هذه مقالةً نشرها أحد أيتام صدام الكدع سليم عزوز في الشهر التاسع 2003.
العبرة ليست في المقالة بحد ذاتها، لكن في الصورة التي يحصل عليها المتابع لوضع حالات شاذة ومريبة من قبل البعثيين لركوب الحالة السنية في العراق، ومحاولة إدعاء قيادتها، منذ الأيام الأولى لسقوط صدام. هل هنالك من يشك أن صالح مطلك ومهران صديد وصلاح عمرعلي هم من البعثيين الذين جعلهم الفراغ وظروف الإحتلال يصعدون كي يتحولوا فجأة إلى بكّائين على سنة العراق.
قلتها مراراً السنة في العراق يستحقون قيادات أفضل من وجوه شاهت بذل البعث وقسوته، من أمثال المطلك وصنديد ومشعان وحارث ضاري.
إنني أعلم أن السنة لديهم من الشرفاء والعقلاء والوطنيين ما يتخطون هذه النظائر. ولكن يبدو أن البعثيين المتلونين كالحرباء لا يريدون الإعتراف بأن بعث صدام قد إنتهى إلى غير رجعة، وأن العراق ليس حكراً على طائفة أو حزب، كما أن حالة التسلط والتحكم لا يمكن أن تدوم.
بقي أن أشير أن أية حرب أهلية لن تضرب الشيعة فقط، بل سيكون المتضرر الأكبر فيها هو الجانب السني الذي سيكتشف في مراحل متقدمة من هذا السيناريو المرعب أن قياداته تسير به إلى كارثة حقيقية، معتمدة على نصائح وإرشادات أيتام صدام من الكدعان والزلمات، وسيكون هؤلاء أول من يتبرأ منهم كما حدث في حرب العراق وإيران مع صدام حسين. الخطأ الأول عدم المشاركة في الإنتخابات، أدى إلى تزعزع موقفهم، وهم الذين كانوا ينادون أنهم سيقاطعون، ومنهم مشعان الذي أتذكر مقابلته مع التلفزيون الكردي قبل الإنتخابات متوعداً كل من يقيمها، ومطالباً بإلغائها أو تأجيلها.
المبدأ هو نفسه، يطبقه أيتام البعث الذين وجدوا الفراغ، فصعدوا لإدعاء القيادة في الواقع السني. مبدأ أن يكون العراقي السني هو الحطب لنار توقدها أطراف عربية سنية في العالم العربي. إستراتيجية "منك العيال ومنا المال" تطبق بنفس الشؤم اليوم، كما طبقت في زمن صدام حسين.
يبقى الجعفري وحكومته -نظرياً- أكثر نزاهة وعراقية من نظام البعث البائد، وصدامه، ونظام البعث المؤقت الذي إنشأه علاوي.
الحرب عندما تشتعل فإنها لن تميز بين بيت سني أو شيعي، وكما أن التهديد يطال العراقيين الشيعة على وجه التحديد، إلا أن شرر النار قد يحرق بيوتاً تمتلئ بالذخيرة والمتفجرات والمال الحرام. وعندها لن تفيد توسلات ضاري أو مطلك أو مرواني أو دراجي أو خالصي في إطفائها.
أتمنى أن يفهم عقلاء السنة هذا الأمر ويقبلوا بالأمر الواقع. واقع يقول أن العراق يجب أن يخرج من نظرة البعض ذات الأفق الضيق، وأن يخرج من نظرة البعض التي تريد إحتكار كل ششيئ على أنها ماك صرف لها. نظرة "للسنة الحكم، وللشيعة اللطم".
لا ننسى طبعاً أن مطلك ومشعان كانا يستجديان الأميركان وحليفهم الأصغر بريطانيا، على قناة الشرقية البارحة. مع سعار طائفي مقيت ودفاع عن حزب البعث دونما كلمة واحدة عن تجربة العراق المريرة مع هذا الحزب الآثم. بمعنى آخر، هؤلاء البعثيون لا يريدون أن يعترفوا أن البعث وصدام هم الذين أوصلا العراق إلى ما وصل عليه الآن.
