جرأة زوجة...
عدوية الهلالي
في حكاية حقيقية لا تخلو من الطرافة تمكنت زوجة من تلقين زوجها درساً بليغاً ، فقد كان من النوع المولع بادعاء المرض وادعاء كل شيء وليس المرض فحسب- فهو غني مع الاغنياء وشجاع مع الشجعان وفنان مع الفنانين .. الخ.
كانت زوجته تخشى التعبير عن حالة مرضية ألمت بها او مراجعة طبيب لمعالجتها لانها تدرك جيداً مدى حرص زوجها على ادعاء اصابته بمرض اخطر من مرضها وحاجته الى الرعاية واستقباله الزوار الوافدين لعيادته قبل زوجته بفيض من الشكوى والتأوه.. ذات يوم، سمع الزوج بنبأ اصابة جاره بمرض خطر في المثانة فما كان منه الا ان وضع ( إدراره) في زجاجة ليحملها مبكراً الى المختبر لغرض اجراء تحليل والتأكد من عدم اصابته بمرض خطر، ولما علمت زوجته بالامر، ابدلت (ادراره) ب (ادرارها) خفية وتركته يذهب الى المختبر صباحاً مشفوعاً بدعواتها وتمنياتها بزوال الخطر،وبعد ظهور النتيجة لاحظ الزوج الدهشة والابتسامات التي ارتسمت على وجوه طبيب التحليل ومساعديه وادرك السبب عندما اخبره الطبيب وهو يحاول بالكاد كبح جماح ضحكاته.. " انت حامل".. صعق الرجل وطلب من الطبيب التأكد من زجاجته فأعاد عليه الطبيب العبارة ذاتها: (انت حامل).
عاد الرجل الى منزله يجرجر اذيال خجله ولم يجب زوجته حين سألته عن نتيجة التحليل وظل واجماً وصامتاً لفترة اثارت تساؤلات معارفه ولم يعد قادراً على ادعاء اشياء او التبجح بها لثقل همه، كما ذوى جسده واعتزل الناس.
في النهاية اشفقت عليه زوجته فأخبرته الحقيقة بعد ان طلبت منه الامان، ولشدة فرحته بزوال الكابوس، التزم بوعده لزوجته ولم يعاقبها على فعلتها لكنه سألها عن سبب تصرفها بهذا الشكل فواجهته بالحقيقة التي لم يكن يريد معرفتها عن نفسه، قالت له انه بدأ يسيء الى شخصيته بادعاء ما ليس فيه وان الادعاء والمبالغة يفقدان المرء وقاره، فأدرك مغزى كلامها وبدأ يراقب نفسه وسلوكه ويحاول قدر الامكان تفصيل كلامه على مقاسات افعاله.
في واقعنا، هناك العديد من المدعين والمبالغين ومن يصبحون ابطالاً حين يكون الحديث عن البطولة وضحايا حين يجري الحديث عن الضحايا لكن الادهى من ادعاءاتهم انهم بدأوا يحيطون انفسهم بمن يصدق ادعاءاتهم ويهلل لها لدرجة عدم استعدادهم لمواجهة اولئك المدعين او كشف اوراقهم بعد ان اصبحوا اولياء نعمتهم فمن اين نأتي بجرأة تلك الزوجة لنزرعها في كل من يمسح اكتاف مسؤول يعد بما لا يقدر عليه ويدعي ما لم يفعله عسى ان يواجهه يوماً بحقيقة نفسه اذا كان من الذين يخجلون ويخشون على انفسهم من زوال الوقار؟!