[align=center]آثار العمالقة بأرض القطيف في طريقها إلى الاندثار[/align]


شبكة راصد:حسين حسن السلهام * - 28 / 11 / 2005م - 1:51 ص
يقول ياقوت الحموي «القطيف بفتح أوله وكسر ثانيه فعيل من القطف وهو القطع للعنب ونحوه كل شيء تقطفه عن شيء فقد قطعته والقطف الخدش وهي مدينة بالبحرين وهي اليوم قصبتها وأعظم مدنها». انتهى

منطقة القطيف بالمنطقة الشرقية من مملكتنا الحبيبة هي من أقدم المناطق على الخليج العربي الذي عرف قديما بخليج القطيف نسبة إلى أقدم مدينة كانت تطل عليه كما أوضح «شبر نكر» وكما تشير له الخرائط الأوربية القديمة.

ولتتبع تاريخ الاستيطان في القطيف نلاحظ أنه يرجع إلى العصر الحجري القديم ماقبل خمسة ألاف سنة قبل الميلاد، وقد عثر علماء الآثار المستشرقين في منطقة القطيف على مجموعات من الصوان ورؤوس السهام ترجع إلى حضارة العبيد (5000 ق.م ـ 3500 ق. م).

القطيف هي المنطقة التي هاجمها الملك شمر يهرعش أحد ملوك سبأ ويطلق عليه «ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت» في القرن الثالث للميلاد.

سكن القطيف الكنعانيون ونزحوا عنها في 2500قبل الميلاد إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط ونقلوا معهم بعض مسميات مدنها. كما سكنها الفينيقيون أول أمة اخترعت صناعة السفن ومن جملة مخترعاتهم الحروف الفينيقية.

القطيف أرض العمالقة الذين عملوا في الزراعة والري وحفر الآبار في الألف الثالث قبل الميلاد ومازالت ينابيع المياه الأثرية في منطقة القطيف شاهده على الفن المعماري والعلم الجيولوجي القديم لهؤلاء القوم.

كما سكنها الكلدانييون من أهل بابل بعد أن أبعدهم نبوخذ نصر وأسسوا مدينتهم الجرهاء والذي حدد موقعها بعض علماء الآثار المستشرقين ومنهم«ر. ستييهل» و«هـ. فون ويسمن» على أنها تقع بأرض القطيف وبالتحديد في موقع تل جبل القرين الأثري التي تنتشر حوله قبور ماقبل الإسلام المحفورة في أعلى صخوره والتي حيرت علماء الآثار. وعرف الجر هائيين بالثراء الفاحش حتى طمع فيهم الملك انطيوخس الثالث وأبحر بأسطوله قاصدا مدينة الجر هاء طمعا في ثروتهم.




• سيأتي يوم يتساءل فيه الأجيال القادمة، أين شواهد مدينة الجر هاء وآثارها بجبل القرين؟!

وللإجابة المستقبلية لهكذا سؤال نقول:

للأسف تم إزالة الجزء السفلي من هذا التل والذي يعرف «بجبل القرين الصغير» وذلك من قبل بعض مالكي الأراضي الجدد بالقطيف حيث أندهش الأهالي قبل سنتين بمشاهدتهم الجرافات وهي تقوم بتكسير صخور التل الصخري الأثري التي يحوي على مجموعة كبيره من القبور التي ترجع لفترة ما قبل الإسلام ونثرها حول المزرعة الحديثة وهي كنز اثري وهذا مخالف للمادة رقم (23) من نظام الآثار بالمملكة العربية السعودية، وتنص على مايلي «لا يجوز أن تكون الأرض الأثرية المسجلة مستودعا ت للأنقاض كما لا يجوز أن تقام فيها بناء أو مقبرة أو وسائل للري أو أن يحفر أو أن يغرس أو أن يقطع منها شجر وما سوى ذلك مما يترتب عليه تغيير في معالم تلك الأرض بدون ترخيص من دائرة الآثار وإشرافها...»

ولكن للأسف لم يعمل بهذه المادة في منطقة القطيف فتم التعدي على معظم الآثار القطيفيه حتى أصبحت القطيف وكأنها من المدن الحديثة التي لا يوجد بها أي آثار سوى قلعة تاروت التي أحيطت ببعض الاهتمام وتركت باقي الآثار للأسف عرضة للإهمال والعابثين واندثر الكثير والمتبقي منها في طريقه إلى الاندثار.