السنة في العراق أفضل من أن يمثلهم ديوث مثل مشعان، أو راعي من رعيان البعث مثل مطلك، أو أميين من أسفل الدليم أو تكفيريين من أمثال حارث ضاري أو الكردي محسن حميد كركوكي.
أتمنى ألا يتحول الواقع السني في العراق بسبب خطل هذه القيادات إلى ألعوبة بيد أيتام صدام، وأتباع الأحزاب الكردية، والتي نعرف كلنا وضعها المثير للشك في تعاملها في العراق. الواقع السني في العراق سيتحول إلى حطب محترق إرضاء لهذه العقول الإجرامية إذا إستمر يسير بهذا الإتجاه. المهم في الأمر إجتثاث البعث يصب في صالح السنة كما هو في صالح الشيعة، لأنه يعني إنهاء هيمنة حزب إجرامي على مستوى الفكر والتنفيذ على مواقع القرار في الدولة، ويعني فيما يعنيه التحول إلى أوضاع أكثر طبيعية، وأكثر نزاهة وتسامح. أذكروا التجربة النازية في ألمانيا
المقالة
الرأي الآخر
في رحاب الشموخ العراقي
بقلم
سليم عزوز
azzoz66@hotmail.com
بينما كانت الروح قد بلغت الحلقوم من جريمة جامعة الدول العربية بإسباغ الشرعية علي احتلال العراق، من خلال الاعتراف بوزير خارجية المستعمر، ممثلا للعراق في الجامعة، التقيت بثلاثة من المعارضين العراقيين ليخففوا من طعم المرارة، ويجعلونا علي يقين بأن الشعب العراقي البطل قادر علي سحق عظام المحتلين، وتحويلهم لذكري لمن كان له قلب او ألقي السمع وهو شهيد
الجامعة أقدمت علي الجريمة بخطي ثابتة، ووجد أصحابها، وهم واحد وعشرون رجلا طولا في عرض، القدرة، بل ان شئت الدقة فقل البجاحة، علي ارتكاب جريمتهم علي هذا النحو، دون ان يهتز لهم رمش، وخرجوا علينا، وقد رفعوا برقع الحياء، ليقولوا انهم فعلوا ما فعلوا ليحافظوا علي "عروبة العراق"، وكأن عروبة هذا البلد التليد الضاربة بجذورها في اعماق التاريخ، والتي يشهد عليها البشر والحجر، بحاجة الي جريمة للمحافظة عليها
الذي يسمع هذا الكلام الذي نطقت به الألسنة المرتجفة يتصور ان الشعب العراقي قد تحالف مع الاستعمار، حتي يكون في الاعتراف بطراطير فرضهم الاحتلال ليمثلوه، خطوة صحيحة تدفع القوم الي ان يفعلوا ما فعلوا، ويضطروا الي مخالفة ميثاق الجامعة الذي ينص علي ان الاستقلال هو شرط لقبول العضوية، وهو شرط صلاحية كما هو واضح
**********
الشعب العراقي البطل يقاوم الاستعمار ببسالة، ويفتك في كل لحظة بقوات الاحتلال، وذلك في ملحمة تشرف أي كائن حي ينتمي الي هذه الأمة، وقد بلغت خسائر الأمريكان وأذيالهم من الإنجليز الي حد ان رأت الإدارة الأمريكية أنها فضيحة تستدعي ان يستروها وأن يخفوها عن الشعب حتي لا يتحرك ليحاسبهم عليها، ولو استدعي الأمر قتل واعتقال الشهود من المراسلين، ليستروا فضيحتهم، ويخرسوا الجميع، بعد ان يكونوا قد تعلموا من رأس الذئب الطائر
ولكن الحقيقة اسطع من ان تخفي وها هي التقارير تأتي من العراق لتؤكد ان المعلن عنه من خسائر، هو مجرد قطرة في بحر، وآخر ما نشر هو ما جاء في صحيفة "الجارديان" من ان هناك ستة آلاف جريح، منهم أكثر من ألف وخمسمائة مصابين بجروح خطرة، تم إجلاؤهم من ساحة المعركة
ولم يجد وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد حيلة من الاعتراف بحجم المقاومة الباسلة، وان كان يقول انها تتراجع من 25 الي 14 او 15 عملية يوميا، وهو رقم في حدوده الدنيا مفزع. وقد شهد لقوة المقاومة القيادات الأمريكية نفسها، بالشكل الذي جعلها تخرج عن طورها وتطلب النجدة من العالم، وهو ما كتبنا عنه تفصيلا في مقالنا في الاسبوع الماضي
فالمقاومة ليست بحاجة الي مستند ليؤكد قوتها، وفزع قوات الاحتلال بات معلوما للكافة، وعدنا من جديد نسمع عن القتل بنيران صديقة، وهو الأمر الذي شاع في بداية الغزو والذي كان في الجانب " المفبرك منه" يتم استخدامه للتعتيم علي حجم الخسائر التي مني بها القوم، فبدلا من أن تكون كل هذه الخسائر قد أوقعها الجانب العراقي، فانهم رأوا انه من الاشرف ان ينسبوا جزءا منها الي أنفسهم، ومن خلال الادعاء بأن الخسائر نجمت عن نيران صديقة، ومن الملاحظ انهم قد لجاؤا الي هذه الحيلة بعد ان تأكدوا الي ان سياستهم في التعتيم والنفي، لن تفلح مع قيام وزارة الإعلام العراقية بكشف الحقائق للناس بالصوت والصورة
الجانب الحقيقي من هذه العمليات، اقصد الموت بنيران صديقة، كان دليلا عن ان قوات الاحتلال قد فقدت صوابها، وأنها تتصرف كالذي تتخبطه الشياطين من المس، بعد ان قيل لهم في البداية انهم سوف يستقبلون بالأحضان، فلم يجدوا أحضانا ولا يحزنون، وانما وجدوا الرصاص الحي يخترق أجسادهم، فيحولهم الي اثر بعد عين
والأن عادت بفضل بسالة المقاومة النيران الصديقة تصيب وتقتل، فعناصر من الشرطة العراقية كانت تطارد مسلحين سرقوا سيارة في منطقة الفلوجة، ولان جماعتنا أعصابهم تلفانة" ويعيشون في فزع مقيم، فقد صوبوا نيران مدفعيتهم علي رجال الشرطة فقتلوا منهم فريقا و أصابوا فريقا، وإذا بزملائهم يجتاح نفوسهم الغضب، ويستحلفون للأمريكان انهم سيدفعون الثمن، الأمر الذي يؤكد ان رقعة الكراهية تزداد بفضل مقاومة الشعب العراقي البطل
عروبة العراق يؤكدها الشعب العراقي بالدم، ولا تحتاج الي قيام أصحاب الجامعة العربية الي ارتكاب جريمة ليحافظوا عليها، بالشكل الذي قالوه، وهم يعلمون انهم يقولون كذبا بواحا، فلاشك انهم تعرضوا لضغوط من قبل أسيادهم دفعتهم الي اتخاذ هذا القرار الجريمة بالاعتراف بالاحتلال وبحكومة مفروضة بقرار من الحاكم الأمريكي بريمر، ولم يكن أمامهم الا ان ينصاعوا، لانهم اضعف حتي من ان يتململوا في مواجهة الامر الأمريكي
دعك مما قالوه بعد هذا من انهم سعوا للمحافظة علي عروبة العراق، فهو كلام للاستهلاك المحلي، فهم باعترافهم بوزير خارجية الحكم الانتقالي يعلمون انهم مثله، وهم يمثلون مجالس حكم انتقالية، لا يغير من طبيعتها هذه انها تأبدت في السلطة، فالحال من بعضه، ونحن نعلم، وهم يعلمون، ان الاسم الذي يحمله كيانهم "جامعة الدول العربية" لم يعد يعبر عن حاله، فالاسم المعبر عن كيانهم هو: "جامعة الدول الأمريكية"، وبالتالي فان المقعد الذي جلس عليه وزير خارجية المحتل الغاشم، كان شاغلا طوال السنوات الأخيرة الماضية، وقد تم شغله بمن هو أهله
لقد شاء السميع العليم ان يكشف القوم علي حقيقتهم، فقد جاء الي القاهرةوفد من المعارضة العراقية قبل ارتكاب هذه الجريمة، حتي لا يتعامل السادة زعماء الجامعة علي ان عذرهم معهم لانهم لم يجدوا من العراقيين سوي مجلس الحكم الانتقالي فاعتمدوا حكومته، ومنحوها الشرعية " والتي منحت بالمناسبة قبل ان يمنحها مجلس الأمن والأمم المتحدة "، علي أساس انهم لو وجدوا غيرهم لعاملوهم علي قدم المساواة، فلا يوجد لدي أصحاب الجامعة خيار و فاقوس، و وطني و عميل
الوفد زار القاهرة وسعي لمقابلة أصحاب الجامعة، لكي يضع لهم النقاط فوق الحروف، ويكشف لهم ما تصور انه غائب عنهم، وهو ان الشعب العراقي ليس المجلس الانتقالي، وليس حكومته العملية الموالية للاستعمار، والتي لم يسمع بأسماء عناصرها من قبل انس ولا جان، ولا يعرف الشارع العراقي من هم هؤلاء القوم، ولا من أي مكان قدموا
لكن الموعد الذي تحدد لهم مع أحد المسئولين العرب كان يوم الأربعاء، وبعد ان اصبح الكل في مكانه، وبعد ان جلس وزير خارجية الاستعمار علي كرسي العراق وتم استقباله بزفة وبتصفيق حاد، لا اري له مبررا، اللهم الا اذا كان المبرر الوحيد انهم رأوا ان الجالس من نفس طينتهم. وقد سعدت ان الوفد العراقي رفض المقابلة بعد ان وقف علي انها لا قيمة لها، وقد قابل الامين العام عمرو موسي الذي قال له ما رأي ان يكفر به عن ذنب مشاركته في الجريمة ولو باستمراره في الموقع: ان أبواب الجامعة مفتوحة له
هو كلام ولا شك مثل " عزومة المراكبية" وهو وان كان قد اسعد أعضاء الوفد ونظروا اليه علي انه انتصار، الا انني نظرت اليه علي انه " فض مجالس"، من واحد ربما عز عليه ان يبدد تاريخه علي هذا النحو، فقال ما قال لعله يرد الاعتبار لزعامته التي بدأت في التآكل ربما بفعل فاعل، وقد ساعد هو علي هذا التآكل، ربما لانه بات متمسكا بالمنصب اكثر من أي وقت مضي، وقديما قيل أذل الحرص اعناق الرجال
" عمرو موسي" ليس هو الجامعة العربية، لكنه أيضا ليس مجرد موظف دفعت به وزارة القوي العاملة في مصر لمنصب الأمين العام، فقامته اكبر من الجامعة، وكان المفروض ان يختم حياته بموقف كان سيخلده بشكل افضل من تخليده بالوظيفة التي شغلها آخرون قبله، فنسيناهم بمجرد خروجهم من بوابة الجامعة، حتي وان كانوا يعيشون بين ظهرانينا، فهل يذكر احد – غير الأشقاء في الكويت – ان هذا المنصب شغله مثلا واحد اسمه الدكتور عصت عبد المجيد، علما بأنه حي يرزق؟
الموقف الذي يليق بقدر " عمرو موسي" ردا علي نجاح أصحاب الجامعة في ان ينتزعوا اسمها القديم "جامعة الدول العربية" وتعليق يافطة باسمها الجديد وهو "جامعة الدول الامريكية" كان هو الاستقالة
ولهذا فقد ترك استمراره، والحال كذلك، في النفس غصة، وكانت الغصة الأكبر من حالة اللامبالاة التي تعاملت بها الجماهير مع ما حدث، فقد كان ينبغي ان تذهب الي مقر الجامعة لتسمع وزير خارجية الاستعمار صوت الشعب العربي، صحيح انه قد لا يؤثر فيه المشهد او ما يسمعه فليس بعد العمالة ذنب، ولكن إسماعه صوت الناس كان ضرورة، وفرضا تقاعسنا جميعا عن القيام به
**********
الصمت الجماهيري الذي اخذ شكل اللامبالاة له ما يبرره علي كل حال، فالجماهير أصابها الإحباط بعد سقوط بغداد علي النحو المفاجئ الذي جري، وعندما بدأت المقاومة العراقية تزيل أثار الخيانة، كان التجار الذين تخصصوا في حشد الناس خلفهم قد انشغلوا بتدبير امور معيشتهم بشكل يعوضهم عن الخسارة التي لحقتهم " بشكل شخصي" من زوال نظام الرئيس صدام حسين
فلعل من أسوأ ما فعل الرجل في تاريخه حكمه، هو انه افسد الحياة السياسية في بعض الاقطار العربية بشراء الناس، وكسب الولاء بالمال، والذين نقلهم من طبقة لطبقة، ومن طبقة الكادحين الي طبقة الأثرياء، وقد سقط ولائهم له بسقوطه، وكان نظامه متخصص في شراء افسد العناصر وأسوأ البشر
وعندما كنت في بغداد في ابريل من العام قبل الماضي، وفي اول زيارة لي لها، والتي ارجو ان تتكرر قريبا في ظل الاستقلال، كان من أهم ما يشغلني بعد ان رأيت العاهات السياسية ومرتزقة النضال وأشباه الصحفيين وقد تم شحنهم الي عاصمة الرشيد هو: ما الذي يدفع نظام يتبني قضية عادلة ان يجد عزوته في " كناسة البشر"، وربما لانني "جهجونا" وان الذي علي قلبي علي لساني، وربما لانني لم اشاهد الديكتاتورية العراقية التي كانوا يحدثونا عنها، ووجدت حالة من "البحبوحة السياسية" كانت تسمح لي ان اتحدث براحتي، في حضور اناس في الحكم، وكانوا هم يبادلوننا فضفضة بفضفضة، فقد سألت هذه السؤال علي العشرات ممن قابلتهم، واذكر منهم صديقنا " طالب بحر"
المذكور عمل مستشارا اعلاميا للعراق في مصر، وقد قابلته وقتها مرة او مرتين بشكل عابر، ولم يسمح موقف كلانا من الحوار، فهو في رأيي موظفا، وفي توقيت كنت احمل فيها مدفعيتي الثقيلة صوب صدام حسين مهاجما غزوه للكويت وديكتاتوريته، التي انكشفت أي ديكتاتوريته" امامنا بعد الغزو وانقلاب النظام المصري عليه، واطلعنا علي كتب تم نشرها وكانت مصادرة أيام ان كانت العلاقة كالسمن علي العسل، حيث لم يكن مسموحا لأحد ان يذكر النظام العراقي بما يكره ولو بشطر كلمه ولو كان هذا في منامه، والي درجة أن تم اعتقال سليمان فرحات المصري الذي هرب من العراق وجاء ليكشف نظام البعث، وقد سمح له بعد ان وقعت الفأس في الرأس بنشر كتابين اذكر اسم احدهما وهو الذي حمل عنوان: "يوميات بعثي سابق" والي درجة ان نواب الحكومة في البرلمان كادوا ان يفتكوا بنواب الاخوان عندما طالبوا بالتحقيق فيما عرف بظاهرة النعوش القادمة من العراق، وقد تم اتهام نواب الجماعة وقتها انهم يعملون لصالح ايران وانهم يودون الاساءة للعلاقات العربية – العربية، وانهم بما يطالبون انما يسعون الي قطع علاقتنا بالاشقاء في العراق.. إنما علي مين؟
