المخرج المصري جلال الشرقاوي يتحدث للميادين نت عن مسرحية "الحسين ثائراً"
2017-09-29 22:502356 محمد علي فقيه
لا بد أن نتوقف عند أهم حدث ثقافي فيما يخص حادثة كربلاء الأليمة وهي الملحمة التاريخية التي قتل فيها حفيد النبي محمد، مسرحية "ثأر الله" أو "الحسين ثائراً شهيداً"، التي لم يتسن عرضها في القاهرة حتى الآن.
اقتفى الشرقاوي أثر أمه منذ الطفولة وسمع دعاءها وتوسلّها عند مسجد الإمام الحسين في ذكرى عاشوراء ورحيل الإمام الحسين، لا بد أن نتوقف عند أهم حدث ثقافي فيما يخص هذه الحادثة الأليمة وهي الملحمة التاريخية، مسرحية «ثأر الله» أو "الحسين ثائراً شهيداً"، التي مُنع عرضها في القاهرة.
فقبل نهاية الستينيات من القرن الماضي، وتأثراً بهزيمة 1967 وبالشعور العام بالغبن والظلم والكارثة التي حلّت على العرب، أصدر الكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي مسرحيته الشعرية "الحسين ثائراً شهيداً". يقول الشرقاوي في كتابه "الحسين ثائراً" عن إهدائه المسرحية لأمه: "إلى ذكرى أمي أهدي مسرحيتي (الحسين ثائراً شهيداً) لقد حاولت من خلالهما أن أقدم للقارىء والمشاهد المسرحي فيه أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كله من دون أن أتورط في تسجيل التاريخ بشخوصه وتفاصيله التي لا أملك أن أقطع فيها بيقين. إلى ذكرى أمي التي علمتني منذ طفولتي أن أحب الحسين ذلك الحب الحزين الذي يخالطه أغلب الإعجاب والإكبار والشجن ويثير في النفس أسى غامضاً وحنيناً إلى العدل والحرية والإخاء وأحلام الإخلاص". لقد اقتفى الشرقاوي أثر أمه منذ الطفولة وسمع دعاءها وتوسلّها عند مسجد الإمام الحسين ومسجد السيدة زينب في القاهرة فنمت مشاعره بهذا الاتجاه وبدأ بحثاً مضنياً عندما شبّ وترعرع وبوعيه الثقافي تتبع شخصية الإمام الحسين فاستجمع تاريخه على يدي سنين حياته فعاش الحسين في وجدانه وكيانه وأصبح عنده رمزاً عالياً لا تماثله أي شخصية نضالية في العالم . لاحقاً، عندما زار المخرج والممثل المصري كرم مطاوع مع زوجته سهير المرشدي مدينة كربلاء العراقية سنة 1970، وفور وصوله قام بزيارة ضريح الإمام الحسين وتفقد أرض معركة الطف حيث استشهد الحسين وأهله وأصحابه. ويروى أن كرم مطاوع ذهب بعد ذلك إلى بيت الفنان العراقي الراحل عزي الوهاب ورافقه جمع من الممثلين والمخرجين والكتّاب العراقيين أمثال يوسف العاني الذي طلب من الوهاب أن يدعو قارئاً للعزاء كي يقرأ "مقتل الحسين" ففعل، وأتى بشخص متوسط العمر من قراء المقتل الجيدين. وبعد استراحة قصيرة، اعتلى الكرسي وبدأ يقرأ المقتل بصوت حزين رقيق كان لها وقع في الحضور وبخاصة مطاوع وزوجته، إلى أن وصل إلى منتصف سيرة "المقتل" فانتزع القارئ من الحاضرين البكاء بسخاء، وكان أول الباكين يوسف العاني وتبعته سهير المرشدي زوجة كرم مطاوع ثم كرم مطاوع والباقون. وعندما انتهى الشيخ من قراءة المقتل، تأثر كرم مطاوع كثيراً بقراءة الشيخ، وقال: "لم يترك لي هذا الشيخ شيئاً لأخرجه"، فطلب شريط الكاسيت الذي سُجّل لقراءة "المقتل" معه إلى القاهرة. ثم شرع مطاوع في إعداد مسرحية «ثأر الله» أو "الحسين ثائراً شهيداً" بعد أن اتفق مع المؤلف الشرقاوي على تحويل نصه المكتوب إلى عمل مسرحي، وبدأوا في تنفيذ البروفات، وكان مقرراً أن يكون افتتاح عرض المسرحية في كانون الأول - ديسمبر 1972. ولما كان مطاوع مصراً على إتمام العمل، لذا اقترح على أن يكون دور الحسين على طريقة الراوي، فتم الاتفاق على أن يبدأ غيث الذى يجسد شخصية الإمام الحسين كلامه بعبارة «قال الحسين»، وأن تفعل الأمر نفسه الفنانة أمينة رزق التى كانت تجسد شخصية السيدة زينب. ورغم ذلك اعترض الأزهر على عرض المسرحية لأنه يمنع تجسيد شخصيات أهل البيت والصحابة . وبعد عام 1976 عادت مسرحية «ثأر الله» تلح على عبدالرحمن الشرقاوي وكرم مطاوع، لكن الأزهر استمر في رفض عرضها، وأرجع البعض عدم موافقة الأزهر بسبب خلاف سابق بين الشرقاوي وشيخ الأزهر عبدالحليم محمود وتلاميذه، حين كتب شيخ الأزهر مقالاً فى مجلة «آخر ساعة» قال فيه: «ومما يستلفت النظر أن العشرة المبشرين بالجنة كلهم من الأغنياء»، ورد عليه الشرقاوي بمقال عنوانه: «لا يا صاحب الفضيلة» جاء فيها أن الأغنياء لا يشترون الجنة بأموالهم، وأن تاريخ الإسلام زاخر بفقراء لم يمنعهم فقرهم من العمل والتقرب إلى الله. وتوفى شيخ الأزهر عبد الحليم محمود غير أن عدداً من تلاميذته والنافذين داخل مؤسسة الأزهر ظلوا على خصومتهم مع الشرقاوي وكانوا يعتبرونه شيوعياً يستخدم الدين ستاراً للترويج لأفكاره اليسارية. وفي عام 1987، ذاب الجليد بين الشرقاوي والأزهر، بعد أن تولى أحد كبار علمائه، الدكتور عبدالمنعم النمر، الدفاع عن آراء الشرقاوي باعتباره باحثاً ومجدداً أثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات هامة، منها أئمة «الفقه التسعة»، فتحمس الشرقاوي للمسرحية وعُرضت مجدداً على الرقابة التي أحالتها إلى لجنة من علماء الأزهر، فأبدوا تحفظات على ظهور شخصية الحسين، والسيدة زينب، وتم الاتفاق على صيغة «يقول الحسين» «وتقول زينب»، وطلبت اللجنة حذف بعض الأبيات، وتغيير اسم "ثأر الله"، فاستقر الشرقاوي على اسم للمسرحية "الحسين ثائراً"، بعد دمج جزئيّ المسرحية «الحسين ثائراً والحسين شهيداً»، وتمت إجازة المسرحية. وقرر وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد هيكل، آنذاك، أن يرى العمل على المسرح، لكن المسرح القومي والمسرح الحديث عجزا عن تمويل العمل، ثم توفي الشرقاوى في 10 تشرين الثاني نوفمبر من عام 1987 وتوقفت المسرحية لأجل غير مسمى. ثم رحل كرم مطاوع في عام 1996. وكانت المحاولة الثانية للمخرج جلال الشرقاوي لتقديم المسرحية على خشبة المسرح. يقول جلال الشرقاوي في حديث خاص للميادين نت في حديث خاص إنه طالب سنة 2000 ا شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، بمعالجة المسرحية، وتم تحويل الأمر إلى مجمع البحوث الإسلامية، الذي يضم 25 عضواً من كبار العلماء في كافة فروع الفقه. يضيف شرقاوي للميادين نت أنه حضر أحد اجتماعاتهم وناقشهم في الأمر لكنهم رفضوا إجازة المسرحية، مدعين أنها تثير الفتنة بين السنة والشيعة، كما أن الأزهر يمنع تجسيد شخصيات أهل البيت والصحابة . وحول ذلك يوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد عمارة موقف الأزهر من المسرحية، فيقول إن مجمع البحوث الإسلامية "استقبل الأستاذ الشرقاوي وسمع وجهة نظره ثم قام بفحص المسرحية ولم يتخذ قراراً برفض تمثيلها، وإنما أرسل خطاباً مهذباً وودياً للشرقاوي يحمل وجهة نظر المجمع التي تتمثل في تحبيذ تأجيل تمثيل المسرحية". ويؤكد عضو مجمع البحوث الإسلامية والخبير في هيئة كبار علماء الأزهر رجائي عطية أن الأزهر "لا يملك منع أي كتاب أو مصادرته ولا يوجد له سلطة للمنع أو للمصادرة ولا يعدو ما يصدر عن الأزهر إلا أن يكون رأياً فيما يطلب منه إبداء الرأي". يقول الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر "إن تجسيد الأنبياء حرام شرعاً وقد حرم العلماء من قبل هذا العمل التشخيصي، سواء من الممثلين أو المنتجين للفيلم أو المصورين". ويعلل ذلك بقوله "كيف يقوم هذا الممثل بدور النبي محمد، وهو النبي المختار المصطفى، وهذا الممثل يقوم بمثل هذا الدور، ثم بعد ذلك نجده في دور رئيس عصابة، أو قاتل أو ما يشبه ذلك، فهذا منهي عنه في الشرع". لكل هذه الأسباب، وبرغم مرور 44 عاماً على «البروفة» الأخيرة للمسرحية، إلا أنها لم تعرض حتى الآن. وبالطبع لم تكن هذه آخر المحاولات ففي السنوات الأخيرة كانت هناك محاولة جادة من المخرج عصام السيد لعرض المسرحية، لكنها لم تنجح أيضاً ويفترض بمجمع البحوث التابع للأزهر إعادة النظر بتحريمه التجسيد لشخصيات أهل البيت والصحابة، فالدراما العربية والإسلامية قد تجاوزت ذلك الأمر وقدمت مسلسلات مثل"النبي يوسف" و"السيدة مريم" و"عمر" و"الحسن والحسين" وغيرها الكثير، وأصبح ظهور شخصيات الصحابة أمراً مقبولاً. فثورة الإمام الحسين وشخصيته تستحقان أن يلقى عليهما الضوء، أولاً لمكانته في الإسلام، وثانياً لأن ثورته كانت إصلاحية إسلامية وإنسانية لإصلاح أمة جدّه رسول الله (ص) من الفساد والانحراف، وهي خطة عمل لكل الثوريين والمناضلين في العالم. المصدر : الميادين نت