ستون أسرة تم تهجيرها لحد الآن، وثلاث ضحايا كل يوم تقريباً!
الطارمية تحت سطوة التهديدات الإرهابية نزوح عشرات العوائل .. والمواطنون يحملون الدولة والمراجع الدينية المسؤولية!
كتابة وتصوير عبد الزهرة المنشداوي
أطفال بلا مدارس وشباب بلا أعمال وعوائل كاملة تبحث عن سقف لها!
شرق مدينة الصدر وبالتحديد في قعر حي طارق المبتلى بإنعدام أبسط الخدمات وضعت العديد من العوائل رحالها تحت قبة السماء بانتظار المجهول، العوائل يزيد تعدادها على ثلاثين عائلة تبدو للناظر وكأنها من البدو الرحل الذين يجوبون الصحارى بحثاً عن الكلأ والماء ولكن في زمن الطيران والرحلات نحو القمر. عوائل أجبرت على ترك منازلها وأملاكها في منطقة الطارمية وغيرها بفعل تهديدات الإرهابيين الذين يحاولون زرع الفرقة فيما بين العراقيين بخناجرهم المسمومة وطروحاتهم التي أكل الدهر عليها وشرب.
نساء وأطفال وشيوخ يفترشون الأرض وقلوبهم تتلفت إلى منازلهم التي أجبروا على إخلائها البعض منهم يجري اتصالاته مع المسؤولين في دوائر مدينة الصدر القريبة سائلين المعونة والمساهمة في توفير ما يمكن توفيره لهذه العوائل التي نزحت مرغمة من منطقة الطارمية والمشاهدة. وزارتا حقوق الإنسان والمهجرين والمهاجرين لا تعرفان عنهم شيئاً.
أكثر من ستين عائلة نزحت
السيد علي لطيف شاب في العشرينيات يقود سيارة حمل (لوري) التقيناه في حي طارق ونحن في طريقنا إلى أماكن تجمع النازحين من الطارمية قال لنا:
العوائل في نزوح مستمر نقلت بسيارتي أثاث أكثر من عشرين عائلة في منطقة الطارمية يتعرض أهالي الجنوب من الشيعة إلى تهديدات ومضايقات منذ سقوط النظام. هذه العوائل فقدت العديد من أبنائها لا يمر يوم من الأيام من دون أن يقتل فيه بريء لا ذنب لديه غير هويته. الإرهابيون وبمساندة البعض من أهالي المنطقة صاروا يمارسون عملية الاضطهاد ويجبرون العوائل على ترك منازلهم. رجال الشرطة في الطارمية يقومون بدور مزدوج لا أتوانى عن القول فيهم بأنهم يتساهلون مع المارقين أكثر مما يعملون مع الدولة علاقتهم بها علاقة راتب والأهالي لا يأتمنون بهم تفاقم الوضع في الطارمية إلى حدود بعيدة وصار الجار يخاف من جاره.
تركنا بيوتنا مرغمين
مع الأسف، يقول ذلك الحاج أبو جواد الذي يناهز عمره الخامسة والسبعين ويواصل حديثه:
منذ خمسة وخمسين عاماً ونحن نسكن منطقة الطارمية والآن كما ترانا نفترش التراب ونتجول بلا مأوى لقد أجبرونا على ترك منازلنا غصباً. إرهابيون وقتلة بلا ضمير أو وازع أخلاقي ضيقوا علينا الخناق لهويتنا الشيعية يطلقون علينا لقب (الشراكوه) يريدون أن ينتقموا من الدولة ومن المراجع الدينية بواسطتنا. جعلوا أطفالنا يخافون الذهاب إلى المدرسة وشبابنا لا يخرجون إلى أعمالهم إلا بحماية السيطرة قرب الجسر.
لقد قتلوا ابني غيلة. الآن مع كبر سني فإني مكلف بإعالة عائلة تعدادها سبعة عشر نفراً. أدعوا الدولة إلى حفظ ممتلكاتنا من بيوت ومزارع تركناها هناك وأن تقتص لنا من الإرهابيين ومن الذين يساندونهم في هذه المنطقة.
ثلاث ضحايا يومياً
جاسم شاب من النازحين افترش حصيراً وجلس يتفيأ ظلال خيمة عسكرية يقول لنا:
كنت أعمل في مجال البناء لكنني اضطررت اضطراراً بالتوقف عن العمل. في هذه المنطقة كل يوم نجد ثلاث ضحايا من الشيعة مرميين في المزابل. صاروا (ويعني الإرهابيين) يعترضوننا في الطرق ويحاسبوننا على قصة الشعر ونوعية الملابس. يسمعوننا اقذع الشتائم وكثيراً ما يعيبون علينا بالقول (انتم شراكوه). لقد لزمنا البيوت فالخروج منها إلى الشارع يكتنفه الخطر. في أحد الأيام جاءني صديق وحذرني بالقول أن أسمي قد (دون) وهذا معناه ترشيحي للقتل برصاصهم.
أخبرت عائلتي وطلبت منهم مغادرة المنطقة بأسرع ما يمكن وجئت إلى هنا تركت بيتي وعملي للحفاظ على حياتي وحياة أشقائي. الإرهابيون صاروا يتعرضون للقوات المحتلة من بيوتنا ويطلقون عليهم النيران بقصد ويقتحمون بيوتنا في الليل والنهار لكننا لا نملك حق اعتراضهم يقولون لنا أنتم ومراجعكم الدينية عملاء للأمريكيين ويضيف:
ولدت في هذه المنطقة وترعرعت فيها وعشنا أياماً لا فرق بين شيعي وسني والكل أخوة متحابون لكن بعد سقوط نظام صدام انقلبت الأمور رأساً على عقب وصار الآخرون ينظرون إلينا نظرة مختلفة ويطلقون علينا مسميات (شيعة) و(شراكوه) وكأنهم يعيروننا بها.
شرطة الطارمية متهمة
السيد سالم حميد وهو رجل كبير السن قصدناه في خيمته. علامات الحزن والتعب بادية بوضوح على قسمات وجهه المؤطر بلحية فضية مشذبة يساهم بالقول فيذكر:
- (خوش مجزرة) هذا الكلام يردده الكثيرون حولنا ويعني بأنهم قاموا بقتل أبنائنا الشرطة في الطارمية تحدد عملها بنقل الجثث من المزابل إلى دائرة الطب العدلي وليس لديها غير هذا العمل. صرنا نخافهم كما نخاف الإرهابيين ويخامرني الشك بأنهم ينسقون معهم. في الطارمية والمشاهدة تربطنا أواصر صداقة ومصاهرة مع الجميع وخير دليل على ذلك إن قريبي متزوج من ابنة عم المطلوب ذياب الأحمد لكن الناس انقلبت فجأة بقدرة قادر (بعنا الحلال) وتركنا منازلنا نشداناً للأرض. ولكن في هذه اللحظات أشعر بندم وأقول مع نفسي لو قتلنا كان أرحم لنا من هذه الحالة التي نحن فيها.
كلفنا عضو الجمعية الوطنية الأستاذ بهاء الأعرجي بمناشدة المسؤولين في المنطقة من أجل الحفاظ على ممتلكاتنا وبساتيننا التي تركناها وراءنا فكان جوابهم بأننا ليس أصحاب أملاك أو حقوق وإننا جئنا إلى المنطقة لقص القصب فيها في حين إننا عشنا في هذه المنطقة منذ ما يزيد على النصف قرن ولدينا حجج الملكية ومستندات رسمية بأملاكنا.
يؤسسون للتقسيم
أبو سالم من مهجري الطارمية جاء عندما سمع بنبأ وجود صحافة فتحدث بدوره قائلاً:
هذه الممارسات التي قاموا بها ضدنا المراد منها زرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد ومن ورائها يبغون أن ننزح نحو الجنوب ونتمترس هناك ليتحقق لهم ما يريدون من تقسيم البلد.
لقد رأيت حادثة قتل احد عشر شاباً من أبنائنا قرب المشاهدة وهم داخل سيارة كيا وكيف كانوا يدوسون على رؤوسهم مرددين (الله أكبر) بينما كان دم الضحايا الأبرياء يسيل على أسفلت الشارع غزيراً. لقد قتلوهم جميعهم وأخلوا سبيل السائق الذي لم يكن من أهالي الجنوب. العوائل التي هاجرت من منطقة الطارمية يفوق عددها الستين عائلة والذي أعرفه أن عشرين منها في منطقة الرشاد وثلاثون إلى أربعين عائلة في هذه المنطقة منطقة (حي طارق) وعدد آخر حطوا الرحال في بقعة خالية في مدينة الشعب وعوائل أخرى في سبيل النزوح.
لقد بدأ نزوحنا منذ ما يقارب الشهر. نريد من المسؤولين مساعدتنا فالمنطقة مفتوحة ولا استبعد أن يلاحقنا الإرهابيون إلى هنا.
أطفال بلا مدارس
حيدر صبي في حوالي الثانية عشرة من العمر نسأله عن مدرسته فيجيب:
الإرهابيون جعلوني أترك المدرسة وأتجه مع عائلتي إلى هنا.
في الصف يقوم المعلم على فرزنا حسب هويتنا وبعضهم يعترضنا في الشارع ويسمعنا الشتائم أو يقوم بحلق شعر رؤوسنا. الآن بلا مدرسة ولا أمل لي بالعودة إليها.
يقول لنا الصبي حيدر بأسى وحزن. ويضيف: - مدرستي اسمها مدرسة الهذلي.
