مقتدى الصدر !!! دعهم يخوضوا ويلعبوا

قراءة في مقالة مقتدى الصدر ( اقتصاد العراق ) ليوم 9 / 6

كتابات - راسم المرواني

لم أتفاجأ مطلقاً بوجود مقالة مكتوبة بقلم السيد مقتدى الصدر ، على موقع كتابات ، لأنني أعرف تماماً بأن هموم العراق تشكل حافزاً قوياً لدى الشرفاء ، تدفعهم لكي بخترقوا كل شبر من أرض الوجود كي يصلوا بصوت الحقيقة للذين لا يسمعون ، أو للذين لا يريدون أن يسمعوا .



وثمة فرق واضح بين من يبذل جهداً ليصل بصوت الحقيقة الى أقصى أرجاء عالم الإمكان ، وبين من يبذل جهداً من أجل أن يخنق صوت الحقيقة ، أو يعود الى عهد الجاهلية ، ليأد صراخ الجياع تحت تراب اللا مبالاة .

السيد مقتدى الصدر ليس بعيداً عن الحقيقة ، وليس بعيداً عن معاناة إخوته من العراقيين ، ولذا فهو لا يألوا جهداً في أن يلمح تارة ، ويصرح تارة أخرى ، عبر خطب الجمعة ، أو عبر وسائل الإعلام ، أو عبر الأنترنت ، أو عبر مواقع النشر التي يُرجى من ورائها أن تصفع وجه سلطان النوم ، وتوقض غفوة الكسالى .

لقد ورد في مقالة السيد مقتدى الصدر ، الكثير من النقاط المهمة التي يجب أن يلتفت اليها الملتفت ، والمتتبع – الخبير - لسطور المقالة ، يكتشف بأنها جاءت مقتضبة ، وسريعة ، ومكثفة في أكثر الأحيان ، وهذا عائد للكم الهائل من الهم الوطني الذي يحمله هذا الشاب العراقي الأصيل ، والذي لا تسعه صفحات الكتابة ، وكأن سماحته أراد أن يلفت نظرنا لمسألة تخص أمن غذاء المستضعفين ، وكأنه أراد لنا أن نعطي مشكلة الإقتصاد أولى أولوياتنا في الكتابة .

فالإقتصاد ، هو الصورة التي يمكن من خلالها تأطير حالة المجتمع من التطور أو التدهور على كافة الأصعدة ، والإقتصاد المتكامل ، يعني المجتمع المتكامل ، ويعني متسعاً من المساحة لمزيد من الخطوات نحو بناء الإنسان والمجتمع .

ونحن نعرف من خلال ما وردنا من أدبيات الإسلام أن الرسول الأعظم (ص) كان كثيراً ما يردد ( لا تجوّعوهم ، فتكفّروهم ) وهذا بالضبط ما أراد السيد مقتدى الصدر أن يشير اليه عبر مقالته الموسومة ( إقتصاد العراق ) .

والغريب أن بلداً – كالعراق – يمتلك كل مقومات الإقتصاد ، ويمتلك ما يستحق عليه الحسد من الثروات ، يقف أهله – الآن - في آخر طابور الشعوب الفقيرة من حيث القدرة المعيشية ، والطاقة على الإنفاق ، حتى أننا يمكن أن نقول بأن العراقيين – الآن وفي زمن السلطة المقبورة – لم يمتلكوا أدنى درجات القدرة على الإنفاق ، إلاّ بالقدر الذي يكاد – أو يعجز – أن يحقق لهم درجة الكفاف .

هذا في الوقت الذي لا نحتاج فيه الى ذكاء مفرط في استكشاف ما يمتلكه العراق من قدرات مالية وثروات وطنية يمكن تسميتها بالكنوز، ولو أننا راجعنا مقولة أمير المؤمنين (ع) بحق العراق لاكتفينا في فهم قدرات هذا البلد ، حيث يقول أمير المؤمنين عن العراق ( بلد فيه المال والرجال ) ، وهذه المقولة جاءت في زمن كانت فيه الأمة الإسلامية منتشرة في الجهات الأربع ،مع علم أمير المؤمنين أن هناك من الأقطار الكثير غير العراق، وكذلك يمكننا قراءة أسباب اختيار أمير المؤمنين الكوفة عاصمة له بدلاً عن المدينة المنورة بصاحبها الى الكوفة .

العراق اليوم ، يمتلك كل الطاقات والإمكانات التي يمكن لها أن تضعه في مصاف الدول ذات التأثير على الإقتصاد العربي والعالمي ، ويمكن للعراق أن يكون مصدراً من مصادر التأثير في القرار السياسي على كل الكتل في العالم ، وهذا ما لا نجده حالياً ، ربما لأسباب تتعلق بتسارع القوى السياسية التي حكمت العراق ، أو ما زالت تحكمه ، في اقتسام ثروات العراق قبل صياح الديك ، وقبل أن تقرع أجراس الإنتقال الى مرحلة جديدة ، من مراحل الضحك السياسي على الذقون .

ومن الغريب – فعلاً - أن تجد من العراقيين من يشكو من البطالة ، أو يتخذ من الأرصفة متربعاً له ليبيع الحاجيات على المارة ، أو تجد من العراقيين من يفترش الطريق ليبيع بقايا تراثه من الألبسة المستعملة أو التي ما زالت قيد الإستعمال ، بالإضافة الى عودة (الإبن الضال) من محلات بيع المواد والألبسة المستعملة والمستوردة من بلاد ( المعدان ) وبقايا الـ ( دشاديش ) التي استبدلها البدو بثياب العولمة ،وربما وصلت الحال في ( ثغر العراق الباسم ) وميناءه المطل على شرق الكرة الأرضية الى شراء العكل – جمع عقال بالعامية – المستعملة ، هذا تزامناً مع انتشار أسراب المتسولين في شوارع بغداد والمحافظات في ظل حكومة ( الثورة ) الجديدة ، ربما كحالة من حالات الحفاظ على التراث الوطني والقومي الممتد منذ زمن السلطة المقبورة .

ومن الملفت للنظر أن أحد المسؤولين الحاليين ، وفي جلسة سمر مع بعض أصدقاءه من كبار أصحاب الشركات في الخارج ، ومن المتاجرين بدم العراقيين ، هذا المسؤول يجيب – بحقارة – عن سبب كثرة انقطاع التيار الكهربائي بلهجته العراقية ( السـ ......ومرية ) قائلاً :- إلمن أجيب الكهرباء ؟ للشيـعة ؟؟؟؟؟؟؟ .

بهذا المنطق الطائفي المقيت يتعامل معنا أبناء جلدتنا ، وبهذا المنطق الذي يرفضه الشرفاء من الشيعة والسنة يتعامل معنا أولاء النخبة التي انتخبها لنا المحتل ، لتكتمل بهم فسيفساء الديمقراطية ( الأمرو – صهيو - بعثية ) ، والتي تحلم بجعل العراق ( مانهاتن ) جديدة.

ومما يدعو للسخرية ، أن الأعم الأغلب من المسؤولين ، والوزراء ، ووكلائهم المقيمين خارج وداخل العراق ، لا يستحون ، بل ولا يرعوون عن أن يفضحوا عجزهم حين يتحدثون عن السرقات داخل الوزارات ، وفي دهاليز (أمم العراق المتحدة) ، فكثيراً ما نشاهد على شاشة التلفزة ، أحد المسؤولين ، يتباكى أمام العراقيين كالثكلى قائلاً ، إن ثلاثة مليارات دولار تم اختلاسها من المشروع الفلاني ، ويأتي آخر ليقول أن الميزانية للمشروع الفلاني هي عشرة مليارات ، ولكن سبعة مليارات منها لا أعرف – هكذا يقول – أين ذهبت ، وقرد آخر يقول أن عشرة مليارات دولار ذهبت دون أن نعرف أين ذهبت ، وجريء آخر يطلع علينا معترفاً بأن المليارات تذهب – بفضل الإحتلال – الى حساب شركات وهمية ، وأغربها ، بل وأخربها ما قامت به وزارة الصحة من صرف مليارات الدولارات ، لشراء ماسحات ومكانس يدوية ( أكرر ) يدوية ، لتنظيف المستشفيات .

يا ويلاه .... مليارات الدولارات تذهب من أموال الجياع .

مليارات الدولارات – يا أولاد الكلب – لا تعرفون أين تذهب ؟ ، وأنا وعائلتي هاربون منذ أيام من بيتنا لأننا لا نستطيع دفع بدل الإجار ؟؟؟؟؟ مليارات الدولارات – يا أبناء الكلب – يختلسها أعوانكم ؟ بينما أصدقاء لي من الشرفاء لا يجدون ثمن أجور النقل ليصلوا الى بيوتهم ؟؟؟؟؟...مليارات الدولارات – يا عملاء الزمن الآسن – تبتلعها جيوبكم؟ وأطفال من العراق يفترشون الأرصفة ليبيعوا أحذية آبائهم ويشتروا بها رغيف خبز ؟؟؟؟ مليارات الدولارات – يا أولاد الأفاعي – تذهب مع الريح ، بينما يئن العراقي تحت وطأة المرض ، بحثاً عن دواء لم يتصدق به أهل (الخيرات)علينا بعد ؟؟؟مليارات الدولارات – يا عبيد الدولار – لا تعرفون أين ذهبت ، بينما تعرفون جيداً كم بلغت حساباتكم في مصارف العم سام ؟؟؟؟ ملايين الدولارات تذهب هباءً وأرضنا تكتنفها الملوحة والآفات والعطش ؟؟؟، ملايين – يا قطاع الطرق - تبتلعها ( بلاليع ) القذارة في أجوافكم ، وطفل عراقي صغير يتلمض لقطعة حلوى تداعبه خلف زجاج المحلات ، ؟؟ ملايين الدولارات – يا حثالة المسؤولين – تنفقونها خلف كواليس الوهم ، ووزارة مايسمى ( مؤسسات المجتمع المدني ) ليس فيها سوى 15 موظف فقط ، من ضمنهم سعادة الوزير ، وسيادة الوكيل ؟؟؟؟

إن رائحتكم النتنة التي تحاولون إخفائها بزجاجات العطر الفاخرة ، لتبعث الغثيان حتى في أنفس موتانا ، وإن مبادئكم الإسلامية يندى لها جبين الإسلام ، وإن شعاراتكم الوطنية التي تستفز أحشائنا للتقيؤ ، تستحي منها الوطنية ، وإن عروشكم التي تلهثون ورائها ( مندلعي الألسن ) ستكون – وشيكاً – وبالاً عليكم .

أشبعتمونا – قاتلكم الله - من المشاريع الوهمية ، شركات وهمية ، مذكرات صرف وهمية ، ميزانيات وهمية ، تقارير وهمية ، تصريحات وهمية ، أزمات وهمية ، تعاملات وهمية ، معاملات وهمية ، تطورات وهمية ، منجزات وهمية ، مواقف وهمية ، ألا يكفي هذا الوهم ؟؟أما آن لكم أن تشطبوا حرف الـ ( سين ) من مفرداتكم التي مجتها آذاننا ؟؟( سنبني ، سنفعل ، سنقوم ،سنبدأ ، سننتهي ).

أما آن لكم أن تعرفوا أن لغتكم ماعادت تطرب العراقيين ؟ أما آن لكم أن تعرفوا بأنكم تتعاملون مع شعب صقلته التجارب والمحن والأزمات ؟ حتى كأن أصغر أطفاله ضليع بأمور السياسة ، أم أنكم كالنعام الذي يخفي رأسه بالتراب كي لا يرى ولا يُرى؟ كيف لا ، وأنتم تجهزون – كالجبناء – على جرحى العراقيين ، الذين أتعبتهم النوائب والمصائب ، حتى أنهم ما عادوا يستطيعون تحريك أجسادهم من كثرة الجراح ، وتحصرون الشرفاء – من المسؤولين - الذين بينكم في زاوية التعطيل والمصادرة ، وتستفزوهم ليشاركوكم ولائمكم في الليالي الحمراء .

أجيبوا يا شرفاء الوطنية في زمن المزايدات :-

1- كم بلغت ميزانية العراق للعام 2005 ؟

2- كم بلغت عائدات العراق من النفط – فقط - وأين ذهبت ؟؟

3- كم عدد الشركات الأجنبية في العراق ؟ وكم قبضت هذه الشركات ؟؟ وما المشاريع التي نفذتها ؟؟؟ ومن المستفيد من هذه المشاريع ؟؟

4- كم تبلغ الأرصدة الشخصية لفلان وفلان ، ومن أين لهم هذا ؟؟

5- لماذا هذا التلكؤ بإعادة إعمار العراق ؟؟ ومن المسؤول عن ذلك ؟؟

6- أين وصل موضوع المرحومة ( الحصة التموينية ) ؟؟؟

7- أين ذهبت الأموال وسبائك الذهب من خزينة العراق ؟ أم أن المحتل دخل الى بلد يقع في ربع الخراب ؟

8- ماهي أخبار ( خبراء الإستجداء ) مع الدول المانحة ؟؟؟ ما هي أخبار ديون العراق ؟؟؟؟

9- هل حقاً أن العراق بقيادة ( أمريكا ) – بجلالة قدرها – عاجز عن معاجة شبكات الكهرباء والماء والهواء والخلاء ؟؟؟؟؟

سأكتفي بهذا القدر من الأسئلة ، رغم أني أعرف أن مكاتب المسؤولين لا ترى الكرة التي رماها المحتل بملعبهم عبر لعبة الإنتخابات الفاشلة ، ورغم أني واثق تماماً بأن جواباً لا يمكن أن يحصل عليه العراقيون حالياً ، فالوقت غير مناسب للإجابة ، وخصوصاً أن الذين يملكون حق الإجابة مشغولون الآن الى حد الثمالة ، بالعراق ، ومستقبل العراق ، وعرش العراق ، وما يمكن الحصول عليه من العراق .

ولكن بين هذا وذاك – تبقى ومضات من البطولة والألق ، تتنفس صبح الحقيقة ، عبر رسائل مفتوحة الشفرة ، يبعث بها الشرفاء من أبناء العراق ، ومنها رسالة الأخ القائد مقتدى الصدر ،وأخريات – مثلها – من الرسائل التي تثير الشجون في الصدور، وتبعث الحياء في النفوس التي ما زال فيها حياء ، وتشعرنا بأن المقصر الأكبر هو ليس المحتل ، ولا الحكومة الجديدة ، بل هو الشعب الذي ما زال متأثراً بعقدة الخوف من البحث عن الحق والحقيقة ، هذه العقدة التي توارثناها – كابراً عن كابر – منذ هيجان ثور السلطة المقبورة ، ورسخها – أخيراً - في نفوسنا ( جنود الرب ) الآتين من خلف مدائن الضباب ، والمحملين برائحة الخمور من مدن القمار .

ولست أعرف لماذا ذكّرتني رسالة السيد مقتدى بموقف أبي ذر الغفاري ، الذي يقول ( عجبت لمن يبيت بغير عشاء ، لا يحمل سيفه صباحاً ، يقتل أول من يلقاه في الطريق )

marwanyauthor@yahoo.com



marwanypoet@hotmail.com


http://kitabat.com/i5601.htm