وعندما زرت بغداد كان " طالب بحر" يشغل منصب مدير مكتب وزير الاعلام محمد سعيد الصحاف، والرجل من النوع الذي يألفه جليسه بسهولة، ولان الدول العربية التي زرتها تنام من المغرب علي العكس من المصريين الذين يحبون السهر، فقد كان الرجل يعلم هذا ويصر علي السهر معنا نحن الصحفيون المصريون كل ليلة نشرب الشاي الذي لا علاقة له بالشاي المصري والنرجلية ونتحدث في كل شئ، وذات مرة سألته السؤال الذي لم اعثر له علي اجابة ماهو السر في احتفائكم " بلمامة البشر" مع انكم لستم مضطرين لهذا، لاسيما وان الجماهير العربية منحازة لكم، والي درجة ان شاحنة لو وقفت في ميدان التحرير في قلب القاهرة وقال سائقها انه متوجه الي العراق الان للتضامن مع شعبه، فانها و في لمح البصر سوف تمتلْ عن اخرها؟
وقد رد " طالب " علي فأوجز: لا اعرف، هذا سؤال يوجه الي المسئولين، وانما انا صحفي ولست من المسئولين. وقد عرفت الاجابة بعدها من خلال ما علمت به من قيام اناس من جماعة النطيحة والموقوذة والمتردية من كتابة مبايعة بالدم، دماؤهم بالطبع تأييدا للرئيس صدام حفظه الله ورعاه، وهو تصرف يتأفف أي محترم ان يقدم عليه، ولهذا فان امثال هؤلاء لهم قيمة عند مقاولي الانفار
ليس هذا وقت الحساب مع النظام العراقي، فما أهدف اليه هو شئ اخر، وهو ان هؤلاء الذين كانت الناس تحتشد خلفهم عندما كان النظام موجودا بكل سدنته، اختفوا عن الساحة بعد غيابه، ولم يجدوا مبررا للاستمرار، وربما انشغلوا بالبحث عن نظام اخر يكون كريما معهم، كما كان نظام صدام او اقل منه في الكرم، فنصف العمي ولا العمي كله
وضاعت فرصة تاريخية بأن نسمع وزير الاحتلال ومن احتفوا به صوت الشعوب العربية، وكان طبيعا للمرء ان يغتم، وعندما امسك بي الغم واحاط بي من كل جانب، تشاء ارداة الله ان يبدد الغم بما جري بعد هذا
فقد تلقيت اتصالات تليفونيا مساء الخميس الماضي من محامية قالت ان وفدا من المعارضة العراقية يريد ان يلتقي بي، وتساءلت عن أي فصيل من المعارضة، فنحن ما زلنا نطلق علي احمد الجلبي والذين معه حتي الان صفة المعارضة، علي الرغم من انهم استولوا علي العرش وفي حماية الاستعمار. وكانت الاجابة أنهم من المعارضين لمجلس الحكم الانتقالي، وتحدد اللقاء بعدها بساعة، ولأنه كان في نقابة الصحفيين فقد تحول الي مؤتمر صحفي، لاسيما وان الزملاء يريدون ان يقفوا علي حقيقة ما يجري في العراق
اللقاء كان مع ثلاثة هم: الدكتور صالح المطلك، والمهندس مهران حواس الصديد، والاستاذ صلاح عمر العلي، والذين روا لنا سبب رحلتهم للقاهرة، والتي تمثلت في محاولتهم التي اشرنا اليها، والتي تتلخص في قطع الطريق امام مجلس الحكم الانتقالي حتي لا يجد فراغا يتمدد فيه، يبدو انهم حسنوا النية، فتصوروا ان الفراغ هو الذي يدفع أصحاب الجامعة العربية للاعتراف بهم، وربما صدقوا ان القوم التبس عليهم الامر فظنوا ان بقبولهم الاعتراف بمن عينه الاستعمار ما يحول دون خروج العراق عن ربقة العروبة
ومن المؤكد انهم وقفوا علي ان ما رفعه أصحاب الجامعة هو مجرد كلام لا يسمن ولا يغني من جوع، ويهدف الي تبرير الجريمة ليس الا، وان كانوا بزيارتهم للقاهرة ومحاولاتهم التي لم تكلل بالنجاح قد فضحوهم، وردوا علي دعواهم بشكل عملي
حدثنا الوفد عن المقاومة العراقية بشكل اثلج الصدور، وقالوا لنا ان نهاية المشروع الامبريالي الامريكي ستكون في العراق باذن الله، وردوا الاعتبار للمعارضة العراقية، عندما قالوا بأن المعارضين ليسوا سواء، فهناك من ارتضي لنفسه ان يكون ذيلا للامريكان، وربط مصيره بمصيرهم منذ البداية، وهناك فريق اخر لم يلبس عروبته بظلم، ورفض دخول العراق علي الدبابات الامريكية كما فعل احمد الجلبي وصحبه
وقالوا انهم مجموعة تبلغ خمسائة شخصية عراقية من كل الوان الطيف السياسي والعشائري قررت الا تترك العراق فريسة للعملاء، وانها تعمل من اجل رد الاعتبار للعراقيين الذين أساء لهم حفنة من اراذل البشر. وانهم يفكرون في تشكيل مجلس حكم انتقالي وحكومة عراقية
وقلت لهم ان عليهم ان يحركوا الشارع العراقي في اتجاهين: الاول هو رفض الاستعمار ومقاومته، والثاني هو رفض عملاءه، حتي اذا تقرر ذات يوم ان تجري انتخابات ولو شبه نظيفة، فان الشعب يحمي ارادته بنفسه، ويختار من يرفضون المستعمر، وان كنت اعتقد ان وجود الاحتلال لن يستمر طويلا حتي تحدث الانتخابات
وقالوا لنا اطمئنوا فان اخوانكم في العراق يشرفون العرب بمقاومتهم، والحكومة المعينة من مجلس الحكم ليست معروفة لهم، وليست معروفة حتي بالنسبة للنخبة، فهي غريبة عن هذا الشعب، وقد تم اختيارها بشكل عبيط وساذج
وقالوا ان الاحتلال يعمل من اجل تفريغ العراق من محتواه العلمي والوطني فهناك عمليات اغتيال تمت لعناصر بارزة مثل رئيس جامعة بغداد، ونقيب الاطباء، ويتلقي العلماء في المجالات المختلفة كل يوم رسائل تهديد تحذرهم من الاستمرار في العراق وتطالبهم بتركه وقالوا ان الشعب العراقي يقاوم الاحتلال بكل قوة وبسالة وان الجنوب العراقي يشهد مقاومة لا تخطي العين دلالتها، وان الشيعة قادمون علي طريق المقاومة
وقد سعدت وسعد الزملاء بما سمعناه من صالح المطلق ومهران الصديد وصلاح العلي، وبتصميمهم علي ان يواصلوا مسيرة النضال السياسي، وقلت لهم لا تلقوا اعتبارا للحكومات العربية فالاهتمام باقناعها بكم وبرسالتكم مضيعة للوقت وهو نوع من العبث، ولا تنشغلوا بالشعوب العربية فهي معكم
ولم يستمر اللقاء طويلا فقد اعتذروا لانهم مرتبطون بمواعيد اخري، بعد ان سمعنا منهم صوت الشموخ العراقي
كاتب وصحفي مصري
سبتمبر 2003م