالجهاد لمواجهة الغزو الاميركي. فكما عرض تلفزيون بغداد ، ولايام قليلة قبل العدوان السيد عدنان البكاء ، وهو يقرأ نص الفتوى ، التي لم تأخذ صداها المطلوب ، لعل سبب ذلك اعتقاد الناس ان تكون الفتوى ملفقة ، أو ان السيد كان قد دبجها تحت ضغط السلطة . وفي هذا تجني على السيد ، فالشجاعة شرط من الشروط الشرعية للاجتهاد. ولايمكن ان يتحمل السيد هذه المسؤولية ، وهو على ما هو عليه من الورع والتقوى ، فيظل صامتاً على هذا التزوير مع ان له كثير من الوكلاء والمكاتب المنتشرة في كافة انحاء العالم ، يستطيع من خلالها على الاقل تكذيب خبر الفتوى ، والتقية بمثل هذه الامور باطلة ، فالغاية الاساس من التقية هي الحفاظ على الذات ، والافتاء بالجهاد قد يعرض ارواح الكثير من الناس للموت ، يعني ان درء الاذى لا ينسجم مع القول بمبدأ الجهاد .
إلا ان ما يثير الاستغراب ، موقف السيد السستاني بعد الحرب ، وانتصار قوى الاحتلال ، حيث انزوى في منزله بما يشبه حالة مقاطعة توحي عند الاخذ بنظر الاعتبار الفتوى بالاجتهاد ، وكأنه موقف احتجاج سلبي ضد الاحتلال ، بل وحتى استنكار لموقف اتباعه السلبي من فتواه. يتحول الاستغراب الى حالة من الدهشة وحتى الصدمة عندما كسر السيد صمته وتحرك حركة غير موفقة للاسف ، سيكون لها انعكاساتها السلبية على صورة المرجعية عند انصارها ، كما في نظر قوى الاحتلال ، فبعد صمت دام حوالي ثمانية اشهر بادر السيد للمطالبة بالاتخابات كبديل وطني لاتفاق نقل السلطة بين قوى الاحتلال وصنائعها. إلا انه عاد فألغى او عطل هذا المطلب عندما علقه بشرط ان تكون الامم المتحده حَكماً ، ليقرر ما اذا كان بالامكان اجراء الانتخابات في هذه المرحلة ، أو ...لا. اي ان السيد قال بالشئ وضده في نفس المطلب .
هذا التناقض في الموقف ، المطالبة بالانتخابات ، وبما يعطلها بنفس الوقت ، ينقض المبادئ الشرعية العامة التي قام عليها مبدأ الاجتهاد بل ويلغي الاسس التي قام عليها الاجتهاد عند الشيعة . فالاجتهاد بأعتبار انه " العمل بالرأي." وهذا يعني انه في الحالات التي لم يتعين فيها التكليف الالهي أو انه متعين ولكنه خاف ، يرجع المرء الى العقل والذوق . فما كان اقرب الى الذوق والعقل والحق والعدل واشبه بالتعاليم الاسلامية . يحكم به." .هذا يعني ان السيد ينفي مبدأ العمل بالرأي ، فهو لايعمل برأيه كمجتهد يمتلك القدرة على استنباط الحكم الشرعي ، بل برأي الاخر ، وهو ليس مسلما ولا مجتهد ، ويميل لصف العدو ، فهو لايصلح ان يكون حتى حَكما عادلا .
عندما يضع الانسان جانباً حقيقة ان الحكم بالجهاد الدفاعي ، واضح جداً من خلال مواقف الائمة الابرار من آل البيت ، الذين يرتكز المذهب الشيعي على اساس الولاء لهم ، والاقرار بأنهم الاكثر ثقة في تفسير الكتاب الحديث فأن الاجتهاد كمبدأ والذي كان السبب في وضع السستاني فيما هو فيه من مكانه ، سيهتز بمثل مواقف السيد هذه . فأما ان تكون مطالبته ناتجة من احساس بموقعه القيادي لطائفة كبيرة من مسلمي العراق ، الذين يتعرضوا ظلماً لاسوأ انواع الخسف والاستهانه من قبل قوى الاحتلال . والتي تتنافى كلياً مع أبسط مبادئ حقوق الانسان ، والقواعد العامة للقوانين التي تحدد سلوك سلطات الاحتلال ، ناهيك عن تصادمها مع القيم الاسلامية التي يفترض ان السيد يقف في موقع الحامي المطلوب منه الحفاظ عليها ، والدفاع عنها .
المطالبة بالانتخابات ، هي مطالبة بحق طبيعي ، يفترض ان دوافعه من المطالبة بها ترتكز على اساس الفهم السليم لحق الانسان الطبيعي في ان يتحكم بأقداره ومصيره ، بأرادته هو بعيداً عن شكل من اشكال السيطرة او التبعية او الوصاية للاجنبي . ويفترض بزعيم الجماعة ، اية جماعة ، عندما يطالب ببعض حقوقها يدرك جيداً اكثر من اية هيئة دولية أو انسان أخر ، ما هي هذه الحقوق ، وكيف يمكن استعادتها أو تحقيقها ، دون ان يحتاج لمشورة احد ، ولا حتى هيئة الامم المتحدة أو خبرائها. فهو الاخبر بالامر من مراقب خارجي له حساباته الخاصة ، التي تاخذ بنظر الاعتبار عدم الاصطدام بارادة القوة العظمى ، التي تستضيف الهيئة العامة بكل موظفيها على ارضها ، وهذا مصدر اخر للتأثير على موظفيها الاداريين .
ان الزعامة أو القيادة تعني بمفهومها السياسي أو الاجتماعي قدرة الزعيم على فهم مطالب الجماعة ، واعتماد السلوك الانسب لتجسيدها ، والحرص الشديد على تحقيقها ، والمحافظة عليها. اما استعانة الزعيم بطرف خارجي للحكم في امكانية تحقيق ما هو حق طبيعي للجماعة او الشعب ، يعني ان الزعيم يتخلى عن أهم ادواره القيادية ، مع ان العراق ليس عقيماً الى هذا الحد ، وفيه من الخبرات الوطنية ما يغني عن الحاجة لتحكيم السيد انان او ممثليه . وهذا يعني عجز الزعيم على ادراك حقوق الشعب .
بقدر ما يعني استشارة طرف خارجي ، هو اقرب بالواقع لموقف الخصم ، العجز عن ادراك الحق والحقيقة ، فهو ايضاً تصرف لا ينسجم مع مبادئ العقل والذوق والحق والعدل ...!؟ ويزعزع مبدأ الاجتهاد من اساسه ، لانه يوحي بالعجز على ادراك المشكلة ، بما يمنع من اتخاذ الموقف الشرعي المناسب .
ان ثمانية أشهر من الصمت الذي لازمه السيد السستاني كانت كافية لان تكشف للعالم اجمع زيف أدعاءات الادارة الاميركية حول الاسباب التي دفعتها للعدوان والغزو. وظهر بوضوح عدم صدق تخريصات كولن باول امام مجلس الامن عن مخابئ الاسلحة العراقية التي التقطتها الاقمار الصناعية ، والمختبرات التي عرض صورها ، وما ردده الرئيس الاميركي واعضاء ادارته عن يقينهم الثابت بوجود صناعات متطورة لاسلحة الدمار الشامل في العراق، ودحضه واستخفافه بالتقارير المتواصلة لهيئات التفتيش التي ارسلتها الامم المتحدة ، بطلب من امريكا وتحت اشرافها المباشر ، والتي تؤكد خلو العراق من هكذا أسلحة. مع ذلك لم تتحرك الامم المتحدة لمنع الحرب او على الاقل استنكارها بل تحولت الى هيئة لشرعنة الحرب ، ثم الاحتلال ، وكأنها مجرد هيئة دعائية واعلامية تابعة لأحد مكاتب البيت الابيض.
هذا اضافة الى المذكرات العديدة ، والاعترافات التي آدلى بها بعض موظفي الادارة الاميركية انفسهم على الاسباب الحقيقة للعدوان ، وكيف انه كان عدوان مبيت حتى من قبل احداث 11 ايلول (سبتمبر) ، بكثير. واعترافات بول اونيل ، وزير التجارة الاميركية السابق. أضافة الى ان الاطلاع على الاسباب التي دفعت اميركا لتشكيل قوات التحرك السريع ، في اواخر السبعينات من القرن الماضي ، ومخطط شارون – اتيان الذي نشر عام 1982، حول رغبة اسرائيل في تقسيم العراق والدول العربية الاخرى الى دويلات صغيرة ، ومتنازعة. ثم تصريحات كولن باول عن نيات الادارة الاميركية لاعادة العراق الى مرحلة ما قبل الثورة الصناعية.
أَلم يكفي كل ذلك لأن يدرك السيد ، حقيقة كون ما سُميَّ بحرب تحرير العراق ما هي بالحقيقة إلا حرب تحرير اسرائيل من عقدة الخوف من القوة العراقية ..!
اذا كان الناس لازالوا مدهوشين بهول صدمة الاحتلال المشوشة والمختلطة بالشعور المفاجئ بالتخلص من حكم طاغية مجرم ، مارس كل اشكال القمع والجريمة ضد شعبه. فأن على الفقهاء والخبراء والمثقفين ان يبادروا لكشف الحقيقة لمواطنيهم ، وتعريفهم بالاسباب والمعاني الحقيقية للاحتلال . وهذا يشكل جزءً من التكليف الشرعي المناط بهم .
albasry
-
الفصل الرابع:الشيعة والحكم
يُفسر البعض عدم وضوح موقف السيد السستاني من الاحتلال بخوف الشيعة في ان لا تتكرر تجربة الحكم في بدايات تشكيل الدولة العراقية الحديثة ، حيث يروج بعض المرتبطين بدوائر المخابرات الغربية والصهيونية لفكرة مختلَّقة عن اتفاق كان قد تم بين الانكليز ومشايخ السنة في العراق على تسليم الحكم للسنة وابعاد الشيعة .
المتتبع لتاريخ ظهور هذه الفكرة يستطيع ان يرصد بدايات ظهورها بشكل مكثف بعد نشر المخطط الصهيوني المعروف بخطة شارون – ايتان عام 1982، والذي يرمي الى تمزيق الدول العربية الحالية ، والعراق من ضمنها الى دويلات صغيرة متناحرة من اجل اضعاف العرب ، وحماية أسرائيل . فظهرت مباشرة بعد ذلك مجموعة من الكتب تتناقل رواية مزعومة عن اتفاق تم بين عبد الرحمن النقيب ، والمندوب السامي البريطاني الببرسي كوكس على ابعاد الشيعة عن الحكم . والرواية تم صياغتها على اساس احتمالات طرحها الدكتور على الوردي ، وهو يتساءل عن اسباب موافقة النقيب على منصب رئاسة اول وزارة عراقية ، بعدما كان يرفض ذلك .
ان ببرسي كوكس كان قد التقى مع المرجع الاعلى في حينها السيد كاظم اليزدي ، الذي رفض المشاركة في الحكم . لا يدري الانسان لماذا لا يعتبر ذلك الموقف السلبي من الحكم عند السيد كاظم اليزدي ، هو المؤامرة الحقيقية ، اذا كان هناك أية مؤامرة لابعاد الشيعة.!؟
بعد ان تم تنصيب الملك فيصل الاول على عرش العراق ، كان الملك يطمح للتخلص من عبد الرحمن النقيب ، المعين بوظيفة رئيس الوزراء من قبل الانكليز ، لانه عميل يحرص على كسب رضى الانكليز على حساب رضى الشعب ، فارسل الملك فيصل الشيخ عبد الواحد سكر الى النجف لدعوة علماء ووجهاء الشيعة للتعاون معه في تشكيل وزارة وطنية برئاسة واغلبية شيعية . إلا ان دعوة الملك والشيخ عبد الواحد قوبلا بالرفض والاتهامات ، حتى ان الشيخ عبد الواحد شعر بالخجل والاحراج من العودة للملك ونقل صورة الرفض المتشنج الذي واجهه ، ففضل العوده الى قريته ، ليكتب من هناك رسالة يخبره فيها برفض العلماء للمشاركة بأي حكومة . مما اضطر الملك الى ان يلجأ لمجموعة الضباط الذين شاركوه في الثورة ضد الاتراك.
لم يكتف مراجع وعلماء الشيعة بالمقاطعة السلبية ، بل افتوا بتحريم الوظائف ، وتحريم حتى ارسال اولاد الشيعة للتعلم في المدارس الحكومية. وشن الشيعة حملات تشويه وتشكيك ضد كل من يشارك بالحكم كما حصل لعبد الحسين الجلبي ، الذي رفض الالتزام بالفتاوي، وشارك بالوزارة ، ولمرات عديدة . كما اطلق الناس لقب "علماء الحفيز" على من يتصل بالحكومة من رجال الدين الشيعة .
عندما بدأ الشيعة يتحللون من الالتزام بفتوى تحريم التعلم في المدارس الحكومية ، كانت فرص التوظيف امامهم قليلة بسبب ملأ الشواغر الحكومية. مع ذلك تمكن ابناء الشيعة الذين اكملوا دراستهم الجامعية من الوصول لأعلى الوظائف بما فيها الوزارة ورئاسة الوزارة . اغرب ما في نظرية المؤامرة المزعومة ، هذه ان نسبة توظيف الشيعة في الوزارات المختلفة في زمن نوري السعيد وعبد السلام عارف كانت اعلى بكثير مما هي عليه في فترة حكم عبد الكريم قاسم، ومع ذلك أَتهِمَ الاولان بالطائفية ، وبرئ الاخير ، مع انه حاول ان ينقض على الاسلام ككل .
حاول بعض مثقفي الشيعة أتخاذ مثل هذه الروايات ليبرروا عمالتهم لاميركا واجهزة المخابرات الغربية والصهيونية بحجة الحرص على "حقوق الطائفة"، وتصوير العمالة وكانها الوسيلة الوحيدة للتخلص مما يروجون له عن "مظلومية الشيعة".
حصل خلال انعقاد ما عرف بمؤتمر لندن للمعارضة العراقية ، الترويج المكثف لهذه الفكرة. وأصبحت قيم اليمين المسيحي المتطرف ، لاقيم ومبادئ علي (ع) وابناءه الائمة الابرار ، هي الحل الامثل للتخلص من هذه المظلومية. وصعد الطابور الخامس من العملاء والوصوليين والشعوبيين من الطرفين ، ممن يحرص ولاسباب مختلفة على تحقيق اهداف مشروع شارون _ ايتان، من حملته للترويج لمقولة ان الارتماء على المقعد المريح في القطار الاميركي هو الحل السليم لما قيل عن "مظلومية الشيعة" . أهتزت بفعل هذه الجملة قناعات بعض الاحزاب الدينية الشيعية والسنية ، بشكل لا يتناسب مع درجة الوعي السياسي الذي يدعونه. وكانت المفاجأه قبول كل من الحزب الاسلامي ، وحزب الدعوة للمشاركة بلعبه ما يسمى بـ "مجلس الحكم".
يفترض ان السيد على درجة من الورع والتقوى ما يجعله في موقع الحصانة من التاثر بأية هزة من هذا النوع ، بل وهو بحكم موقعه هذ ا، وما عليه من الورع والتقوى يصبح واجبه ان يشكل مناعة مضادة لتهدئة هزات الاخرين من المسلمين بمتختلف طوائفهم ، ليرتقي بذلك لمستوى الزعامة العراقية الروحيه ولكل العراقيين بدون استثناء . وتجربة الشيخ مهدي الخالصي في عشرينات القرن الماضي خير مثال . كما أن لنا في سلوك الشيرازيين ، الميرزا محمد حسن ، والميرزا محمد تقي خير اسوة وقدوة في احباط مخططات قوى الاحتلال البريطاني لتعميق الهوة، واثارة النزاع بين الشيعة والسنة ، لاحباً بواحد منهما ، بل رغبةً بأنهاكهما ، وتدمير الاسلام والمسلمين . ففي حادث لابن الميرزا محمد حسن الشيرازي مع احد الاشخاص من اهل سامراء، قُتل ابن الميرزا . "ولم يحرك الامام المجدد ساكناً مطلقاً فالتفت اعداء الاسلام – يقصد بهم الانكليز - الى هذه الناحية وارادوا شراً بالعراق في استغلال الموقف ، وقصدوا الامام المجدد الى سامراء طالبين منه الاحتجاج على هذا التصرف المهين ضد مقامه العالي ، فردهم الامام الشيرازي بقسوة قائلاً لهم : ارجو ان تفهموا جيداً ان لا دخل لكم ببلادنا مطلقاً وما هذه القضية إلا حادث بسيط بين اخوين ." وهناك رواية اخرى تقول انه رفض اصلاً استقبال القنصل البريطاني " وبعث له شخص يبلغه بكلمته وهي "نحن مسلمون فلا حاجة لتدخلكم بيننا".
حاول المندوب السامي الانكليزي ان يكرر المحاولة مع الميرزا محمد تقي الشيرازي عام 1919، فزاره في مقره في كربلاء ليعرض عليه ترشيح شخص شيعي ليحل محل كليدار سامراء في حينها ، وهو سني . فردَّ عليه الميرزا الشيرازي بقوله : "لا فرق عندي بين السني والشيعي ، وان الكليدار الموجود رجل طيب ولا اوافق على عزله ."
لم يكن الامام علي (ع) شيعياً ، بل مسلما ً، شايعته فئة من المسلمين لاعتقادها أَنه افضل من يجسد قيم الاسلام ومبادئه . ومع ذلك لم تجد في حياته ولا مثلاً واحد يمكن ان يقدم دلالة على انه غلب مصلحته الخاصة على مصلحة عامة المسلمين ، أو دولتهم ، وبغض النظر عن رضاه او معارضته للحاكم . وقصته في رفض مبادرة ابو سفيان لمبايعته معروفة ، يوم جاءه ابو سفيان قائلاً "مد يدك لأبايعك." وتفسير الامام علي عندما سؤول عن سبب ممانعته للاستجابه لذلك: " انها يد امتدت لهد الاسلام." مع ان الامام كان يعلم ان تحالف الهاشميين مع ابناء عمومتهم من الامويين كان يمكن ان يقلب معادلة الحكم لصالحه .
واذا سلم الجميع بالأحقية المطلقة في الخلافة لامام علي (ع) ، يمكن ملاحظة ان فرصاً عدة تهيأت للامام في التخلص من الخليفة عمر بن الخطاب ، إلا ان موقفه الواضح في مثل هذه الفرص يعكس حالة خوف وحرص شديدين على حياة الخليفة عمر اكثر من اي صحابي اخر، عندما اقترح جميع الصحابة على عمر بأن يخرج على راس الحملة الموجهة لفتح العراق ، إلا الامام علي كان الوحيد الذي عرض مخاوفه من ان يُمسَّ عمر بمكروه فتهتز بذلك دولة الاسلام من بعده . وفي موقعين في نهج البلاغة يربط الامام علي وجود الاسلام ودولته بوجود الخليفة عمر . يخاطبه في احدهما "ان الاعاجم ان ينظروا اليك غدا يقولوا هذا اصل العرب فاذا قطعتموه استرحتم فبكون ذلك اشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك "
ما يستنتجه الانسان من مثل هذه القصص ان الصراع على الحكم مهما بلغت حدته يجب ان لا يوظف لصالح عدو خارجي ، يتربص لاحتلال دولة من دول المسلمين أو بعض ما اراضيها. وليس هناك في تراث الائمة (ع) ولو اشارة صغيرة ما يشير الى نزعة أو توجه للتحالف مع عدو خارجي مع ما عرف عنهم من معارضة مطلقة لانظمة الحكم السائدة في حينها. فهل يحق لأحد ان يكون علوياً اكثر من الامام علي ..!؟ ويغلب رغبته في الحصول على وازارة أو رئاسة وزارة يمكن ان يتولاها تحت اشراف جزمات اليمين المسيحي المتطرف ، وعلى حساب سلامة العراق وسيادته ، واستقلاله ، بحجة حبه وحرصه على تراث الامام علي وآل بيته.
اية قدسيه ستبقى لمهد التشيع الاول ، وكل ما فيه يداس بجزمات اليمين المسيحي المتطرف ، الذي يؤمن بان الحفاظ على دولة اسرائيل ، واجب مقدس ، وشرط اول لظهور المسيح ، بعد تحقق الشرط الثاني ، وهو حصول مذبحة كبيرة في بلاد المسلمين يُقتل بها الملايين منهم. تلك الخرافة التي ظلت تضغط على عقل الرئيس بوش وادارته ، الى حد الرغبة في البحث عن مبرر لتصعيد الحرب ضد العراق الى حد استخدام الاسلحة النووية وقتل الملايين من العراقيين، بأمل التعجيل بظهور المسيح ثانية ليعيش 800 عام وينعم بوش وانصاره بمثل هذا العمر الطويل باعتبار انهم هم الذين مهدوا لظهور المسيح ..!
وقد تحقق الشرط الاول ، بتخليص اسرائيل من هاجس الخوف من الخطر العراقي المحتمل ، الذي يمكن ان يؤخر معجزة ظهور المسيح ، فأن ضياع الفرصة لتحقيق الشرط الثاني بقتل الملايين من العراقيين بدفعة واحده ، يمكن تعويضها بحرب اهلية يقتل فيها العراقيين بعضهم بعض .
ان نفس الملامة يمكن ان تؤخذ السادة علماء السنة الذين بادروا لتشكيل مرجعية دينية سنية ، للحفاظ على حقوق الطائفة . كان يفترض منهم ان يدركوا جيداً ، ان المستقبل سيكون لمن هو اكثر حرصاً على المصالح الوطنية العراقية ، شيعياً كان او سنيا ً. وهم بهذا السلوك يضيعوا فرصة الاجماع الشعبي الوطني حول ايه شخصية وطنية شيعية او سنية يمكن ان تبرز كممثلة للمصلحة الوطنية ، ويضعفوا موقفه امام حملات التشويه المشبوهة التي ستركز على الانتماء الطائفي لهذا الرمز أو ذاك، عبد الله الركابي أو وميض عمر نظمي ، زيدان خلف النعيمي أو رياض عبد الكريم حسن ، صبيح عبد الله أو عبد الجبار الكبيسي . حارث الضاري أو مقتدى الصدر .... وغيرهم من الوطنيين من ابناء الطائفتين .
ليس هناك في قاموس هرطقات وخرافات اليمين المسيحي المتطرف ما يشير الى ان تعين رئيس وزراء شيعي او سني يمكن ان يعجل بظهور المسيح ، فمعجزه الظهور ليست طائفية ولا اسلامية ايضا ، ولا تميز بين مسلم شيعي او سني . ورد الفعل السياسي الغير مدروس يخدم شئنا ام ابينا مخططات عدو مشترك.
لم يكن موقفاً عفوياً ، كما انه لم شيعياً من الموالين لعلي بن ابي طالب ، من يروج للغة النِسَّبْ السكانية على حساب المصلحة الوطنية . ويجب ان يُفهم على حقيقته ، كأجير مامور ، يردد ما يمليه عليه سيده مقابل أجرا ً، أو وعداً "بملك الري" . كما ان الانجرار ، أو رد الفعل امام هذه الاشاعات والدعايات الموجهة توجيهاً سيكولوجياً مدروساً لا يدل على عمق في الوعي السياسي بالمخططات التي تروج لها قوى الاحتلال . وتخدم او تسهل تحقيق هذه الخطط الاميركية- الصهيونية.
ان الاذلاء من العملاء المأجورين المحسوبين ظلماً على التسنن الذين اتصلو بالحزب الاسلامي يحثونه على المشاركة في مؤتمر لندن مخافة ان يتفق الشيعة مع الاميركان للاستيلاء على الحكم ، معروفين جيداً بأن ليس هناك من رادع اخلاقي يحركهم بعيداً أو يمنعهم من ممارسة العيب ، كما هم المأجورين من الشيعة الذين نشطوا يتباكون على مظلومية الشيعة ، ويبشرون بالفرج في الركض وراء قوى العدوان كي لا تتكرر قصة المؤامرة المزعومة عن اتفاق السنة مع قوى الاحتلال البريطاني في بداية العشرينات من القرن الماضي.
لا..أولئك كانوا حريصين على قيم ومبادئ عمر ، ولا..هؤلاء يؤمنون فعلاً بالمدرسة الاخلاقية للامام علي . بل يقفون بالواقع في صف اعداء عمر وعلي، صف الصليبين والصهاينة، واليمين المسيحي المتطرف .
ان عمر وعلي كانا مدرستين اخلاقيتين ، قبل ان يكونا مجرد خليفتين . الولاء لهما لا يتحقق بتكتيف الايدي او تسبيلها عند الصلاة (هذا اذا كان فعلاً من بين هؤلاء الاجراء من يحفظ القراءات المطلوبة عند الصلاة) ، أو يتولي وزارة تخضع لأمرة الجزمة الاميركية . بل يتحقق اولاً بالالتزام بأخلاقياتهم قولاً وفعلاً ، والارتقاء فوق مستوى النزعات الذاتية ، لا من خلال الطاعة العمياء لتعليمات المعلم بريمر ، أو طمعاً بمكافأته . بل بمعرفة الرسالة الاخلاقية ، والوطنية - العروبية لعمر وعلي .
ان قدسية الارض اي بقعة من الارض لا تأتي من خلال عجن ترابها لصنع "تربة للصلاة" أو بناء قصر عليها ، او الحصول على وزارة لنهب اموال ابناءها. بل من خلال ما تكتنزه من تراث ، وحضارة ، وتفاعل ابناءها مع حركة التطور العالمي في مسيرة الحضارة الانسانية .
وصحيح ان الاسلام كان قد أنطلق من الجزيرة العربية ، لكنه لم ينضج ويتخذ مدارسه الفكرية المعروفة الآن ، إلا في العراق . فهو مهد التشيع الاول كما هو المركز الذي انطلقت منه المذاهب السنية المختلفة ، وظهرت فيه حركات المعتزلة والمرجئه والخوارج ، بل وحتى حركات الزندقة ، والقرامطة.
على ارض العراق تشكلت العقلية الاسلامية . ونضج وتكون "العقل العربي" . ان الشيعي او السني في الهند او باكستان والخارجي في عمان أو المغرب ، بل وحتى الاشتراكي او الشيوعي في روسيا أو البحرين ، يعود الفضل في تشكيل اساليبهم الفكرية بل وحتى بعض انماط سلوكهم وعاداتهم الى نشاطات أما لاهل الكوفة او البصرة او بغداد . فهل نصدق ما يقوله هذا الدعي الشيعي او السني بأن العراقيين بحاجة لعبقرية المعلم الاستاذ الكبير بريم ر، الذي سينقذهم من المخططات المزعومة لشخصية وهمية اسمها "الزرقاوي" . وينسى هؤلاء الادعياء ان ارض العراق تضم اكثر من ستة عواصم لدول كبرى في التاريخ ، بابل وآور ونينوى ، والكوفة وبغداد وسامراء منذ زمن لم يكن هناك كوخاً واحد قد شُيّدَّ في واشنطن او لندن او حتى في بلد الازياء الجميلة ، والجمال والفن باريس .
تلك هي المقدمات الحقيقة التي جعلت من احتلال العراق ، المفتاح، أو الخطوة الاولى للانطلاق نحو تحقيق مشروع الشرق الاوسط الجديد . والاساس للانطلاق لتخريب العقل العربي والاسلامي من هناك من ارض الكرامات ، كما تشكل بالاصل من هناك .
يقول الامام زين العابدين (علي بن الحسين):
" أوليس بدعائهم أياك حين دعوك ، جعلوك قطباً ادارو بك رحى مظالمهم ، وجسراًَ يعبرون عليك الى بلاياهم ، وسُلماً الى ضلالتهم ، داعياً الى غيهم ، سالكاً سبيلهم . يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهال اليهم . فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى اعوانهم إلا دون ما بلغت من اصلاح فسادهم ، واختلاف الخاصة والعامة اليهم . فما اقل ما اعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك . فانظر لنفسك فانه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسئول."
الا يوضح هذا القول ما المطلوب عمله تجاه قوى الاحتلال.. وما هو واجب كل مَنْ هو شيعياً علوياً فعلاً ، لا شعوبياً يتغطى باسماء الموسوي او الياسري ، او الربيعي او الزبيدي ، او الجبوري .. او الشمري ، والحداد والقصاب والباجه جي ( اي بائع لحمة الرأس او الباجه باللهجة العراقية) أو ابن بائع الجوادر ( اي ستائر الخيمة)
الفصل الخامس: المرجعية والتكليف الشرعي والاحتلال
يتعتبر الجهاد عند الشيعة ، كما هو عند بقية المذاهب الاسلامية الاخرى ، ركناً من اركان الدين ، مثله مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج ، ولا يقل اهمية عن اي من هذه العبادات . اتفق فقهاء الشيعة ، من اصحاب المدرستين ، على أحقية الامام الوصي وحده في اعلان الجهاد الابتدائي ، اي حالة اعلان الحرب لفتح بلاد أخرى بهدف نشر الدعوة الاسلامية ، إلا انهم (اي الفقهاء) تركوا حق الافتاء في الجهاد الدفاعي. - اي مقاومة احتلال اجنبي- للفقيه أو المرجع . وكما لاحظنا من خلال سلوك أئمة الشيعة المعصومين ، وحتى غالبية فقهاؤهم ، يميزون بين طبيعة نظام الحكم وشخصية الحاكم وبين البلد او الدولة الاسلامية ، التي تتخذ هويتها هذه من خلال كون جمبيع أو أغلبية سكانها من المسلمين ، كما هي الدولة الاموية والعباسية والعثمانية ، ونفس الامر يمكن ان ينسحب على الدول الاسلامية الحالية والعربية من ضمنها.
لم يشذ السيد السستاني عن هذه القواعد الفقهية التي يجمع عليها مجتهدي ومراجع الشيعة ، والدليل على ذلك مبادرته للافتاء على مقاومة العدوان الاميركي الاخير على العراق ، بأيام قليل قبل الحرب . إلا ان السيد لجأ للعزلة والانزواء بعد انتصار قوى الاحتلال . واثار بذلك تساؤلات الكثير من الشيعة وبقية المسلمين . هل يجوز لزعيم ، قائد ، مرجع ، فقيه ان ينزوي بمثل هذه الاحوال ، وجزمات جنود اليمين المسيحي المتطرف تدوس على كل ما هو مقدس . فجأة خرج السيد من عزلته وصمته ليدعوا لاجراء الانتخابات كبديل عن اتفاق نقل السلطة الذي تم بين بريمر وموظفيه من العراقيين العاملين فيما سُمي بمجلس الحكم . لكن المفارقة العجيبة ان السستاني تخلى أو ألغي مطلبه الخاص في اجراء الانتخابات ، عندما وضع شرط اجرائها بموافقة الامم المتحدة . تلك الهيئة الدولية التي لم يعد يُخفى على الجميع ، في انها تحولت بعد العدوان على العراق – على الاقل- الى شبه مؤسسة تابعة لادارة الرئيس بوش ، تنحصر مسؤولياتها في تبرير التوجهات الاميركية المعادية للعرب والمسلمين ، وشرعنة سلوكيات هذه الادارة . اي انها سوف لن تنصح بأتخاذ موقف يمكن ان يزعج او يشوش على النوايا الاميركية اتجاه العراق . اي كمن يقول انا اطالب بالانتخابات اذا وافقت اميركا على هذا الطلب . أو كمن يقول لجائع منقطع ، يتضور جوعاً ، خذ هذه التفاحة ، سد بها رمقك ، وانقذ حياتك من الموت ولكن انتبه الى ان التفاحة مسمومة..!
فالسيد وكما ذكرنا طالب بالانتخابات ، ورفض هو بنفسه مطلبه بنفس الوقت من خلال نفس الاعلان .
ان مطالبته هذه لا يمكن ان تفهم إلا تحت عنوان "المناورة" اللبقة ، أو صورة من صور استعراض القوة تظل في جوهرها أدنى من ان تثير بحجمها واتجاهها حفيظة قوات الاحتلال ، وتوحي للناس بأنه ادى واجبه الشرعي بمواجهة بعضٍ من ممارسات المحتل . أدرك بريمر طبيعة اللعبة ، فأظهر بشكل مكشوف استخفافه بها ، من خلال تصريحاته المتتالية بالتاكيد على المضي في انجاز ما يسمى باتفاق نقل السلطة . وحرك موظفيه في مجلس الحكم لنقل رسالته هذه للسيد السستاني . شارك الامين العام لهيئة الامم المتحدة بدوره في اللعبة ، فارسل رسالة للسستاني ، نقلها عنه الباجه جي مفادها : "اذا أردنا ان نلتزم بالموعد المحدد لنقل السلطة والسيادة في 30 حزيران الى العراقيين ، من الصعب ان تجري انتخابات تعكس حقيقة الرأي العام الشعبي العراقي ."
ثم تم اخراج اللعبة بالشكل الذي يحفظ ماء وجه السيد ، بتوصية من الابراهيمي مندوب الامين العام لهئية الامم المتحدة ، وبنفس لغة "اللعم" ، التائهة بين لا.. ونعم. نعم للانتخابات لكن الوقت غير مناسب الآن . أو ان "انتخابات مبكرة قد يكون ما شأنها افادة المتطرفين اكثر من المعتدلين ، وقد تعزز انقسام المجتمع العراقي ."
وهي نفس النغمة التي يكلم بها السيد ولو بكلمات ومصطلحات اخرى .
او كما يقول احد موظفي مجلس الحكم عدنان الباجه جي " اذا ما اردنا ان ينتهي الاحتلال وتنتقل السلطة ونحصل على السيادة في 30 حزيران فلا مجال لاجراء انتخابات الان ، الوقت غير كاف ."
اما كيف يمكن ان ينتهي الاحتلال بدون وجود قيادة وطنية يمكن ان تستلم السلطة . واية سيادة هذه التي سيهبها بريمر لموظفيه .!
استثمرت سلطة الاحتلال وموظفيها من العراقيين فرصة دعوة السيد السستاني لاطلاق حملة اعلامية مكثفة لتبرير استمرار الاحتلال بأعتباره "احسن ما تيسر"، وقبول السستاني بتأجيل البحث في موضوع الانتخابات ، يقدم دالة جديدة على صحة ذلك الطرح .
بغض النظر عن صحة او خطأ كل هذه الاطروحات ، إلا ان ما هو ثابت ، هو انتصار ارادة بريمر على كل ما عداه ا. اي انتصار الرأي الذي قال به الحاكم الاميركي في ان ليس هناك من حل بديل لاتفاق نقل السلطة إلا بالطريقة التي ارتأها هو . استوعب بريمر بذلك موقف السستاني نفسه ليحوله الى دليل أخر يؤكد صحة وسلامة خطته . فها هو المرجع الاعلى يتوقف ويسحب مطالبته بالانتخابات – وهذا يعني في المحصلة النهائية القبول باستمرار الاحتلال بشكل سافر ومباشر ، أو بشكله المقنع كما نص على ذلك اتفاق نقل السلطة . وبنفس الطريقة الوقحة التي يصف بها بريمر ابطال المقاومة ، بأنهم اجانب . فانه قد لا يتردد غداً في ان يتهم كل من يطالب بانهاء الاحتلال بأنه خارج على رأي المرجع وقناعاته . وهذا يمثل شكلاً من اشكال الرد على الفقيه، "والرد على الفقيه ... كالراد على الله، وهذا بحكم الشرك." وجزاء "حد الشرك" معروف . من يدري أن لايطرح بريمر نفسه عندها كحاكم بامر المرجعية ، منتقلا تدريجيا ليصل للحاكم بأمر الله .
لعل بريمر استند لهذه القاعدة الشرعية لتبرئة ذمته عند اغتيال الدكتور عبد اللطيف المياح بعد ظهوره على شاشة الجزيرة ليعلن تاييده للمطالبة بالانتخابات . اي ان السيد السستاني وقف موقف من يشرعن استمرار الاحتلال من خلال مطالبته بأجراء الانتخابات ، ومن ثم تراجعه عن هذا المطلب بعد اقتناعه التام برأي الابراهيمي في ان ليس هناك من حل غير ما قال به بريمر.
لم تتوقف سلطة الاحتلال عند هذه الحد لاثبات ان سيادتها تعلو على كل ارادة ، فقامت وبعد ايام قليله من تراجع المرجع عن مطالبته بالانتخابات ، بأبدال المجلس البلدي المحلي في كربلاء ، دون استشارة احد ، أو الاخذ برأي المرجعية في هذا الامر في تحدي مقصود يقول للاخرين أن لا صوت يعلو فوق صوت بريمر حتى في معقل المرجعية نفسها .
كل ما حققه السستاني من مكاسب في لعبة المطالبة بالانتخابات ، هو الظهور الاعلامي المكثف على الصفحات الاولى لكبريات الصحف العالمية ، وشاشات التلفزيون .
عند تحليل معنى هذه الحملة الاعلامية المكثفة ، وفقاً لمناهج الحرب النفسية ، ومناهج علم النفس الاجتماعي في الدعاية والاعلان ، يمكن القول ان الغاية المرجوة من هذه الرسالة هي: لاحظوا ان هذا الرجل العظيم الحريص على مصلحة شعبه، اقتنع اخيراً ان ليس هناك من حل لمستقبل العراق غير ما تراه وتخطط له سلطة الاحتلال.
حاشى ان نتهم السيد بما يمكن ان يوحي بالمساس بنزاهته ووطنيته ، لكن ما لا يمكن تجاوزه هو انه اجتهد فأخطأ ، خطأً جسيماً يحسب عليه بحسابات غلطة الشاطر ، وقدم بذلك خدمات جليلة ما كانت تحلم بها قوة الاحتلال ولا حتى في الخيال . إلا ان ما يتمناه المرء هو ان لا يكون هذا الخطأ اساساً لتراكمات جديدة من الاخطاء ، بما يمكن ان يجعله في موقف لا يحسد عليه ، دنياً ولا دنيا .
الفصل السادس :مصادر الخطأ:
لا شك ان هناك اسباب مختلفة مباشرة او غير مباشرة هي التي قادت السيد السستاني للوقوع بمثل هذا الخطأ ، يمكن تشخيص بعضها بما يلي:
1- بعد احتلال بغداد ، بالرغم من ان السستاني كان قد افتى بالجهاد ضد العدوان انزوى السيد واعتكف في منزله ، وكما مر الاشارة له ، في وقت كان فيه الناس في احوج ما يمكن لقيادة ، او زعامة دينية ، تهدأ من حالة الاهتزاز الفكري والتشوش النفسي الذي عانوا منه. وكما هو ثابت علمياً ، يشعر الانسان عادة بالحاجة للقيم الروحية والدينية لتدئة مشاعر الاحباط والاحساس بالفشل والهزيمة عند وقوع الشدائد والمصائب الكبيرة .
ان انسحاب السيد السستاني هذا ، خلق حالة من الفراغ في القيادة الدينية أو الروحية ، مما فتح الباب واسعاً اما السيد مقتدى الصدر لأن يأخذ هذا الدور ، رغم انه ليس مرجعاً دينياً ولا فقيه ، بل رجل دين ، وابن مرجع كبير ، تداخلت هذه العوامل مع ما عنده من سمات الزعامة والقيادة ، والقدرة على التعبير عن مطالب شعبه بطوائفه المختلفة ، فألتف حوله مقلدي ابيه مع اعداد كبيرة من الشباب الشيعة ممن تتأجج فيهم المشاعر الوطنية والرغبة في الخلاص من الاحتلال.
ان الظهور الكبير للسيد مقتدى الصدر، ولا شك سيكون له اثاره في تأجيج نزعات الحسد والغيرة عند البعض من اتباع السيد السستاني ، خاصة حاشيته ووكلائه ، الذين لابد أنهم عانوا من الاحساس بفراغ وغموض الموقف الذي يعيشونه. هذا اضافة الى ان وسائل الاعلام بدأت تعرض صور وتصريحات وكلاء السيد الصدر ، مهملةً بشكل كلي السستاني ووكلاءه .
لا شك ان مشاعر الحسد تفاعلت بشدة مع المركبات اللاشعورية للأحساس بالذنب ، وما تخلقه هذه التقاعلات من اوهام ، فتخيل بعضهم وكأن السيد مقتدى يشكل حاجزاً بينهم وبين رغبتهم في اداء ادوارهم الوطنية أو الاجتماعية ، عبرت هذه الانفعالات عن نفسها بتوجهات بعيدة عن ما مطلوب منهم عمله في هذه المرحلة وبدأت تظهر مشاكل هي أبعد عن الدين أو الموقف المناسب للتعامل المعاناه الوطنية ، وغدت الامور الثانوية التي يمكن ان تندرج تحت مفهوم المنافسة على الزعامة وكانها هي السبب وراء ما ألت اليه الحالة في العراق ، وتناقلت وسائل الاعلام الاخبار عن صراعات حول من يمتلك الاحقية في ادارة العتبات المقدسة وهل يمتلك السيد مقتدى الصدر الحق في ان يحتل موقع المرجعية وشنوا ضده حملة قوية لتسفيه شعاراته ومواقفه الوطنية ، سبيهة بتلك الحملة التي شُنت على المرحوم الشهيد والده السيد محمد صادق الصدر ،بدوافع الخوف من قيادته التي بدات من خلال استقطابها للناس تشكل تهديدا لطموحات الزعامة التي تضغط على نفوس بعضهم بشكل مرضي.
سواءً اكانت مشاعر الحسد هذه قد نفذت تلقائيا ً، ويحكم الطبيعة البشرية، لنفس السيد السستاني ، أو انها أُستُثيرت من خلال حاشيته واتباعة الذين امتعضوا من ارتفاع اسهم شعبية السيد مقتدى الصدر ، فكان رد فعل السيد السستاني ، على ما يبدو ، بطريقة تشبه محاولة تاكيد الذات ، وأشعار الاخرين بوجوده ، وحجم قوته. لكنه لم ينطلق في ذلك من موقعه كفقيه ، وهو ما يتفوق فيه على السيد مقتدى الصدر أو اي من الزعامات الدينية الاخرى. بل حاول ان يضع نفسه يموقع الزعيم الشعبي ، وبرؤى سياسية ، محكومة بعقدة الحفاظ على الموقف الوسط ، أو المنزلة بين المنزلتين المعتزليه ، التعبير عن رغبة القاعدة العريضة من ابناء الطائفة في الاستقلال ورفض الاحتلال ، وتحاشي الاصطدام بقوى الاحتلال ، أو أثارة امتعاضها منه . فكانت لعبة المطالبة بالانتخابات ، وتعطيل هذا الطلب بربطه بارادة الامين العام لهئية الامم المتحدة ، لا بأرادة الشعب .
أي انه انطلق من موقع الزعيم السياسي ليدعم زعامته الدينية ، فسجل فشلاً في ترسيخ دوره السياسي وبشكل يمكن ان يضعف مكانته الدينية.مع انه كان له يمكن ان يكسب الزعامتين الروحيه والسياسيه ، لو انه قد انطلق من موقع الفقيه ، باعلان ما مكلف به من واجب شرعي والافتاء بالجهاد الدفاعي ، أو على الاقل الافتاء بمقاطعة المحتل وتحريم التعاون معه اذا كان هناك من الموانع العامة أو الشخصية ما يجعله يتردد في الافتاء بالجهاد. فمن الصعب ان يقتنع المسلم العراقي ، شيعياً أو سنياً ، ان منح امتياز زراعة وتوزيع التنباك في ايران لشركة بريطانيه ، اكثر اهمية في استثارة المرجعية من احتلال العراق ، وتخريب بناه الاقتصادية والاجتماعية ، وانتهاك حرماته المقدسة .
2- ان عملية اتخاذ القرار وهي عند المرجعية تساوي تحديد أو استنباط الموقف الشرعي من موضوع ما ، تعتمد عادة على مجموعة كبيرة من العوامل ، اهمها مصادر الحصول على المعلومات عن الموقف المطلوب اتخاذ قرار بصدده .
ومصادر المعلومات عند المرجعية تعتمد على ركيزتين:
الاولى: الحاشية: وتعني مجموعة المساعدين المقربين للمرجع والذين يساهموا بأدارة الشؤون اليومية للمرجعية . كجباية الاموال ، والاشراف على توزيع بعضها ، والاشراف على الاوقاف والمدارس الدينية ، وتنظيم مواعيد المرجع ، واستقبال ضيوفه ، وغيرها من الشؤون الاخرى .
وتضم عادة اولاده أو بعض من اقاربه.
ويتميز افراد الحاشية بقدراتهم على التأثير في عقلية المرجع وتوجهاته ، بحكم ما يمنحه القرب والتعامل اليومي من امكانية التعرف على طرق تفكير المرجع ورغباته ، وما يثير حنقة أو رضاه.
الثانية: مجموعة الوكلاء: وتتشكل في العادة من ممثلي المرجع في المدن والمناطق المختلفة . ويقوم الوكيل عادة ، بكل ما تقوم به الحاشية ضمن حدود المدينة او المنطقة منسب للعمل بها. اضافة للصلاة بالناس ، والارشاد ، ونقل فتاوي المرجع واجتهاداته لمقلديه.
هناك دائماً نوع من التنافس او الصراع الخفي بين هذين المصدرين ، ويتهم الوكلاء افراد الحاشية ، بأنهم ينزعون الى محاصرة المرجع وعزله عن مقلديه ، ووكلائه ، ومنع وصول الحقيقة أليه، كما هي في الواقع. وينَسِبْ الوكلاء اخطاء المرجع الى الحاشية، وعدم امانتهم في نقل الحقيقة اليه.
ولسنا على اتصال ، أو معرفة مباشرة بالحاشية المحيطة بالسيد السستاني ، للحكم عليها ، لكن ما يلاحظه الناس من بعض "اجازات الوكالة" التي منها السيد لبعض الناس الذين ليسوا غير مؤهلين ، فقط ، بل هم اقرب في ممارساتهم اليومية لدور رجل الاعمال ، او البائع المتجول وحتى دور النصاب منه لرجل الدين التقي الورع المؤهل لان يمثل المرجعية . وعند الاستفسار عن المعايير التي اعتمدها السيد في منح مثل هذه الاجازات ، يكتشف الانسان ان هذه الاجازات يمكن ان تباع وتشترى في بعض الاحيان دون اعتبار الاهلية الشخص . يمنح السيد هذه الوكالات على اساس تزكية اثنين من وكلاءه ، أو احد الوكلاء ، وأخر من الحاشية .كل اهلية هؤلاء الوكلاء على المرجعية هي قدراتهم بالاتصال بتجار الخليج ، والاحتيال عليهم باسم المرجع للحصول منهم على مالديهم من اموال الحقوق والخمس والزكاة والتبرعات ، التي لا يصل منها في المحصلة النهائية لميزانية المرجعية إلا أذن الجمل ، الذي يذهب جميعه وبما حمل لصالح (رجل الاعمال هذا- الوكيل) واولئك الذين رشحوه أو اعانوه على الحصول على الوكالة.
عندما تكون مصادر معومات صاحب القرار منخوره او فاسدة بهذا الشكل ، سيكون القرار بالنتيجة ضعيفاً او بعيداً عن ملامسة جوهر المشكلة المطروحة ، ولا يدل هذا على خلل في أعلمية السيد السستاني الذي شهد له بها الجميع . بل يكون في مثل هذه الحالات بموقع الضحية . لكنه هنا يمثل مرحلة من تاريخ المرجعية أو الطائفة عامة ، تصبح الطائفة مجسدة بمرجعيته هي الضحية.
يأمل الانسان ان يتجاوز السيد مكامن الخلل هذه ، منعاً من الوصول لحالة من تراكم الاخطاء الى الحد الذي لا يتمناه الانسان ، وان يأخذ المرجع دوره المكلف به شرعاً لمواجهة المحنة التي يمر بها شعبنا المسلم في العراق بشيعته وسنته ، دون حساب لرضى أو زعل هذا الطرف أوذاك ، وبما يحقق مرضاة رب العالمين . بذلك سيتبؤا السيد الزعامتين الروحية والسياسية بدون منازع والله من وراء القصد . ويشهد الله اني كتبت ما كتبت حباً ، وتقديرا ً، واجلالاً لمكانة السيد السستاني ، أملاً وكل المخلصين من ابناء الطائفة ، ان نكون جنداً بقيادته ، لعل الله يغفر لنا ما تقدم أو تأخر من الذنوب ، وعلى اساس الرأي القائل صديقك من صدَّقْك لا من صَدَقك.
والموت حق ، وقد علمنا جدنا الامام الحسين ، صحة ما قاله الفيلسوف اليوناني ارسطو ، حين وصف موت الجبناء بالموت غرقاً أو الموت على فراش المرض ، واسمح لنفسي في ان اتفلسف أو أتطفل على الفلسفة ، فاضيف لهما الموت بحادث سيارة ، أو بصاروخ اميركي ، او اسرائيلي جاء خطأ ليهدم بيت أو يقتل اولئك الذين اختاروا حالة "احسن ما تيسر" ، واطفالهم ، ليجلسوا ويتباكوا على منازلهم وذويهم ، او يصرخوا هل تقبل هذا ياعلي ، يا ابا عبد الله الحسين ، وكأن الحسين قد قال لهم ان يركنوا للذل والاستكانة والتباكي امام عدوان غاشم .
albasry
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |