 |
-
المدائن .. دليل
[align=center]المدائن .. دليل

نـــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM [/align]
مثل من يسعى لاجتثاث الإرهابيين من العراق ، قبل تصفية أجهزة الدولة العراقية الجديدة ، وبالذات الأجهزة الأمنية ، من العناصر الفاسدة ، التي تسللت إليها كالنمل ، كمثل من يحاول تصفية بركة ماء آسن تصدر البعوض والوباء للناس ، قبل أن يقطع عنها ماء النهر الذي يغذيها ليل نهار .
فبعد هدوء نسبي ، عادت العمليات الإرهابية لتتصاعد بشكل ملفت للنظر ، توجت بما بات يعرف بعملية المدائن التي هزت العراق بشكل كبير ، عندما احتجز إرهابيون عشرات من العوائل الشيعية ، مشترطين نزوح السكان الشيعة من المدينة ، قبل إطلاق سراح ضحاياهم .
وتعد عملية المدائن هذه ، من أكثر العمليات الإرهابية الطائفية وضوحا ، والتي يسعى منفذوها منذ زمن ، إلى إثارة الحرب الطائفية بين العراقيين ، والتي فشلت حتى الآن في تحقيق مرامها بسبب حكمة وحنكة مراجع وعلماء وفقهاء وقادة الشيعة ، على وجه التحديد ، الذين رفضوا في كل مرة الرد على مثل هذه العمليات الإرهابية ، داعين
الضحية إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء مخططات الأعداء .
كذلك ، لم تتناقض الحكومة في الموقف من أية عملية إرهابية وهوية الجناة المنفذين ، والجهة التي تقف وراءهم ، تناقضها في الموقف من عملية المدائن ، فبين وزير يقول أن هناك بالفعل رهائن احتجزهم إرهابيون ، يقول آخر ، لم نعثر على اثر لأي رهينة ، وبين ضابط شرطة يقول بان مفرزته عثرت على جثث لرهائن قتلوا على يد مسلحين ، يقول آخر أن دوريته لم تعثر على أية جثة ، وبين وزير اتهم جارة بعينها في افتعال أحداث المدائن ، قال زميله الآخر (وهو بالمناسبة ، معروف عنه بتصريحاته النارية ضد الجارة التي عناها زميله) ليس لهذه الجارة ، على وجه التحديد ، أية علاقة بما يجري في المدائن ، وهكذا دواليك ، حتى حسم أمر الحقيقة السيد جلال الطالباني ، رئيس الجمهورية المؤقت ، الذي قال لوكالة الصحافة الفرنسية وبالحرف الواحد : (ليس صحيحا انه لم يكن هناك رهائن ، لقد كان هناك رهائن ، وقد قتلوا ورميت جثثهم في نهر دجلة ، وتم انتشال أكثر من خمسين جثة) ، وأشار إلى أن (بحوزته أسماء كاملة للذين قتلوا ، وللمجرمين الذين ارتكبوا هذه الجرائم).
فلماذا إذن أنكر بعض المسؤولين العراقيين ــ من المنتهية ولايتهم ــ حقيقة ما جرى في المدائن ؟ ولماذا حاول بعض فقهاء العنف والإرهاب ، استغلال هذا الإنكار الرسمي للتحدث بصوت عال ضد ما أسموه بمؤامرة يحيكها البعض ضد طائفة معينة ، كانت قد همشت نفسها بنفسها ، بعد أن راهنت على الإرهاب ليحقق أهدافه ، فعمدت إلى مقاطعة الانتخابات العامة التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني الماضي ؟ ولماذا حاولت المخابرات الأردنية توظيف هذا التكذيب الحكومي لتسيير تظاهرة صغيرة في بغداد ، ضد دولة جارة للعراق ، في محاولة منها لتصفية حساباتها مع هذه الدولة التي اتهمتها في وقت سابق ، بأنها وراء تحريك العراقيين للتظاهر ضد سفارتها في بغداد والعديد من دول العالم ؟ .
أسئلة كثيرة تطرحها أزمة المدائن ، إلا أنها في نفس الوقت ، تشير إلى ، وتؤكد الحقائق التالية ، التي طالما اشارت إليها مثل هذه الأعمال الإرهابية ، إلا أن الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها ، كانت تحاول في كل مرة ، الهروب من النطق بالحقيقة ،
حتى لا تضطر لوضع النقاط على حروفها .
أولا ؛ فان هوية من بادر إلى تكذيب القصة من أساسها ، أو من سعى إلى استغلال هذا التكذيب ، تثبت بأنهم متورطون بالجريمة ، وبكل الجرائم السابقة المشابهة لها .
إنهم عدد من العناصر الفاسدة التي تسللت إلى الحكومة المؤقتة المنتهية ولايتها ، ممن ظن الاميركيون ، وقت تشكيل الحكومة في حزيران الماضي ، أن استيعابهم فيها سيخفف من حدة العنف والإرهاب ، لتثبت الأيام عكس ما تصوره الاميركيون ، إذ أكدت أكثر من حادثة إرهابية ، بأنهم حواضن الإرهاب الوافد إلى العراق من خارج الحدود ، والمتحالف مع أيتام نظام الطاغية الذليل .
كذلك ، فان فيهم عدد من فقهاء العنف والإرهاب والتكفير ، الذين ما فتؤا يحرضون الإرهابيين ، إما بالفتوى الدينية الطائفية التي أجازت لهم قتل المواطن العراقي على
الهوية ، أو بسياسة التشكيك في الولاءات والانتماءات .
لقد حاول كل هؤلاء ، إبعاد الشبهة عن أنفسهم ، عندما بادروا إما إلى التكذيب أو إلى استغلال هذا التكذيب ، إلا أن تصريحات الطالباني ردت سهامهم إلى نحورهم ، وكشفت عن الحقيقة ، التي طالما ظل يرقص هؤلاء على حبالها ، كما أنها فضحت المستور ، وان كنا نتمنى على السيد الطالباني ، أن يقدم أسماء الجناة فورا إلى القضاء ليتم الكشف عن كل التفاصيل المتعلقة بالقضية ، وليتم فضح أسرارها أمام الملأ ، بعد أن تحولت إلى لغز يسعى كل طرف إلى توظيفه لصالحه ، وبالطريقة التي تخدمه .
الإعلام العربي العنصري والطائفي ، كان له ، هو الآخر ، دور في محاولات طمس الحقيقة ، تارة من خلال تكرار مقولات التكذيب التي وردت على السنة عدد من أيتام النظام في الحكومة المنتهية ولايتها ، وأخرى من خلال ، تعميم هوية الجناة ، كوصفهم لعملية الاختطاف ، بالمتبادلة (ويقصدون بها بين الشيعة والسنة) من دون ذكر ولا عملية اختطاف مماثلة لها ، منذ أن سقط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الآن .
ولم يتراجع هذا الإعلام عن موقفه ، حتى بعد الكشف عن الحقيقة ، فعمد إلى أن يدس رأسه في التراب ، كالنعامة ، ولم ينبس ببنت شفة .
لقد كشف هذا الإعلام عن حقيقة مواقفه الطائفية ، فكلما كادت الحقيقة أن تصل إلى الرأي العام ، يبادر مسرعا إلى خلط الأوراق وتعكير مياه الحقيقة ، بالتشكيك تارة ، والتعميم أخرى ، ليعيد ذهن الرأي العام إلى المربع الأول .
الذي يخشاه العراقيون ، هو أن مجموعات العنف والإرهاب ، تفسر حرص الاميركيين والقوائم الفائزة في الانتخابات ، وعلى رأسهم قائمتي الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني ، في استيعاب كل أطياف المجتمع العراقي ، في العملية السياسية ، وبالذات في الحكومة الجديدة ، على انه مغازلة للإرهاب من موقع الضعف ، وهذا ما يشجع الإرهابيين على مواصلة جرائمهم ، وتصعيد وتيرتها يوما بعد آخر .
