المفترون على المرجع الأعلى في الدولة المدنية
سليم الحسني
إن الذين ينسبون الى المرجع الأعلى السيد السيستاني تبنيه مشروع الدولة المدنية، إنما يرّوجون للمشروع الأميركي في العراق والمنطقة، والذي يهدف الى تجريد الإسلام من مضمونه، وتحويله الى هيكل طقوسي لا أكثر.
لم يعد التوجه الأميركي سرّاً من الأسرار، فلقد تحدث به رؤساء أميركا وقادة القرار في واشنطن، وتم طرح ذلك علناً في كتاب (الإسلام الديمقراطي المدني) الذي أصدرته مؤسسة راند، وهي المؤسسة المعروفة بأنها العقل الاستراتيجي للبيت الأبيض.
تناول الكتاب الطريقة التي يجب فيها التعامل مع الإسلام، عن طريق التأثير على الاتجاهات البارزة في المجتمعات الإسلامية، لفرض الإسلام المدني وفق صيغة تخدم المصالح الأميركية، وانهاء الصيغة الأصيلة له.
وتصرح فقرات الكتاب بأن الهدف المطلوب هو الوصول بالعالم الإسلامي الى المنطقة التي يكون فيها جزءاً من المنظومة الأميركية الشاملة المهيمنة على العالم، وهذا لا يتحقق إلا من خلال نسخة (الإسلام المدني) التي يجب أن تكون هي النسخة الرسمية المعتمدة والسائدة في المجتمع.
ويعترف الكتاب بأن الوصول الى هذا الهدف مسألة شاقة ومعقدة، نتيجة تعدد الاتجاهات الإسلامية واختلافها في رؤاها الخاصة المتعلقة بنظام الدولة، ولذلك فلابد من دعم الاتجاه الذي يدعو الى الدولة المدنية، وتمكينه من الاستقواء على الاتجاهات الأخرى، وذلك بالاعتماد على سبيلين رئيسيين:
الأول: تهيئة الظروف المناسبة الداعمة لهذا الاتجاه، بما في ذلك الدعم المالي وفتح أبواب الاعلام والمساهمة في نشر وتوزيع نتاجاته على أكبر مساحة ممكنة.
والثاني: إفتعال أزمات تُسفر عن تصادم الاتجاهات الأخرى فيما بينها، لإضعافها ببعضها البعض، وبذلك ينفرز دعاة الإسلام المدني كقوة مهيمنة على الساحة.
ويقدم الكتاب توصيات صريحة في هذا الخصوص منها:
ـ تشجيع اتجاه الحداثة الإسلامي للتحالف مع الاتجاه التقليدي، وتدريب عناصر الاتجاه الأخير ثقافياً واعلامياً لمواجهة (الاتجاه الأصولي). ويجب الالتفات الى ان تسمية (الاتجاه الأصولي) تستخدمه الدراسات الأميركية كثيراً لوصف الإسلام السياسي والحركي أو الإسلام المقاوم، وفي النموذج العراقي يتمثل بمدرسة السيد الشهيد محمد باقر الصدر.
والاشارة المهمة التي يجب التنبيه عليها أيضاً، أن (المدنية) المستخدمة في المفهوم الأميركي تعني (اللا دينية) أي أنها أشد من العلمانية في موقفها من الدين.
إن هذه المزاعم بأن مرجع الشيعة الأعلى يدعو الى الدولة المدنية، إساءة بالغة لمقامه ومنزلته، وكذلك لمقام ومنزلة المرجعية، وهو هدف وضعته الإدارة الأميركية ضمن أهدافها الاستراتيجية عندما احتلت العراق. وقد استفادت من وجود أجواء قريبة من المرجع الأعلى تتفاعل مع طرحها وتوجهاتها، فعملت على توظيفهم في مشروعها التخريبي للفكر الإسلامي.
لقد تصاعدت موجة التقول على المرجع الأعلى السيد السيستاني كثيراً في الفترة الأخيرة، يساعدها على ذلك، الميول الواضحة عند بعض المقربين منه، لهذا المنحى، فهم يدفعون نحو تقوية هذا الاتجاه وتوفير الدعم المالي والإعلامي له، وتشجيع أفراده على النشاط والتحرك لتحويله الى أمر قائم، بدءاً من النجف الأشرف، ووصولاً الى آفاق أخرى، باعتبار أن النجف هي عاصمة التشيع، والنقطة المركزية في عالم التشيع.
يحتاج هذا الموضوع الى وقفات مقارنة بين ما جاء في كتاب مؤسسة راند، وبين ما يتقول به البعض وينسبه الى السيد السيستاني بأنه صاحب مشروع الدولة المدنية، لنرى كيف يعمل هؤلاء على تشويه موقف المرجع الأعلى، وبالتالي تشويه موقف المرجعية الدينية التي تمثل أقوى قلعة لحفظ الإسلام الأصيل ومدرسة أهل البيت عليهم السلام.