معارضة قصيدة كعب بن زهير بن أبي سلمى الموسومة بـ: البردة التي مطلعها:
بَانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ ** مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا ** إِلا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكْحولُ
والمعارضة تعني أن ينظم الشاعر على وزن ورويّ قصيدة ما لخصوصية في تلك القصيدة وقصيدة البردة من أشهر القصائد وأروعها وكيف لا تكون كذلك وقد قيلت بمدح سيد الخلق أجمعين.
وقد عارض هذه القصيدة جمٌّ غفيرٌ من عمالقة الأدب الإسلامي كابن جابر الأندلسي والصفي الحلي والإمام البوصيري والإمام الصرصري البغدادي وابن نباتة المصري والنواجي ومليك الحموي وغيرهم من كبار شعراء المسلمين قديماً وحديثا وقد أحببت أن أنتظم في سلك هؤلاء الذين ذابوا في النبي الأكرم حباً وهياماً عسى أن يكون ما أقدمه من مديح وسيلة لنيل الشفاعة بعد أن خانت بي الأعمال الصالحة فجافتني وأحدقت بي الطالحة فأوجفت بي حيث موارد الهلكة سائلاً النبي الأعظم قبولها جهد مقل ببركة الزهراء صلى الله عليهما وآلهما وسلم.
والقصيدة طويلة آثرت نشر بعضها فاخترت منها:
.
دَعْ ذِكْرَهُنَّ فَإنَّ القَلْبَ مَشْغولُ ** بِمَنْ لهُ شَرَفُ الدَّارَينِ مَوْصولُ
بِمَنْ لهُ جاءَتِ الدُّنيا بِحُلَّتِها ** وَحَلْيِها وَعَليهَا النَّجْمُ إكْليلُ(١)
وَدونَها أَبْحُرُ الذِّهْبانِ زَاخِرَةً ** بِمَا يَضيقُ بِوَصْفِ الحَالِ تَخْييلُ(٢)
فَعَافَها حَيْثُ لَمْ يَطْرِفْ لَها بَصَرٌ ** وَالقَلْبُ عَنْ ذِكْرِها بِالذِّكْرِ مَتْبولُ
مِثْلَ السَّليمِ تَحَامى لِينَ مَلْمَسِهَا ** وَكَمْ جِبِلٍّ بِها في لَمْسِهَا غِيلوا(٣)
بِهَا تَصَدَّقَ لِلأُخْرى فَكَانَ لَهُ ** فِيهِنَّ فَوْقَ جَميعِ الخَلْقِ تَفْضيلُ(٤)
وَكَيْفَ تُغري نَبِيَّاً مِنْ صَنَائِعِهِ ** هذا الوجودُ وَمَا في القَوْلِ تَأْويلُ
هُوَ الرَّسولُ الَّذي رَاعَى رِسَالَتَهُ ** مِنَ الرِّسَالاتِ تَعْظيمٌ وَتَبْجيلُ
فَالأنبياءُ جَميعاً جُنْدُهُ وَلَهُ ** بَعْثُ النُّبُوَّاتِ كُلٌّ مِنْهُ مَسْؤولُ
وَهْوَ الشَّهيدُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ مَبْعَثِهِمْ ** لِلحَشْرِ في ذاكَ ما لا شَكَّ تَنْزيلُ
شاءَ الإلهُ وفي ذَا حِكْمَةٌ قُضِيَتْ ** وَسُنَّةٌ لَيسَ فيها قَطُْ تَحْويلُ
وَنَوَّهَتْ بِاسْمِهِ مِنْ قَبْلِ بِعْثَتِهِ ** دُونَ النَّبِيينَ تَوْراةٌ وَإنجيلُ
مَنْ سَاعِدَاهُ عَلَى الجُلَّى يُقَارِعُهَا ** في مَحْقِهِ الشِّرْكَ مِيكَالٌ وَجِبْريلُ
وَإِنَّهُ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ غَامِرَةً ** كُلَّ الخَلائِقِ لِلرَّحمنِ تَمْثيلُ
وَإِنْ سَطَا فَعَليٌّ كَانَ صَارِمَهُ ** وَهْوَ المُجَلّي إذَا اظْلَمَّتْ أَهَاويلُ
فَسَيفُهُ في يَدِ الكَرَّارِ حَيدَرَةٍ ** تَحْكي وَقَائِعَهُ الطَيْرٌ الأَبَابيلُ
سَلْ عَنهُ بَدْرَاً وَأُحْدَاً مَنْ سِوَاُه إذَا ** حُمَّ البَلاءُ وَلَيْلُ المَوْتِ مَسْدولُ
ومنها:
جَزَتْ قُرَيْشَ الجَوَازي عَنْ نِكَايَتِها ** بِأَحْمَدٍ إنَّ مَنْ عَادَاهُ مَخْذولُ
مَا سَلَّ سَيفاً إلى أنْ نَاجَزوهُ عَلَى ** حَرْبٍ فَأَمْطَرَتِ الأقْوامَ سِجّيلُ
وَلَمْ يَكُنْ طَالِباً مِلْكَاً لِيَأْخُذَهُ ** بِالسَّيْفِ بَلْ جَاءَ كَيْ تَفْنَى العَقَابيلُ(٥)
يَجلو دَجِيَّ نُفوسٍ لا شِفاءَ لَها ** إلاّ حُسَامٌ لِمَحْقِ الظُّلْمِ مَسْلولُ
فَالمُصطَفى جاءَ يَدعوهُمْ لِيُنْقِذَهُمْ ** مِنَ الضَّلالِ وَفي كَفَّيْهِ تَنْزيلُ
نورٌ مِنَ اللهِ قُرآنٌ يَفيضُ هُدىً ** يَهْدي الُمِضِلَّ إذَا غَامَتْ أَضَاليلُ
وَلَمْ يَكُنْ يَبتغي أَجْرَاً لِدَعْوَتِهِ ** إِلاْ المَوَدَّةَ في القُرْبى وَقَدْ غِيلوا
آلُ النَّبِيِّ مَضَوا والحَشْرُ مَوْعِدُهُمْ ** عَندَ النَّبِيِْ فَمَسْمومٌ وَمَقْتولُ
وَجَدُّهُمْ وَهُوَ المَبْعوثُ مَرْحَمَةً ** أَفْنَى بَنِيهِ مَنَ الأَقْوامِ تَنْكيلُ
وَهْوَ الشَّفيعُ وَكُلٌّ في شَفَاعَتِهِ ** مُؤَمِّلٌ قَدْ يَخونُ الْمَرْءَ تَأْميلُ
وَا سَوْأَتاهُ إذَا مَا قالَ لي وَأَنَا ** أَرْجو الشَّفاعَةَ: أنتَ اليَوْمَ مَخْذولُ
وَالَيْتَ قَوْمَاً بَغَوا بَعْدي وَمَا رَحِموا ** أَهْلي فَجَمْعُهُمُ بِالطَّفِّ مَفْلولُ
هَذَا الحُسَيْنُ ثَلاثَاً بِالعَرَاءِ لَقَىً ** مُزَمَّلاً بالدِّما يَكْسوهْ تَرْميلُ
جَالَتْ عَلَيهِ خُيولُ الحِقْدِ ضَابِحَةً ** وَالرْأسُ مِنْهُ على الخَطِّيِّ مَحْمولُ(٦)
وَذِي بَنَاتي سَبايَا لِلشَّآمِ سَرَتْ ** تَطْوي بِهِنَّ الفَلا عُجْفٌ مَهَازيلُ
يَحْدو بِهِنَّ رِجَالٌ لا خَلاقَ لَهُمْ ** مُرَوَّعاتٍ يَسوقُ الظَّعْنَ تَهْويلُ
هَذِي السَّبَايَا وَذَا زَيْنُ العِبَادِ لَهَا ** رَاعٍ عَليلٌ أَسيرٌ وَهْوَ مَغْلولُ
لَمْ يَلْقَ منكُمْ سِوَى جَوْرٍ وَمَظْلَمَةٍ ** مِنْ كَفِّ آسِرِهِ (لَمْ يُفْدَ مَكْبولُ)
هَلْ غَابَ عَنْكُمْ مُصابُ الطَّفِّ أَمْ لَعِبَتْ ** فيكُمْ على الغَيِّ والجَهْلِ الأَضَاليلُ
سُحْقَاً وَبُعْدَاً لِمَنْ عَاثَ الضَّلالُ بِهِ ** يا عُصْبَةَ الغَدْرِ وَعْدُ اللهِ مَفْعولُ
ميعادُنَا الحَشْرُ إنْ جاءوا بِنَا زُمَرَاً ** فَأَيُّنَا بِوُرودِ الحَوْضِ مَشْمولُ
أَ مَعْشَرٌ شَايَعوا آلَ النَّبِيِّ وَمَا ** زَالوا على العَهْدِ جِيلٌ بَعدَهُ جِيلُ
أَمْ مَعْشَرٌ شَايَعوا الأرْجَاسَ وَاتَّخَذوا ** أٍمَيْةَ الغَدْرِ تُغْريهِمْ أَبَاطيلُ
وَمَا مَقَاليَ للتَّعْريضِ جِئْتُ بِهِ ** فَلَسْتُ عَنْ أَحَدٍ في الحَشْرِ مَسؤولُ
وَمَا قَلَيْتُ بِقَوْلي غَيْرَ ذي إِحَنٍ ** لَهُ عَلَى قَتْلِنَا التَّبْديعُ تَدْليلُ
بَانَتْ سُعَادُ وَبِنْتُمْ لا أباً لَكُمُ ** عَنْ نَهْجِ أحْمَدَ يَحْدو الرَّكْبَ ضِلّيلُ
مَا مِزْتُمُ بينَ أَهْلِ الطُّهْرِ مَنْزِلَةً ** وَبَيْنَ رِجْسٍ عليهِ اللَّعْنُ مَوْصولُ
شَايَعْتُمُ مِنْ بَني سُفْياَنَ شِرْذِمَةً ** مِنْ ظُلْمِهِمْ بَادَ مَعْمورٌ وَمَأْهولُ
سبّوا علياً جِهَاراً في مَساجدِكُمْ ** تِسعينَ عَاماً وقُلتمْ: ذاكَ مَغفولُ
إلى أن أقول:
يا ربِّ بالمصطفى المُختارِ مِنْ مُضَرٍ ** عُذْرَاً وَإنَّ لَدَيْكَ العُذْرُ مَقبولُ
واغْفِرْ لمن جاءَ في مَدْحِ النبيِّ فما ** حُبّي مَشوبٌ لَهُ يَوماً وَمَدْخولُ
وآلِهِ خِيرَةِ الأطهارِ مَنْ بِهِمُ ** نرجو النَّجاةَ إذَا مَا غَالَتِ الغُولُ
هُمْ عُدَّتي في مَعَاديْ ليس لي عَمَلٌ ** أرجوُهُ إنَّ رَجَائي مِنْكَ مَأْمولُ
ـــــــــــــــــــــــــــ
١ـ الحُلَّة جمعها حُلَل: ما يتزين به من ثياب. الحَلْيُ: ما يتزين به من ذهب وغيره.
٢ـ الذِّهْبانُ: جمع الذهب.
٣ـ السَّليم: الذي لدغته أفعى أو لسبته عقرب فنجا من ذلك فهو يخاف من تلك الهوامِّ أكثر من غيره.]
[عافَ: ترك الشيء رغبة عنه أو كرهاً له كأن عاف الطعام كرهته نفسه وعاف الماء تركه وهو عطشان. طَرَفَتِ العينُ: النظر بحانب العين كناية عن الإستخفاف بالشيء الذي يُنظر إليه. ووما يقابله شُخوصُ البَصَر. الذِّكْرُ: ذكر الله وما جاء في القرآن من الذكرى وقد يطلق على القرآن كله. مَتْبولِ: اسم مفعول من تَبَلَ الحبُّ فلاناً إذا أسقمه وذهب بعقله.
٤ـ بمعنى أنه صلوات الله عليه وآله تصدق بالدنيا للآخرة فنالهما جميعاً.
٥ـ العقابيل مفردها عقبولة: بقية الداء والعداوة والأضغان وغير ذلك.
٦ـ الخَطْي: نوع من الرماح.