اعتقد ، أن أي استرخاء في الحديث عن محاربة الإرهاب ، هو تحريض عليه بصورة أو بأخرى ، لان الإرهابيين يفسرونه على انه ثمرة من ثمار الضغط الذي يمارسونه ، ولذلك فإنهم ، ربما فسروا تصريحات الطالباني ورامسفيلد وبعض قادة العراق الجدد ، على أنها انحناءة أمام عاصفتهم الإرهابية .
إن ذلك أمر خطير ، إذ يجب أن لا يشعر الإرهابيون ، بأية ليونة في نبرة تصريحات الساسة والقادة ، كلما تحدثوا عن العنف والإرهاب ، لان الإرهابيين ، وبصراحة ، سوف لن يغريهم أي تنازل يفكر القادة بتقديمه لهم ، لإقناعهم بترك العنف والإرهاب ، لان المجرم لا يهمه العراق ولا شعبه ، إنما الذي يهمه هو السلطة أولا وأخيرا ، فإما أن تعود إليه ، مطلقة وغير محدودة ، كاملة غير منقوصة ، كما كانت في السابق ، أو (علي وعلى أعدائي) ، و (ليأت الطوفان) ، كما فعل بالأمس سيدهم ورمزهم الطاغية الذليل ، الذي ظل يملأ الدنيا تهديدا ووعيدا ، وإذا به يستخرج من أعماق حفرة العنكبوت ، كالجرذ ، هاربا ومختبئا .
كذلك ، فان أخشى ما نخشاه ، هو أن يتحول الدم العراقي إلى وسيلة من وسائل الضغط السياسي بين الفرقاء ، فالولايات المتحدة مثلا ، تشدد على الإرهابيين إذا كانت الأمور تسير في الاتجاه المرسوم لها حسب البوصلة الاميركية ، وتغض الطرف عنهم إذا ما خشيت على مسار الأحداث ، عندما تهب عاصفة تأخذها بعيدة عن مراسيها ، وهكذا بالنسبة للفرقاء العراقيين ، وبذلك ، فيما لو حصل ، نكون قد مكنا الإرهابيين من القضاء على العملية الديمقراطية الجديدة وبالضربة القاضية ، وبأدوات الديمقراطية ذاتها ، وهنا مكمن المصيبة .
هذا المفهوم ، بدأ بعض العراقيين بتبنيه ، لكثرة الألغاز التي باتت تحيط بالعمليات الإرهابية ، لدرجة ، أن بعضهم راح يفسر أحداث المدائن ، وأمثالها ، على أنها وسائل للضغط على الحكومة الانتقالية المرتقبة ، لتترك الملف الأمني والوزارات المرتبطة به بيد الاميركيين ، كما يريدون ويصرون ، وهو الأمر الذي تحدث عنه الوزير رامسفيلد ، لدرجة التهديد ، أو على الأقل عدم التعرض إلى العناصر المشبوهة في هذه الأجهزة ، والتي يصر قادة القوائم الفائزة في الانتخابات ، على تصفيتها لتطهير الأجهزة الأمنية من العناصر الفاسدة والمشبوهة ، كشرط مسبق للشروع في المجهود الوطني الرامي إلى إعادة الأمن إلى عموم البلاد.
إذن ، من اجل أن لا تذهب جهود الحكومة الجديدة بشأن القضاء على العنف والإرهاب ، سدى ، أو هباءا منثورا ، يلزم أولا ، تطهير مؤسساتها من العناصر الفاسدة ليقوم بنائها الجديد على أسس متينة وصلبة ، وليس كما فعلت الحكومة المنتهية ولايتها ، فكان نصيبها الفشل .
20 نيسان 2005
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |