النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي حازم الأمين: منازل الزرقاويين في مدنهم الأردنية

    "الحياة" في منازل "المجاهدين الزرقاويين" في مدنهم الأردنية... "ابو مصعب" يعيش مع زوجتيه في العراق ووالد احداهما نفذ عملية قتل الحكيم في النجف
    <

    >عمان - حازم الأمين الحياة 2004/12/14


    اكد قريبون من محمد الخلايلة (ابو مصعب الزرقاوي) التقتهم "الحياة" في مدينة الزرقاء الأردنية ان منفذ العملية الانتحارية التي اودت بحياة قائد "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" في العراق السيد محمد باقر الحكيم هو ياسين جراد, وهو اردني من مدينة الزرقاء ووالد الزوجة الثانية لـ"الزرقاوي". وربط هؤلاء القريبون بين هذه المعلومات وقيام "الزرقاوي" في الأسابيع الماضية بتهريب زوجته الثانية وأولاده من الأردن الى العراق, تحسباً لاحتمالات انتقامية. وأشار اكثر من مصدر اصولي في الأردن الى ان "ابو مصعب" يعيش الآن في العراق مع زوجتيه (الأولى شرق اردنية والثانية اردنية من اصل فلسطيني), وان غالبية ابنائه منهما, وهو امر يتطلب قدراً من الراحة في الحركة والتنقل. ونقل ناشطون في التيار السلفي الجهادي في الأردن عن ابناء تيارهم الذين "خرجوا للجهاد" في العراق ان كثيرين منهم تزوجوا هناك من عراقيات, في حين اقدم آخرون على "عتق" زوجاتهم الأردنيات ليكنّ (الزوجات) في حلٍّ منهم اثناء غيابهم في "الجهاد". وهذا ما فعله مثلاً "ابو انس الشامي" مساعد "الزرقاوي" والمسؤول "الشرعي" الأول في تنظيمه والذي قتل قبل شهور في بغداد.

    و"الحياة" تبدأ من اليوم بنشر تحقيقات من مدينتي الزرقاء والسلط الأردنيتين عن التيار السلفي الجهادي الذي يرفد تنظيم "الزرقاوي" في العراق بعشرات المناصرين الذين من المرجح ان يكون معظمهم نفذ عملية انتحارية او ينتظر فرصة لتنفيذها. ورصدنا في هذه التحقيقات البنية السياسية والاجتماعية التي نما هذا التيار في ظلها, والفروق بين انخراط الأردنيين من اصل فلسطيني وبين الشرق اردنيين فيه. والثابت في الحالين اننا حيال جيل من الإسلاميين الذين يعلنون "جهاراً ونهاراً" رغبتهم في "الخروج" الى العراق والالتحاق بـ"الزرقاوي", على رغم المراقبة الأمنية الشديدة التي تقيمها القوى والأجهزة الأمنية الأردنية.

    وكان "السلفيون الجهاديون" انصار "الزرقاوي", حين زرناهم في منازلهم في مدينتي السلط والزرقاء, على قدر من الحذر, ليس بسبب زيارتنا, وإنما تحسباً من ان يكون الاستقبال خطأً امنياً. فهؤلاء الناشطون في "نصرة ابو مصعب الزرقاوي" وجماعته في العراق يقيمون اليوم في مدنهم ومنازلهم مع شعور دائم انهم مراقبون. كثيرون منهم يقضون فترة اقامة جبرية فيذهبون في الصباح الى مركز الأمن يوقِّعون على محاضر تؤكد عدم مغادرتهم, وفي المساء ايضاً يكررون الأمر نفسه. وريبة القوى الأمنية الأردنية مردها الى مغادرة العشرات من هؤلاء الشبان الى العراق والتحاقهم بـ"أميرهم الزرقاوي". وهم بدورهم لا ينكرون حقيقة انتظارهم فرصة لـ"الخروج" والالتحاق بشيخهم.

    في مدينة السلط اعقبت زيارتنا الثانية الى منزل جراح قداح, وهو احد "الجهاديين" في المدينة, توقيفه ولقمان ريالات من جانب الأجهزة الأمنية. علماً ان الثاني احد رموز هذا التيار في السلط. لم تكن زيارة صحافيين لهما سبباً لتوقيفهما, فالعلاقة بين السلطات الأردنية وهؤلاء الناشطين في "الدعوة للخروج الى العراق" تتفاوت بين الرقابة الشديدة والإقامة الجبرية والتوقيف في السجون اسوة بشيوخ الدعوة من امثال ابو محمد المقدسي.

    لكن وعلى رغم ذلك يمكن لزائر مدن "المجاهدين" الزرقاويين في الأردن ان يلاحظ ان القبضة الأمنية هذه ذكية وليست شديدة. فهؤلاء "الشيوخ" موجودون, ودعوتهم شبه علنية, وهم وإن تحركوا بسرية في الكثير من الأحيان, لكن هذه السرية تبقى خارج الحدود الأردنية, وبما ان شعار المملكة الذي اطلقه الملك عبدالله الثاني هو "الأردن اولاً", فبالنسبة الى الأجهزة الأمنية الأردنية يتحول الشعار الى "امن الأردن اولاً".


    http://www.daralhayat.net/actions/print.php
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    "زرقاويو" الأردن يزورون شيوخهم في السجون وينتظرون فرصة الإلتحاق بأبو مصعب في العراق (1)
    الزرقاء (الأردن) - حازم الأمين الحياة 2004/12/14

    للعمليات التي تنفذها "جماعة التوحيد والجهاد في العراق "التي يتزعمها ابو مصعب الزرقاوي صدى مختلفاً في بعض مدن الأردن, فهذه الشبكة وان انخرط عراقيون في انشطتها فإن العمود الفقري لها شباب اردنيون "خرجوا" للجهاد. بعضهم اردني ولكنه جاء من افغانستان, وبعضهم التحق بأخوانه من الأردن. الزرقاء والرصيفة والسلط, انها المدن التي ارسلت عدداً من ابنائها الى العراق. "خرج" هؤلاء برفقة ابو مصعب , بعضهم قتل وبعضهم عاد وبعضهم ما زال في العراق, وكثير من هؤلاء ينتظرون اليوم في المدن الأردنية فرصة لـ"الخروج" الى العراق. "الحياة" زارت هذه المدن وتمكنت من لقاء عدد من الأفغان الأردنيين الذين عادوا من معسكر هيرات, اضافة الى "مجاهدين" من رفاق ابي مصعب الزرقاوي ومريديه, وذلك على مدى ايام رصدت خلالها طبيعة هذه الظاهرة عبر لقاءات مباشرة مع عدد من الناشطين "الجهاديين" وعبر مشاهدات وملاحظات ومقارنات.

    نبدأ اليوم بنشر سلسلة من ثلاثة تحقيقات من الزرقاء والرصيفة والسلط, تتناول ظاهرة السلفيين الجهاديين الذين يغذون يومياً ما يطلق عليه "الجهاد في العراق" بشبان وناشطين, تطاردهم السلطات, وتراقبهم اجهزة الأمن, ولكن وعلى رغم ذلك يواظب هؤلاء على اشهار رغباتهم في "الخروج" الى "الجهاد".

    للناظر اليها من الطريق الدولية المؤدية الى الحدود مع سورية والعراق والمملكة السعودية, تبدو مدينة الزرقاء الأردنية ومخيماتها كتلاً اسمنتية متراصفة ومؤلفة مشهداً عمرانياً كثيفاً تغور ملامحه في موجاتٍ غبارية تبثها المصانع والمعامل الكثيرة المنتشرة في المنطقة. انها مدينة الزرقاء التي يجاورها مخيم الرصيفة للاجئين الفلسطينيين, عاصمة الحركة السلفية الجهادية في الأردن ومنبتها, والمدينة التي تربى ابو مصعب الزرقاوي في احد احيائها وخرج منها الى ساحات "الجهاد" في افغانستان اولاً ثم في العراق. تلال واطئة تتكاثف على منحدراتها المنازل المرتجلة, فتضيع الحدود بين المخيمات وبين احياء المدينة بحيث يصبح عسيراً فهم التمييزات التي يطلقها السكان على احيائهم ومنازلهم.

    في منزل واحد منهم في مدينة الزرقاء, التقى "المجاهدون" السلفيون في ذلك النهار المشمس من الأسبوع الفائت. لا يبدو ان لقاءهم كان مفتعلاً, فهم كما تدل خطواتهم ووتائر قدومهم وجلوسهم على مقاعد غرفة الاستقبال تلك, يواظبون على هذا النوع من اللقاءات والزيارات على رغم الظروف الأمنية وحال المراقبة والملاحقة الدائمة التي تخضعهم اليها الأجهزة الأمنية الأردنية. انها مضافات المجاهدين الزرقاويين "اخوان" ابي مصعب الزرقاوي ومحبيه الذين لا يترددون في الاعلان عن انتمائهم الى افكاره ورغبتهم في الخروج الى "ساحات الجهاد" في حال اتيح لهم ذلك. غرف باردة ومقاعد تتسع لأكبر عدد من الزوار, وفي احدى الزوايا جهاز كومبيوتر لاستخراج رسائل شيوخ "الجهاد". رجال ملتحون على ذلك النحو الذي يفترض تجاوز طول شعر اللحية قبضة الكف بحسب قاعدة شرعية, ومرتدون الثياب الشرعية المتوزعة بين ثوب طويل فوقه معطف كاكي او اسود, وبين "البدلة" الأفغانية التي اشتهر بها الأفغان العرب. الوجوه حائرة قليلاً, فبعض الرجال خاضعون للاقامة الجبرية ويذهبون كل يوم صباحاً ومساء الى دوائر الأمن في المدينة ليوقعوا على حضورهم, وآخرون امضوا شهوراً وسنوات في السجون, والبعض ايضاً هم ممن عاد في السنوات الفائتة من افغانستان, وتحديداً من معسكر هيرات الذي كان يتزعمه ابو مصعب الزرقاوي, وبالتالي فان هذا البعض خاضع لرقابة أمنية محكمة. وفي هذه الجولات وبين السجن الأردني ومدينة هيرات الأفغانية ومدينة الزرقاء التي تبعد نحو 23 كيلومتراً عن عمان, تعرف هؤلاء الرجال على ابي مصعب الزرقاوي وعلى استاذه ابي محمد المقدسي وصاروا من رجالهما.

    يقع المنزل الذي يضم المضافة في احد الأحياء الشعبية في الزرقاء. زقاق ضيق يتفرع من طريق عام, وعلى جداري الزقاق المتقابلين ابواب منازل فقيرة. نمط حياة سكان المنزل وسمت توزع غرفه وحددت وظائفها. فالى جوار المضافة ثمة غرفة للصلاة لطالما استأذن "المجاهدون" لدخولها, احياناً فرادى واحياناً جماعات, والمساحة الثالثة من الحيز العام في المنزل هي غرفة الطعام التي تفصلها عن الداخل قطع قماشية يتسلل من بينها الأطفال محضرين من المطبخ اطباقاً توزع حول صينية الكبسة الفلسطينية. وعملاً بتقليد صحابي, يفضل المضيف خدمة ضيوفه على مشاركتهم المائدة. اما المجاهدون وهم ليسوا ضيوفاً في مضافة اخيهم فيفسحون للضيف ويجلسون على اطراف المائدة. واحاديث المائدة متصلة بموائد الصحابة وبالأطباق التي اشتهرت بها.

    انهم الدائرة الأقرب لأبو مصعب في مدينته, يحفظون اسراره وحكاياته, ويقيم بعضهم معه علاقات لا يفصحون عن تفاصيلها. فقط اشارات بعيدة لاستمرار العلاقة مع اخوانهم الذي "خرجوا" للجهاد في امارة الشيخ الجانح. اما ابو محمد المقدسي, نزيل سجن سواقة الأردني, فمعظم هؤلاء من تلامذته وبعضهم مواظب على زيارته في السجن, وجميعهم من رواد موقعه على شبكة الانترنت حيث ما زالت تنشر مقالاته التي يهربها زواره من السجن. الوجوه واللحى تفصح عما يعتمل في الرؤوس, انه عالم السلفيين الجهاديين الآخذ بالاتساع في هذه المدينة الأردنية, والذي, وعلى رغم الخبرات الكبيرة التي اظهرتها الأجهزة الأمنية الأردنية في مجال ملاحقة هذه الجماعات وضبطها, يستمر في اشهاره الولاء لأبو مصعب ويتحفز ناشطوه للالتحاق بزعيم شقاوتهم "العائد الى دينه" في النصف الثاني من ثمانينات القرن الفائت ابو مصعب اي محمد الخلايلة ابن عشيرة بني حسن الكبيرة والتي يصل سكنها الى المناطق القريبة من الحدود مع العراق.

    جهد هؤلاء الرجال لجعل لقائهم بـ"الحياة" عادياً. حاولوا التقليل من اهمية اشتراطهم الا يتعدى عدد الزوار الشخص الواحد. لم يتم اللقاء على نحو بوليسي, ولكن عالم هؤلاء الناس لا يخلو من اجواء مشابهة, فالعلاقة بينهم وبين الأجهزة الأمنية الأردنية معقدة. انهم يعيشون في مدينتهم التي تشكل حاضنة اجتماعية وسياسية لدعاويهم, ولكنهم ايضاً تحت رقابة اجهزة الأمن التي وان راعت صدورهم عن بيئة حاضنة لهم, فهي تضعهم تحت رقابة صارمة. وبين هذين الحدين تتحرك الأجهزة ويتحرك "المجاهدون" في مساحة ضيقة وكلاهما مستفيد من هامش الحماية والانكشاف هذا.

    لم ينه علي وهو احد الجالسين في مضافة المجاهدين, فترة الاقامة الجبرية التي فرضت عليه بعد ان شعرت الأجهزة الأمنية باحتمال "خروجه" من الأردن الى العراق للالتحاق بشيخه ابو مصعب. يعرف علي جيداً ابو مصعب, فهو كان التقاه في هيرات عندما هاجر مع عائلته الى المدينة الأفغانية والتحق بمعسكر الأردنيين فيها. ويبدو انه من معسكر هيرات هذا بدأت حكاية تحول ابو مصعب الزرقاوي الى قائد ميداني لهذه الجماعات, وهو ايضاً المعسكر الذي يكرر ذكره "المجاهدون" الزرقاويون اثناء تأريخهم لحركتهم. اما قصة التحاق علي بمعسكر هيرات فهي تشبه قصص المئات من اللاجئين الفلسطينيين من سكان مخيمات الأردن وبعض الشرق اردنيين الذين "خرجوا" من "جاهليتهم" في النصف الثاني من الثمانينات وتوجهوا الى افغانستان.

    ولد علي في احدى مدن الضفة الغربية وبقي فيها الى بداية السبعينات, فر بعدها الى الأردن حيث التحق بحركة فتح, وفي نهاية السبعينات انتقل الى معسكر للحركة في منطقة الجرمق في جنوب لبنان ثم انتقل الى مخيم عين الحلوة حيث التحق بكتيبة تابعة لـ"فتح" كان يقودها الشيخ ابراهيم غنيم. اعتقله الاسرائيليين الذين غزوا لبنان عام 1982 وامضى سنة ونصف سنة في معتقل انصار, ثم افرج عنه وعاد الى الأردن والى مخيم الزرقاء تحديداً. وفي نهاية الثمانينات كانت دعاوى "التوحيد" في بداياتها, وبدأ علي ايمانه الجديد. وفي نهاية التسعينات هاجر الى افغانستان ليعود منها مصاباً عام 2001 بعد قصف الأميركيين معسكر هيرات, وسقوطه في أيديهم.

    تدور في مضافة الجهاديين في الزرقاء احاديث تتناول هموم هؤلاء الرجال. يتحدثون عن اخوانهم في العراق, فيسمون العمليات بأسمائهم, ويميزون بين فعالية "المقاومة" في المدن تبعاً للقادة الميدانيين الذين يعرفون معظمهم. ابو انس الشامي ودوره في الافتاء للمجاهدين, وياسين جراد وهو فلسطيني زرقاوي ووالد الزوجة الثانية لأبي مصعب الزرقاوي, وهو منفذ العملية الأنتحارية التي اودت بحياة رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق" السيد محمد باقر الحكيم, بحسب ما يؤكد "الجهاديون".

    وتغور احاديث "المجاهدين" في تفاصيل خلافية احياناً, ففي الآونة الأخيرة نشر مقال للشيخ السجين ابي محمد المقدسي لمح فيه الى تحفظات عن اداء تلميذه ابو مصعب في العراق, وهذا ما اثار حفيظة "المجاهدين" الشباب الذين يعتبرون ان ابو مصعب "كرامة الهية, ومن الكفر ان يعتقد احد بارتكابه اخطاء, حتى ولو كان استاذه وهاديه ابا محمد المقدسي". ويرد محمد على "اخوته" الذاهلين من اشارة شيخهم المقدسي المتحاملة على اميرهم بأنه زار الشيخ في سجنه ونصحه وطلب اليه تجنب ما قد يسيء الى وحدة الصف. شاب آخر قال انه يرغب بزيارة ابو محمد وسؤاله عن حقيقة رأيه. ويوضح ان ابو محمد ترك الأمارة لأبو مصعب لأنه موجود في الميدان, ولخصاله القيادية وصرامته فكيف يعود ويتحامل عليه وهو البعيد عن الميدان؟.

    ثم تعود احاديث "المجاهدين" لتنتظم في الداخل العراقي, فيتحدثون عن استعانة ابي مصعب بخبرات بعثية في حربه على الأميركيين والعراقيين, لا سيما في في المسألة الأمنية. ويوضح احمد ان هذا الأمر صحيح لا سيما في مدينة الفلوجة التي تضم بين ابنائها مئات من ضباط الاستخبارات في الجيش العراقي السابق, ولهؤلاء خبرات كبيرة في المجال الأمني, وقد اعلن عشرات منهم مبايعة ابي مصعب وبراءتهم من النظام "العلماني" السابق. ويشير احمد الى قبول ابي مصعب انضمام الشيخ عبدالله الجنابي وجماعته الى تنظيمه خصوصاً "ان هؤلاء سلفيون مجـاهدون اصــلاً ولا تعـوزهم التوبة".

    يشير اخوان ابي مصعب الزرقاوي في مدينة الزرقاء الى ان 63 "مجاهداً" من مدينتهم ومن مخيم الرصيفة الذي يحاذيها هم اليوم في السجون بين غوانتانامو وعمان, اما عموم الذين خرجوا الى الجهاد سواء الى افغانستان او الشيشان او العراق من ابناء المدينة ومخيماتها فيؤكد علي ان عددهم يفوق الثلاثمئة شاب ورجل, منهم من هاجر مع عائلته ومنهم من هاجر بمفرده, ومنهم ايضاً من عاد ومنهم من "استشهد". اما البقية فالقسم الأكبر منها انتقل الى العراق. ومن الأسماء المعروفة من بين الذين قتلوا في العراق من ابناء الزرقاء, يعدد انصار الزرقاوي عبد الهادي دغلس وياسين جراد ويزن نبيل جرادة, اضافة الى عشرات سبقوهم الى "الشهادة" في افغانستان.

    يقول ابو عثمان "نحن نقاتل الناس كوننا احراراً. فالحر لا يقبل الدنية في دينه ولا يقبل ان تنتهك حرماته ومقدساته ولا يقبل ان يظلم". وانسجاماً مع كلام ابو عثمان يضيف "مجاهد" آخر " قبل فترة سمعنا ان الشرطة والأجهزة الأمنية تجمع معلومات عن الفتوات (الزعران) في الزرقاء, لأن هؤلاء الفتوات صاروا جميعهم من انصار ابي مصعب الزرقاوي" ويضيف: "انا اسأل لماذا تحول هؤلاء مؤيدين لأبي مصعب؟ واقول لأنهم احرار, ليس لديهم اهل او نساء او اولاد. الشرطة لن تتمكن منهم فهؤلاء محنكون ويمكنهم الوقوف بوجهها".

    في شخصية الزرقاوي من الفتوة ما يغري انصاره ويثير اعجابهم. احاديث كثيرة عن حميته وعن صورة "الأزعر" الأيجابي يرددها هؤلاء الدعاة والمناصرون. احاديث يختلط فيها المتخيل بالواقع, وتُسقط على الأسطورة تمنيات ما كانت لتتحقق لولا ذلك الجنوح العاطفي الذي يبديه هؤلاء حيال بطلهم الخارج من خيبات الهزائم والفشل الأجتماعي والسياسي, ومن حال اخفاق مجتمعات بأكملها عن رسم صورة بطل مختلف. ومن صور فتوة ابي مصعب تلك الحكاية التي يرددها اصحابه عن كيفية انتقال الامارة اليه من ابي محمد المقدسي.

    فالرجلان دخلا الى السجن عام 1994 وبقيا فيه الى عام 1999. ويبدو ان هذه الفترة اساسية في تصدرهما الحركة السلفية الجهادية في الأردن, ويروي ابو عثمان كيف ان ابو محمد شخصية دمثة وحسنة المعشر وليست صدامية على رغم ان افكاره صدامية, اما ابو مصعب فقد اظهر في السجن بأساً وشدة, ويضيف: "البعد القبلي الذي يتميز به ابو مصعب مكنه من تولي البيعة داخل السجن, فهو صدامي, والشباب الذين كانوا يحيطون به في السجن كانوا جهاديين عمليين, رفضوا امارة ابي محمد المقدسي وفضلوا امارة ابي مصعب بسبب بأسه وحزمه واجهاره فكره, ورأوا ان امامته تتيح لأبي محمد التفرغ للاجتهاد والدراسة. انا كنت واحداً من هؤلاء في السجن وكنت شاهداً على هذه الوقائع".


    الجبانة التي نشأ الفتى ابو مصعب وترعرع فيها.
    ربما كانت حكاية محمد مع الالتزام بالخط "الجهادي" مختلفة كما يقول. صحيح انه فلسطيني ومن مدينة الزرقاء, لكن طريقه الى ما هو فيه كان مختلفاً, فهو كان في الولايات المتحدة التي سبقه اليها اخوته, وكان يعمل هناك مزيناً نسائياً. وخلافاً لأخوته لم يكن محمد يؤدي الفروض الدينية وهو امر سبب له الكثير من المتاعب مع اخوته, ومع امه ايضاً التي كانت ترسل اليه من الأردن رجاءها بأن يؤدي فروضه الدينية. وفي احد الأيام يقول محمد انه استحم وتذكر والدته وتوجه للصلاة استجابة عابرة لما تلح عليه فيه, وعلى اثر ذلك شعر برضى عميق عن نفسه فقرر المواظبة على الصلاة. بعد فترة قرر العودة نهائياً الى الأردن, اذ شعر بعد ان ترك عمله انه ليس في المكان الصحيح في اميركا وان دينه "يتطلب ابتعاداً عن هذه البلاد". عاد الى السلط وبدأ بالتردد الى المساجد حيث التقى بشيوخ سلفيين, ولكنهم ليسوا جهاديين كما يقول. انهم "مرجئة" بحسب تعبيره (وهو التعبير الذي يطلقه الجهاديون على الدعاة السلفيين الذين لا يتبنون الوسائل العنفية في التغيير). وبعد قضاء اوقات طويلة في الدراسة في المساجد تعرف محمد على "الفكر الجهادي" وجهز نفسه وزوجته التي كان تزوجها في الزرقاء بعد ان ترك زوجته الأميركية واولاده, للهجرة الى افغانستان. لكن احداث 11 ايلول (سبتمبر) سبقته فصار من الصعب عليه ان يحصل على تأشيرة الى "الباكستان", مما حال دون ان يكون له "شرف ان يكون جندياً في امارة امير المؤمنين الملا محمد عمر".

    ان تتعرف على مدينة الزرقاء من خلال دليل "مجاهد" من اصدقاء الزرقاوي ومن مريديه, يعني ان تذهب اولاً الى تلك المقبرة التي امضى فيها الخلايلة طفولته وشبابه في حي معصوم. ولكن كيف يمضي طفل صباه وفتوته في مقبرة؟. انها المساحة الوحيدة المتاحة لهؤلاء الفتية في تلك الأحياء المكتظة, وتبدو المقبرة تلك اشد تنظيماً من الأزقة المحيطة بها, والى جوارها في حي معصوم "دار الخلايلة" التي يفضل المجاهدون عدم ازعاج اهلها بسبب شدة المراقبة الأمنية. اما منزل ابي مصعب وهو في حي آخر فمن الواضح انه اكثر رخاء من منزل اهله. مبنى مستقل من طبقتين طلي باللون الأبيض وشيد حوله جدار متوسط الارتفاع, واضيئت غرفة سفلية منه, فيما اكد "المجاهد" الدليل ان زوجة ابي مصعب واولاده تم تهريبهم أخيراً الى العراق نظراً لمخاطر قد يتعرضون لها بسبب اشتداد العداء بين ابي مصعب والشيعة. اما عن طريقة تهريبهم الى العراق فيقول ان ابا مصعب يستطيع فعل ما يشاء!. والى جوار منزل الزرقاوي يقع منزل صهره (زوج شقيقته) صالح ابو قذامة وهو من اكثر المقربين منه وقد اعتقل أخيراً. علماً ان ابو قذامة ليس من الزرقاء ولكنه انتقل للسكن فيها بهدف الاهتمام بعائلة ابي مصعب بعد خروج هذا الأخير.

    في منطقة الزرقاء الجديدة تقيم عشائر بني حسن التي تعتبر عشيرة الخلايلة التي يتحدر منها ابو مصعب واحدة من افخاذها. وبني حسن اقلية في الزرقاء, وهم طبعاً عشائر شرق اردنية تقيم وسط غالبية فلسطينية. وعلى رغم شرق اردنيته فان الدائرة الأقرب لأبي مصعب في الزرقاء غالبيتها فلسطينية وذلك لأسباب تتجاوز ما يجري الآن في العراق, فالتيار السلفي الجهادي في الأردن نشأ في الزرقاء وفي بيئتها الفلسطينية تحديداً, وهذا ما سيكون موضوع الحلقة الثانية من سلسلة التحقيقات هذه. لكن لا شك في ان الملامح العشائرية في شخصية الزرقاوي تشكل محط اعجاب في المحيط الفلسطيني, خصوصاً ان فتوته هي نوع من الخروج والتحدي للنظام الشرق اردني من داخله. وفي هذا السياق تمكن ملاحظة ان قيادة الزرقاوي لهذا التيار خففت من حدة التناقضات المضبوطة بين الفلسطينيين والشرق اردنيين. فقد التأمت شرائح من شطري هذا المجتمع في عقدة عنف واضطراب واحدة, من دون ان يعني ذلك ان هذا الالتئام ايجابي, وانما هو اقرب الى تجاوز الفِرقة الواقعية والحقيقية الى الموت المشترك.

    التساؤل الأول الذي يمكن ان يراود زائر الزرقاء برفقة اخوان الخلايلة فيها لا بد ان يدور حول تلك السهولة التي يتنقل فيها هؤلاء ويصرحون واحياناً يعملون في دولة تعتبرهم اعداء وخطراً محتملاً؟. لكن الأردن نجح ايضاً في الحد من نشاطهم على اراضيه, اذ ان العملية الأخيرة التي نفذها ناشطون جهاديون كانت قبل سنوات عندما اقدموا على اغتيال الديبلوماسي الأميركي في عمان, وبعد نحو اسبوع اعلنت السلطات الأردنية خبر اعتقال منفذي هذه العملية, ناهيك طبعاً عن كشف الاستخبارات الأردنية قبل اشهر الشبكة التي كانت تخطط لتفجير مبنى الأمن العام في عمان والتي كان على رأسها عزمي الجيوسي وعدد من الأردنيين والسوريين, علماً ان الجيوسي ايضاً وهو اردني من اصل فلسطيني كان من سكان مخيم الرصيفة المحاذي والمتداخل مع مدينة الزرقاء. اذاً لا هدنة بين الأجهزة الأمنية الأردنية وبين جماعات الزرقاوي, هذه الوقائع تؤكد ذلك كما يؤكدها تعرض هؤلاء الناشطين في الزرقاء وفي السلط الى الملاحقة والمراقبة الدائمة. وقد شهدت "الحياة" وقائع تؤكد ذلك, منها اوراق الجلب التي في حوزة "المجاهدين" الذين التقتهم اضافة الى احكام الاقامة الجبرية.

    ويدرك انصار الزرقاوي في مدينته ان الأجهزة الأمنية الأردنية احدثت اختراقات كبيرة في صفوفهم وهذا ما مكنها ومكنهم من اجادة لعبة الرسائل المتبادلة. فكثير من هؤلاء يقول انه مع ابي مصعب في حربه في العراق ولكنه لا يؤيد العمليات داخل الأردن. ويشير محمد الى ان ابا مصعب اخطأ في تكليف الجيوسي بالعملية الأخيرة ضد الاستخبارات الأردنية, فالمجاهدون لا قدرة لهم على فتح جبهات اضافية, حتى لو كان حكامها من الطواغيت.

    والأرجح ان الأجهزة الأمنية في الأردن لا تقف عند حدود هذه التطمينات, اذ ان اتاحة بعض الحركة لهذه الجماعات قد يوجد مساحة انكشاف مشتركة يستفيد منها الطرفان, مع غلبة الفائدة التي تجنيها الأجهزة الأردنية طبعاً بفعل تغلغلها وضبطها هذه اللعبة. اما المجاهدون فهم بدورهم يدركون حدود هذه اللعبة ويميزون تماماً بين المسموح والمحظور, وان كانوا محل ريبة دائـمة بفعل قناعة الأجهزة بأن هــؤلاء ليــسوا ملائكة وان اي غض طرف عنهم سيكون مكلفاً على الممـلكة المستقرة ولكن المحاصرة بما لا يحصى من المخاطر.
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    سلفيو السلط يقيمون الأعراس لقتلاهم في العراق ويحرضون على "الخروج" للقتال (3)
    <

    >السلط (الأردن) - حازم الأمين الحياة 2004/12/16


    اذا كانت الزرقاء قد انبتت تيارات عنفية من رحم ازمات سياسية واجتماعية عرضناها في الحلقة الثانية, فان مدينة السلط الشرق اردنية التي التحقت, متأخرة ربما, بركب السلفية الجهادية, جاء التحاقها مدوياً اكثر. فعدد القتلى من ابناء المدينة في العراق يتعدى عددهم في اي مدينة اردنية. لكن للسلط خصوصية مختلفة في علاقتها بهذا التيار, اذ لطالما اعتبرت المدينة ركن النظام وحارسة الهاشمية. من المدينة اعلنت المملكة, وخرج من عشائرها خمسة رؤساء حكومات وعشرات الوزراء والمسؤولين. كما ان لحركة الأخوان المسلمين المختلفة مع التيارات العنفية هذه وجوداً تاريخياً في المدينة.

    الحلقة الثالثة من سلسلة التحقيقات هذه, تتضمن لقاءات مع "مجاهدي" السلط الخارجين عن عشائرهم وعن اخوانيتهم, والمنتظرين كما اخوانهم في الزرقاء فرصة للالتحاق بأبي مصعب الزرقاوي في العراق.

    في الزيارة الثانية لمنزله في مدينة السلط التي تبعد نحو 23 كيلومتراً عن عمان, كان الشيخ جراح قداح يجلس امام منزله والى جانبه شيخ آخر بدا واضحاً انه من الجماعة التي ينتمي اليها جراح, اي السلفية الجهادية. انه لقمان ريالات, منظّر هذا التيار في السلط وأحد ابرز الذين يشير اليهم "جهاديو" السلط عندما يتحدثون. لكن الرجلان لم يستقبلانا على النحو الذي استقبلنا به جراح في زيارتنا الأولى!. كانا مرتبكين, ومن الواضح ان ثمة طارئاً حدث. ولم يطل الأمر ليخبرنا جراح ان الأجهزة الأمنية الأردنية استدعتهما, وهما الآن ينتظران حلول الساعة الثالثة حتى يتوجها الى مركز المخابرات. حاول جراح ان يخفف من اهمية الأمر, لكن ارباكه لم يسعفه. اما لقمان فبدا اشد تماسكاً من اخيه في "الجهاد".

    رأى باسل ان الأمر قد يكون روتينياً, وان عدم ارتباك لقمان مرده ادراكه ان هذا جراح قداح يؤم اثنين من مريديه. الاستدعاء اجراء لن يؤدي الى توقيفهما, وان آلية هذا النوع من الاجراءات تخضع في مدينة السلط لقواعد علاقات الدولة وأجهزتها بالعشائر السلطية, الا اذا تعلق الأمر باكتشاف مؤامرة تهدد امن الدولة مباشرة. وتوقع باسل ان تتدخل عشيرة الريالات, وهي من عشائر السلط الكبيرة, لدى الأجهزة الأمنية ويؤدي ذلك الى الافراج عن لقمان وعن جراح, مع اشعارهما بأنهما تحت المراقبة الدائمة.

    يسمي السلفيون الجهاديون في الأردن مدينة السلط "مدينة الشهداء". فقد قتل من ابناء المدينة الى الآن اكثر من عشرين شاباً اثناء قتالهم مع ابي مصعب الزرقاوي في العراق. وهذا الرقم هو الأكبر في الأردن, ناهيك عن ان عدد سكان مدينة السلط لا يتجاوز الثمانين الفاً. وفي حين صدر التيار السلفي الجهادي في مدينة الزرقاء عن مجتمع هجين تجاورت فيه اخلاط فلسطينية واردنية وشيشانية, وعن بيئة فقر ونزوح واضطراب, صدر هذا التيار في السلط عن مجتمع اكثر تجانساً ووضوحاً وانسجاماً. اكثر من ثمانين في المئة من سكان مدينة السلط عشائر شرق اردنية, اضافة الى عائلات فلسطينية نابلسية سبق قدومها الى المدينة عمليات النزوح الفلسطيني الى الأردن بين عامي 1948 و1967. ولكن يبدو ان "السلفية الجهادية" دخلت الى المجتمع السلطي من ابواب اخرى, وما اكثر الأبواب في هذه المجتمعات. وربما كانت الأسباب التاريخية وحدها هي وراء بقاء الزرقاء عاصمة "الجهاد", ولولا ذلك لاستحقت السلط هذه التسمية نظراً لكثرة "الخارجين" منها الى ساحات "الجهاد" في العراق. جنود "الجهاد الجديد" من السلط, فيما قادته من الزرقاء, و"الجهاد" في الزرقاء ظاهرة اقدم واعرق, فربما كان تماسك المجتمع السلطي وانسجامه مكناه من اطالة امد مقاومته غزو المجاهدين عقول شبابه, فيما كان سهلاً على هؤلاء ان يتكاثروا في الزرقاء, فجاء الالتحاق السلطي المتأخر بركب "المجاهدين" اكثر دفقاً وسرعة بعد تحطم السدود.

    معادلة اخرى قد تعكس تفاوت الالتحاق بـ"الجهاد" بين مدينتي الزرقاء والسلط, وتتمثل في ان وجهة خروج العدد الأكبر من"المجاهدين" الزرقاويين كانت افغانستان وتابع بعضهم الى العراق, وعدد القتلى الزرقاويين في افغانستان يفوق عددهم في العراق, فيما ارقام السلط معاكسة تماماً, فـ"الخروج" منها في شكل اساس, كان وما زال وجهته العراق, باستثناء رائد خريسات ومجموعة صغيرة حوله كانت قد خرجت مع ابو مصعب الزرقاوي عام 1999 الى معسكر هيرات, ومنه انتقل رائد وجماعته عبر ايران الى جبال بيارة في شمال العراق حيث قتل هناك مع مجموعته, وقبل رائد طبعاً هناك القيادي في تنظيم "القاعدة" ابو الحارث الحياري وهو ما زال في افغانستان الى اليوم.

    من لم يتح لهم "الخروج" الى العراق من السلط من انصار التيار السلفي الجهادي كثيرون بحسب الشيخ جراح. انهم موجودون الآن في المدينة بحكم عدم تمكنهم من "الخروج". انها المعادلة التي تتعامل معهم بموجبها الأجهزة الأمنية الأردنية. عليها دائماً ان تتحقق من وجودهم وان تقف عند حدود تحفزاتهم, اضافة الى مراقبة مدى استعداداتهم للتفكير في أهداف داخلية. لكن ما يعلنه مجاهدو السلط يبقي على شعرة معاوية. لا اهداف في الأردن, والعراق هو الوجهة والدعوة سائرة على هذا النحو في الوقت الراهن.

    قبل يوم من استدعائهما (لقمان ريالات وجراح قداح) كانت جلسة طويلة في منزل الشيخ جراح في حي العيزرية الواقع على قمة احدى التلال الثلاثة التي تؤلف مدينة السلط. الجلسة ضمت عدداً من المنتمين الى تيارهما. لقمان لم يكن موجوداً في حينها, فالقبضة الأمنية شديدة عليه وهو اكثر افراد الجماعة خضوعاً للرقابة. وبدأ جراح حديثه عن ابو مصعب الزرقاوي قائلاً "ابو مصعب يأسر القلوب بخصاله الطيبة. نعمَ الرجل نعمَ الرجل نعمَ الرجل. لقد عرفته في السجن اولاً, اذ كنت ازوره في سجن الجفر ثم في سجن السلط ثم في سجن سويقة. وبعد الافراج عنه عام 1999 بقيت التقي به لمدة اربعة اشهر, فكانت بالنسبة لي افضل من اربعة قرون, وهاجر بعدها هو الى الباكستان ثم الى افغانستان. انا اليوم من الداعين لأفكاره ولا اختلف معه بشيء وأقول: اللهم زد وبارك".

    "الأخوّة" التي تجمع الشباب المتحلقين في غرفة الاستقبال في منزل جراح والمتمثلة بأفعال وادوار في الأحاديث والمجالسة, تنضح منها تراتبية خفرة يمتثل اليها الشباب من دون انتباه. عندما يتكلم جراح يسكت الجميع وعندما يباشر خالد بالكلام ينظر الى شيخه بما يشبه الاستئذان. وبنظرة استئذان من هذا النوع باشر خالد كلامه فقال "لم اخرج الى الجهاد في العراق, لأن الله اختار اخوتنا ليسبقونا الى هناك. خرجوا عندما كانت الطريق آمنة الى هناك, ولكن الآن اذا كتب الله لنا سبيلاً للخروج سنخرج. هذا الكلام نقوله جهاراً نهاراً. اذا كان هناك سبيل للخروج سنخرج والا نقع في الأثم".

    يعدد "مجاهدو" السلط قتلاهم في العراق من ابناء المدينة دائماً امام ضيوفهم. يفعلون ذلك وكأنهم يذكرون ابناء المدن الأخرى بتقدمهم عليهم في "الجهاد". ومن هؤلاء وبحسب الترتيب الزمني لمقتلهم, لؤي الكايد ورائد خريسات ومعتصم درابكة ومحمود النسور, وهذه المجموعة قتل افرادها في يوم واحد في بداية الحرب في جبال بيارة في شمال العراق. بعدهم قتل قتيبة ابو عبود وامجد دباس, ثم منذر الطموني وبلال الجغبير ومعاذ النسور, وهذا الأخير لم يكرس بعد "شهيداً" لأن والده ما زال يعتقد انه حي. وهناك ايضاً شحادة الكيلاني ونضال عربيات وعبد الاله الذهبي ومحمود القاضي, وآخرون ربما سقطوا من ذاكرة الشيخ. ومن المفقودين محمد الخطيب وماجد القبوع اللذان شوهدا مأسورين في مدينة البصرة جنوب العراق. ومن الأسماء التي كشف عنها "مجاهدو" السلط لاخوة لهم ما زالوا يقاتلون في العراق, محمد قطيشات وآخرون ذهبوا الى الجهاد وعادوا, منهم محمد جميل عربيات ومعمر الجغبير ومقداد الدباس وبلال الحياري واحمد ريالات وموفق العبادي, ومعظم هؤلاء في السجن اليوم. كما حاول عشرات من ابناء السلط ان "يخرجوا" لكنهم اعيدوا عن الحدود. وجميع الذين وردت اسماؤهم هنا هم من التيار السلفي الجهادي.

    ثمة "خروج" آخر يؤديه هؤلاء الرجال والشباب في السلط مختلف عن "الخروج" الى العراق, اذ ان مجرد التزامهم بالتيار السلفي الجهادي يعني خروجهم من عشائرهم التي تشكل في السلط النصاب السياسي الأول والأرسخ في هذا المجتمع العشائري. فعشائر السلط لطالما كانت وحدات سياسية لا يمكن للأحزاب والأفكار تجاوزها, وهي اعتبار اول في الانتخابات البلدية والنيابية, هي التي ترشح وهي التي تختار. وأهم عشائر السلط هي العواملة والكريشات والحياصات والنسور والخريسات وعربيات والحيارات وابو رمان والقطيشات والدبابسة, وهناك عائلات شامية وفلسطينية قدمت الى المدينة منذ بدايات القرن الفائت, كما ان فيها عائلات مسيحية مثل عائلات المعشر وابو جابر والشاعر.

    اشارات كثيرة يطلقها الشيوخ السلفيون الجهاديون في السلط عن مأزق علاقاتهم بعشائرهم. ويقول جراح "ان ما يفرحنا اننا تمكنا من اختراق العشائر, وهذا ما يذكرنا بأيام قريش. نحن الآن نحارب العشائرية, هذه العصبية المقيتة, فما يجمعنا هو دين واحد, اما العشيرة فننسب اليها للتعارف فقط. الآن تجد من بيننا من يلتقي على اعلان الحرب على ما في عشيرته من فساد وباطل". لكن الأمر لا يقتصر على اعلان الحرب على العشائر, فثمة وقائع تؤكد التصادم, منها مثلاً ما اشار اليه خالد عن قيام الأخوة بمناصرة احد الشباب عندما وقع خلاف بينه وبين عشيرته, اذ يبدو ان زعيم هذه العشيرة لم يعجبه التزام الشاب بالسلفية الجهادية "فأعلن الحرب عليه وصادر منزله, الذي يبدو ان العشيرة هي من اسكنته به, فوقفنا الى جانبه وواجهنا عشيرته, وكنا اقرب منهم اليه, وهو الآن مجاهد في العراق وربما يعود الينا شهيداً فنزفه عريساً جديداً في السلط".

    صور اخرى من صور محاولات حلول "المجاهدين" محل زعماء عشائرهم في تصدر الحياة الاجتماعية في مجتمع السلط, فالشاب محمد هاني عربيات وهو ابن عم القيادي في الاخوان المسلمين عبد اللطيف عربيات, هو احد الملتزمين بالتيار السلفي الجهادي روى كيف انه تزوج من عشيرة اخرى وان الشيخ جراح هو من ذهب الى منزل عروسه وطلبها على رغم ان عشيرته من اكبر عشائر السلط, ووالده موجود ولديه 12 عماً وشيخ عشيرة. اهل العروس وافقوا لأنهم منتمون الى السلفية الجهادية وتحديداً شقيق العروس. اما اهل محمد فهو سبق وتمكن من "اهدائهم", وبقيت عشيرته الأوسع التي يبدو ان صلتها بعائلته ليست على ما يرام. ويشير محمد الى ضغوط كبيرة يتعرض لها من ابناء عشيرته فيقول: "يحاربونني ويطلبون مني ان لا احدث ابناءهم في الشارع. قال لي احدهم انا لا اريد لأبني ان يذهب الى المسجد". ويبدو ان الشيخ جراح تحول بصفته احد ابرز الجوه السلفية الجهادية في الأردن الى شخص تفضل العائلات عدم احتكاكه بأبنائها, ويروي شاب سلطي ان ثمة مقولة محلية مفادها انه "في العيزرية غورتين (تعبير محلي) على الشبان تفاديها واحدة جراح قداح وثانية لأحد فتوات السلط الذي يقضي معظم ايامه في السجن".

    ويشبّه جراح اضطراب علاقتهم مع العشائر من ابناء المدينة بـ"اضطراب علاقة الرسول بقريش في بداية دعوته", فيقول "نحن الآن في بداية الدعوة ومن الطبيعي ان لا يقبلنا الكثيرون, تماماً كما لم تُقبل دعوة الرسول (ص) في بداية دعوته, فنبذته عشيرته ولكنه عاد وصار سيدها".

    إحدى أسواق مدينة السلط. لكن يبدو ان هناك خروجاً ثالثاً اقدم عليه "مجاهدو" السلط, اذ يبدو ان الحركة السلفية الجهادية في المدينة تمت الى الحركة الاسلامية التقليدية بقرابة متينة على رغم التكفير المتبادل الذي يطلقه كل من الطرفين على بعضهما. فوجود حركة الاخوان المسلمين في مدينة السلط وجود تاريخي, ومعظم مرشدي هذه الحركة هم من ابناء المدينة من الشيخ عبد اللطيف ابو خورم والشيخ محمد عبد الرحمن خلافة, اضافة الى قيادات اخوانية اخرى مثل عبد المجيد ذنيبات وعبد اللطيف عربيات. ولا يبدو ان منهج الاخوان المسلمين يهدف الى زعزعة التركيب العشائري, بل على العكس, فلطالما وازن هؤلاء بين افكارهم ودعاويهم وبين الحقائق العشائرية الثقيلة في المدينة, فكانوا يترشحون الى الانتخابات في قوائم العشائر.

    والاخوان المسلمون, وفي فترة الأولى من مرحلة الجهاد الأفغاني, انخرطوا في هذه الظاهرة غير مدركين الخطر الذي يمكن ان يشكله ناشطوهم من الأفغان العرب بعد عودتهم من افغانستان محملين بالسلفية الجهادية على نفوذهم, فسيعود هؤلاء مقتنعين ان القبول بهذا الوضع "الجاهلي" هو الكفر بعينه. ذهب بعض السلطيين الأخوان الى افغانستان في الحقبة الأولى وعادوا هذا النـحو. ويبدو ايضاً ان ثمة صراع اجيال داخل الاخوان في الأردن, اذ ان خطابهم الهادىء وقبولهم الدخول في العملية السياسية لم يرض الأجيال الاخوانية الجـديدة ولم يشبع حاجاتها, في ظل ازدهار الدعاوى العنفية, وانعدام الأفق السياسي. الشاب لقمان ريالات, وهو الوجه السلفي الجهادي الأبرز اليوم في السلط, ابن احد قياديي الاخوان في المدينة. اما معمر الجـغبير, وهو من عائلة اخوانية واعتقل في ايران اثناء عودته من افغانستان وسُلم الى الأردن, فكلفت عائلته محامياً من الاخوان المسلمين للدفاع, بعدما رفض دفاع محام "مشرك" عنه. والشرك هو الوصف الذي يطلقه السلفيون الجهاديون على جماعة الاخوان المسلمين في الأردن بسبب قبول الاخوان الترشح الى الانتخابات النيابية, فالتشريع بحسبهم هو مهمة الهية لا يمكن التساهل مع من يتصدى لها من البشر".

    يبدو ان العلاقة بين الاخوان المسلمين وانصار ابي مصعب الزرقاوي من السلفيين في السلط امتن من علاقة الاخوان بهم في الزرقاء. في السلط تنصهر هذه القرابة بالأرحام وبتداخل العشائر وانسجامها. وعلى رغم ما بين هذين التيارين من تنابذ وتزاحم, تبقى القرابات والعائلات الأهلية وسيلة جذب ونبذ. لقمان ريالات يدير مدرسة ابيه التي تضم نحو خمسة آلاف طالب كما يقول, والمجاهد الذي ارسله اخوانه الى العراق لحمايته من عشيرته, طردته هذه الأخيرة من منزله حين لاحظت التزامه السلفية. انها البيئة الأهلية الأكثر تجانساً والتي يمكن ان تتيح تقاطعات عامودية في عملية هضمها الأفكار الجديدة, حتى وان اظهرت مقاومة لها. فالعشائرية يمكن ان تتفق مع الاخوان ومع السلفيين في محافظتها مثلاً, والأخيرتان يمكن ان تتفقا على الكثير من الأمور. صحيح ان هناك لحظة افتراق عنيفة, لكن ايضاً هناك لحظات انسجام وتوافق عدة. ومن الأمثلة التي يعطيها ابناء المستويات السلطية الثلاثة (العشائريون والاخوان والسلفيون) على طبيعة مدينتهم المحافظة, وهي ربما كانت الرواية المؤسسة في المدينة, وهي أن الأمير عبدالله الأول كان يقيم في السلط في منزل ابو جابر, واعلن الأردن مملكة من المدينة وكان من المفترض ان تكون السلط عاصمة الامارة, لكن سكانها لاحظوا ان حراس الأمير غرباء ولا يقيمون وزناً لتقاليدهم التي كانت تقضي بتخصيص يوم لا يذهب فيه الرجال الى نبعة الماء في المدينة مفسحين للنساء في ذلك اليوم. فذهب وفد من شيوخ العشائر الى الأمير وطلبوا منه تغيير مكان اقامته, وهكذا خسرت السلط فرصة ان تكون عاصمة المملكة.

    الا ان استقطاب السلفيين الجهاديين لم يقتصر في السلط على البيئة الاخوانية, ولكن وبما انهم حالة قصوى, شكلوا ايضاً ملاذاً لفارين من حالات قصوى ولكن في اتجاهات اخرى. فنضال عربيات, وهو احد مساعدي الزرقاوي الذين قتلوا في العراق, كان زعيم عصابة بيع مخدرات في السلط كان يطلق عليها اسم عصابة "الدعسة الفجائية", وكذلك محمد هاني الذي تم ضمه الى الجماعة في السجن الذي دخله بسبب اعمال منافية للقانون ارتكبها في "جاهليته". علماً ان السجن كان احد اماكن التجنيد الأساسية في هذه التيارات وهذا ما يفسر صدور عدد كبير من هؤلاء عن ماضٍ اجرامي, وعلى رأس اصحاب السوابق من ناشطي التيار السلفي الجهادي ابو مصعب الزرقاوي طبعاً.

    لكن في الحساب العام تعتبر السلط مدينة هاشمية ومعروفة بولائها للقصر في الأردن, وربما هنا تكبر اهمية الاختراق الذي احدثه السلفيون الجهاديون في بيئتها. فاخوانية السلطيين لم تكن خروجاً عن هاشميتهم على ما يبدو وقد توجت اكثر من مرة بتحالفات بين القصر والاخوان وبمشاركة في البرلمان وفي عدد من الحكومات, اما السلفية الجهادية فقد كفرّت الدولة, وهذا ما لا يعتبر مألوفاً في اوساط سكان يعتبرون انفسهم رأس هرم الدولة. فمن السلط خرج خمسة رؤساء حكومات ونحو اربعين وزيراً وعدد كبير من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية, اضافة الى موظفين كبار في اسلاك الدولة عموماً. والغريب مثلاً ان جراح قداح, الوجه الأبرز للسلفية الجهادية في السلط والذي لطالما قضى فترات طويلة في السجن لأسباب تتعلق بانتمائه وانشطته, هو موظف ممارس في وزارة الزراعة, وكذلك الأمر بالنسبة لخالد الذي يعمل في القطاع العام ويتقاضى راتباً من دولة "طاغوتية" بحسب ما يعتبرها جهاديو الأردن.

    تحاول السلطات الأردنية الحد من قدرات هذه الجماعات على الانتشار, من دون ان يقتصر سعيها على الضبط الأمني, فقد غيرت الحكومة في الآونة الأخيرة قانون الوعظ والارشاد وتم حصر الخطابة والتدريس في المساجد بموظفي وزارة الأوقاف. هذا الأجراء شمل السلفيين والاخوان المسلمين, ولكن نتائجه انعكست على الاخوان اكثر من انعكاسها على هذه الجماعات لأن هؤلاء الأخيرين, وبحسب مواطن سلطي, تمكنوا من ايجاد منابر بديلة, ويشير هذا المواطن الى انه لطالما صادف جراح في المناسبات الاجتماعية في السلط يلقي مواعظ وخطباً, سواء في المقابر او في المضافات العشائرية, اضافة الى شبكة العلاقات الواسعة التي يقيمها الشيخ جراح واخوانه مع عدد من الشبان الصغار الذين يجري اليوم تجنيدهم في هذا التيار.

    يشرح جراح تفاصيل "العرس" الذي يقيمه السلفيون الجهاديون لمن "يستشهد" منهم في العراق. يقول "من يستشهد نقيم له عرساً لا عزاء. يشهد العرس كلمات واناشيد, ونتبادل خلاله النكت والطرف ونضحك كثيراً, ومن يشاهدنا من بعيد يعتقد اننا فعلاً في عرس, فنحن نحسب ان من يستشهد في سبيل الله يكون قد زف الى الحور العين. هنا تقام الأعراس لمن يزف الى نساء الطين في الأرض, فمن باب اولى ان نفرح اذا زف واحد منا الى الحور العين".

    السلط شقيقة نابلس ومدينة الأدراج

    منظر لمدينة السلط. تعتبر مدينة السلط من اقدم المدن الأردنية, وتبلغ مساحتها اليوم بعد ضم ثمان بلدات مجاورة اليها نحو 80 كيلومتراً مربعاً, والمدينة هي العاصمة السياسية الأولى للأردن قبل عمان, وفيها اول غرفة للتجارة والصناعة في الأردن واول مدرسة ثانوية.

    تقوم المدينة على ثلاثة جبال, الجدعة والقلعة والسلالم, وهي الجبال التي تزنر صحن المدينة, اي ساحتها حيث المركز التجاري والسياسي والاداري. والمدينة تطورت واتسعت عامودياً صعوداً نحو قمم الجبال, فيما المنازل بنيت على نحو متداخل فاشتركت في الجدران, وفصلت ازقة ضيقة بين الأحياء الصغيرة من دون ان يعني ذلك فوضى عمرانية, بل على العكس شكل طريقة هادئة في التجاور. وبما ان السلط مدينة جبلية ربطت بين احيائها مجموعة من الأدراج, فلم تشتهر المدينة بأحيائها وانما بأدراجها, او ما يسمى في الأردن "عقباتها", كعقبة الفار وعقبة الحـدادين.

    ثمة قرابة جغرافية واجتماعية بين السلط ومدينة نابلس الفلسطينية, وثمة تشابه عمراني كبير بين المدينتين, فمعظم البنائين القديمين الذين بنوا في السلط هم في الأصل من نابلس, ولعل اشهرهم عبد الرحمن العطروق. ولمنازل السلط طبيعة خاصة في الأردن, فمعظمها بني من الحجر الأصفر, وشكل تدرجها على التلال انسياباً معمارياً خاصاً.

    وبالعودة الى صحن المدينة فهو يضم اليوم عدداً من المقاهي القديمة التي اعيد ترميمها والتي يتجمع فيها رجال العشائر في اوقات النهار المختلفة, وتقدم فيها اقداح الشاي المجانية على الضيوف الغرباء, وفي مقابل هذه الساحة صعوداً على قمة احدى التلال منزل عائلة ابو جابر الذي اعلن منه الأمير عبدالله قيام المملكة, والذي هجره بعدها الى عمان عندما طلب منه شيوخ العشائر السلطية اخلاء المدينة من رجاله الغرباء.
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    الزرقاء أنبتت الخلايلة والمقدسي فالتف حولهما العائدون من الكويت (2 من 3)
    <

    >الزرقاء (الأردن) - حازم الأمين الحياة 2004/12/15


    لم يكن ابو مصعب الزرقاوي السلفي الجهادي الأول في مدينة الزرقاء, فهذه المدينة التي تشكلت من خليط فلسطيني - اردني, تعتبر, ومنذ الستينات, عاصمة التيارات الاسلامية في الأردن. ابو مصعب علامة من علاماتها, ولكن ايضاً منها خرج استاذه الشيخ ابو محمد المقدسي نزيل سجن السويقة اليوم, ومنها خرج عدد من شيوخ السلفية الجهادية. وهنا محاولة لتفسير وملاحظة خصوصية هذه المدينة في علاقتها بهذا التيار وبالتيارات الاسلامية الأخرى, وشرح لواقعها الاجتماعي والسياسي بصفته مسؤولاً عن انتاج هذا النوع من التيارات العنفية.

    في حلقة اليوم من سلسلة تحقيقات "السلفيون المجاهدون في الأردن" نستعرض البنية الاجتماعية والسياسية لهذا التيار, وسبب نموه وصعوده ومحطات اساسية في مسيرته التي بدأت منذ نهاية السبعينات.

    يجمع متابعو التيار السلفي الجهادي في الأردن على ان معسكر هيرات في افغانستان هو عقدة اساسية في بنيان تنظيم ابي مصعب الزرقاوي في العراق اليوم. فقد انشأ الزرقاوي هذا المعسكر عندما ذهب الى افغانستان عام 1999, اما نواة المعسكر فكان معظمها من مدينة الزرقاء, ومنهم عبد الهادي دغلس وهو فلسطيني زرقاوي قتل أخيراً في العراق, وخالد العاروري وهو زرقاوي ايضاً ومعتقل اليوم في ايران, وياسين جراد والد الزوجة الثانية لأبي مصعب ويؤكد "مجاهدو" مجاهدو الزرقاء انه هو الذي نفذ العملية الانتحارية التي ادت الى مقتل السيد محمد باقر الحكيم وعشرات العراقيين في مدينة النجف.

    وفكرة معسكر هيرات كانت تقوم على ان ثمة مئات قليلة من المقاتلين العرب من الأردنيين والفلسطينيين والسوريين وبعض اللبنانيين الذين فضلوا الاستقلال بقيادتهم عن تنظيم القاعدة نتيجة خلافات عقائدية طفيفة حالت دون بيعتهم لأسامة بن لادن. ووافق في حينها "امير المؤمنين" الملا عمر على ذلك وخصص لهم منطقة قريبة من مدينة هيرات على ان يكون محمد الخلايلة قائداً للمعسكر. ويروي علي لـ"الحياة" كيف انه يعتبر ان حياته قبل "خروجه" مع زوجته واولاده الى هيرات في العام 1999 كانت حياة "جاهلية", وانه التقى في هذا المعسكر بالعشرات من الشباب والرجال العرب من منطقة الشام (الأردن وسورية وفلسطين ولبنان) وكانوا يعيشون حياة "المهاجرين" بكل نقائها بقيادة ابو مصعب.

    لقد صار واضحاً ان لمدينة الزرقاء الأردنية خصوصية في انتاج هذا النوع من "المجاهدين". فالمسألة تتعدى ابا مصعب الزرقاوي الى بنية وظروف ووقائع اخرى. فمجتمع الزرقاء الذي ارسل مئات من ابنائه الى الجهاد في افغانستان ثم عاد وارسلهم الى العراق, ما كان ليفعل ذلك لمجرد ان ابا مصعب منه, فهذا المجتمع كان سبق فتوته محمد الخلايلة الى "الجهاد", وفيه ايضاً من الشيوخ المتحولين من حركة الاخوان المسلمين الى السلفية الجهادية من سبقوا الخلايلة الى الجهاد, وعلى رأسهم الشيخ عبدالله عزام, الذي اقام في الزرقاء قبل انتقاله الى عمان ليدرس في جامعتها.

    صحيح ان اكثر من 80 في المئة من سكان مدينة الزرقاء الذين يبلغ تعدادهم اليوم نحو 850 الفاً هم من الفلسطينيين, لكن الزرقاء نشأت في نهاية القرن الفائت عندما سكنت جماعة من الشركس والشيشان عند سيل الزرقاء وهو نهر صغير يتوسط المدينة. واعقب وصول الشركس والشيشان الى المدينة قدوم عشائر بني حسن التي يتحدر منها ابو مصعب الزرقاوي وشاركت هذه العشائر شركس الزرقاء وشيشانها السكن بجوار السيل. ولعل غرابة هذه الأقدار هي التي ادت الى ان ينضوي بعض الشباب الشيشان الأردنيين مع جارهم ابن عشيرة بني حسن ويذهبون بمعية مقاتلين من انصاره الى بلادهم التي تركها اجدادهم في القرن التاسع عشر, ويقتلون هناك, واستمر الشبان الأردنيون الشيشان بتغذية الحركة السلفية الجهادية بعدد من المقاتلين الذين ذهبوا الى افغانستان والعراق كابو بكر الشيشاني الذي قتل في هيرات ورائد الشيشاني الذي قتل في العراق.

    الزرقاء في ذلك الوقت (بداية نشأتها) لم تكن مدينة وانما تجمع سكني حول سيل صغير, ولكن المدينة تشكلت بشكل فعلي بعد عمليات النزوح من فلسطين في العام 1948 وتعزز السكن الفلسطيني فيها بعد الهجرة الثانية اثر هزيمة العام 1967 ولكن بين هذين التاريخين وقبلهما بقليل أقام الجيش الأردني بقيادة غلوب باشا معسكرات للجيش الأردني في المدينة, فدخل على هذا التركيب السكاني عنصر جديد هو عائلات الجنود الذين جيء بهم للخدمة في هذه المعسكرات. وفي ستينات القرن الفائت تحولت مدينة الزرقاء الى منطقة صناعية, فأنشأت فيها مصفاة البترول التي يعمل فيها نحو خمسة آلاف عامل احضر الكثير منهم عائلاتهم للسكن في المدينة, والأمر نفسه يصح في معمل الفوسفات في منطقة الرصيفة المجاورة للزرقاء, ويصح ايضاً في معامل اخرى كبيرة مثل معمل الورق ومعمل الخمور, فتحولت الزرقاء الى منطقة جاذبة لنوع من السكن المرتجل, ومعرضة للأتساع على نحو فوضوي وكثيف.

    حين يصطحبك مريدو ابو مصعب الزرقاوي الى تلك الجبانة التي امضى طفولته وربما فتوته فيها, وحين يخبرونك ان والده توفي وهو طفل, يصير بأمكانك ان تتخيل صوراً عن نشأة هذا الفتى. فصورعدم الانسجام الاجتماعي والسكني ماثلة في الكثير من احياء المدينة, وتداخل المناطق الصناعية بالأحياء السكنية يضفي على المشهد مزيداً من القسوة والغرابة, اضافة الى اشتراك الجماعات المتنازعة احياناً في حيز السكن والعمل وتصريف الأوقات والحاجات. هذه الأوضاع مضافاً اليها احتقان سياسي مصدراه اولاً القضية الفلسطينية ونتائج موجات النزوح الى الأردن, وثانياً ذلك الأنشطار الأفقي الفلسطيني الشرق اردني في مجتمع الزرقاء الهجين, من غير المنطقي استبعادها في محاولة تفسير وفهم ظاهرة تفشي الدعاوى السلفية الجهادية في البيئة التي تشتغل فيها.

    ولهذا الارتباط صور مختلفة, منها مثلاً ان مجتمع الزرقاء هو مجتمع طارد للكثير من سكانه خصوصاً في فترتي الستينات والسبعينات حيث توجه من الزرقاء خصوصاً ومن الأردن عموماً مئات الآلاف من الفلسطينيين الى دول الخليج وتحديداً الى الكويت. في العام 1991 وقعت حرب الخليج الثانية واحتل الجيش العراقي الكويت ثم هزم فيها, ما ادى الى نزوح نحو 250 الف فلسطيني من الكويت الى الأردن ف يما بات يعرف في الأردن بظاهرة "العائدون من الكويت", ومن بين هذا العدد من النازحين من الكويت الى الأردن وصل عدد النازحين منهم الى الزرقاء وحدها ما يقدر بنحو 160 الفاً بحسب مهتمين ودارسين اردنيين.

    ولاحظ عدد من المهتمين ان ثمة علاقة بين عودة هؤلاء وبين ازدهار تيار السلفية الجهادية في الزرقاء بشكل خاص والأردن بشكل عام. فاضافة الى الخيبة والأحباط اللذين تولدا عن هذه الحرب, بما تمثله من فشل جديد يضاف الى لائحة طويلة من التجارب الفاشلة, عاد الى الأردن ضمن هذه المجموعة عدد من المنتمين الى التيار الجهادي وعلى رأسهم الشيخ ابو محمد المقدسي (عصام محمد طاهر البرقاوي) الذي تحول لاحقاً الى مرشد هذا التيار في الأردن والى موجه لأبي مصعب الزرقاوي. وابو محمد فلسطيني كان يقيم في الكويت ومنها سافر عام 1989 الى افغانستان, هو وشيخ فلسطيني آخر هو عمر محمود ابو عمر المعروف بـ "ابي قتادة", وفيما عاد المقدسي الى الكويت وبعدها الى الأردن, اختار ابو قتادة لندن ليلجأ اليها. وتحول الرجلان لاحقاً الى مرجعية اساسية لفكر السلفية الجهادية في الأردن. لكن العودة من الكويت لم تقتصر على ابي محمد المقدسي, فأبو انس الشامي وهو المسؤول الشرعي في تنظيم الزرقاوي وقتل قبل اشهر في بغداد هو من "العائدين من الكويت", وكذلك ابو قتيبة, وهو مسؤول عسكري في تنظيم الزرقاوي. وكان في الكويت ايضاً غازي التوبة وهو احد الرموز الأساسية في تنظيم الزرقاوي. وشكل هؤلاء اضافة الى آخرين على رأسهم ابو مصعب نواة الحركة السلفية الجهادية, وراحوا يجتمعون في النصف الأول من التسعينات في احد مساجد حي معصوم في مدينة الزرقاء.

    ويبدو ان المقدسي ليس السبب الوحيد لإلتئام المجموعات العائدة من الكويت من فلسطينيي الأردن, فكان عدد من هؤلاء, وقبل نزوحه من الكويت الى الأردن, على علاقة او عضواً في "جمعية التراث الاسلامي", وهي التجمع السلفي الرئيسي في الكويت, وكان يدير هذه الجمعية الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وهو مصري قدم الى الكويت في ستينات القرن الفائت, ما سهل ايصال "الفكر الجهادي" الى شبيبة كانت السلفية قد سبقته اليهم.

    وفي الأردن يتحدث كثيرون عن ظاهرة "العائدون من الكويت" بصفتها محطة تبدل اجتماعي لمسته احدى الشابات مثلاً في ملاحظتها تضاعف الضغوط على بنات جيلها لجهة انواع الملابس وشكل الحياة, فتقول "منذ ان عاد هؤلاء من الكويت بدأنا نلاحظ مظاهر عدم الانسجام في خيارات الشباب والشابات في عمان. الشابات العائدات من الكويت مع عائلاتهن لم يكن على النحو الذي كانت عليه شابات الأردن, كن اكثر غنى وترفاً من الشابات الأردنيات, لكنهن اقل انسجاماً. معظمهن محجبات, وهذا ليس غريباً في الأردن, لكن حجابهن كان مختلفاً". اذاً يبدو ان هذا العدد من الوافدين الجدد الى التركيبة الاجتماعية ادخل عناصر جديدة على مشهد العيش الأردني. الأرجح ان هؤلاء كانوا اقوى من حجمهم العددي بسبب قدراتهم المادية, فتمكنوا من احداث تأثير يفوق ما قد يتوقع المرء من قوتهم العددية. في هذه الفترة وبعدها بقليل رصد "مركز الأردن للدراسات" التابع للجامعة الأردنية في استطلاعات رأي اجراها ان الجيل الشاب (من 18 الى 24 عاماً) اكثر محافظة من الأجيال التي سبقته ففيه نسبة مؤيدين اكبر لتعدد الزوجات ولأولوية تعليم الفتيان على الفتيات. هذه المعدلات بدأت تظهر عام 1993 وما زالت مستمرة من دون صعود ملحوظ, ولكن ايضاً من دون تراجع. وليست مسألة العودة من الكويت سبباً وحيداً لها طبعاً, لكنها عنصر من حزمة اسباب شهدها العقد الأخير من القرن الفائت.

    وفرت الأوضاع في الأردن وعلى نحو متواصل ظروفاً يمكن على اساسها ان نؤرخ لبداية نشوء التيار السلفي الجهادي الذي يتصدر ناشطوه احداث العراق اليوم, وكانت مدينة الزرقاء دائماً عامل تأسيس يبنى عليه في هذه النشآت المتتالية. فالمحطة الأساسية الثانية التي سبقت حرب الخليج الثانية كانت احداث ايلول (سبتمبر) عام 1970 عندما اقدم الجيش الأردني على طرد المنظمات الفلسطينية من المخيمات في عمان وغيرها من المدن الأردنية, اذ من المعروف ان حركة الأخوان المسلمين بشقها التقليدي وقفت الى جانب الملك حسين في هذه الحرب, لكن "قطبيي" (نسبة الى سيد قطب) الاخوان وعلى رأسهم الشيخ عبدالله عزام, "شيخ الأفغان العرب" لاحقاً واستاذ اسامة بن لادن,اضافة الى احمد نوفل وديب انيس, كانوا التحقوا ومنذ عام 1982 بما يسمى "معسكرات الشيوخ" التي انشأتها حركة "فتح" في منطقة الأغوار في الأردن, ومنذ ذلك التاريخ بدأ التيار "القطبي" في الاخوان بالابتعاد عن حركة الاخوان المسلمين, وكانت السلفية تطل برأسها في هذه الأوساط. مع الاشارة الى ان هذا الابتعاد عن حركة الاخوان قد تكون له ملامح فلسطينية.

    ويشير الباحث في شؤون الحركات الأسلامية في الأردن حسن ابو هنية الى ان بداية تأثر هؤلاء الشيوخ بالسلفية بدأ في الستينات على يد الشيخ السوري ناصر الدين الألباني الذي كانوا يدعونه دائماً لألقاء محاضرات في مساجد مدينة الزرقاء التي كانوا يقيمون فيها. ويبدو ان الألباني, وبحسب ابو هنية, كان وصل الى الزرقاء قبل دعوة عبدالله عزام له عن طريق الشيخ محمد ابراهيم شقرا وهو من اوائل السلفيين الناشطين في الأردن وكان يعمل موجهاً تربوياً في مدينة الزرقاء, ومن تلامذته الشيخ يوسف البرقاوي قريب ابي محمد المقدسي.

    وبين هذين التاريخين اي 1970 و1991 شهدت المنطقة عموماً والأردن خصوصاً تبدلات كبيرة, ولم تكن الحركة الأسلامية في منأى عنها. كوفىء الاخوان المسلمون على موقفهم المؤيد للملك في الحرب على المنظمات الفلسطينية بأن تسلموا وزارة التربية في الأردن, ومن المعروف دور هذه الوزارة في انتاج اجيال نشأت على مناهج تعليمية اشرف على وضعها الاخوان المسلمون. وهذه الفترة ايضاً شهدت الاحتلال السوفياتي لأفغانستان وما اعقبه من ظاهرة الأفغان العرب, الذين يعتبرون محطة الانتقال الرئيسة من السلفية التقليدية الى السلفية الجهادية, وتوسطتهما مرحلة السلفية الأصلاحية.

    لطالما شكلت مدينة الزرقاء بيئة لانتاج ونمو الحركات الاسلامية في الأردن. فللاخوان المسلمين فيها وجود تاريخي وراهن, كما ان الكثير من قيادات جبهة العمل الاسلامي هم من الزرقاء, ورئيس بلديتها اليوم ياسر العمري عضو في الاخوان, ومن بين 12 مستوصفاً للخدمات الصحية تشرف عليها جبهة العمل الأسلامي في الأردن هناك ستة منها في الزرقاء. ومن المدينة ايضاً قياديو تيارات اسلامية اخرى مثل "حزب التحرير الاسلامي" الذي سبق ان تزعمه ابن المدينة عبد القديم زلوم, و"جماعة التبليغ والدعوة" (الشيخ محمد الرفاتي).

    في العام 1991 وصل الى الأردن ابو محمد المقدسي نازحاً من الكويت. لم يكن في حينها معروفاً الا في الأوساط السلفية الجهادية, وتحديداً بين بضع مئات من الأردنيين الذين كانوا سمعوا عنه او التقوه في افغانستان عندما قصدوها بهدف "الجهاد". الفلسطينيون والأردنيون الأفغان شكلوا نواة تيار بدأ المقدسي بتنظيمه, كان بينهم ابو مصعب الزرقاوي الذي "هاجر" الى افغانستان في العام 1989 قبل أن يعود الى الأردن. ويتحدث "جهاديو" الأردن اليوم عن تلك الفترة بصفتها "بداية الدعوة", ويصفون الجولات التي كان يقوم بها المقدسي انطلاقاً من منزله في مخيم الرصيفة المحاذي لمدينة الزرقاء, وزيارته الى منازلهم في المدن الأردنية المختلفة وغالباً ما كان يرافقه ابو مصعب الزرقاوي.

    ويقول سلفي جهادي سابق ان الدعوة في ذلك الحين ركزت على تكفير الأنظمة وعلى رفض منهج الاخوان المسلمين. وبعد فترة قصيرة جاءت الواقعة التي توجت مسلسل الاحباطات الأردنية الفلسطينية, والتي تمثلت بتوقيع الأردن اتفاق وادي عربة (اتفاق السلام الأردني - الاسرائيلي). فتغذت الحركة السلفية الجهادية مجدداً من معين جديد. ويشير الناشط السلفي الجهادي السابق الى ازدهار عشرات التنظيمات السرية الجهادية في تلك الحقبة في الأردن, الى حد انه وفيما كان هو عضواً في احد هذه التنظيمات حاول اكثر من مرة اصدقاء له اقناعه بالانضمام الى تنظيماتهم من من دون ان يكونوا على علم بأنه عضو في تنظيم آخر. ولفت الى انه بقي عضواً في هذا التنظيم مدة خمس سنوات من دون ان تتمكن الأجهزة الأمنية من كشف تنظيمهم.

    ومن بين هذه التنظيمات السرية التي راحت تنشأ في الأردن في تلك الحقبة, ولعل ابرزها, تنظيم "بيعة الامام" الذي اسسه المقدسي والزرقاوي. وبعد فترة من تأسيسه اكتشفت الأجهزة الأمنية الأردنية اسلحة ومتفجرات في حوزة المقدسي والزرقاوي فأدخلتهما الى السجن الذي بقيا فيه الى عام 1999. ويبدو انه خلال فترة سجنهما تمكن الرجلان من تنظيم عدد لا بأس به من الناشطين, خصوصاً من المسجونين بتهم تتعلق بجرائم عادية, واعتمد الرجلان في عملهما في وسط هؤلاء المساجين على فتوة ابي مصعب وعلى خبرته في عالم المجرمين والمنحرفين الذين عايشهم في فترة شبابه. كما ان المناصرين خارج السجن لم ينقطعوا عن زيارتهما وعن ايصال الرسائل وتبليغها. وفي السجن ايضاً وصلت مؤلفات المقدسي وكتبه في مجالات الافتاء وتحقيق التراث الى نحو مئة كتاب يردد اسماءها انصاره الى اليوم بشيء من الفخر. اما ابو مصعب فيبدو انه كان انشأ في السجن شبكة علاقات ستكون معينه عندما يخرج منه ويقضي شهوراً في الاعداد لـ"الخروج" مجدداً الى أفغانستان برفقة عشرات ممن كانوا معه في السجن الأردني, وآخرين ممن كانوا ينتظرون خروجه.

    تتفاوت تقديرات الذين ذهبوا الى افغانستان من الأردن كثيراً, ففي حين اكد حسن ابو هنية ان عددهم لا يتجاوز الخمسمئة رجل, يؤكد آخرون ان هذا العدد هو من الزرقاء لوحدها. لكن رقم الخمسمئة افغاني - اردني الذي يؤكده ابو هنية ليس قليلاً طبعاً, خصوصاً ان ادوار هؤلاء بعد عودتهم مختلفة تماماً عن ادوارهم قبل ذهابهم. اذ يمكن لزائر منازل "المجاهدين" في الأردن ان يميز بين "مجاهد" عاد من أفغانستان وآخر لم يذهب اليها اصلاً. التميز يبدأ من البنية الجسمانية المتينة ويمتد الى رسوخ اللحية وتجذرها في الوجه والى تحول القناعة والأفكار الى ممارسات جسمانية. الرحلة الى افغانستان بالنسبة لهؤلاء هي نوع من الغُسل, ولكنها في الحقيقة هي نقل الواحد منهم من دنيانا الى مقلب آخر وخبرة اخرى, يصير معها واحدهم غريباً غربة مخيفة وموحشة. هذا ما يمكن ان تلتقطه من وجه علي الذي يتنافس فيه شيطان وطفل, وهذا ما يسعى محمد الذي لم يذهب الى افغانستان الى رسمه على ملامح وجهه من دون ان ينجح.

    في عام 1999 خرج الزرقاوي من السجن وقضى شهوراً في الأردن و"هاجر" بعدها مجدداً الى افغانستان. ويقول احد المقربين السابقين منه ان خروجه الأخير تم بعدما غضت الأجهزة الأمنية الأردنية الطرف عنه. ففي ذلك الوقت لم تكن احداث 11 ايلول (سبتمبر) قد وقعت بعد, وخروج الزرقاوي من الأردن مع مجموعته سيريح الأجهزة الأمنية, خصوصاً ان هذه الأخيرة مقيدة في تعاطيها مع هذا الملف بعدد من الاعتبارات الداخلية التي لطالما كانت عاملاً في اداء الأجهزة الأمنية في هذا البلد, وهي من نوع الثقل العشائري الذي يمثله الرجل الملاحق, وكذلك اعتبارات القضية الفلسطينية وما تتطلبه من مراعاة لمشاعر الغاضبين من السياسات الأسرائيلية والأميركية, واعتبارات اخرى كثيرة ومتنوعة في الأردن.

    وثمة ما يدأب مناصرو الزرقاوي على تكراره في احاديثهم عن شيخهم الغائب, فهم يشيرون دائماً الى نياته الحاضرة دائماً لمحاربة الاسرائيليين وتنفيذ عمليات ضدهم. وأكدوا ذلك في معرض حديثهم عن الأسلحة التي عثرت عليها قوات الأمن في حوزته في عام 1994, وأشاروا اليه في سياقات اخرى. هذه التأكيدات لم تسعفهم وقائع كثيرة لاثباتها هي اجوبة على اسئلة تطرح عليهم في الأردن كثيراً, فالحجج التي يُواجهون بها من قبل الأطراف الأسلامية الأخرى للتشكيك في مشاريعهم يشكل عدم الاقبال على قتال الأسرائيليين عمادها, والرسالة الأخيرة التي وجهها ابو محمد المقدسي من سجنه الى ابي مصعب والتي اثارت حفيظة مناصري الأخير تتضمن عبارة وملاحظة حول ان مشاريع الزرقاوي وعملياته حولت الأنظار عن غرب الضفة (غرب ضفة نهر الأردن).

    أبو محمد المقدسي. يؤكد انصار الزرقاوي في مدينته انه عاد اليها اكثر من مرة بين العامين 2002 و2003 وانه حضر دفن والدته فيها, وهذا ايضاً ما اشارت اليه اجهزة امنية تلاحقه, لكن الأكيد ان الرجل مبثوث في انحاء مدينته هذه. ربما كانت مجرد مشاعر تلك التي تنتاب زائر المدينة هذه الأيام, فهو (الزائر) يتحول الى باحث عن هذا الرجل في كل ركن فيها. في تلك المساحات المعدنية الهائلة شرق المدينة التي خصصت لهياكل السيارات المهترئة, او في مساجد حي معصوم التي ترك فيها الرجل ظلالاً وكلاماً ومناصرين. تشعر أنه بأفعاله وافكاره موجود هنا بين هؤلاء الرجال الذين كانوا معه في السجن وفي هيرات, وهم الآن معه في العراق, تُثلج صدورهم اخبار عملياته التي تقشعر لها ابدان سكان المعمورة, فيما يطلب بعضهم المزيد منها.
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    هذه بعض الشخصيات التي تشارك المجرمين الفلسطينيين والأردنيين جرائمهم في العراق

    أين إختفت هذه الحثالة ليث شبيلات


    محامي صدام محمد رشدان


    عبد ذنيبات


    مروان معشر


    كبيرتهم
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني