اعداد - عماد عاشور

لم تكن المقاهي في بغداد اماكن لبيع الشاي او المرطبات حسب بل كانت تمثل منتديات ومراكز ثقافية وحوارية وشعبية للبغداديين على مر قرون من الزمان فغالبا ما كانت تقام فيها الاماسي الشعرية وغناء المقام العراقي وحتى العروض المسرحية لتشكل سمة من سمات تاريخ وفلكلور بغداد قديما وحديثا.

المقاهي في بغداد

افتتح اول مقهى في بغداد عام (1590م) وكانت تسمى مقهى جغالة زادة، اي خان جغان وسميت فيما بعد خان الكمرك وفي سنة 1610م بني مقهى ثان وهو مقهى حسن باشا بالقرب من جامع الوزير وبعدها انتشرت المقاهي لتصل الى ما يقرب من تسعمائة مقهى في بغداد حسبما احصاه احد المستشرقين ومن المقاهي المشهورة في حينها مقهى الشط في منطقة المصبغة ومقهى القلعة او قهوة السيد بكر، وكان يقع الى جانب وزارة الدفاع القديمة، حيث شيدت على اطلالة مصلحة ماء بغداد سنة 1954م وكان يضم هواة الطيور وهواة مناطحة الاكباش والديكة، وكانت ترتاده مجموعة من الخرس والبكم، وكان هناك مقهى البيروتي على نهر دجلة في منطقة الكرخ وقد هدم عام 1965 واعيد بناءه في اواخر الثمانينات من القرن الماضي ومازال قائما اما مقهى البلابل في محلة البارودية فكان يرتاده هواة البلابل ومقهى (المميز)يقع بالقرب من جسر الشهداء اليوم مجاورا للمدرسة المستنصرية حيث كان مقرا للموسيقيين والمطربين ومن اشهر المقاهي القديمة مقهى (كل وزير) الذي كان يقع في منطقة الميدان مقابل التكية الطلبانية وبقي هذا المقهى عامرا حتى عام 1915.

ان مقهى (الاورفلية) فقد زال في عام 1930 وبنيت على اطلاله سينما السندباد، وبالقرب منها كان مقهى (سعيد العبد) الذي تميز بمقاعده المصنوعة من سعف النخيل وقد اندثر هذا المقهى اما المقهى الاشهر التي لاتزال قائمة الى يومنا هذا وهي ملاذ الادباء والكتاب والصحفيين في ايام الصيف والشتاء فهي مقهى حسن عجمي في شارع الرشيد والتي كانت تمتاز بمجموعة سماورات وقوارير صينية تزين اعلى منطقة (الوجاغ) و (مقهى عزاوي) التي كان يتغنى بها قراء المقام العراقي في حينها من امثال احمد زيدان ونجم الشيخلي وقهوة (علوان العيشة) بالقرب من سوق الشورجة وكان يغني فيه (خليل رباز) وعلوان العيشة نفسه.

وكانت بغداد تفتقر الى المنتديات لهذا حلت مكانها المقاهي والتي انقسمت الى عامة وخاصة المقاهي الخاصة كانت تسمى مقاهي (الطرف) اي ان روادها من سكنة المحلة نفسها التي كان يقع فيها المقهى.اما المقاهي العامة فتقع بالقرب من الدوائر الحكومية مثل مقهى الشط وهو مقهى معظم رواده من التجار، ومقهى (الشابندر) والذي مازال قائما الى يومنا هذا في شارع المتنبي كان بالقرب من المحاكم في حينها وجميع هذه المقاهي القسم الاكبر منها قد زال والباقي في طريقه الى الزوال.(الا ان هذا الجانب يجب ان تعني به جهة تراثية معينة تديم مثل هذه الاثار الفلكلورية وتدعمها بما يمكن ان يبقي على ديمومتها واثرها الفكري والاجتماعي والثقافي في المجتمع العراقي.وللمقهى البغدادي عالم خاص يختلف عن مقاهي الدول المجاورة سواء كانت عربية او غير اذ ان الارائك التي تستخدم في الجلوس في المقهى البغدادي سابقا كانت مرتفعة وتسمى (التخت) اما الان فالمستعمل منها يسمى (بالقنفة) ويقوم على ادارة المقهى عدد غير قليل من العاملين غير (الجايجي) الذي يوزع الشاي على الرواد وكان في الغالب يحاول ان يبرز مهارته في اداء وظيفته كـ (جايجي) من خلال عدد اكواب الشاي التي يحملها في يد واحدة (الاستكانات) وفي الغالب تكون في اليد اليسرى حيث يقوم بتوزيع هذه (الاستكانات) على الجالسين باليد اليمنى حيث هنالك من يوزع الماء ومن يوزع المشروبات الغازية ويسمى (ابو البارد) فضلا عن النارجيلة والتي يقوم على توزيعها اثنان في العادة حيث يقوم الاول باعداد النارجيلة والاخر يقوم باعداد الراس الذي يحتوي على (التتن) والجمر.

وكان في السابق يتخذ صاحب المقهى مجلسا له امام المقهى وبيده كيس نقود ويقوم بادارة المقهى من خلال التنبيه على العاملين (الصناع) من موقعه اذ تكون امامه منضدة يقوم الرواد بتسديد الحساب عند الخروج. وفي الغالب يكون لصاحب المقهى دولاب جانبي يحتفظ فيه بالامانات والرسائل التي تصل الى الزبائن عن طريق المقهى.

وكانت العادة ان يجاور المقهى مطعم صغير على الجانب من الرصيف او في الباحة الامامية للمقهى يقوم بتقديم الوجبات الخفيفة من اللحم المشوي او الكبدة (المعلاك) او الكباب وفي الاعياد عادة ما كان الصناع يقومون بتوزيع ماء الورد الموضوع في (جلبدان) على اكف الزبائن قائلين لهم ايامكم سعيدة وعندها يقوم الزبائن باعطاء الصناع عيدية وهي في العادة بضع من نقود كل حسب امكانيته المادية.