كيف نقرأ الشهيد الصدر؟ (للسيد عبدالله الغريفي)
من خطب سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي - البحرين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى وآله الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لكي نفهم أيّ شخصية لابد أن نقرأها ، ولكي يكون الفهم صحيحاً لهذه الشخصية يجب أن تكون القراءة صحيحة .
أن تقرأ أيّ إنسان قراءة خاطئة ، أو قراءة مبتورة ، فإنّ هذا ينتج فهماً خاطئاً وفهماً مبتوراً لذلك الإنسان .
في البداية أودّ أن أنبه أنني لا أتناول في هذه القراءة ( السيرة الذاتية ) للشهيد الصدر ، هذه المسألة في حاجة إلى قراءة مستقلة .
هناك صيغتان لقراءة الشهيد الصدر ( الصيغتان ضمن القراءة الصحيحة طبقاً ) .
الصيغة الأولى : القراءة التجزيئية :
أن نقرأ الشهيد الصدر فقيهاً ، أن نقرأه مفسراً ، أن نقراه أخلاقياً ، أن نقراه أصولياً ، أن نقراه فيلسوفاً ، أن نقراه اقتصاديا ، أن نقراه سياسياً ، أن نقراه باحثاً اجتماعيا ، أن نقراه مفكراً ، أن نقراه كاتباً، في هذه الصيغة تحاول القراءة أن تطل على بعد من أبعاد تكوّن وتشكّل الشهيد الصدر .
الصيغة الثانية : القراءة الشمولية :
أن نقرأ الشهيد مشروعاً شاملاً ، يحتضن مجموعة مكوّنات متكاملة ، في هذه الصيغة تحاول القراءة أن تتجاوز الأبعاد الجزئية إلى المضمون الشمولي الذي تتلاحم في داخله تلك الأجزاء .
لا شك أنّ فهم الشهيد الصدر يفرض الحاجة إلى كل من القراءتين .
فالقراءة التجزيئية تضعنا أمام المكوّنات التفصيلية لشخصية الصدر ، ولا يمكن أن نتوفر على القراءة الشمولية ما لم تتكون لدينا رؤية واضحة عن الأبعاد والمكوّنات .
والقراءة الشمولية هي الأخرى ضرورية جداً ؛ كونها تعطي المضمون الأوسع والأشمل في فهم شخصية الشهيد الصدر .
وإنَّ غياب هذه القراءة يضعنا أمام رؤية تجزيئية غير قادرة على إستيعاب الصورة الكاملة لشخصية الشهيد الصدر .
وإذا حاولنا أن نلقي نظرة تقويمية على ما تمَّ إنجازه من قراءات ودراسات حول شخصية الصدر ، فإننا سوف نجد أن الإتجاه التجزيئي هو الطاغي على هذه القراءات والدراسات ، رغم أنّها لا زالت لا تناسب كماً ونوعاً مع الحجم الكبير لهذه الشخصية ، ولست هنا في صدد التقويم والنقد لهذه الدراسات ، وأتمنى لو نتوفر على قراءة تقويمية ونقدية لما صدر من كتابات ودراسات تناولت شخصية الشهيد الصدر .
ما أحاول أن أتناوله في هذا اللقاء المبارك والذي يعبّر عن مساهمة صادقة في الوفاء للشهيد الصدر ، وكم هي الأمة مدينةً لهذا الإنسان الكبير الذي أعطي كل وجوده من أجل الإسلام ، ومن أجل هذه الأمة المنتمية إلى الإسلام ، فمن الوفاء أن تجدد الأمة ذكرى الشهيد الصدر ، ومن الوفاء أن نعطي للشهيد الصدر حضوره في كل واقعنا الروحي والثقافي والاجتماعي والسّياسي ، فقد كان الحاضر في كل قضايا الأمة وفي كل همومها وفي كل طموحاتها .
أقول ما أحاول أن أتناوله هنا هو التأسيس لقراءة شمولية تفهم الشهيد الصدر مشروعاً تغييرياً كبيراً .
فكيف نؤسس لهذه القراءة الشمولية ؟ وكيف نحاول أن نكتشف مكوّنات هذا المشروع التغييري الكبير ؟
إنّ الشهيد الصدر ومن خلال رؤية واعية بكل المتغيرات في واقع الأمة ، ومن خلال فهمٍ مستوعب لكل حيثيات المشروع المناهض للإسلام ، والذي استطاع النفوذ إلى أهم المفاصل في مجتمعات المسلمين ، وقد نجح هذا المشروع في تشكيل صياغاته التغريبية حيث هيمن على :
1- الواقع السِّياسي .
2- الواقع الثقافي .
3- الواقع التعليمي .
4- الواقع الاقتصادي .
5- الواقع الإعلامي .
وأصبحت أجيال المسلمين محكومة لهذه الصياغات التغريبية بكل إمتداراتها السياسية والثقافية والتعليمية والاقتصادية والإعلامية ، وتكونت النخب السياسية والثقافية المتغربة ، وأخذت تمارس دور التأصيل والحماية للمشروع المناهض للإسلام .
وقد تصدّى لهذا المشروع عدد من العلماء والمفكرين والمثقفين الإسلاميين ، وبأساليب متنوعة ومتعددة ، أخذت شكل المواجهات الفكرية على مستوى الكتابات التي تعرّف بالإسلام ، وترد على شبهات الغرب ضد الإسلام ، وشكل التنظيمات السياسية التي حاولت إعادة الواقع السّياسي للإسلام ، وشكل الجمعيات الثقافية التي تصدّت لمؤسسات التغريب ، وشكل المدارس الأهلية الدينية التي ساهمت في حماية أجيال المسلمين .
ورغم هذا التنوع في أساليب التصدّي للمشروع التغريبي المناهض للإسلام ، الإّ أنّه لم يتأسس مشروع متكامل يعتمد الإسلام في مواجهة المشروع المضاد .
من هنا كان الشهيد الصدر يفكر في صياغة هذا المشروع الإسلامي التغييري في مواجهة المشروع التغريبي المناهض للإسلام، وقد توفر الشهيد الصدر على مجموعة مكوّنات أهلّته أن يكون بمستوى التصدّي لصياغة هذا المشروع ولعل من أهم هذه المكوّنات :
1) الأصالة الفكرية المتميزة التي تشكّل عقلية الشهيد الصدر في كل معالجاته وطروحاته ، وفي كل رؤاه وتصوراته ، كان الشهيد الصدر يتعاطى بعمق مع مصادر الفكر الإسلامي المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية ، وسنة الأئمة من أهل البيت (ع) ، وكان يملك وعياً بتاريخ الرسالة وما يحتضنه هذا التاريخ من معطيات أساسية ، ولا شك أن تاريخ الرسالة ومعطياته تشكل رافداً هاماً من روافد الفكر ، يضاف إلى ذلك توفر الشهيد الصدر على رؤية ناضجة بكل التراث الفكري الذي أنتجه العقل الإسلامي في المراحل التاريخية المتعددة وهكذا تكونت ( الأصالة الفكرية ) عند الشهيد الصدر .
2) القدرات العقلية والعلمية الفائقة عند الشهيد الصدر ، مما وفر له إمكانات غير عادية في فهم الإسلام ، وفي فهم كل المشروعات المناهضة للإسلام ، وفي التصدّي لصياغة المشروع الإسلامي التغييري بكل كفاءة وجدارة .
3) الكفاءات النفسية الكبيرة التي أهلّت الشهيد الصدر على مستوى المشروع التغييري ، فقوة الشخصية ، وصلابة الإرادة ، والقدرة على الصبر وتحمل المعاناة ، والثقة بالنفس ، والأمل والطموح والتفاؤل ، والحركية ، والفاعلية ، والهادفية ، كلهّا عناصر ساهمت في التأهيل والإعداد عند الشهيد الصدر .
4) الإمكانات التعبيرية المتميزة ، فالشهيد الصدر كاتب من الطراز الأول الأمر الذي أتاح له القدرة على صياغة مشروعه بكل دقةٍ ووضوح ولم يعتمد على تلامذته في كتابة المشروع .
5) العقل المنهجي عند الشهيد الصدر ، تميز التفكير عند الشهيد الصدر بمنهجية واضحة، وقد تجسّدت هذه المنهجية في كل وطروحاته الفكرية ، وفي كل نتاجاته العلمية ، وفي كل معالجاته الإجتماعية ، وفي كل أبحاثه الفقهية والأصولية ، وفي كل محاضراته الأخلاقية والتاريخية والقرآنية ، وكان لهذا العقل المنهجي عند الشهيد الصدر دوره الكبير في إنتاج المشروع التغييري وصياغة مكوّناته .
6) العقل التجديدي عند الشهيد الصدر ، على مستوى المنهج وعلى مستوى الأفكار والنظريات ، ومن الواضح أنّ الشهيد الصدر ومن خلال نتاجاته ، ومن خلال مشروعاته في داخل الحوزة وفي خارجها ، قد أعتمد التجديد والتطوير ، ولم يتجمد عند الموروثات المتحكمة في مسارات الواقع الثقافي والاجتماعي والحوزوي .
