 |
-
الزورخانة.. اللعبة الرياضية.. الشعبية والتراثية
حميد عبدالباقي :
رغم شيوع الانماط الرياضية المختلفة الحديثة في اوساط المجتمعات لكن تبقى هناك.. بعض الالعاب الرياضية ذات طابع شعبي.. وطابع تراثي.. يفرض نفسه على الواقع السكاني لكل بلد او لكل منطقة.. ومن هذه الالعاب الرياضية.. لعبة (الزورخانة)..
ان المتتبع لهذه الرياضة.. يعتقد بانها رياضة جاءت الى الوسط الاجتماعي العراقي من ايران.. بنظرة بسيطة وسطحية الى الاسم (اسم اللعبة) والناس الذين كانوا يمارسونها.. ونحن لا ننكر ما للاخوة الايرانيين من دور في تطور هذه اللعبة لكن هذه اللعبة لم يكن انتشارها في ايران فقط.. بل كانت منتشرة في الهند وباكستان وافغانستان وتركيا والعراق وغيرها من البلدان والمناطق وتمارس فيها كما مورست في ايران.. وعليه فان قراءة التاريخ وملاحظة الاثار التي ورثناها عن اجدادنا.. والتي زينت بها متاحف الدنيا ومتاحفنا.. نقول.. بان هذه الرياضة (الزورخانة) هي نتاج تطور تاريخي للعبة المصارعة الحرة والرومانية.. وان شعب سومر وبابل وآشور الذين اول من جسدوا الفروسية وفنون القتال.. كانت تلك رياضتهم لتدريب مقاتليهم على فنون استخدام السيف والرمح وغيرها من فنون القتال.. وعليه فانهم ابتدعوا هذه الالعاب التي نراها في لعبة الزورخانة ومارسوها بقواعد شبيهة جدا بالطقوس التي تمارس فيها لعبة الزورخانة من حيث استخدام الطبل وقراءة الاشعار والمقامات.. فالاثر التاريخي الذي وجد في تل خفاجة وهو من النحاس الخالص ويعود تاريخه الى (4000) عام قبل الميلاد ويمثل وضع الصراع وقوفا.. وكذلك المسلة الحجرية المصنوعة من المرمر ومنحوتة نحتا يدويا وبنفس الحقبة التاريخية تجسد الصراع في وضع الوقوف والى جانب المصارعين يقف الحكم وشخص اخر يحمل طبلا واخر بيديه (جنجانة) والثالث بيديه خروف وهذا يدل دلالة قاطعة على ان المصارعة كانت تمارس مع الطقوس الدينية،.. الدليل على ان لعبة الزورخانة كانت موجودة في تلك المرحلة الزمنية من تاريخ بلدنا.. وكانت في المتحف العراقي بعض الاختام التي يعود تاريخها الى (3000) عام ق.م والتي استخدمها الامراء والملوك في مراسلاتهم تمثل اوضاع الصراع ايضا.. واستمر استعمال الطقوس الدينية مع بعض التعديل في لعبة الزورخانة الى يومنا هذا.. وفي البلدان التي اشرنا اليها مع انقطاع بين فترة واخرى في بلدنا العراق.. وكادت ان تدرس في بلاد الرافدين خلال حقب تاريخية معينة لاسباب سياسية ظنا من البعض بان هذه اللعبة ايرانية والحقيقة ان كلمة (زورخانة) تمثل مقطعين الاول (زور) وهي كلمة عربية وتعني القوة ايضا و(خانة) وهي كلمة فارسية تعني (بيت) و(زورخانة) معناها بيت القوة.
