[align=justify]محمد عبدالجليل

من المعروف عن شهر رمضان انه من احب الشهور عند الله فهو الشهر الذي انزل فيه القرآن وفيه ليلة لقدر التي هي خير من الف شهر وهو شهر القرآن وشهر الطاعة والغفران. ولهذا الشهر خصوصية لدى المسلمين في كل انحاء العالم ولاسيما العراق ارض المقدسات وارض الائمة الاطهار (ع) ولذلك نرى لهذا الشهر عاداته وتقاليده الخاصة به التي تفرقه عن بقية الشهور . فهو شهر الصيام والعبادة الذي يتوج في اخره بفرحة الصائم وهو عيد الفطر المبارك. لهذا فأن العراقيين حالهم كحال الشعوب الاسلامية لهم تقاليدهم الشعبية الخاصة بهذا الشهر المبارك حيث اعتاد الناس ايام زمان في بغداد وفي بقية مدن العراق الاستعداد لهذا الشهر فقبل اطلالته بايام قليلة تتهيأ العوائل لشراء مستلزمات شهر الصيام من مواد غذائية وغيرها استعدادا لموائد الافطار الجماعي الذي تقوم به هذه العوائل طلبا للثواب.

حيث قال الرسول الكريم محمد (ص) (من افطر صائم له اجر صائم) من هذا يستشعر الناس بعظمة افطار الصائمين حيث كانوا يتنافسون لاقامة ولائم الافطار الجماعي في المساجد وفي البيوت احيانا حتى يتمكن الفقراء من مواصلة شهر الصوم حيث يشعر الاغنياء بمرارة الفقر والجوع وكيف ان الفقراء يقاسون ويعانون من ضنك العيش والفقر.. وللافطار مراسيم معروفة فعند دخول وقت الافطار وهو اذان المغرب تبدأ المساجد باقامة الاذان ولكن بعض المناطق العبدية كانت لاتسمع الاذان ولذلك عمدت الحكومة العثمانية الى اطلاق مدفع صوتي سمي لاحقا بمدفع الافطار لكي يسمعه الجميع وصار هذا المدفع لاحقا سمة ورمزا لوقت الافطار وبعد الافطار يبدأ الناس وخاصة الرجال بالتزاور فيما بينهم لقضاء ليالي ممتعة ومسلية مع الاهل والاصدقاء وبعض منهم يذهب للمساجد لاقامة الصلوات ومواصلة الادعية في رحاب هذا الشهر الفضيل ومنهم من يذهب الى المقاهي الشعبية المنتشرة في المحلات لحضور لعبة المحيبس المشهورة حيث يتبارى اهل المحلات فيما بينهم وبعد انتهاء اللعبة يقدم لهم الحلويات المعروفة (الزلابية والبقلاوة) وبعد ذلك يدخل وقت السحور الذي اعتادت بغداد وبقية مدننا على سماع صوت المسحراتي او ابو السحور وفي الحلة يسمى (ابو الدمام) ليوقض الناس عند السحور بواسطة الطبل الذي يحمله مناديا في الزقاق (سحور ياصائم سحور) وعند حلول العيد يبدأ بطرق ابواب اهل المحلة لكسب اكراميته او عيديته. ان من اهم التقاليد القديمة في هذا الشهر هي مساعدة فقراء المحلة لاعانتهم وزيارتهم حيث اعتادوا اهل المحلات برصد اموال خاصة وجمعها وذلك لتذليل الصعوبات المعاشية للعوائل الفقيرة وكذلك اعانة الارامل والايتام في هذا الشهر الكريم اما في الايام الاخيرة من هذا الشهر يبدأ الناس بالتحضير لقدوم العيد الذي سمي كذلك لانه يعود كل سنة بفرح مجدد حيث يقوم الناس بتنظيف ازقتهم ومن ثم يعلقون الزينة على الجدران وبدايات الازقة. وهي عادة ما تكون من سعف النخيل ومن ثم رفع الاعلام (البيارغ) في كل مكان ولهذا يكون في ليلة العيد . وجرت العادة ان تقوم العوائل بصنع الحلويات والمعجنات في هذه الليلة بمشاركة كل العائلة حيث تقوم النسوة بعمل (الكليجة) وسط الزغاريد وضحكات العائلة ومرح الاطفال. وفي هذه الليلة ايضا تقوم جميع الاسر بالاستحمام او الغسل في حمامات السوق التي تضل مفتوحة حتى الصباح وذلك لاعتقاد الناس بان الذي لا يستحم في هذه الليلة ويصبح غير نظيفا تحل عليه اللعنات ويقع عليه النحس وفي الصباح يلبس افراد الاسرة ملابسهم الجديدة وهذه كذلك فأن كل لباس قديم لايصلح في يوم العيد لان اللبس الجديد يوفر الصحة والرزق والفأل الحسن بعدهايذهب الرجال الى المساجد لاقامة صلاة العيد وبعدها يقومون بتبادل التهاني والتبريكات بهذه المناسبة ان من اولويات الناس في اليوم الاول من العيد هو زيارة العتبات المقدسة وزيارة قبور الاولياء الصالحين وكذلك زيارة الاهل والاقارب والاصدقاء لتقديم التهاني وهذه تسمى (المعايدة) كما تقوم الاسر بتبادل الاكلات الشهية والحلويات والمعجنات فيما بينها كما تقام مجالس للسمر وللهو في المحلات والازقة وكل على طريقته فالرجال مثلا يذهبون الى الديوانيات لتبادل الاحاديث والطرف اما النساء فأن العيد بالنسبة لهن هو التمتع بلبس الملابس الجميلة وتبادل الزيارات والاحاديث المسلية: اما الصغار فأن للعيد نكهته الخاصة بالنسبة لهم فأن اول علامة من علامات العيد هو خروج الاطفال الى الشوارع بملابسهم الجديدة الملونة والذهاب الى المراجيح ودولاب الهوى وتتم هذه بواسطة عربات الخيل او الحمير حيث يقوم صاحب العربة بتوصيل الاطفال الى هذه المكانات لقاء اجر بسيط. وان مكانات اللعب هذه تكون عادة قريبة من قبور احد الاولياء الصالحين او احد العلماء حيث جرت العادة بزيارة هذه الاماكن في الاعياد. حيث يبدأ الصغار بممارسة العابهم هذه وشراء الاكلات. والحلويات التي طالما حرموا منها في الايام العادية وهذا من النقود التي يحصلون عليها من اهاليهم واقاربهم وهذه تسمى (العيدية) وبعد انقضاء اليوم الاخير من العيد يبدأ يوم اخر من المرح واللهو والمتعة وهو يسمى بيوم (الكسلة) وبذلك اليوم تختتم مراسيم العيد ليذهب كل الى عمله وشغله. ان اغلب هذه التقاليد الشعبية في رمضان والعيد بدأت بالانحسار وذلك لتغير الزمن والناس ولكن اصرار الكثير منهم على مواصلة هذه التقاليد ومواصلة درب الخير والمحبة بقي منها الكثير كذلك حيث بقيت هذه العوائل تمارسها لكي تشعر بايام الماضي الجميل ولكي تحافظ على تلك الشعائر الانسانية التي لا تستطيع ان نتجاهلها او ننساها فهي باقية في قلوبنا وعقولنا نتذكرها بين الحين والاخر لتزيدنا اصرارا على مواصلة درب الخير والالفة والمحبة.
[/align]