سكنت ارض القطيف القبائل العربية ومنها طسم وجديس «القبائل البائدة»، وتوالت الهجرات العربية إلى ما قبل الميلاد كما ذكر المؤرخون. كقبيلة كيوبس، وقبيلة الخط.

لهذا سمي خليج تاروت بخليج كيوبس، وكذلك سميت المنطقة بالخط نسبة إلى مدينة الخط الدارسة التي سكنها أفراد قبيلة الخط.«مدينة الخط كما يتضح لي أنها بقلب جزيرة تاروت».

واستمر نزوح القبائل العربية إلى هذه المنطقة حتى بعد الميلاد ومنها «قبائل عدنانية» ـ قبيلة قضاعة والازد«اتفقوا على العيش بسلام بموجب الحلف المعروف بحلف تنوخ»، جاء بعدهم قبائل عبد القيس «من تهامة في القرن الثالث الميلادي»

ـ دخلت عبد القيس في حرب مع إياد والازد وانتصروا قبائل عبد القيس وشدوا خيلهم بكرا نيف النخيل لهذا قيل المثل المعروف «عرف النخل أهله».

ودخلت قبائل منطقة القطيف في الإسلام طائعين غير كارهين وكما جاء في رواية في مسند احمد بن حنبل عن إسلام قبيلة عبد القيس «حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا عوف حدثني أبو القموص زيد بن علي قال حدثني أحد الوفد الذين وفدوا على رسول الله من عبد القيس قال: وأهدينا له فيما يهدى نوطا أو قربة من تعضوض أو برني فقال ما هذا قلنا هذه هدية قال وأحسبه نظر إلى تمرة منها فأعادها مكانها وقال ابلغوها آل محمد قال فسأله القوم عن أشياء حتى سألوه عن الشراب فقال لا تشربوا في دباء ولا حنتم ولا نقير ولا مزفت اشربوا في الحلال الموكي عليه فقال له قائلنا: يا رسول الله وما يدريك مالدباء والحنتم والنقير والمز فت؟ قال: أنا لأدرى ماهيه، أي هجر أعز قلنا المشقر قال فوالله لقد دخلتها وأخذت اقليدها قال وكنت قد نسيت من حديثه شيئا فأذكرنيه عبيد الله بن أبي جروة قال وقفت على عين الزارة ثم قال اللهم أغفر لعبد القيس إذ أسلموا طائعين غير كارهين غير خزايا ولا موتورين». انتهى

قد يندهش البعض ويتساءل هل الرسول زار القطيف «هجروالخط والزاره» ووطأت قدماه هذه المنطقة وشرفها بقدومه؟

نعم هذا ما سطرته كتب التاريخ بوقوف نبينا محمد على عين الزارة «يعتقد كثير من أهالي القطيف أن عين الزارة هي تلك العين المجاورة لجبل الحريف بالقرب من الطريق الرئيس بين القطيف والعواميه».

ما ذكرته في المقدمة هو في الحقيقة رغبة مني في إيضاح قدم هذه المنطقة وتمتعها بحضارة عريقة ضاربة في القدم محل افتخار لمملكتنا الحبيبة وارى انه يجب استثمار تلك العراقة والمحافظة على تراثها والمحافظة عليها.






قد يتساءل المرء لماذا يجب أن نهتم بالتراث ولماذا هذه الصرخات من هنا وهناك بضرورة حفظ تراث المنطقة؟

أسباب اهتمامنا بتراثنا:

• أولا: الاهتمام بالتراث ليس من الهوى أو شكل من أشكال إضاعة وقت الفراغ بل هو ماحث عليه الإسلام الحنيف.

ضرب لنا سبحانه وتعالى الأمثال في القرآن الكريم بذكره للأقوام والأمم السابقة وأشار إلى أثارهم المادية كما جاء في سورة النمل قوله تعالى ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ • فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ • وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ فالآية تبين أن هذا التراث من بيوت قوم ثمود هي آية للأجيال القادمة يجب أن تبقى شاهد مادي للأقوام القادمة والتعرف على تفاصيل هذا الإرث واخذ العبرة من الأقوام السابقة.

كما يحث الباري سبحانه وتعالى على التفكر في تاريخ قوم ثمود من خلال قوله تعالى: ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ ﴾ وهنا يتضح الحث على أخذ المعرفة والعبرة من تراث الأقوام السابقة. كما في آية أخرى من سورة النمل يقول الباري سبحانه وتعالى ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾.

وهنا أيضا يحث الباري تعالى على أخذ المعرفة بقوله تعالى ﴿ فَانظُرُوا كَيْفَ ﴾ أي نحن مطالبين بالتبحر في معرفة الكيفية التي وصلوا بها إلى استحقاقهم العاقبة المؤلمة ولن تصل إلى تلك الكيفية إلا بقراءة تاريخ تلك الأقوام. والتبحر في تراثهم.

فنحن مطالبون بالتعرف على تراث الأقوام السابقة وتاريخها وهذا ما يحث عليه الباري سبحانه وتعالى.

فالموروث هو في الحقيقة تجارب عايشتها المجتمعات السابقة وعلينا معرفة إيجابيات وسلبيات هذه التجارب وهذا ما شار إليه الإمام علي في وصيته لابنه الحسن يقول فيها: «أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم وفكرت في أخبارهم، وسرت في أثارهم حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى ألي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضرره». انتهى

ونلاحظ من قراءتنا لهذا المقطع من الوصية قول الإمام علي «وسرت في آثارهم» أي تتبع واطلع على آثار من سبقوه لهذا يجب علينا أن ندرك أهمية الآثار والمحافظة عليها لأنها ملك عام وشاهد مادي لأقوام سابقة فيجب ألا نبخس الأجيال القادمة حقهم في الاطلاع على هذه الآثار والاستفادة منها.

• ثانيا: الآثار أصبحت لكثير من الدول مصدر دخل قومي يستفاد منه في تشغيل قطاع كبير من أفراد المجتمع وتنوع مصادر الدخل ومصدر ثقافي وحضاري ومحل فخر لعراقة الدول المتقدمة. فهناك إمكانية استثمار تلك المواقع الأثرية بمنطقة القطيف.

• ثالثا: التراث المادي «الآثار» في منظوري هو إرث عالمي عايشته الأجيال السابقة وأضافت إليه نتاجها الاجتماعي والمادي والتاريخي وتوارثته الأجيال حتى وصل إلينا وهكذا بدورنا يجب علينا أن نحمل هذا الإرث العالمي للأجيال المقبلة ولا نبخسها حقها في الاطلاع عليه.

بعد كل هذا أناشد الهيئة العليا للسياحة والإدارة العامة للمتاحف الاهتمام بما تبقى من آثار ارض القطيف وعلى سبيل المثال وليس الحصر تلك العيون الأثرية التي تعود إلى حقبة العمالقة أبناء كنعان بن سنحارب بن نمرود الأول بن كوس بن سام بن نوح كما أوضح المرحوم/ محمد سعيد المسلم.

ومن هذه العيون الأثرية التي نأمل المحافظة عليها هي عين الكعبة التي نسب إليها هذا المسمى بسبب مايذكره المؤرخون عن القرامطة واقتلاعهم الحجر الأسود وجلبه إلى منطقة هجر وبالتحديد في منطقة عين الكعبة عام 317هـ وكان مكثه فيها 22 سنة.

كما وبالقرب من هذه العين الأثرية قامت معركة آفان كما حددها المسعودي في كتاب التنبيه والإشراف عند ذكره الحرب التي وقعت بين أبي سعيد القرمطي وبين العباسيين في عام 287هـ، قال: «جرد العباس بن عمرو الغنوي للقاء أبي سعيد القرمطي في السبخة المعروفة بأفان، وأفان ماء ونخل أراد العباس نزولها وذلك عند ارتحاله من الماء المعروف بالأعباء، فسبقه أبو سعيد إلى الماء، وطول هذه السبخة سبعة أميال، وبينها وبين البصرة سبعة أيام، وهي على يومين من ساحل البحر، وهي القطيف، وبين القطيف وبين البحر ميل، ولها مدينة على الساحل يقال لها عنك».انتهى

وهذه المعركة عدها المؤرخون العرب من عجائب الدنيا الثلاث فقد ذكر ابن الأثير«بلغني أن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال: عجائب الدنيا ثلاث: جيش العباس بن عمرو يؤسر وحده وينجو وحده ويقتل جميع جيشه، وجيش عمرو بن الصفار يؤسر وحده ويسلم جميع جيشه وأنا انزل في بيتي، وتولى ابني أبو العباس الجسر بين بغداد». انتهى



وسبب كون تلك الحرب من عجائب الدنيا كما عدها العرب هو انهزام عباس الغنوي بالرغم من كثرة عدد جنوده مقارنة بقلة عدد جنود خصمه أبى سعيد القرمطي،حيث أن جيش الغنوي كان في سبعة آلاف من الجند ومطوعة البصرة والبحرينيين بينما جيش القرمطي سبعمائة فارس وراجل من كلاب وعقيل والبحرينيين، أي بنسبة عشرة لكل مقاتل قرمطي وبالرغم من كل هذا انتصر القرامطة على الجيش العباسي.

هذه العين الأثرية المعروفة بمسمى عين الكعبة وقفت شامخة طيلة تلك القرون ولكن للأسف طالتها أيدي بعض العابثين فقاموا بهدم بعض أطلاها بعد إن جفت المياه عنها، ولم يتبق منها سوى أجزاء من سورها وهي ماتزال تحتفظ بشكلها المميز وتقع في ارض مازالت حكوميه لم يتملكها بعض هواة تملك الأراضي كما لم يتبق في منطقة القطيف سوى عدد (3) نماذج لتلك العيون وهي كالتالي:

1 ـ عين الكعبة التي ذكرت آنفا «سقط معظم جدارها في السنوات الأخيرة».
2 ـ عين الشنيه بالقرب من مدينة الأمير نايف الرياضية بالقطيف «اصبح موقعها مرمى للنفايات وسقط بعض جدرانها».
3 ـ عين الصدرية بالعوامية «مازالت شامخة في وسط رمال صحراء البياض بالرغم من تصدعها».

فما يميز هذه النماذج من العيون موقعها في إطراف القطيف ومحاذاتها لصحراء البياض غرب القطيف وتتميز بالفن المعماري لبنائها حيث شكلها الدائري المرتفع الذي يصل في بعضها إلى ثمانية أمتار وذلك لحمايتها من زحف الرمال في العهود الماضية وبالتالي يستطيع المرء من مشاهدتها من مسافات بعيدة نظرا لارتفاعها. وما يميز تلك العيون أنها كانت ترتبط جداولها بشبكة ري متطورة من خلال اتصالها بتناقيب وسواقي مسقوفة تحت الأرض ويعتقد أنها مما برعوا فيه القرامطة وأبدعوا في فن الري واعتقد إن هذه العيون كانت روافد لنهر محلم التاريخي بأرض القطيف.

ولكن بالرغم ماذكر من عراقة وأصالة وتاريخ وعبق ماضي تلك العيون فإنها تعيش آخر أيامها وقد يحرم الأجيال القادمة من رؤيتها والنظر إليها وأخذ العبرة والتأمل في تاريخها فعين الكعبة إن تركت على حالها فسيواصل العابثين بهدم ماتبقى منها بعد هدم سورها والتنقاب القريب منها بعد صمودها طيلة تلك السنين الخوالي ومحافظة الآباء والأجداد على عراقتها وعبق التاريخ المتألق فيها أما عين الشنية فأحيطت بها النفايات من جميع الجهات حيث أصبح موقعها مرمى للنفايات وجدرانها آيلة للسقوط بل سقط بعضها وهي الحال بالنسبة لعين الصدرية بأراضي العوامية حيث يقوم بعض العابثين بالتخريب لهذه الآثار.

فهل من مجيب لصرخة واستغاثة أهالي القطيف لترميم تلك العيون الأثرية لتصبح معلم اثري يقصده السياح من خارج وداخل مملكتنا الحبيبة، حيث هناك فرصة كبيرة لتبني فكرة إعادة ترميم تلك العيون وجلب السياح إليها والمهتمين بالتراث من جميع أنحاء العالم، إذ مازالت الأراضي المحيطة بها هي أراضي حكوميه ولم يستطع هواة تملك الأراضي أن يزيلوا تلك الآثار والعمل على استصدار صكوك ملكية لها حتى تاريخه.

فأتمنى من الهيئة العليا للسياحة الإسراع في تبني فكرة إعادة ترميم هذه العيون وإحاطتها بشوارع اسفلتيه ومنتزهات ومطاعم حديثة لتدعيم الاقتصاد الوطني باستثمارات متنوعة.

على كل حال هناك الكثير من العيون والآثار مترامية في منطقة القطيف أتمنى الاهتمام بها كإرث تاريخي للأجيال القادمة.






المصدر:
http://www.rasid.com/artc.php?id=8816
-----------------------------------------