يحاسبوننا على الحصة
السيد فاضل يذكر لنا أن العوائل هناك عرضة للمحاسبة على إجراءات الدولة وفي هذا الصدد يقول:
إذا تأخر موعد تسليم الحصة التموينية فإن أهالي المنطقة يعتبروننا نحن المسببين ويقولون لنا بأن صدام كان يوزعها علينا كاملة في أوانها وأنتم الآن تأخرونها ولا تعطونها كاملة يقولون ذلك لنا بحجة أن الدولة مقصورة علينا نحن الشيعة أو المنحدرين من الجنوب. طاردوني من أجل قتلي عدة مرات لكنني استطعت التخلص منهم والمجيء إلى هنا.
لا أنام الليل
أم سعد تتلفع بالسودا وتسكن في خيمة قالت أن زوجها قد استعارها من أجل الإيواء إليها من حر الشمس تشارك في الحديث وتذكر:
- أنا لا انام الليل خوفي على أطفالي يؤرقني الإرهابيون كانوا ينوون ذبح حتى أطفالنا. لذلك منعنا أطفالنا من الذهاب إلى المدارس أو الخروج إلى الشارع لقد عشنا في قلق بعد سقوط النظام وتنكر لنا الجميع وصاروا يعيروننا بهويتنا مع إننا من قدماء سكنة هذه المناطق لنا فيها أملاك وبساتين لا أعلم ما الذي حل بها.
يلاحقوننا إن خرجنا من البيت ويستوقفنا أياً كان في عرض الشارع ليسألنا أين كنت أو إلى أين تذهب؟ لقد منعوا أيضاً الدلالين من عرض منازلنا للبيع. وهي الآن موقوفة لديهم. هذه العوائل تدفع ثمن إجراءات الدولة ومواقف المرجعيات الدينية ولكن لا الدولة ولا المراجع سألوا عنا وما حل بنا هذه الأيام.
(سوالف)
أيد محسن شيخ طاعن في السن يقول:
(سوالفنا كثيرة) والمشتكى لله وحده أهالي الطارمية المنحدرون من الجنوب توزعوا هذه الأيام على مناطق عديدة بعضها ذهبت باتجاه الناصرية وأخرى إلى منطقة النهروان جئنا بعدما شعرنا بأن قتلنا مباح من أهالي المنطقة وقد أخبروا ولدي الذي يمتهن تصليح السيارات بأن جماعة خططت لقتله. الآن يجري قتلنا وفق قوائم إعدام معدة من الإرهابيين وبعض المتنفذين في المنطقة.
دعوة
السيد شايع قاسم الموسوي الذي يدير منظمة حقوق الإنسان والديمقراطية توجهنا لنسأله عن دور منظمته في رعاية عوائل النازحين من الطارمية والبعض أشار إلى وجود آخرين من مناطق (أبو غريب) والدجيل والدورة.
أجابنا قائلاً:
لا يسعنا إلا أن ندعو الجميع إلى مد يد العون لهذه العوائل التي أضطرت إلى ترك منازلها واتجهت إلى هاهنا وعلى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات ذات العلاقة أن تسارع إلى احتضان هذه العوائل وتقديم المساعدة لها واعتقد أن السيد قائممقام مدينة الصدر والمجلس البلدي يبذلون ما في وسعهم من أجل التخفيف من معاناة هذه العوائل التي تفتقد إلى سقوف تأوي تحتها من حرارة الشمس وعلى حد علمي أن البعض منهم أي من النازحين قام ببناء غرف من قطع البلوك استعداداً لمواسم الأمطار. من جانبنا ومع الأسف منظمتنا لا يتوفر لديها المال ولا الإمكانات لتقديم ما يمكن تقديمه لذلك سوف نتحرك باتجاه وزارة المهجرين والمهاجرين وكذلك وزارة حقوق الإنسان للتدخل هناك حاجة ملحة إلى الماء وإلى الخيام خاصة نود أن تتوفر.
وزارة المهجرين لا تعلم بشيء
لم نشهد خلال تجوالنا أي مظهر من مظاهر الاهتمام التي يجب أن تحاط بها هذه العوائل التي افترشت الأرض تحت قبة السماء لا منظمات إنسانية ولا وزارات معنية. أصحاب العوائل في رواح ومجيء ما بين المجلس البلدي وقائممقامية مدينة الصدر والبعض منهم راح يشتري الطابوق ليبني لعائلته غرفة تؤويهم والآخر يبحث عن خيمة يؤجرها.
قدوم الشتاء يقلقهم كثيراً
بدورنا اتصلنا بوزارة المهجرين والمهاجرين لنعلم منهم الآلية التي يعتمدونها للوقوف مع هذه العوائل النازحة في محنتها.
فكان الرد من مديرية الإعلام في الوزارة بأنهم ليس لهم علم بوجود هذه العوائل. وأن السيد محمد من قسم الإعلام الذي كان على الطرف الآخر من الهاتف وعدنا بإيصال هذه المعلومة عن وجود نازحين إلى المسؤولين الذي قال عنهم بانهم لن يألوا جهداً في تقديم ما يمكن تقديمه. ونحن وعوائل النازحين في الانتظار.
http://www.almadapaper.com/sub/10-517/p10.htm#1