بقلـم : محمـود شنب
mahmoud.sh@islamway.net
mahmoudshanap@hotmail.com
اتسع الخرق على الراتق ، وزادت مساحة الانتشار الأمريكى داخل المجتمع العربى والإسلامى ، وهذا من فضل الله علينا لأن أمريكا بكل جبروتها أضعف من أن تواجه مسلم واحد صادق الإيمان مهما أوتيت من قوة لأن قوة أمريكا الحقيقية تكمن فى الإغراء والتهديد وليس فى التواجد والاحتلال .
تاريخ أمريكا كله يثبت فشلها الدائم فى الاحتلال العسكرى ونجاحها فى الاحتلال عن بعد عن طريق الاحتلال الاقتصادى والإعلامى والتجارى والثقافى ..
الآن .. بعد التواجد الأمريكى الأخير فى العراق لن تستطيع أمريكا حماية الأنظمة التى صنعتها وستتساقط الأنظمة من حولها بيد الشعوب مثلما تساقطت تماثيل صدام بيد أمريكا .
لن تستطيع أمريكا حماية الأنظمة ، فقد فاض الكيل .. ولن تستطيع الأنظمة حماية أمريكا فقد بلغ الظلم ذروته وببساطة لن يستطيع طرف حماية الآخر لأنه ببساطة لا يستطيع حماية نفسه .. مطلوب الآن من الطرفين ليس جهد مضاعف فقط وإنما عمل 24 ساعة ... وهذا هو الانهاك الحقيقى وتلك هى بداية النهاية .
يقول تعالى : (( فذرنى ومن يُكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ـ واُملى لهم إن كيدى متين )) الآية 44 ، 45 ـ القلم .
كانت أمريكا بعيدة وكانت الأنظمة سعيدة .. الآن أصبح البعيد قريب وأصبح السعيد حزين لأنهم يشعرون فى قرارة أنفسهم أنهم كانوا الأحق بالهدم من تماثيل صدام حسين .
لقد زادت جرعة الغدر والقهر ولم يعد أمام الشعوب إلا البحث عن مَخرج .
إن نصر الله بات قريبًا ، وبحجر واحد أو بطلقة رصاص يمكن للمجاهد اصطياد غـُرابين بحجر واحد .
وأمريكا مرعوبة من الحدود السورية ، ومن هنا جاء التهديد الأمريكى لسوريا عنيفـًا ومركزًا وقاطعًا وحازمًا ، وهو تهديد لو تعرفون عقيم ـ وليس عظيم ـ لأنه من النوع الإعلامى الذى لا يمكن تنفيذه لعدم قدرة أمريكا على زيادة الانتشار وتوسيع جبهة المقاومة ، وكان علينا أن نساعد سوريا ونحثها على الصمود والمقاومة ونتكاتف معها ميدانيًا وعسكريًا .. لا أن نخذلها ونتركها .
الوضع الطبيعى الآن أن تـُملى سوريا شروطها على أمريكا وليس العكس ... أمريكا هى التى تحتاج إلى سوريا أكثر من أى وقت مضى لقفل حدود الإمداد الواسعة مع العراق والتى عن طريقها يمكن إغراق أمريكا فى مستنقع فيتنامى جديد .. مستنقع لا يمكن الإفلات منه ـ تلك هى الحقيقة وتلك هى المخاوف الحقيقية التى جعلت أمريكا تنظر إلى سوريا نظرة الكلب المسعور والمذعور الذى يعرف من أين يأتى الخطر ، فأرادت من البداية قفل هذا الباب فزاد نباح الكلب الأمريكى وازدادت حركته من أجل الإفلات بفريسته الغالية التى أخذها فى غفلة من العرب .
إن سوريا لا تنقصها الشجاعة ، فلديها رئيس أسد بمعنى الكلمة ولقد حاول الحكام العرب ترويضه وتخويفه وصارحوه بأنه سيكون وحيدًا مثل صدام فى مواجهة أمريكا .
إن سوريا لا تنقصها الشجاعة لكن ينقصها الزخم العربى والمساندة الحقيقية التى تقوى شوكتها فى مواجهة الطاغوت الأمريكى .
لقد قرأنا الأحداث بالطريقة التى أرادتها أمريكا ، ونسينا أن أمريكا ما زالت أضعف من أن تحكم سيطرتها على العراق ... إنها الآن تطلب المساعدة من الدول التابعة لفرض الاستقرار الأمنى لها .
نعم تستطيع أن تقصف دمشق وتنال من مبانى سوريا لكنها أبدًا لن تنال من إرادتها ... لقد استخدمت أمريكا أشد ما فى ترسانتها الحربية ضد العراق .. استخدمته بعنف وقسوة وانحطاط ، ورغم كل ذلك لم تنل من الانسان بل نالت من البنيان ... لقد تصورنا بعد ثلاثة أسابيع من القصف الجنونى على العراق أننا لن نجد عراقى واحد على وجه الأرض ، وبعد انتهاء المعارك شاهدنا الأرض العراقية وهى تنشق عن ملايين العراقيين ـ شيعه وسنه وعشائر وحضر وبدو ، وكلهم أصحاء وأقوياء يتظاهرون ويطالبون المحتل بالرحيل حتى من قبل أن يجدوا لقمة الخبز أو شربة الماء ، وكل يوم يمر تزداد معه حدة المواجهة والمقاومة .
أمريكا حسمت المعركة إعلاميًا لكنها لم تحسمها ميدانيًا ... قد يدخل الطغاه مدننا فى ساعات لكنهم فى كل مرة يخرجون مدحورين بعد سنوات من الكفاح والمقاومة .
فى العراق نجحت أمريكا فى تدمير البنيان لكنها فشلت فى تدمير الإنسان ، وما تدمره من بنيان لا يعنى بالنسبة للمسلم الحق غير أذى لا ينال من العزيمة بل يزيدها ويرفع من دوافع المقاومة والتضحية .
إن أمريكا لا تفوز إلا بانسحاب الخِصم وليس بالقتال ، والعراق لم يهزم عسكريًا لكنه هزم بالغدر والخيانة ، وكان الأفضل طيلة أيام المعركة إلى أن حدثت الخيانة .
القصف الأمريكى لا يمكن أن ينال من الإرادة .. الخيانة هى التى تفسد كل شئ ، ومن هنا يجب أن تتنبه الشعوب وتجعل من أولويات جهادها تنظيف البيت من الداخل وتطهير الأوطان من الخونه والمرتزقة ... إن خائن واحد يمكنه تحويل مسار أمة كاملة .. فعلها السادات من قبل وفعلها كرزاى وجابر وكثير من حكامنا الآن يفعلون ذلك .
لقد اعتمدت أمريكا على الخونه من الحكام العرب فى تحقيق مآربها الاستعمارية ، واعتمد الحكام بدورهم على المثقفين العرب فى تمرير تلك المخططات الاستعمارية من خلال تزييف الواقع وطمس الحقائق والعمل على اجهاض أى محاولة شعبية للخلاص وقد وضعت الدولة كل امكانياتها تحت تصرف هؤلاء الأوغاد وأغدقت عليهم المناصب والألقاب والأموال ومكنتهم من فرض سطوتهم وإعلاء كلمتهم .
لقد وضعوا على رأس كل جريدة قومية أفـّـاق كبير يُسمى رئيس التحرير يتمسح فى الشعب والشعب من براء ويدعى أنه يتحدث بإسمه ويدافع عن مصالحه وهو أول من يخونه وأكثر من يضلله عن طريق جيش من المساعدين المرتزقة ممن لا يتورعون عن الكذب صباح مساء وحجب الحقائق عن الشعب وتلميع صورة الزعيم وخلق انجازات وهمية ليس لها أساس ... يجعلون صمته عبره وعجزه حكمه وتخاذله بطولة وحكمته فى قيادة السفينة إلى بر الأمان والبعد بالبلاد عن التهلكة .. يجعلون كل تصريح حكمة وكل تحرك مبادرة وكل اتصال تليفونى انجاز عظيم ..... من أجل ذلك يصحبهم الحاكم ـ أو يسحبهم لا فرق ـ فى كل سفرياته وجولاته فيكتبون من واشنطن ومن باريس ومن الكويت ومن الرياض ، وما يكتبون إلا هِراء وما ينطقون إلا افتراء .
إن أشاد مسئول من تشاد أو من موزمبيق بالحاكم إشادة دبلوماسية بدافع وجوده فى البلاد جعلوا التصريح دليل عظمه وبرهان حكمه على روعة القيادة وأفردوا له الصفحات والمانشتات رغم ان الضيف ربما لا يعرف إسم الحاكم !!
يشيد الأعداء بحكمة الرئيس فيضعوا الإشادة موضع عز وفخار .. وهى موضع عار !!
تختلط بكتاباتهم المفاهيم وتتوارى بسطورهم الحقائق ، وكلما ازدادوا كذبًا ازدادت مناصبهم ورواتبهم ، وفى كل جريدة يتم عمل "ترقيده" جديدة من أسوأ خلق الله وأكثرهم كذبًا ونفاقـًا ليكون خلفـًا لرئيس التحرير ، ومن أجل ذلك يتبارى الجميع فى الكذب ويبدعون فى النفاق ويقدموا فى كل حين مصوغات الاستمرارية دون وقفة مع الضمير أو النفس .. يظل دأبهم الكذب وغايتهم النفاق ويلجمهم عرق البحث عن الزور والبهتان !!
فى الحرب القذرة التى شنتها أمريكا على العراق زيفوا كل شئ وصرفوا الانتباه عن كل جرائم أمريكا وكتبوا عن صدام وجرائم صدام وقسوة صدام وعمالة صدام وهروب صدام وخيانة صدام دون أن يكتبوا كلمة عما أصاب العراق وأهل العراق وجعلوا الصحاف مادة سخرية وتهكم ، سخروا منه رغم انه لم يجبن ولم يكذب وكان نموذجًا للإعلامى القدير إلى أن حدثت الخيانة التى أطاحت بكل الانجازات ولم تبق غير كلمات المقاومة التى جعلوها مادة سخرية وشماته .
كتب كل مريض متشفيًا ، وظهرت حقيقة الضمائر النتنة فخلعوا رداء الحياء ونزلوا عرايا إلى ميدان التشفى فى كل ما هو عراقى .
جريدة تسمى "صوت الأمة" تصدر فى أرض الكنانه مصر تخصص عددًا كاملاً من قذارتها مكون من 38 صفحة كلها سباب وتشفى فى الرئيس العراقى وأعوانه وأولاده وزوجاته وكل من ينتمى إليه بصلة مستخدمين كل شئ فى سبيل التشفى من صدام وأعوانه ، حتى القرآن والسنة استخدموهما فى التهكم ـ ومعذرة عن كل لفظ منحط وسافل اضطررت لكتابته لندرك قدر السقوط الذى بلغناه ـ تقول الجريدة : ( ضابط أمريكى مسك الصحاف وهو هارب على الحدود ، قال له الضابط مستعد أسيبك تروح أى مكان بشرط تقول لى يعنى إيه "العلوج" رد عليه الصحاف باستعطاف : يا راجل العلوج دول هم "الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس" وفى جزء آخر .. صدام سأل الصحاف : أفضل أنا أم النبى محمد ، فقال له الصحاف أنت أعظم ... ) ثم تقول الجريدة عن صدام أنه كان على علاقات جنسية لا حصر لها مع زوجات الوزراء وأن الوزراء كانوا على علاقات جنسية مع زوجات صدام .. قالوا أيضًا أن والدة صدام حسين كانت "عاهره" وانه كان يشك فى أن أباه حسين أو إبراهيم ، فكلف أحد المتخصصين فى علم الهندسة الوراثية ليرشده عن حقيقة أباه فاكتشف الدكتور بأن والده ليس حسين ولا إبراهيم وإنما قد أتت به أمه عن طريق مضاجعة "أمة محمد كلها" ... قالوا أيضًا أن صدام كان يرغم الوزراء على الشرب من "بوله" المقدس داخل القصر الجمهورى ، وقالوا ان بنات صدام حسين يعملان فى بيوت الدعارة فى الأردن وان زوجة صدام الأولى "ساجده" حملت بعد أن هجرها وأنه كان على علاقة مشبوهة بالدكتورة منال يونس التى قالت لإبنتها ذات يوم : لو اعتمدت على أبوكى لما أتيتِ أنتِ لهذه الحياة ... وقالوا : ان صدام شاهد فى الحلم جعفر نميرى وهو يحضنه فاستدعى عزه إبراهيم ليفسر له الحلم فقال له عزه إبراهيم : سيدى إن كان جعفر حاضنك من الأمام فهذا يعنى أنه سيعطيك السودان كله ، وإن كان حضنك من الخلف فإنه سيعطيك الخرطوم كله ...!!
أرأيتم انحطاط بهذا القدر وسفالة بهذه الصورة ؟!!
قالوا الكثير والكثير ... وصدق عبد الرحمن الأبنودى عندما قال فى مرثية بغداد : "الأمة عامله فرح عايزله ندابه" ... نضحك فى بيت العزاء ونشمت فى الأشقاء ونفرح لسقوط عاصمة الخلافة الإسلامية !!
نضحك ولا نبكى ... ونكتب ولا نتقى ... ونسب ولا نستحى !!
يكتب عبد العظيم رمضان ـ مؤرخ العار ـ تحت عنوان "حكومة العلوج" ويقول : ( لم يشهد التاريخ نظامًا يملك حكامه من البذاءات وقِلة الأدب كما ملكه نظام صدام حسين ) ويكتب المُفلس : جمال بدوى تحت عنوان "علوج صدام" ويقول شامتـًا : ( مثل أوراق الخريف يتساقط "علوج" النظام العراقى تحت أقدام الأمريكان ) ويدعى ان الصحاف قام بتسليم نفسه للقوات الأمريكية لكن القوات الأمريكية رفضت أسره لأنه أتفه من أن يقبض عليه وتركوه منبوذا لدى أحد أقاربه فى بغداد ليموت ألف مرة فى كل يوم من أيام حياته التعيسه لأنه واحدًا من الطغمة الفاجرة ...
حقد دفين على كل من يقاوم أمريكا ، وخِسة متناهية يتعاملون بها مع الشرفاء !!
ناهيك عما قاله سمير رجب وإبراهيم سعده وإبراهيم نافع وأذنابهم .
طغمة فاسدة .. احتوتهم أيدى الأنظمة ولوثت بهم السمع والبصر والعقل والفكر إلى أن صارت جرائدنا القومية أحد نواقض الوضوء الرئيسية .
وشيخ الأزهر يعلن بعد كل ما جرى للعراق : ( إن تونى بلير الذى زار الأزهر قبل ذلك لو طلب زيارته وزيارتى فى مكتبى مرة أخرى سأرحب به وأستقبله ) وأين قول الله يا مولانا : (( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار )) وأين قوله : (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )) وأين قوله : (( إن الله جامع المنافقين )) ؟!!
ولكن هل نستكثر على شيخ الأزهر ذلك وهو الذى ذهب فى الحرب الأولى على العراق إلى حفر الباطن ليحث الجنود على القتال ويسبع على الحرب الظالمة سبغة شرعية .
إنها كوارث ما بعدها كوارث وأهوال ما بعدها أهوال وحقبة مظلمة فى تاريخنا الإسلامى .
تذكرنا "صوت الأمة" بالماضى وتقول : ( أصبح إسم الصحاف الرسمى فى جلسات المثقفين "أحمد سعيد الصحاف" فى اشارة إلى مذيع صوت العرب الشهير أثناء حرب 1967 الذى استطاع أن يسقط وحده مئات الطائرات الإسرائيلية ويوقع آلاف الأسرى الإسرائيليين ويقتل مثلهم وهو جالس أمام الميكروفون ) .
إنهم يقتلون الأمل فى مهده ويجعلون كل من يخلص لوطنه عبره وكأن السلامة تأتى فى الخيانة !!
ما ذنب الصحاف .. وما ذنب أحمد سعيد .. وما ذنب كل من يخلص لبلاده ؟!!
إن أحمد سعيد يُعد واحدًا من أفضل المذيعين العرب وأكثرهم إخلاصًا ووطنية وخلقـًا وعلمًا ، وكان يُقدم ما يُقـدَم له دون زيادة أو نقصان .
ولقد كان الصحاف نموذجًا للإقدام والشجاعة وظل صادقـًا وشامخًا وعظيمًا ومخلصًا لوطنه وأهله واستطاع بمفرده أن ينتصر على أقوى آلة إعلامية فى التاريخ .. كانت مؤتمراته ناجحة وصادقة وكانت تنزل كماء النار على قلوب الأمريكان وبردًا وسلامًا على قلوبنا .
يقول الأستاذ صلاح منتصر : ( ما أن يظهر الصحاف فى مؤتمراته التى أصبحت أنتظرها بلهفة ويبدأ بطريقته الهادئة الباردة المتمكنة بثقة بالغة فى السيطرة على المكان حتى أكتشف انه تمكن ببراعة من أن يغسل بكلماته الواثقة كل ما كنت أعانيه من هموم ... فالمواقع التى ادعى الأمريكيون احتلالها تحولت إلى مقابر جماعية لهم ، والقصف الذى استمر طوال النهار انتهى إلى خسارتهم أرتالاً من الدبابات والناقلات ... إن الثقة البالغة التى يتحدث بها تجعلنى ليس فقط أصدقة بل وأيضًا أدمنه ... لقد نصحنى صديق بأن أسجل قدر استطاعتى مؤتمرات الصحاف الصحفية لأنها بعد فترة ستصبح تاريخـًا غالى الثمن ) .
لقد استطاع الصحاف بمفرده اسكات صوت السى أى ايه وفضح كذب البنتاجون ، وعاش الأمريكان بسببه أيام سوداء اتضحت فى تصريحات تونى بلير وبوش بأن المعركة ستطول وأن عدد الضحايا سيرتفع ... كيف نسينا كل ذلك ، ونسينا اقالتهم لقائد كبير وتخبطهم وإلقاء اللوم على رامسفيلد .. كيف أهلنا تراب الأجحاف على روعة الصمود العراقى وبسالة شعبه وقواته المسلحة وجهد النساء وجهد الأطباء وعمليات الاستشهاد ؟!!
لم ينتقدوا الصحاف وهو واقف على أقدامه .. انتقدوه عندما حدثت الخيانة وسقط النظام .. عندها ـ ولشئ فى نفس يعقوب ـ ضحكوا على كل كلمة كان يقولها وسخروا من روعة بيانه ونسوا شجاعته وإقدامه .
لقد حرك فينا الصحاف النخوة والرجولة وبعث فينا الهمة والبطولة ، وعندما أتت الرياح بما لا تشتهى السفن فعلنا به ما فعلناه فى أحمد سعيد !!
هل لابد أن يأتى النصر ليأتى التمجيد والفخار .. هل شهداء 67 أقل شرفـًا من شهداء 73 ؟!!
إن الهزائم ـ ربما ـ تحتوى على بطولات تفوق بطولات النصر بكثير ولكنها تظل مدفونة فى رمال الاجحاف والنكران .
إن الصحافة العميلة تنتقى دائمًا ما تريد وتخفى دائمًا ما تشاء من أجل أن تتشفى فى المخلصين .
ولماذا نذهب بعيدًا ... أليس هؤلاء بأنفسهم ولحمهم وشحمهم من سبق ودافعوا عن الرواية الساقطة "وليمة لأعشاب البحر" التى وصفت الله ورسوله بأحط الألفاظ ودافعوا كالكلاب عن من كتب ان القرآن "خراء" .. أستغفر الله .
أليس هم من رفعوا راية العصيان والكفر جهارًا نهارًا دون أدب أو حياء ، وجعلوا أفضل علماء الإسلام يرحلون عن أرض الوطن أمثال القرضاوى وعمرو خالد وغيرهم ؟!!
إنهم كلاب جهنم وجوارى كل حاكم وآفة كل نظام فكيف يفلت الصحاف من قبضتهم ؟!!
لو عقدنا مقارنة بين وزير الإعلام المصرى ووزير الإعلام العراقى كيف تكون النتيجة ؟!!
ماذا لو تخيلنا وزير الإعلام المصرى فى الزى السكرى الذى كان يرتديه الصحاف .. ما الذى كان يمكن أن يقوله ويفعله لو تبدلت الأدوار واتجهت أمريكا نحونا بعد أن يأتى علينا الدور وهو أمر حادث لا محالة ـ هل يصلح وزير أفنى عمره بين الخصور العارية والسماوات المفتوحة بالفضائح لمثل تلك المواقف ؟!!
هل كان سيملك الشجاعة التى امتلكها الصحاف ويتجول فى شوارع القاهرة فى عِز القصف الجوى ليعقد المؤتمرات ومن فوق رأسه تطير الصواريخ والطائرات ؟!!
هل كان يملك من مفردات اللغة ما يجعله واقفـًا لساعات طوال يصف بلغة عربية أصلية ما يدور على أرض المعركة ؟!!
كيف كان سيحدثنا عن العلوج والأوغاد وكل مفرداته تدور حول "أنكل" و"تيزه" وثقافة الانفتاح ؟!!
إننى متأكد أن كل شئ من ذلك لن يحدث لسبب بسيط : اننا لن نجد فى مصـر مسئول واحد وقت الشدة .. لا وزير إعلام ولا تعليم ولا مجلس شعب أو شورى ولا رئيس وزراء ولا وزراء ... كلهم سيختفون فى لمح البصر .. سيختبئ الشاذلى فى الباجور وسيذوب للأبد فتحى سرور وستنقل شركة العال يوسف والى إلى مقره الأخير فى تل أبيب ...
سيكتب إبراهيم نافع فى الأهرام وبالبنط العريض "بدأت حرب تحرير مصـر" وسيكتب سمير رجب فى الجمهورية "وداعًا لزمن المنوفيه والعبودية .. ومرحبًا بحياة الحريه" وسيكتب إبراهيم سعده فى الأخبار "مرحبًا ببوش المحرر وبلير الإنسان" وستطلق "صوت الأمة" بقيادة عادل محمود الملاحق الجنسية وتنشر الأسرار العائلية .. وليس هذا من عندى ، لقد قال فى العدد القذر الذى خصصه لحكام العراق : ( يحسد الإخوة العرب المصريين على قدرتهم الخارقة فى إطلاق النكت فى الفاضيه والمليانه ، ويجزم علماء النفس ان المصرى إن لم يجد من يسخر منه سخر من نفسه .. لكن يبدو أن هذه الصورة التى تفرد بها المصريون قد شابها الكثير من الإرهاق .. لم يستطيع المصريون أن ينكتوا بحرارة على ما حدث فى العراق .. شغلتهم آلام العراقيين واحتمالات أن يكونوا فى نفس الموقف بعد شهور ) .
إنهم يقولون بوضوح ( إن معظم النكات السياسية هى تحوير إما لأحداث وقعت حديثـًا أو اقتباس لنكات ترددت فى القاهرة وبيروت ودمشق وغيرها من العواصم العربية التى لا يختلف حالها عن حال بغداد ) .
إن الدور علينا قادم لا محالة ... وعندها سوف نستمتع بما يكتبه الأوغاد عن الأسياد ـ أسيادهم لا أسيادنا .
غدًا سيرشدون الأمريكان عن أماكن الوزراء ممن ستطبع أمريكا صورهم على الشباشب والأحذية !!
صدقونى .. سيحدث كل ذلك وسيفعل كل مسئول مصرى مثل الذى فعله كل مسئول كويتى عند الغزو العراقى للكويت .. سنصحو ذات يوم ولا نجد فى البلاد غير برك الأمطار نبحث فيها عن شربة ماء .. وغصون الأشجار نبحث فى أوراقها عن بعض غذاء !!
يا مصـر ... يا مصـر ... يا مصـر ...
إمتلكوكى .. فامتلكوا العرب ...
وخدروكى .. فنام الجميع ...
يا مصـر ... يا قبلة الشرق ... يا خير جند الأرض .. والأرض أرض الكنانه .. ما الذى أصابك ؟!!
ما الذى جعل نخيلك فى علو نجيلك ؟!!
ما الذى جعل نخيلك الواقف العمر يتحول إلى نباتات زينة لا تقوى على الحر ؟!!
ما الذى أصاب شيخك وأزهرك ؟!!
من الذى لم شمله .. وبعثرك ؟!!
ما الذى حولنا إلى حملان أمام الأمريكان وسلب النور من وجوهنا وبدله بظلمة ؟!!
أى غفلة تلك التى تمكنت من الصغير والكبير وجعلتنا كالنساء لا نجاهد ولا نزود ؟!!
أى عبث هذا الذى حولنا من أسُود إلى قرود وجعلنا ندمن الرقود ؟!!
كانت البداية البعد عن الله ... ولن يأتى الخلاص إلا بالعودة إلى الله فالمشكلة مستعصية وأكبر بكثير مما نتصور وليس لها من دون الله كاشفة ..
ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز .