[align=justify]الطائفية في العراق ... ما هو الحل ؟
[align=justify]منذ أمد ونحن نستمع الى العديد من الآراء والتحليلات والتنظيرات في مسألة التركيبة الطائفية في العراق ، والناس بين متشائم لا يرى في الأفق بارقة أمل لتوحيد الطائفتين الأساسيتين اللتين يتألف منهما الشعب العراقي ، الشيعة والسنة ، وبين متفائل يرى أن ذلك أمر في غاية البساطة منطلقاً من كون المشكلة الطائفية غير موجودة أساساً في العراق كما هي في الكثير من بلدان العالم الإسلامي ... [/align]
وعندي ، أن الإتجاهين المذكورين ، وهما السائدان حالياً ، غير واقعيين بالمرة ولا يمكن أن نعتبرهما الوصفة الملائمة للتعامل مع الإشكالية الطائفية في العراق ... فالمتشائمون ينطلقون من تصورات ورؤى بالية أكل الدهر عليها وشرب ، أساسها النظرة السوداوية المستحكمة في نفوس البعض ، وعمادها تراكمات من الحقد المتوارث وعدم معرفة الآخر بشكل صحيح ، زائداً العقد النفسية والإجتماعية التي يعاني منها المتشائمون أنفسهم ...
أما المتفائلون ، فإنهم يسطحون الأمور بشكل كبير وكأنهم يمتلكون عصا سحرية ، أو أنهم قادرون على أن يقولون للشيء كن فيكون ! .. فرفعوا شعارات نبيلة وجميلة تنفي وجود الطائفية وتصور المجتمع العراقي على أنه يعيش في وحدة متماسكة ( وحدة وحدة إسلامية ، لاشيعية ولا سنية ) ، معتقدين إن إهمال المشكلة أو نفيها كافٍ لتوحيد الصفوف وفرض المحبة والإخاء بين الجميع وهم في ذلك يتشبهون بالنعامة التي تدفن رأسها حتــــى لا يراها أحد ..
والحقيقة ، أن هذه القضية ذات جذور ضاربة في عمق نفسية كلا الفريقين وتركيبتيهما العقائدية والإجتماعية ، سيما وإن السياسات المختلفة التي تحكمت بمصير المجتمعات الإسلامية على إمتداد العصور السالفة قد شجعت وغذت ورسخت عوامل الفرقة والتباعد وربما التباغض بين الطائفتين بشكل متعمد ومحسوب النتائج تنفيذاً لمخططات جهات وكيانات غير إسلامية إرتبطت أهدافها ومصالحها بتدمير المجتمعات الإسلامية وتمزيق وحدتها مستعينة بتراث ( إسلامي ) ضخم من الشبهات والأحقاد صنعه الجهال والأغبياء ممن تسموا بـعلماء الأمة وروادها وباحثيها ومؤرخيها ..
وعلى ذلك ، سيكون إنكار وجود الظاهرة الطائفية في العراق ضرباً من الوهم ، وتجاوزاً للواقع ، وتحليقاً في فضاء لا نهائي فارغ ، وربما يكون مجرد مجاملات سمجة لا تتعدى حدود اللسان ، مما سيجعل أية حلول مطروحة حلولاً لا واقعية ولا طائل من ورائها ...
أما إذا كان المطلوب وضع حلول ناجعة ومؤثرة وقادرة على حمل العراقيين الى بر الأمان فلا بد من الإرتقاء الى مستوى المسؤولية ووضع النقاط على الحروف بجرأة تتناسب مع سمو الهدف ونبل الغاية ، والجدية في الوصول الى النتائج المرجوة ...
وقد يكون من الحكمة أحياناً ، عدم ذكر الأشياء بمسمياتها خشية إستفحالها أو التنبيه عليها أو التسبب في إظهارها الى العلن بعد أن كان الحديث عنها هامساً وخجولاً لا يكاد يُسمع... أما وقد وصلت القضية الطائفية في العراق الى هذا الحد من التداول العلني ، وبعد أن مارست عصابات الظلاميين كل هذه الأنواع من القتل والإرهاب الذي إستمد وجوده من العنوان الطائفي دون أن يكون هنالك أي صدى رافض لجرائمه من قبل الطرف الآخر ... فلم يعد هنالك أي مبرر معقول للإستمرار في إنتهاج إسلوب المجاملات البلهاء التي لن توصل قطعاً سفينة العراقيين الى شاطىء الأمان ...
إن كل عاقل يعلم علم اليقين بأن الخلاف بين الشيعة والسنة لم يكن في أي يوم من الأيام منذ نشأة المذاهب وحتى اليوم خلافاً على الدين أو في الدين ، بأي شكل ، حتى وإن لبس هذا الخلاف في بعض جوانبه لبوس الدين ، فالخلاف أولاً وثانياً وثالثاً خلاف في السياسة وعلى السياسة ، بدأ بها وتغذى عليها ، وسينتهي بها أيضاً ...
وتأريخياً ، فإن كافة الأنظمة السياسية التي حكمت العراق قد مارست سلوكاً طائفياً وغذت النزعة الطائفية لدى الناس وإن إختلفت وتباينت منطلقاتها وأهدافها ، فطائفية الأمويين ليست كطائفية العباسيين ، وطائفية الإثنين ليست كطائفية العثمانيين ، كما أنها عند الجميع ليست كما هي عند الأنظمة السياسية الحديثة التي حكمت العراق ، فقد تجد مرة ً أن الحاكم هو نفسه ذو قناعات وسلوك طائفي ، فيكون مدفوعاً من ذاته وبوحي عقيدته هو ، ومرة أخرى تجده يمارس الطائفية لأن فيها تثبيت لحكمه ودعم لسلطانه ، وثالثة ، يمارسها لأنها تخدم مصالح جهات أخرى يرتبط بها ويخضع لإرادتها ...
إن زيادة وعي الجماهير وإطلاعها على الحقائق التأريخية المجردة من الميول والأغراض الشخصية والسياسية ، والتي لم تساهم السياسة في كتابتها ، ودفعها الى التفكير بإسلوب علمي وحضاري ، هما من الوسائل المهمة للتخلص من الطائفية ، وهذه مهمة شاقة وتحتاج الى زمن طويل لكي تتحقق في حين نحن بأمس الحاجة الى حلول سريعة ولا يمكننا الإنتظار طويلاً ..
لذلك لا بد من بديل ممكن ومؤثر وأكثر سرعة ، والبديل الآن هو الإتجاه الى القيادات مباشرة وخصوصاً القيادات الدينية تحقيقاً لهذا الهدف ... إن التمكن من إقناع رجل الدين وإستنفاره أو تحييده على الأقل ، يعني إنجاز ثلثي الشوط في الإتجاه الصحيح ... ولكن من هو رجل الدين هذا ؟!! ومن هي تلك القيادات التي رأينا التوجه نحوها ؟!!
هل هي التي ظهرت الى الوجود بعد سقوط النظام ؟
أم هي تلك التي تحوم حول العراق من خارج الحدود ؟
أم أن كل من أطال لحيته ووضع العمامة أو لبس ( السدارة ) أصبح من رجال الدين ؟ حتى أؤلئك الذين لـُفـَّتْ عمائمهم في دوائر أمن ومخابرات النظام البائد ؟
إن الخطوة الصحيحة الأولى ، هي فرز القيادات الدينية المنتشرة على الساحة العراقية الآن ، وإعادة تقييمها ، وتعرية الزائف منها ، وفضحه على رؤوس الأشهاد ، وإرغامه بكل الوسائل على الإبتعاد عن الساحة الدينية ، لتمكين القيادات الدينية الصالحة الحقيقية من إطلاق صوتها والتأثير في الجماهير .. وعندها لن نسمع فتاوى وخطب نارية مبطنة من شأنها التسبب في خراب البلد وقتل أهله .. لأن رجل الدين الصادق والعالم لن يأخذ من الدين إلا أشياءه الحقيقية الصادقة التي ستصب قطعاً في صالح الوطن والشعب ، ولأن ديننا هو دين الحضارة والرقي والبناء والتسامح والمحبة ، ولأن الدين الذي يتداوله ( وعاظ السلاطين ) هو ليس دين الله ولا دين رسوله ، وإنما هو دين أسسه بعض المنحرفين بأمر من بعض السياسيين على إمتداد العصور السالفة ... [/align]