7) وأخيراً يجب أن لا ننسى أنّ المكوّن الأقوى في شخصية الشهيد الصدر هو (الإخلاص المنقطع النظير لله تعالى ) ، فلم ينطلق في أيّ عمل من الأعمال بدوافع شخصية أو نفعيه ولذلك كان التسديد الرباني يلازمه دائماً .
جاء في حديث للشهيد الصدر حول كتابه ( فلسفتنا ) :
(( حينما طبعت الكتاب لم أكن أعرف أنّه سيكون له هذا الصيت العظيم في العالم والدوي الكبير في المجتمعات البشرية مما يؤدي إلى اشتهار من ينسب إليه الكتاب وكنت أفكر أحياناً فيما لو كنت مطلعاً على ذلك وعلى مدى تأثيره في إعلاء شأن مؤلفه لدى الناس فهل كنت مستعداً لطبعه باسم جماعة العلماء وليس باسمي كما كنت مستعداً لذلك أو لا ؟ وأكاد أبكي خشية أني لو كنت مطلعاً على ذلك لم أكن مستعداً لطبعه بغير أسمي )) .
درس كبير أتمنى لو نستوعبه جميعاً ، ( إن العبد ليشر له من الثناء ما بين المشرق و المغرب و لا يساوي الله جناح بعوضه )
وكان لهذا العقل التجديدي دوره الفاعل في صياغة المشروع التغييري الذي نهض به الشهيد الصدر .
ما هي الملامح العامة لمشروع الشهيد الصدر التغييري ؟
يمكن أن نتعرف على هذه الملامح من خلال العناصر التالية :
العنصر الأول : التغييرية :
* لماذا المشروع التغييري ؟
لقد وجد الشهيد الصدر من خلال رؤيته لواقع المسلمين أنّ هناك مساحتين مختلفتين في هذا الواقع :
المساحة الأول : الواقع الفردي للمسلمين
وهذا الواقع ظل محكوماً - على نحو الإجمال - للإسلام ، فالمسلمون في واقعهم الفردي يتحركون من خلال تعاليم الإسلام ، لا يعني هذا عدم وجود انحرافات عن الإسلام في داخل سلوكات الأفراد ، وإنّما المقصود أنّ الإسلام بقي هو الموجه لهذا الواقع الفردي في حياة المسلمين .
المساحة الثانية : الواقع النظامي للمسلمين
ونعني بهذه المساحة واقع الأنظمة الّسياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية والثقافية التي تحكم المسلمين، وهذه المساحة من واقع المسلمين سقطت في قبضة هيمنة المشروع المناهض للإسلام ، وقد أصبح المسلمون مأسورين لهذه الهيمنة ، ما دامت الأنظمة الحاكمة في مجتمعات المسلمين هي أسيرة هذا المشروع .
فمن خلال هذه الرؤية كان التغيير لواقع الأنظمة هو " الخيار " الذي إعتمده الشهيد الصدر ، من أجل إعادة الإسلام إلى موقعه في حاكمية المسلمين .
وإن النهج الإصلاحي الترميمي لا ينفع لأعادة صياغة الواقع بكل مكوناته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسّياسية ، ما دامت هذه المكونات في قبضة الأنظمة المنحرفة عن الإسلام ، فالتغيير - ومن خلال الإسلام - هو العنصر الأساس في هذا المشروع .
فمرتكزات التغيير في مشروع الشهيد الصدر :
المبدأ الصالح والمتمثل في الإسلام .
القيادة الصالحة والمتمثلة في ( قيادة الفقهاء ) - نتناول هذا العنصر بعد قليل - .
الأمة الصالحة المنتمية للمبدأ الصالح والخاضعة للقيادة الصالحة .
العنصر الثاني : الشمولية :
لم يكن المشروع التغييري الذي طرحه الشهيد الصدر مشروعاً يستهدف تغييراً جزئياً في واقع المسلمين ، إنّما هو مشروع شمولي يهدف إلى إعادة صياغة الواقع بكل إمتداداته ومكوّناته.
واهم المفاصل التي ينظمها هذا المشروع هي :
المفصل العقيدي .
المفصل الفكري والثقافي .
المفصل الروحي والأخلاقي .
المفصل الإجتماعي .
المفصل الإقتصادي .
المفصل التربوي .
المفصل السّياسي .
وقد حاول الشهيد الصدر أن يعالج هذه المفاصل من خلال مجموعة دراساته وأبحاثه وطروحاته .
العنصر الثالث : التأسيس الفقهي :
لم يكن الشهيد الصدر ليطرح مشروعة التغييري دون أن يؤسس له فقهياً ، لذلك وجدنا الشهيد الصدر يصنف الفقه إلى مستويات :
فقه الفرد .
فقه المجتمع .
فقه الدولة .
وقد كتب الشهيد الصدر عدة أبحاث تناولت ضرورة تطوير الذهنية الاجتهادية ، وضرورة تطوير المنهج الاستنباطي عند الفقهاء بما يتناسب وضرورات الواقع الجديد بكل متغيراته وحاجاته .
كما أكد على ضرورة صياغة الفقه صياغة جديدة مستوعبة لحاجات الفرد والمجتمع والدولة .
العنصر الرابع : الأخلاقية والروحية :
كان الشهيد الصدر يؤكد في أحاديثه ومحاضراته على المسألة الروحية والأخلاقية كعنوان كبير في المشروع التغييري ، وكان يدعو إلى ضرورة التزواج بين الروحانية والحركية ، فالتعامل مع المسألة الروحية والأخلاقية له ثلاث صيغ :
الصيغة الأولى : فصل المسألة الروحية والأخلاقية عن حركة الواقع :
وبعبارة أخرى التعاطي مع المسألة الروحية بعيداً عن الواقع ، هذه الصيغة تلغي الواقع" روحانية جامدة "، هذا النمط من التعاطي مع الحالة الروحية مرفوض في وعي الشهيد الصدر.
الصيغة الثانية : إلغاء المسالة الروحية في حركة الواقع :
وبعبارة أخرى عدم الاعتراف بالقضايا الروحية بدعوى أنّ القضايا الروحية تعطّل حركة الواقع هذه الصيغة يرفضها الشهيد الصدر ، كونها تحمل فهماً خاطئاً للمسألة الروحية ، وكونها تنتج أثاراً خطيرة في حركة الواقع ، فمن خلال هذه الصيغة ينشأ مثقفون بلا روحانية ، وينشأ سياسيون بلا روحانية ، وينشأ حركيون بلا روحانية .
الصيغة الثالثة : الروحانية المتحركة :
وهذه الصيغة تعطي للمسألة الروحية دورها الفاعل في حركة الواقع "الثقافي والاجتماعي والسيّاسي والجهادي"، وهنا ينشأ الروحانيون الحركيون ، وينشأ الحركيون الروحانيون ، هذه الصيغة هي التي يؤكد عليها مشروع الشهيد الصدر .
وهناك بعد أخر أكدّ عليه هذا المشروع التغييري عند الشهيد الصدر ، وهو"حالة التزواج بين الفقه والأخلاق" ، فقد لاحظ الشهيد الصدر ظاهرة انفصال " المسالة الأخلاقية " عن "المضمون الفقهي" في تطبيقات الإنسان المسلم ، حيث أنّ المسائل الأخلاقية لا تملك قوة " الإلزام الفقهي" فلا حرج في التخلي عنها .
ومما كرّس هذا الفهم عند الفرد المسلم هو الافتراق بين الفقه والأخلاق في" الرسائل العملية" للفقهاء ، وفي" الكتب الخلاقية" .
* فهنا اتجاهان خاطئان - وفق منظور الشهيد الصدر - .
الإتجاه الأول : التعاطي مع المسألة الفقهية بعيداً عن المضمون الأخلاقي .
الإتجاه الثاني : التعاطي مع المسألة الأخلاقية بعيداً عن المضمون الفقهي.
وفي ضوء هذا الرفض لهذين الإتجاهين يؤكد الشهيد الصدر على ضرورة ( التزاوج بين المضمون الفقهي والمضمون الخلاقي ) ، وهذا التزاوج : يعطي للالتزامية الفقهية مضموناً أخلاقياً ، ويعطي للممارسة الأخلاقية الزامية فقهية .
العنصر الخامس : ضرورة صياغة وعي الأمة :
الشهيد الصدر في مشروعه التغييري يعتمد أساساً على تشكّل " الوعي" عند الأمة .
فما لم يتشكل هذا الوعي عند الأمة فإنّ حركة المشروع التغييري سوف لن تتفعل ، من هنا كان تأكيده على ضرورة صياغة وعي الأمة كشرط أساس لنجاح المشروع التغييري ، ومن الواضح جداً في طروحات الشهيد الصدر مسألة الإهتمام بوعي الأمة ، وكما ذكرنا في موقع سابق من هذا الحديث أنّ (الأمة الصالحة) هي أحد مكوّنات التغيير في مشروع الشهيد الصدر ، فصياغة الوعي التغييري عند الأمة ضرورة لنجاح هذا المشروع ، والوعي التغييري المطلوب يتشكل من :
الوعي بمفاهيم الإسلام ومبادئه وقيمه .
الوعي بضرورة التغيير على أساس الإسلام .
الوعي بضرورة وجود المشروع المؤهل لانجاز مهمة التغيير .
الوعي بكل العوامل التي تساهم في نجاح هذا المشروع .
الوعي بكل المعوقان التي تعرقل حركة المشروع .
العنصر السادس : المرجعية الصالحة الكفوءة :
من أساسيات المشروع التغييري عند الشهيد الصدر هو التفكير في شأن المرجعية الفقهائية باعتبارها القيادة المؤهلة ، وقد صاغ الشهيد الصدر أطروحته في تطوير (( اسلوب العمل المرجعي )) ، وتهدف هذه الأطروحة ، وحسب ما جاء في النص المكتوب من قبل السيد الصدر نفسه :
أولاً : إيجاد جهاز عملي تخطيطي وتنفيذي للمرجعية يقوم على أساس الكفاءة والتخصص وتقسيم العمل ، وإستيعاب كل مجالات العمل المرجعي الرشيد في ضوء الأهداف المحددة ، ويقوم هذا الجهاز بدلاً عن الحاشية التي تعبر عن جهاز عفوي مرتجل يتكون من أشخاص جمعتهم الصدفة والظروف الطبيعية لتغطية الحاجات الآنيّة بذهنية تجزيئية وبدون أهداف واضحة محددة .
ويشتمل هذا الجهاز - أي جهاز المرجعية الصالحة المطلوب توفيره - على لجان متعددة تتكامل وتنمو بالتدريج إلى أن تستوعب كل إمكانات العمل المرجعي .
وذكر الشهيد الصدد اللجان التالية :
لجنة أو لجان لتسيير الوضع الدراسي في الحوزة العلمية .
لجنة الإنتاج العلمي .
لجنة أو لجان مسؤولة عن شؤون علماء المناطق المرتبطة بالمرجعية .
لجنة الاتصالات .
لجنة رعاية العمل الإسلامي .
اللجنة المالية .
وقد حدد الشهيد الصدر صلاحيات ووظائف هذه اللجان .
ثانياً : إيجاد إمتداد أفقي حقيقي للمرجعية يجعل منها محوراً قوياً تنصب فيه كل قوى ممثلي المرجعية والمنتسبين اليها في العالم، لأن المرجعية حينما نتبنى أهدافاً كبيرة وتمارس عملاً تغييرياً وواعياً في الأمة لابد أن تستقطب اكبر قدر ممكن من النفوذ لتستعين به في ذلك .
ويحاول الشهيد من خلال هذه الصيغة تطوير شكل الممارسة للعمل المرجعي ، فبدلاً من أن تكون الممارسة فردية - وفق الصيغة التقليدية - فإن المرجع - وفق الصيغة الجديدة - يمارس عمله من مجلس يضم علماء الشيعة والقوى الممثلة له دينياً ، وربط المرجع نفسه بهذا المجلس . وبهذا يكون العمل المرجعي موضوعياً ، إن كانت المرجعية نفسها بوصفها ينابة عن الإمام قائمة بشخص المرجع .
ثالثاً : إيجاد امتداد زمني للمرجعية الصالحة لا تتسع له حياة الفرد الواحد ، فلابد من ضمان نسبي لتسلسل المرجعية في الإنسان الصالح المؤمن بأهداف المرجعية الصالحة ، لئلا ينتكس العمل بانتقال المرجعية إلى من لا يؤمن بأهدافها الواعية ولابد أيضاً من أن يهيأ المجال للمرجع الجديد ليبدأ ممارسة مسؤولياته من حيث انتهى المرجع السابق بدلاً من أن يبدأ من الصفر ، ويتحمل مشاق هذه البداية وما تتطلبه من جهود جابنيه ، وبهذا يتاح للمرجعية الاحتفاظ بهذه الجهود للأهداف وممارسة ألوان من التخطيط الطويل المدى ويتم ذلك عن طريق شكل المرجعية الموضوعية إذ في إطار المرجعية الموضوعية لا يوجد المرجع فقط بل يوجد المرجع كذات ويوجد الموضوع وهو المجلس بما يضم من جهاز يمارس العمل المرجعي الرشيد ، وشخص المرجع هو العنصر الذي يموت ، وأما الموضوع فهو ثابت ، ويكون ضماناً نسبياً إلى درجه معقولة بترشيح المرجع الصالح في حال خلو المركز ، وللجهاز - بحكم ممارسته للعمل المرجعي، ونفوذه ، وصلاته ، وثقة الأمة به - دائماً على إسناد مرشحه وكسب ثقة الأمة إلى جانبه .
العراق حبّ لا تحده حدود العراق