ليس في كل الدنيا أهوار مثل أهوار بلدي الحبيب العراق أنها فعلاً بحار عظيمة بمائها وأسماكها وطيورها ونباتاتها و سكانها بحارة شجعان يبحرون هذه البحار العظيمة علي قارب صغير اسمه المشحوف وغذاؤهم هو الطابك (رز) تمن مطبك على النار مثل الخبز الذي يعمل من طحين الحنطة وسمك من الهور مسكوف على نار وقودها البردي هذه مقدمة صغيرة عن ما أريد أن اكتبه عن أهوار العراق بحار بلدي المحبوب وسوف أتوسع في البحث تباعاً وقبل هذا أثبت مجموعة علامات وركائز ومقومات وحقائق تاريخية أولاً ثم جغرافية وبعد ذلك مسلمات علي أرض الواقع في هذه الأهوار.
أولاً- إن لهذه الأهوار تاريخيا سياسيا حديثا إن حضارات منها سومرية وأخرى آشورية والأغلب فيها هي سامية من خلال اللقى والأدوات والأخرى الشخصية حيث عثر عليها بعد عملية تجفيف الأهوار التي قام بها النظام المباد وأصبحت قاع الأهوار مكشوفة وبلا ماء مما سهل إيجاد مخلفات تاريخية تعود لأحقاب قبل الميلاد في 3500 ق. م. أو أكثر الدولة السومرية والآشورية مما يؤكد إن هذه الأهوار لها عمق تاريخي وحضاري بعيد المدى وكجزء مهم من تاريخ العراق القديم.
ثانياً- إن الأهوار هي منخفضات من الأراضي تحيط بها أراض مرتفعة تكونت مع الأيام بل السنين الطويلة من تاريخ العراق القديم ونبتت بها النباتات واغلبها القصب وتكونت فيها أنواع الأسماك ثم قام الأهالي بتربية الجاموس الأسود الذي يحب البقاء في الماء لمدة اليوم كله وكان هذا الجاموس مصدر رزق من حليبه ومشتقاته ومن زراعة الرز ومن شواء السمك وآلاف أنواع الطيور التي تجمعت فيه ومن أنواع الأسماك كانت مصادر غذاء للإنسان والطيور معاً وكانت الطيور من جهتها مصدر غذاء للإنسان خاصة البط وأنواع أخرى من مشتقات أسمائه.
ثالثاً- تؤكد الأهوار أنها أم العراق الخالدة وأنها أكبر من الحكام الطغاة وكم من حاكم جائر جاء وذهب وبقيت الأهوار خالدة عبر الزمن وما عملية التجفيف الأخيرة لحاكم جائر خبيث إلا تعبير عن الحقد الأسود على بحار العراق ومائه وأسماكه وطيوره لا لشيء إلا لأن الأهوار من الخوالد الثابتة وكل شامخ ثابت عظيم يغار منه الطاغية الخبيث ويريد تدميره ولكن الهور بقي وذهب الجائر.
رابعاً- عندما نريد أن نؤكد على الجذر التاريخي للأهوار لابد أن نسجل ذلك ليس عبر سنة أو حتى عشرات السنين إنما تاريخ أية أمة يتشكل دائماً عبر الاف من السنين ومثل هذا ما حدث في تكون الأهوار وهي المسافات الشاسعة في المنخفضات والغريب فيها انهار عظام تصب فيها وتخرج منها وتكونت فيها أنواع خاصة من الطيور والأسماك والنباتات وتكونت طبائع الناس سكانها الأصليين وقيمهم وعاداتهم وطرق معيشتهم مع الهور وحياته وأجوائه الخاصة به، الناس فيه تنتقل ليس سيراً على الأقدام ولا يركبون السيارات أنهم يأخذون المشحوف وهو قارب يتلاءم شكله وسيره وطرق إدارته مع طبيعة الهور نفسه.
خامساً- تمتاز الأهوار بخصال ليست موجودة إلا فيها وهي البساطة والشفافية والخيال وحب الحيوان مصدر رزق والحياة وخاصة الجاموس وحب النباتات وهي التي تبني البيت ومصدر التدفئة ومركز الصناعة المشاحيف واسطة النقل الوحيدة كما إن الأهوار مجموعة جزر طافية علي الماء وهي أصلاً أجمل من البندقية (مدينة في ايطاليا التي يؤمها الآلاف من كل بقاع العالم) ولو كان لنا رعاية سياحية ومقومات السياحة لكانت الأهوار أحدي عجائب الدنيا وهناك التمازج بين جمالية المكان وسحره الخلاب وبين طبيعة الإنسان الدمثة الودودة التي نعيش فيها.
الهور والمدينة
ويبقي الهور الواحد مثل كل الأهوار الأخرى يؤثر ويتأثر بالمدن المجاورة له وكذلك الأديان المختلفة التي تعيش في الهور الواحد فسكان الأهوار الأصليون منهم المسلمون والصابئة المندائيون وأما القومية فإنها تبقي العربية لأن أصل أهل الأهوار (عرب) جاءوا له من قبائل ومناطق كثيرة في حقب قتالية وقسم منها متقاربة وأخري متباعدة ولكنهم من العراق ومن أهله طلباً لتربية الجاموس أو صيد الأسماك والطيور ومنهم من رجع إلى أهله ومنهم من استوطن في الهور وجعله مكانا للإقامة والعيش والعمل وهناك من يقول إن أصل السكان من قديم الزمان هم السومريون والساميون وهم في النتيجة عرب.
ويمكن تعداد أنواع الطيور في الأهوار على الشكل التالي:
الخضيري والبط بأنواعه والفرنوق والزركي الكركي ودجاج الماء وأبو فجل وأبو زلة والخطاف والوز الأملح والوز الأوربي والبجع والبرهان والرطبوي والبيوضي والجهلول والغطاس والعويدي والنورس والطبطوي ويقال الططوة أيضاً وصقر السمك وصقر الفئران وآلاف أخرى من الطيور الملونة الصغيرة الصامتة والمغردة الباقية منها والمهاجرة والتي تأتي في أوقات وترحل في أوقات من الفصول.
وأنواع الأسماك هي الكطان والشبوط والبني والشلك والصبور والخشني وهو سمك صغير وهناك آلاف من الزواحف والأفاعي والحيوانات أهمها الجاموس وكلاب تحب الماء والخنازير وابن آوي والذئاب وكلب الماء والقطط والجرذان والفئران والضفادع بأنواعها الصغيرة والكبيرة وحتى الضباع بأنواعها وألوانها.
وأما النباتات فأنواعها كثيرة جداً وأهمها القصب وهذا النبات مصدر غذاء للجاموس كذلك بناء الدور والصناعات الأهلية ويوجد نوع من النبات يسمي الوحشي خشن جداً وهو يسمي الشمبلان وتسكن داخله الأفاعي ونبات العرمط ناعم جداً وفيه أيضاً مسكن للأفاعي وهناك نوع من النبات يسمي الهجير وهو غذاء للجاموس يكثر الحليب ويحسنه ونبات الكعيبة وهناك أنواع من نبات الورود هذا النبات كأنه وردة اللوتس وهناك نبات الجولان وهو غذاء أيضاً للجاموس ويأكله البط والأبقار وأما الحشائش فكثيرة منها السجل والجريح وهذا النبات أوراقه جارحة والقصب والبردي الصغير والحلبلاب وزهير البط وأبو رقبة وآلاف من النباتات الجميلة كأنها الورد في رائحتها وألوانها.
الهور الخالد
ويبقي الهور خالداً ما بقيت دنيا العراق ذاك إن تاريخ الأهوار في عراقنا الحبيب جزء من تاريخ العراق منذ الزمن القديم وحتى الآن ويحدثنا الأستاذ مهدي الحسناوي في كتابه الجيد جداً عن الأهوار جنائن الماضي وسحر الحاضر وهو ابن الأهوار يقول (كنا نذهب ونحن صغار إلى عمق الأهوار نطارد صغار البط وأفراخها ونستلهم سحر الطبيعة وسحرها وحضارة تلك البلاد وحتى لون السماء كانت تعكس في الحياة ألوانا خضراً وكاتب هذه المقالة كاتب له قصائد كثيرة لم تنشر بعد ومنها قصيدة تقول تعكس الشمس زرقتها في البحار وتجعل لون البحار ازرقا وقد تكون توارد خواطر بين شاعر وكاتب. ويقول كاتب كتاب جنائن الماضي وسحر الحاضر والصادر من وزارة الثقافة وطبع دار الشؤون الثقافية بغداد الطبعة الأولى 2004 والذي أخذت منه كثيراً في مقالتي هذه ومن كتب ومصادر أخرى يقول (إن العيش قرب منطقة الأهوار وفيها طعم خاص طالما تغني به الشعراء والأدباء في تلك البيئة والتي عشقها كل إنسان يمتلك الحس المرهف وفي كتاب بلاد الرافدين صور وخواطر الكاتبة البريطانية ليدي دارور والذي ترجمه فؤاد جميل وطبع في بغداد سنة 1961 دراسة جميلة عن الأهوار ويبقي أكبر من كتب عن الأهوار الأستاذ الدكتور شاكر مصطفي سليم والرجل غني عن التعريف (الجبايش دراسة انثروبولوجية والذي صدر سنة 1957 بغداد ذلك إن هذه الدراسة العلمية والشيقة عن الأهوار والتي ادعوا الجميع إلى قراءتها تبقي خالدة مع الزمن الذي نعيش وعن التاريخ الذي يجب أن يفهم وأوله الأهوار البحار العراقية الخالدة ويبقي شيء مهم أن نذكره إن عشائر وقبائل مهمة تسكن الأهوار وهي تكون أربعة قبائل البو محمد وقبيلة بني لام ومنها بلاسم وكنانة وكعب وقبيلة أل إزيرج وقبيلة أل بودراج وهناك قبائل أخرى مثل السودان والسراي والسواعد والبهادل وأكبر القبائل من العمارة البو محمد وشيوخها آل فيصل من عشيرة العزة وكلهم من قحطان عرب أصلاء ومن شيوخهم محمد العربي حسب ما ذكر الأستاذ مهدي الحسناوي في كتابه والقبائل هناك لا تعد ولا تحصى في تعدادها وأصالتها العربية الخالدة وقد فصلهم وعددهم الأستاذ مهدي الحسناوي ويمكن الرجوع إلي كتابة الموجود حاليا في السوق ومتداول بين الناس لأهميته هذا غيض من فيض عن الأهوار بحار العراق الساحرة الجميلة والخالدة الحبيبة أعز الله العراق وحفظ شعبه وأدام مجده وأعلى شأنه.