تأريخ حزبي طالباني وبارزاني
مـع الموسـاد ...
د. عماد محمد الحفيّظ
في البدء كان بن غوريون يؤمن بضرورة العمل على استمرار نشاط الموساد في مصر والعراق، ووضع خطة تقضي بتأسيس موضع قدم لهم في منطقة كردستان العراق، والتي ستعتبر مهمة بالنسبة للكيان الصهيوني أي إسرائيل في المستقبل.. وهذا ينطلق من فلسفة بن غوريون بالإعتماد على الأقليات غير العربية والأقليات الدينية غير الإسلامية أو الأقليات من الطوائف الإسلامية في الدول العربية الموجودة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا..!
ومن الغريب أن الأمريكان قاموا بإرسال صفقة أسلحة الى حكومة بغداد عبر تركيا وإيران لإستخدامها في قتال ضد الأكراد خلال حكم عبد الكريم قاسم عام1961 ...! كما قامت الولايات المتحدة بإسداء النصيحة الى جلال الطالباني رئيس ما يسمى بجمهورية العراق الحالي (2005 - 2008 ميلادية)، بإيقاف عمليات تمرد البارزاني الأب ضد حكومة بغداد والتي كان قد بدأها في عام 1961 وتم تنفيذ ذلك فعلاً وقد أوقف البارزاني تمرده ضد حكومة عبد الكريم قاسم فعلا...!
ثم جاء التأييد الأكثر جدية وفعلية من قبل إسرائيل للبارزاني الأب في عام 1964 حين تسلم (مائير أميت) رئاسة الموساد، ولو أن العلاقة كانت ترجع الى ما قبل ذلك العام أي منذ قبل عهد أميت بالنية للموساد دون أن يكون لها دائرة متخصّصة للعملاء في كردستان العراق.
دور المحافظين الجدد في تجنيد حزبي العميلين بارزاني وطالباني :
إجتمع (شيمون بيريز) وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك مع أحد قيادات بارزاني الأب والذي كان يعمل جاسوساً لصالح إسرائيل منذ الأشهر الأولى من قيام إسرائيل أي منذ عام 1948 ميلادية، وهو العميل (خمران علي بدرخان).
في 1965، وفي آب من تلك السنة، نظم الموساد دورة تدريبية لمدة ثلاثة أشهر لمقاتلي (البيشمركه) ميليشيات البارزاني المسلحة والعميلة والتي كان جزءاً منها جلال طالباني كأحد القياديين عند بارزاني الأب حين ذاك، وأعقبتها دورات مشابهة لمجموعات أخرى من عملاء البارزاني.. وقد أطلق على الدورة الأولى الإسم الرمزي (مارفاد) أي السجادة...!
في أواخر صيف 1966، طلب إثنان من مساعدي (ليفي أشكول) رئيس وزراء الكيان الصهيوني من المتخصصين بالشؤون العربية، بالقيام بعملية مسح في كردستان العراق وبالتنسيق مع البارزاني الأب لغرض تقديم دراسة ميدانية.. وقد تم إعداد الدراسة وإعتمادها من قبل الموساد، ووضع البرنامج تحت رئاسة (حاييم ليفاكوف)، حيث تم إرسال فريق طبي من أطباء وممرضين اسرائيليين مع مستشفى عسكري ميداني الى منطقة كردستان العراق، وتم نقلهم بالطريق البري من إيران..!
يقول (إلييف) سكرتير حزب العمل الإسرائيلي في بداية السبعينات، أنه وصل الى (حاج عمران) في كردستان العراق على رأس وفد إسرائيلي، وقد نظّمت الزيارة بواسطة (أحمد الجلبي) وهو عميل صهيوأمريكي وإيراني طائفي صفوي مزدوج وكان ذلك عام 1972، وكان بانتظارنا (كما قال إلييف) بعض مساعدي البارزاني الأب، وبعد قضاء ليلة هناك، أخذونا على البغال الى المقر السري للبرزاني في الجبال..! وكان لقاؤنا ودياً وحميماً.
ناقشنا خلال اللقاء المساعدات الإسرائيلية لميليشيات بيشمركة بارزاني الأب، وقد قال لي (أي لإلييف) مصطفى البرزاني بالنص ((أرجوا إبلاغ رئيس الوزراء والوزراء الإسرائيليين أننا 'إخوة' وسوف لن ننسى 'أفضالكم' هذه ولن ننسى أن الإسرائيليين أول وأفظل من ساعدنا في ساعة الشدّة..!!)) ثم قدم البارزاني خنجره الخاص هدية لي (أي الى إلييف)، وأعطاني خنجرا آخر لأقدمه بإسمه الى صديقه رئيس الكنيست حين ذاك..!
عندما كشف (إلييف) هذه المعلومات في 1978، كان البارزاني مريضاً ومسلوب القوى، يعيش أشهره الأخيرة (سجيناً) لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية متنقلا مابين الفندق والمستشفى في واشنطن...!.. ويضيف (ألييف) أن عضو الكونغرس الأمريكي (ستيفن سولارز) اليهودي، قد أبلغه بأنه يتمنى أن لا تكون نهاية البرزاني أنتهاء للعلاقة بين الأكراد وإسرائيل...!
خلال شهر العسل الأسرائيلي ـ البارزاني، قام البرزاني بعدة زيارات الى إسرائيل، زار خلالها المستوطنات الإسرائيلية وقادة سياسيين بارزين من أمثال (مناحيم بيغن وموشي دايان وأبا إيبان وشيمون بيريز).. وغيرهم..! كما أن الموساد كان قد أسس نواة المخابرات البارزانية ودعمها والتي أطلق عليها (الباراستان) وكان المنسق في ذلك (مردخاي هود) في إسرائيل و(إلياهو كوهين) في مقر البرزاني في كردستان..! وكانت تصل الى البرزاني شهرياً دفعة مالية بمقدار 50000 دولار لإستخدامها في التهيأة لإعداد مقاتلي البيشمركة والقيام بعمليات لإشغال الجيش العراقي...!!!
يقول الكاتب الإسرائيلي (أليزير زافير) في كتابه (أنا كردي) أن العلاقة المذكورة هي فرصة يجب إستثمارها لجعل العلاقة بين إسرائيل والبارزاني الأب متينة ومتواصلة وذلك لإبقاء الجيش العراقي بعيداً عن إسرائيل.. وهو الجيش الذي تتطلع إسرائيل أن تراه قد إنتهى..!! كما أن العلاقة مهمة لتقوية علاقة إيران بإسرائيل والبارزاني...!
إستمرار العمالة :
دور الولايات المتحدة الذي بدأ لاحقاً بسيناريو مختلف عن التعاطف الإسرائيلي مع البارزاني وحب البارزاني لإسرائيل ونحن هنا نتكلم عن السياسيين والقادة من الطرفين وليس عن الشعوب..
فهنري كيسنجر، الذي خدم كوزير للخارجية الأمريكية مابين سبتمبر 1973 ويناير 1977، كما عمل كذلك مستشاراً للأمن القومي من يناير 1969 وحتى نوفمبر 1975.. وكان المقرر والمخطط للسياسة الأمريكية طوال تلك السنوات، واللاعب الرئيسي الذي له بصماته في كثير من الأحداث العالمية.. إستعرض في الفصل الثالث من مذكراته التي نشرت تحت عنوان (سنوات التجديد) في عام 1999، التحدث عن العلاقة (الأمريكية ـ الإسرائيلية ـ الإيرانية ـ البارزانية)، والتي لعبت دوراً في السبعينات، وعن أهمية ودور تلك العلاقة.
الحقيقة أن ما ورد في تلك المذكرات، يضع النقاط على الحروف في سياسة بوش وخططه قبل غزوه للعراق عام 2003 ولحد الآن، فلقد إستطاعت الموساد الإسرائيلية الصهيونية إستغفال حزبي العميلين طالباني وبارزاني حينما قالوا لهم عن قيام فريق من الباحثين، بتحليل 526 كروموسوم 'واي'، وذلك في عام2001 .. حيث أخذت الكروموسومات من ست مجموعات هم : أكراد يهود (في إسرائيل)، أكراد مسلمين (في العراق)، فلسطينيين عرب، يهود شرقيين (في إسرائيل)، يهود غربيين (في إسرائيل)، وبدو فلسطينيين مسلمين عرب من صحراء النقب... وقد أظهر التحليل كما قالت الموساد، أن كروموسومات اليهود الشرقيين وأكراد العراق تتطابق الى حد بعيد كما قالت الموساد الإسرائيلية في البحث المزمع، وهذه المعلومات علمياً غير دقيقة خاصة اذا علمنا ان الأخوة الأكراد هم من العرق الآري الذي يعود الى نسل حام بن نوح وهو عرق آسيوي أوربي، بينما اليهود هم ساميون كما هو حال العرب والذين يعودون الى سام بن نوح وهو عرق شرق أوسطي، وإذا أرادوا القول ان هناك إشتراك وراثي بين أكراد العراق واليهود الشرقيين في إسرائيل فإن ذلك يعود الى إمتزاج الكروموسومات العراقية بدءاً من الآشوريين والبابليين ووصولا الى العراقيين العرب والتي تمثل خلاصة الإمتزاج الكروموسومي لمختلف الأجيال العراقية والتي إمتزجت على مدى عشرات القرون مع الكروموسومات اليهودية بدءاً من السبي الآشوري ثم السبي البابلي وبقاء اليهود في العراق دون العودة الى فلسطين بعد ذلك وعلى مدى عدّة قرون، ولذلك فإن الكروموسومات العراقية عموماً هي الأقرب الى كروموسومات اليهود ولذلك فالكروموسومات الكردية العراقية كما هو الحال بالنسبة للكروموسومات العراقية والذين يشتركون وعلى مدى مئات السنين في الآباء.
من المؤسف إنطلت هذه الخدعة الإستخبارية الموسادية الإسرائيلية الصهيونية على الكثيرين في كردستان العراق، ولذلك فإن إسرائيل حينما قرّرت أخذ أعداد من أطفال العراق بحجّة العلاج الطبي هو لإستكمال دراساتهم على الكروموسومات العراقية في الأجيال العراقية الحديثة مع الكروموسومات اليهودية المأخوذة من الأجيال الحديثة في إسرائيل لدراسة هذه الحقيقة العلمية.
لذلك حينما يتحدّث كيسنجر عن المصالح الصهيوأمريكية في العراق ومدى إمكانية توظيف الأخوة الأكراد لهذه الأغراض الدنيئة فيقول : إن حماية الأكراد من القوة العسكرية العراقية، كان يتطلب تدخلات وإرتباطات أمريكية كبيرة ومعقدة، في وقت كانت علاقة الشرق بالغرب تسوء وتضعف.. كما أن محادثات السلام العربية ـ الإسرائيلية لم تكن تسير بشكل جيد.
أصبحت إدارة بوش تحت النار من معارضيها بسبب نتائج حرب العراق وأفغانستان، والمشاكل الداخلية.. وأن تحقيق رغبة أكراد العراق في التجهيز والدعم للإنفصال عن العراق، يجب أن توزن بالقياس الى موقعهم الجغرافي في المنطقة العربية وفي تركيا وإيران مع الأخذ بنظر الإعتبار المصالح الأمريكية لدى أصدقائها من الدول العربية الغنية بالنفط، وهنا ترتسم المحصلة النهائية للإحتلالين وعملائهم في العراق وأسباب الإحتلال عام2003 ..!
ويلاحظ من سرد كيسنجر هنا في التحدث عن الوضع الإقليمي العربي والعالمي قبل 30 عاماً، أنه يكاد يتطابق بشكل كامل مع الوضع الحالي في العراق.. فحرب فيتنام ومشاكل إدارة نيكسون الداخلية والخارجية.. يقابلها حرب العراق ومشاكل إدارة بوش الداخلية والخارجية..!
عند هذا التقاطع في المصالح الصهيوأمريكية جاءت مطالب البارزاني الأب آنذاك بالدعم العسكري واللوجستي والسياسي من الأمريكان وإسرائيل.. ومطالب البارزاني الإبن والطالباني الحالية في الإستقلال بعد ضم مساحات واسعة لاحقاً من محافظات (الموصل وصلاح الدين وديالى وواسط وميسان وكافة محافظة كركوك) والتأثير في الموقف العراقي كبلد عربي أي طمس عروبته...! وتعقيد الوضع العربي الإسرائيلي في لبنان ومع السلطة الفلسطينية في الوقت الحاضر.. ولهذا يمكن القول أن أفق كيسنجر السياسي لا يزال يطغي على خطط بوش الحالية حتى نهاية فترة حكم بوش لأمريكا في نهاية عام 2008 أو أوائل عام2009 ..!