شيئ من التاريخ التليد. على خطى السلف يمشي الخلف !

خبر مالك بن نويرة

فقال لهم خالد‏:‏ إنَّ هذا أمر لابدَّ من فعله وفرصة لا بدَّ من انتهازها وإنَّه لم يأتني فيها كتاب وأنا الأمير، وإليَّ تردُّ الأخبار، ولست بالذي أجبركم على المسير، وأنا قاصد البطاح فسار يومين، ثمَّ لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار فلحقوا به، فلمَّا وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة فبث خالد السَّرايا في البطاح يدعون النَّاس فاستقبله أمراء بني تميم بالسَّمع والطَّاعة وبذلوا الزَّكوات إلا ما كان من مالك بن نويرة فإنَّه متحير في أمره، متنح عن النَّاس فجاءته السَّرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه، واختلفت السَّرية فيهم فشهد أبو قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري أنَّهم أقاموا الصَّلاة، وقال آخرون‏:‏ إنَّهم لم يؤذِّنوا ولا صلُّوا‏.‏


فيقال‏:‏ إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة شديدة البرد، فنادى منادي خالد‏:‏ أن أدفئوا أسراكم، فظنَّ القوم أنَّه أراد القتل فقتلوهم وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلمَّا سمع الدَّاعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال‏:‏ إذا أراد الله أمراً أصابه واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة وهي أم تميم ابنة المنهال وكانت جملية، فلمَّا حلت بني بها، ويقال‏:‏ بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنَّبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزَّكاة وقال‏:‏ ألم تعلم أنها قرينة الصَّلاة ‏؟‏


فقال مالك‏:‏ إنَّ صاحبكم كان يزعم ذلك‏.‏


فقال‏:‏ أهو صاحبنا وليس بصاحبك يا ضرار إضرب عنقه، فضربت عنقه، وأمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثَّلاثة قدرا فأكل منها خالد تلك اللَّيلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدَّة وغيرهم‏.‏


ويقال‏:‏ إنَّ شعر مالك جعلت النَّار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر، ولم تفرغ الشَّعر لكثرته‏.‏


وقد تكلَّم أبو قتادة مع خالد فيما صنع وتقاولا في ذلك حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصِّديق، وتكلَّم عمر مع أبي قتادة في خالد وقال للصِّديق‏:‏ إعزله فإنَّ في سيفه رهقاً‏.‏


فقال أبو بكر‏:‏ لا أشيم سيفاً سلَّه الله على الكفَّار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/355‏)‏


وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصِّديق خالداً وعمر يساعده، وينشد الصِّديق ما قال في أخيه من المراثي، فوداه الصِّديق من عنده‏.‏


ومن قول متمم في ذلك‏:‏


وكنَّا كَنَدْمَانى جُذيمَةَ بُرهةً * مِنَ الدَّهر حتى قيلَ لنْ يَتَصَدَّعا


فلمَّا تفرَّقنا كأنِّي وَمالكاً * لطولِ اجْتِمَاع لم نبتْ ليلةٍ معاً


وقال أيضا‏:‏


لقَد لامَني عِنْدَ العُبورِ عَلى البُكَى * رَفْيقِي لتذرَافِ الدُّموعِ السَّوافِكِ


وقال أتَبْكِي كلَّ قبرٍ رأيتَهُ * لقَبرٌ ثَوى بين اللِّوى فَالدكَادِكِ


فقلتُ لهُ إنَّ الأسَى يبعثُ الأسَى * فدَعْني فهذا كلَّه قبرُ مَالِكِ


والمقصود أنَّه لم يزل عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يحرِّض الصِّديق ويذمِّره على عزل خالد عن الإمرة ويقول‏:‏ إنَّ في سيفه لرهقاً، حتَّى بعث الصِّديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة وقد لبس درعه التي من حديد وقد صدئ من كثرة الدِّماء، وغرز في عمامته الَّنشاب المضمَّخ بالدِّماء


فلمَّا دخل المسجد قام إليه عمر بن الخطَّاب فانتزع الأسهم من عمامة خالد فحطَّمها وقال‏:‏ أرياء قتلت امرأً مسلماً، ثمَّ نزوت على امرأته، والله لارجمنَّك بالجنادل وخالد لا يكلِّمه ولا يظنَّ إلا أنَّ رأي الصِّديق فيه كرأي عمر، حتى دخل على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك، وودى مالك بن نويرة، فخرج من عنده وعمر جالس في المسجد فقال خالد‏:‏ هلمَّ إليَّ يا ابن أم شملة، فلم يردَّ عليه وعرف أنَّ الصِّديق قد رضي عنه‏.‏

البداية والنهاية - إبن كثير

[line]

غارة بسر بن ابي ارطاة

كان بسر صحابيا و كان من شيعة معوية و شهد معه صفين و اقتدى بعمرو في كشف سوأته كما مر في حرب صفين و ذكرنا ترجمته مفصلة في حرب الباء من هذا الكتاب و غارته‏على الحجاز و اليمن و ما فعله من قبائح الافعال و نذكر اجمالها هنا و ما لم نذكره هنالك.

روى ابراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات و ابن الاثير في حوادث سنة 40 ان معوية بعث بسر بن أبي ارطاه في ثلاثة آلاف و قال سر حتى تمر بالمدينة و مكة و صنعاء و انهب اموال كل من اصبت له مالا ممن لم يكن دخل في طاعتنا فقدم بسر المدينة و بها أبو ايوب الانصاري عامل علي عليها فهرب ابو ايوب و دخلها بسر فصعد منبرها و شتم الناس و تهددهم و شتم الانصار فقال يا معشر اليهود و ابناء العبيد و قال و الله لو لا ما عهد الي معوية ما تركت بها محتلما و هدم بها دورا و اكره جماعة على البيعة منهم جابر بن عبد الله و استخلف عليهم أبا هريرة ثم اتى مكة فهرب عامل علي عليها قثم بن العباس فشتمهم بسر و انبهم و قتل في طريقه رجالا و اخذ اموالا و اكره الناس على البيعة ثم سار الى اليمن و كان عليها عبيد الله بن عباس عاملا لعلي فهرب منه و اخذ بسر ابنين لعبيد الله صغيرين فقتلهما (قال المبرد) اخذهما من تحت ذيل امهما و ذبحهما على درج صنعاء فذهب عقلها و كانت لا تزال تنشدهما في المواسم فنقول:

ها من احسن بابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف

في ابيات ذكرناها في ترجمته و قتل جماعة من شيعة علي باليمن و قال ابراهيم الثقفي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين الفا و حرق قوما بالنار (و هو مع ذلك و من ارسله مجتهدان مثابان ثبتت لهما العدالة لانهما صحابيان!!

و بلغ عليا الخبر فارسل جارية بن قدامة السعدي في .الفين و وهب بن مسعود في الفين فسار جارية الى البصرة ثم اخذ طريق الحجاز حتى اتى اليمن و بلغ بسرا مسيره فانحدر الى اليمامة و اتى جارية نجران فقتل بها ناسا من شيعة عثمان و صمد نحو بسر و بسر بين يديه يفر من جهة الى جهة حتى اخرجه من اعمال علي كلها و وثب الناس ببسر لما انصرف من بين يدي جارية لسوء سيرته و فظاظته و ظلمه و غشمه و تبعه جارية حتى اتى مكة (و كان امير المؤمنين (ع) قد استشهد) فقال بايعوا امير المؤمنين فقالوا قد هلك فلمن نبايع قال لمن بايع له اصحاب علي فبايعوا الحسن (ع) خوفا منه ثم اتى المدينة و ابو هريرة يصلي بالناس فهرب منه فقال جارية لو وجدت أبا سنور لقتلته ثم قال لاهل المدينة بايعوا الحسن بن علي فبايعوه ثم عاد الى الكوفة.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج‏2 ص 246- السيد محسن الامين الحسيني العاملي