لا يخفى على متابع ان العراق اليوم على مفترق طرق .. وقد لا يبقى عراقا غدا .. مع ان كل الاطراف اللاعبة في الميدان تدعي حرصا على وحدة العراق وسلامته .. ويبدو ان الأطراف العراقية هذه تستعجل إعلان وفاته لتقتستم التركة دولا تتحكم فيها وتسيطر عليها .. في هذا المشهد يبدو من يسمون أنفسهم السنة العرب وكأنهم المدافعين عن وحدة العراق مع ان الدفاع عن وحدة العراق يقتضي أكثر من اطلاق الشعارات .. وقفة نقدية حقيقية تجاه التراث المر والدموي الذي تركته ممارسات إمتدت منذ تأسيس الدولة العراقية السابقة " ولا نقول الحديثة فتلك قد إنتهت يوم التاسع من نيسان 2003 " وأخذت بعدا صارخا ونادرا في العقود الثلاثة الأخيرة تحت سلطة آل المجيد .. بالطبع من مصلحة من يسمون بالسنة العرب " وهذه التسمية مشبوهة بكل حروفها " .. ان يدافعوا عن وحدة العراق .. ولكن من حق كل مخلص وحريص على العراق ووحدته واستقلاله الا يصدق بأن منبع هذا الدفاع المصلحة الوطنية بقدر ما هي المصلحة الخاصة المباشرة .. فهؤلاء الأخوة من أبناء العراق محرومون من الثروات الطبيعية التي حباها الله للعراق بل ان الصفة الغالبة للأرض التي يقطنونها بكل الالحاقات التي قام بها صدام هي الصحراء الجرداء القاحلة التي لا تخلف سوى الرمل .. واي تقسيم للعراق سيعني حكما حرمان الاخوة السنة العرب من اي مورد لأن التقسيم يستتبع ان الثروات الطبيعية وهي هنا النفط في المقام الأول ستكون من نصيب الأقسام الأخرى فنفط الشمال سيكون من نصيب الأكراد .. ونفط الجنوب سيكون من نصيب الشيعة .. ولن يجد السنة الا الصحراء يتغنون بها ويغرقون في رمالها ..
سنة العراق لم يعوا حقيقة المخاطر التي تهدده منذ بداية الاحتلال .. وإن كان صدام يلجم كل صوت ما لم يكن صدى لصوته .. فقد سقط صدام بسقوط أصنامه .. ومنحت الظروف التالية فسحة من الوقت والحرية للتفكير مليا بمآل العراق .. والاسباب التي قادت العراق الى ما هو عليه الآن .. وكثيرون من سياسيي السنة ومثقفيهم ومفكريهم يستسهلون تفسير الأمور فيذهبون جازمين الى ان إيران تقف وراء كل خلل .. بل يتناسون حتى وجود الاحتلال الأمريكي بالعزف على هذا الوتر وهذا ما ذهب اليه عميل رخيص كأيهم السامرائي حينما أعلن بان "المقاومة "ستكف عن مقاتلة الأمريكان لتقاتل الخطر الإيراني الداهم .. هذا الموقف الذي عبر عنه أداة من أدوات الاحتلال .. لا يختلف فيه اولئك الذين يدعون وقوفا ضد الاحتلال .. فصراحة وبين السطور .. يتراجع الخطاب المعادي للأمريكان ليحل محله خطاب لا يجد الا ايران عدوا للشعب العراقي .. وإيران تعني ضمنا بل وحتى حصرا شيعة العراق ..
قلنا في هذه الشبكة مرارا وتكرارا .. ومنذ سقوط نظام آل المجيد بأن اي توجه يعني وحدة الشعب العراقي لا بد ان يكون ذا موقف واضح وصريح من أمرين : جرائم النظام الديكتاتوري وأدواته ضد الشعب العراقي .. وإذ تنكر الطائفية المأفونة وجود جرائم لنظام صدام ضد الشعب العراقي وتجد لها تبريرات واهية .. وتخريجات سخيفة .. فإنها تدفع الى التحديد بأن هذه الجرائم قد إرتكبت بحق الشيعة في العراق وبقصد طائفي محض ولإسباب طائفية محددة .. وبدون اية مبررات أخرى .. والأمر الآخر الإرهاب مع ما ينطوي عليه من تكفير وإستباحة وحرب إبادة مفتوحة .. ما عدا هذا فإن أي حديث عن وحدة الشعب العراقي هو ضرب من الشعارات التافهة التي لا تصمد أمام الواقع .. أو اللغو الفارغ الذي لا يجد له اي ترجمة عملية وواقعية على الأرض .
وحدث اليوم بالتأكيد هو دعوة عبد العزيز الحكيم الى إقامة إقليم فيدرالي في الوسط والجنوب .. وهذا الإقليم المزمع المطالبة به مهما كانت الالاعيب اللفظية التي يستخدمها الحكيم ومن يتبعه وكأنهم يخجلون من تسمية الأمور بأسمائها هو إقليم شيعي .. سيكرس المخطط التقسيمي للعراق بين أكراد وسنة وشيعة ..
ومنذ إطلاق الحكيم دعوته بدأت الردود من الطرف الآخر تترى .. الا ان الطريف في الأمر انها تعزف على نفس الوتر السقيم .. دعوة الحكيم دعوة صفوية شعوبية .. وكأن الطرف السني يتخيل ان اطلاق مثل هذه التعابير الاستفزازية والطائفية سيعني انها تستطيع عزل شيعة العراق او لنقل الشيعة العرب عن المسار الذي يريد الحكيم السير فيه ..
نموذجان قدمتها الفضائيات هذا اليوم فضلا عن صالح المطلك الذي اكد بأن هذا المشروع يؤكد المخاوف من النوايا التقسيمية للعراق .. هذان النموذجان مشعان الجبوري على الجزيرة .. وهزاز الوقف السني سابقا عدنان الدليمي على الال بي سي .. وكلاهما حسم الأمر بالحديث عن مشروع صفوي إيراني لتقسيم العراق وانهم سيتصدون له سنة وشيعة .. ولا ادري عن اي شيعة يتحدثون .. مذيع الال بي سي سأل الدليمي عن رأيه بالبيان الأخير للمجرم الارهابي الزرقاوي بتهديد كل من يشارك في كتابة الدستور او التصويت عليه بالقتل .. وبدلا من ان ينتهزها مناسبة كي يبرئ السنة من جرائم الزرقاوي ونهجه التكفيري .. ويدين تدخله في الشأن العراقي ومحاولة فرض اجندته الخاصة على سنة العراق .. او توجيه إتهام له بأنه ينفذ مخططات المحتلين لتقسيم العراق وتفتيته وجره الى حرب أهلية .. بادر هزاز الوقف السني سابقا وبعد دزينة من الهزات الى القول .. هذه البيانات وراءها جهة خارجية تريد حرمان السنة العرب من المشاركة في العملية السياسية .. وهي بيانات شعوبية صفوية تريد ان تعزل السنة العرب وتمنعهم من المشاركة في رسم مستقبل العراق .. هكذا حسمها الدليمي بأن رماها على إيران وربما لا يعرف ان كلامه هذا هو كلام رامسفيلد .. وسنسمع الكثير منه عن تدخلات ايران في الشأن العراقي وجرائم إيران في العراق طردا مع تفاقم الأزمة النووية بين ايران وامريكا ..
مما يؤسف له ان سنة العراق لم يستطيعوا ان يفرزوا قيادة واعية تبتعد عن الشعارات التي لن تستقطب أحدا من الطرف الآخر .. بل تنفر الآخرين من هذا الطرح الطائفي وتساعد في تنفيذ مخططات الأمريكان في دفع العراقيين الى التخندق الطائفي .. وإن كان الدليمي وغيره يتخيل ان إستعارة لغة نظام آل المجيد البائد الذي سماه الدليمي وبحيادية مطلقة في مقابلته تلك بالنظام الماضي .. يمكن ان تقدم بديلا يساعد على وحدة العراقيين وتوحدهم في التصدي لكل المشاريع المشبوهة .. فهو من الغباء بدرجة لا يحسد عليها .. الخطاب الطائفي السني مسؤول مسؤولية مباشرة عما آلت اليه الأمور في العراق .. خاصة وانه يبرر جرائم طائفية لا تملك اي صفة أخرى مهما حاول المرء تحويرها او تسميتها غير هذه الصفة .. المشكلة إن كان هناك من يحرص على وحدة الوطن هي في ان الطائفية القذرة لا تريد ولا تستطيع الخروج من جلدها .. وقد يتساءل احد : اليس لدى الشيعة طائفية .. والجواب بالتأكيد للشيعة طائفيتهم لكنها طائفية تعتاش وتعيش وتحقق المكاسب بإستغلال طائفية الطرف الآخر الذي مازال يتعامل مع الامور بمزيج من العزة بالإثم والغباء والشعارات التي لن تقدم بل تؤخر ..
![]()