وبما ان العاب الزورخانة عبارة عن عدة العاب رياضية متناسقة تؤدي الى تكوين بنية جسمية سليمة يحتاجها المقاتل لكي يكون قادرا على استخدام (السيف والرمح والترس وغيرها) فان لكل لعبة من هذه الالعاب علاقة بنوع من استخدام السلاح.. فمثلا (الاميال) تستخدم لرفع كفاءة المقاتل في استخدام السيف.. و(الكبادة) لرفع كفاءة المقاتل باستخدام القوس و(الحجر اوالسنك) تستخدم لرفع كفاءة المقاتل في استخدام الترس او الدرع وهكذا..فان اول ما يجب شرحه حول العاب الزورخانة المكان التقليدي الذي تجرى فيه.. فهو يمثل عبارة عن قبة تتوسطها نافذة يمر منها الضوء الذي يضيء المكان.. وينخفض مكان وقوف اللاعبين لممارسة الالعاب قليلا عن مستوى المكان العام وتسمى المنطقة بـ(الجفرة) وهي شبيهة بمكان تكايا الصوفيين والمحارب في المساجد.. وحول المكان (الجفرة) توضع الكراسي والمصطبات للمتفرجين.. بالتاكيد هناك غرف لتبديل الملابس وغرف اخرى لتخزين الادوات الخاصة بالزورخانة.. وقد فاتني ان اذكر ان المرشد يجلس بمكان قريب من المتفرجين ومرتفع عنهم.. وهو الذي يؤدي التواشيح الدينية والاشعار الحماسية.. على قرع الطبلة والجرس المعلق امامه..
ويصنف اللاعبون في الزورخانة الى مبتدئين ويطلق عليهم (نوخاسته) ومتقدمين وان الموجه لهم في (الجفرة) وهو من اكثر اللاعبين حيوية واكبرهم عمرا واتقنهم للعبة ويسمى (مياندار) اما لباسهم (لباس اللاعبين) فيسمى (اللنك) او (البشتمال) ويتالف من سروال نوعا ما مصنوع من الجلد او القماش المتماسك وعليه زخارف.. ونقوش وبعض الاحيان كتابات زخرفية موشاة بخيوط ذهبية ملونة وينزل عن الركبة قليلا.عندما يقرع جرس المرشد يبدأ اللاعبون بالدخول الى (الجفرة) من باب الزورخانة ويحني اللاعب رأسه اظهارا منه للادب والتواضع والاحترام لمكان الزورخانة وتبدأ الحركات الرياضية للاعبين تتناغم مع اصداء الطبل والجرس والتواشيح الدينية والاشعار الحماسية التي يقوم بادائها المرشد.. حيث يدخل اللاعبون واحدا تلو الاخر ويتقدمهم (المياندار) اقدم اللاعبين وكل واحد منهم يقبل ارض الملعب (الجفرة) تعظيما وتقديسا للمكان الذي سيؤدون فيه الحركات الرياضية.. ويبدأون بالاحماء ثم يرتفع صوت المرشد بالصلوات على النبي وآله واصحابه..ولاعطاء صورة لادوات اللعب في الزورخانة.. يمكننا تفصيل ذلك كما يلي:1. خشبة الشناو: عبارة عن قطعة خشبية بطول (75) سم وعرض (8) سم وبسمك (3) سم وتستند هذه الخشبة الى قطعتين صغيرتين من الخشب من الجانبين لترتفع الخشبة عن سطح الارض بمقدار (8) سم تقريبا.وعملية الشناو.. عبارة عن رياضة مهمة تعطي قدرة على تقوية كل اعضاء الجسم واهمها اليدان.. ويخضع اللعب بخشبة الشناو بحساب المرات من قبل المرشد.. وعلى صوت الطبل وهو لعب جماعي..
2. الحجر (السنك): وهو عبارة عن قطعتين من الخشب من النوع الثقيل تصنع على هيئة الدرع (الترس) ويتوسطها مقبض ويبلغ وزنها (60-80) كغم ولعبة الحجر او (السنك) لعبة انفرادية.. يؤديها اللاعب المتمرس والمتمكن من هذه اللعبة.. حيث يستلقي على ظهره ويمسك بكل يد احدى القطعتين ويديرهما حول رأسه وهو مستلق ويتقلب ذات اليمين وذات الشمال.. رافعا رأسه وقدميه قليلا عن مستوى الارض ويتولى المرشد حساب المرات التي يؤديها على صوت الطبل والاشعار الحماسية.. على ان لا تتجاوز (100) مرة ومن الالعاب الفردية في الزورخانة.. الاميال الخشبية: وهي عبارة عن قطعتين خشبيتين اسطوانية الشكل وتضيق عند احد طرفيها بغية مسكها باليد ويتراوح وزن الزوج الواحد من الاميال بين (10-30) كغم.. ويقوم اللاعب بمسك الاميال ورفعها الى الصدر وتدار حول الكتف والظهر والجانبين وتلعب بشكل جماعي وفردي على اصوات طبل المرشد وقراءاته الشعرية والتواشيح الدينية وفي بعض الاحيان يقدم احد اللاعبين او (المياندار) عرضا باميال اصغر حجما وهو اشبه ما يكون بعرض اكروباتيكي لاثارة جمهور الحاضرين واضافة شيء من المتعة والبهجة الى الحاضرين.4. الكبادة: وهي اداة حديدية تشبه القوس وبدلا من الوتر تضاف قطع معدنية غليظة تتصل بحلقات حديدية.. ويقوم اللاعب بعرض مسكة الكبادة لتحريكها فوق رأسه وجهة اليمين واليسار على ايقاع طبل المرشد.. وهي لعبة فردية في الزورخانة يؤديها اللاعبون تباعا.5. الدوران حول المحور: وهي عبارة عن لعبة فردية يؤديها اللاعبون تباعا واحدا بعد الاخر بالدوران حول المحور على ان يبدأ بها اللاعب الاقل خبرة.. وثم الى اللاعب الاكثر خبرة وسرعة الدوران تعطي اللاعب قدرة على التحكم والتوافق العضلي العصبي اثناء الدوران وهو ناشر يديه الى الجانبين.. بحيث الناظر الى اللاعب وهو في الدوران لا يستطيع تمييز اعضاء اللاعب من شدة الدوران. وطبعا هذه اللعبة تؤدى ايضا على ايقاع طبل المرشد وانغامه وتواشيحه.
6. الطرق بالارجل: وهي عبارة عن سلسلة حركات بالارجل يؤديها اللاعبون على شكل احماء بعد كل لعبة من الالعاب التي ذكرناها.
وفي الختام تمارس في الزورخانة بعض الالعاب البهلوانية الاستعراضية منها طي القضبان وقطع الصواني النحاسية وغيرها من الالعاب التي تفضي البهجة والمتعة على لعبة الزورخانة وحتى تمارس المصارعة بشكل خفيف ومن الوقوف فقط.
للتدليل على القوة البدنية.. وتنتهي اللعبة التي قد تستغرق عروضها اكثر من ساعتين في بعض الاحيان وحسب متطلبات الموقف المطلوب.. بالدعاء والصلوات والتقرب الى الله سبحانه وتعالى.. والتأكيد على التواضع في مواقع القوة.. وتذكر قوة الله سبحانه في كل الامور..وفي ختام حديثي عن الزورخانة لا يسعني الا ان اقف باجلال الى اولئك الابطال الذين زرعوا هذه اللعبة ونشروها داخل العراق وخارج العراق.. ولعل العودة الى كتاب الزورخانات البغدادية لمؤلفه الاستاذ جميل الطائي.. يعطي الصورة اكثر دقة وتفصيلا عن هذه اللعبة العراقية الاصل.. حيث مورست في جميع انحاء العراق فكانت بغداد مركزها والبصرة والعمارة والنجف وكربلاء وكانت تضم اسماء كبار المصارعين العراقيين من امثال الحاج عباس الديك وصادق الصندوق وغيرهم..
ونسأل الله ان يوفق الجميع لخدمة الرياضة والرياضيين في العراق خاصة والبلدان الاسلامية عامة.
والحمد لله رب العالمين على فضله ونعمائه.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |