من لا يعود عند الحاجة قد لا تعود له حاجة
شيعة العراق.. جمهور بلا قيادة ينتظر أرسطو الفقه!
السبت 10 مايو 2003 17:55
رياض الحسيني
لا استطيع الا ان اسجل اعجابي هنا بالكلمة التي اطلقها السيد مقتدى الصدر في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الثاني من ايار، والتي قالها واثقا، واعيا لها حق الوعي وهي "من لايعود عند الحاجة قد لا تعود له حاجة". ورغم انه لم يحدد الدعوة لشخص بعينه، الا انه لا يغفل ان المقصود بهذا الكلام قبل غيره هو اية الله العظمى السيد كاظم الحائري، الذي يتخذ من ايران مقرا له.
الخصوصية التي اولاها تيار الصدر الثاني للسيد الحائري لم تكن اختيارا عشوائيا او سلوكا عدائيا ضد طرف اخر بقدر ما هو التزام بوصية الشهيد الصدر الثاني الذي اوصى قبل استشهاده لاتباعه، ان الامر يؤول من بعده الى السيد كاظم الحائري. واذا ما ادركنا شخصية السيد الحائري، يمكن عندئذ الاجابة عن تساؤل، لماذا الحائري دون غيره ؟
ادناه رسالة كان قد ارسلها المفكر الاسلامي اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر الاول الى السيد كاظم الحائري قبل ان تقدم السلطات العراقية على اعدامه في نيسان من العام 1980، حيث يقول فيها:
"ولدي وقرة عيني ورفيق يسري وعسري الذي قدر لي ان افتقد قربه العزيز وانا احوج ما اكون الى قربه وان اخسر عونه المباشر وانا اشد ما اكون حاجة الى عونه" محمد باقر الصدر.
هذه الرسالة والشهادة من الصدر الاول بحق السيد كاظم الحائري دون غيره لهي شهادة وتزكية كافية لان يكون السيد كاظم الحائري قبل غيره اولى بقيادة جمهور الشيعة العراقيين من ايا كان، فضلا عن تزكية الصدر الثاني له من بعد.
لكن هنالك امرا اخر ومهما في الحركة الاسلامية الشيعية العراقية منذ تأسيسها والمنعطفات التي مرت بها وتحديدا مع بدايات تأسيس حزب الدعوة الاسلامي في العراق. وكما هو معروف بان التأسيس كان بمباركة ومشاركة السيد الصدر الاول، الامر الذي يعطي دفعة قوية وزخم عالي لمن يحصل على تزكية منه. فكيف بمن يحصل على تزكية أعظم شخصيتين التزمتا بالخط الحسيني الجهادي، لا الحسني التفاوض كما يؤكد الاغلب ؟! أضف الى ذلك العقلية التنويرية المتزنة التي تميز بها السيد كاظم الحائري كانت سببا لتقدمه الجموع وحصوله على هذه المنزلة التي قلما حصل عليها احد غيره. فهو مجتهد يُشار له بالبنان في الفقه والاصول، فضلا عن اتساع رقعة مقلديه والتي شملت كل ارجاء المعمورة تقريبا.
لكن ثمة تساؤلات مشروعة ايضا من قبيل مدى جهوزية السيد الحائري لتقبل القيادة في الوقت الراهن ؟ وهل تفوقه في الفقه والاصول يعني تقدمه على الجموع سياسيا واجتماعيا ؟!
اذا ما ادركنا بعضا من سيرة الرجل فحتما ستتكشف لنا بعض الحقائق التي ستكون جوابا شافيا ليس فقط لتلك التساؤلات المطروحة، بل وحتى ما لم يدر في خلد احد.
هو السيد كاظم بن السيد علي بن السيد جليل بن السيد ابراهيم الحسيني الحائري، الذي وصل الى درجة السطح العالي وهو لم يكمل سن السابعة عشرة, وهذا شئ ليس بعادي في الدروس الحوزوية الشيعية التي تتميز بصرامة وجدية الدراسة فيها. وما زاد على ذلك هو تتلمذه على يد استاذه الصدر الاول، الامر الذي فتح الباب على مصراعيه لشخصية الحائري ان تتلقى شيئا من الرعاية الابوية والحركية الخاصة. وما زاد على ذلك هو استقبال السيد الحائري لدروس الفلسفة والاقتصاد من الصدر الاول، فضلا عن مساعدة التلميذ لاستاذه في تأليف كتاب "الاسس المنطقية للاستقراء". كل ذلك كان كافيا لان يتعلم التلميذ من استاذه، وان يولي الاب الروحي والحركي لابنه البار رعاية خاصة وولاية استثنائية. تلك الرعاية التي شكلت فيما بعد منعطفا كبيرا في حياة السيد كاظم الحائري فلم يكن احد اقدر واجل وأامن منه لان يتسلم رعاية "حزب الدعوة الاسلامي"، وكما لم يكن لقب "فقيه الدعوة" بالشئ الغريب عليه، فان لقب "ارسطو الفقه" لم يتأتى اعتباطيا ولا مزاجيا او تحيزا حركيا، بل كان تقديرا منهجيا يستحقه من خلال بحوثه والدراسات التي قام بها وبشهادة اساتذة وعلماء كبار. وبمرور الايام اثبت الرجل قدرته من خلال الاتزان والحصافة ورجاحة العقل والسيرة الحسنة، الامر الذي فتح لقيادات الحزب الميدانية الكثير من الابواب المقفلة خصوصا بعد تحول القيادة الى ايران بعد نجاح الثورة الاسلامية فيها، واشتداد القمع ضد الاسلاميين في العراق. اضف الى ذلك حرص السيد كاظم الحائري على ديمومة النظام الاسلامي في ايران وايمانه بخط الولي الفقيه جعلا له مكانة خاصة عند القيادة الايرانية. لكن نظرا لايمان السيد كاظم الحائري بالخصوصية العراقية والشأن الداخلي، فانه لم يكن مقربا "ايرانيا" فيما يخص التحرك السياسي والحركي والذي كان وقتها غيره مستعدا للعب هذا الدور، وبالشروط الايرانية التي يراها الكثير من المثقفين العراقيين ومنهم السيد كاظم الحائري مجحفة وغير عادلة بحق القضية العراقية ورموزها.
وكما هو معروف بين الاوساط العلمائية في النجف وقم وكربلاء ان هذا البيت "الصدري العربي" ينظر الى امر الشيعة من المنظار الحركي المستوعب لامور السلطة. حيث يؤكد اصحاب هذا الخط على ضرورة عدم فصل الدين عن السياسة في الحياة العامة وذلك استنادا الى سيرة الرسول (ص) ومن بعده علي (ع) وولده. حيث كان الرسول (ص) يقود المجتمع الاسلامي من المسجد. واذا ما ادركنا حقيقة الجذور الغير عربية لمعظم علماء النجف والذين يفضلون الخط الحسني في حفظ الدين وارواح الاتباع، والدم العربي الذي يجري في عروق علماء العراق عامة والبيت الصدري خاصة، يمكن حينئذ تلمس بعضا من التفضيل لاهل العراق في دعوة الحائري دون غيره خصوصا وانه من مواليد كربلاء وتنشئة النجف. كما والجدير بالذكر ان معظم اهل العراق اليوم انما يرمون باللائمة على العلماء الشيعة من غير العراقيين والذين تسلموا زمام امور الشيعة في العالم ولم يولوا اهل العراق الا الشئ البسيط من الرعاية رغم تواجدهم في النجف وكربلاء العراقيتين.
ترى هل سيوفق شيعة العراق بعد كل تلك السنون في ايجاد قيادة عراقية سياسية واعية لمتطلبات المرحلة وغير مستعدة للتنازل عن الحقوق تحت اية مسميات ودعاوي ؟! ام انهم سيبقون يقلدون الاخرين من الامم الاخرى رغم قول الشاعر "لا يؤلم الجرح الا من به الالم" ؟! حتما سيكون المستقبل افضل بكثير من الماضي ومن الحاضر. لكن من الضروري جدا عودة القيادة الى جماهيرها مبكرا فيما هو اختصار للمزيد من المعاناة، بل ويشجع على الكثير من العمل مع اختزال الوقت والجهد، وقطع الطريق على غير العراقيين. خصوصا لو ادركنا انها قيادة مزكاة وذا شعبية وقاعدة عريضة، ولم يُذكر انها قد ارتكبت اخطاء مهجرية فضيعة. اما لو فضلت تلك القيادة وغيرها البقاء بعيدا عن امل الضعفاء والمحرومين، فحتما انها لن تكون محل ترحيب في وقت لاحق.
إعلامي عراقي