قوات التدخل السريع ... والمتبنى الصهيو - أمريكي
لا أعرف بالضبط من أين تأتي لغة البعض في التجاوز أو الإستهزاء بالموروثات الفكرية ؟؟ ولا أعرف لماذا يتصور البعض أن الألتزام بالمتبنيات الفكرية الإسلامية قد يشكل عائقاً أمام تطورهم ؟؟ ولا أعرف لماذا لا يتخذ البعض من هذه الموروثات سبباً للإنطلاق في عالم الحداثة والتطور على الصعيدين المادي والمعنوي ؟؟
وغريب أن يحاورني أحد الأساتذة من الذين – كنت – أعتز بفكره المنفتح ، وربما أعجبتني فيه ربطة عنقه المنتجة في مصانع ( كريستيان ديور ) وبدلته الفاخرة ، وبارفام الـــ ( ماسكولين برجواز ) المميز الذي يفوح منه ، وكلماته الهادئة ، وموسوعيته وتراكمه الإجتماعي الرائعان ، والناتجان – ربما - عن كثرة ترحاله في بلدان الحضارة والمدنية . الغريب أن هذا الرجل - بما يمتلك من عقل أكاديمي وعطر باهض الثمن - فإنه يستشكل أو يستنكر على السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قده) أنه يلح في مسألة المهدي والمهدوية ، ويلومه أنه أنفق السنين الطوال من صباه في تأليف (( موسوعة الإمام المهدي )) وكأنه يشير الى ( لا فائدة ) الخوض بهذا الموضوع ، ربما لأنه لا يمت للواقع الحالي بصلة ، أو لأنه بظهر الغيب ، أو لأنه لا يُسمن ولا يُشبع ولا يُغني عن جوع .
هذا الرجل – ومثله الكثيرون – يعترفون بأن (( الموسوعة )) وغيرها من مؤلفات السيد الشهيد (قده) جاءت بغاية الروعة والتكامل في الطرح والإستدلال والإستنتاج ، ولكنه – أو لكنهم – يعتبرون بأن مسألة الإمام المهدي ، وظهوره ، وأدبيات ما قبل وبعد ظهوره ، نوع من أنواع الغيب ، ( أو الميتافيزيقيا) أو ( الطوبائية ) أو ( الفنطازيا ) أو ما يشاء المتشدقون تسميتها ، وحتى أن البعض يعتبرها نوع من أنواع الــ ( كلاوات الإسلامية ) في زمن الحداثة والتطور والتسارع نحو التجديد ، بل ويعتبرونها جزءً من الأفيون الذي يدب بالخدر في أوصال الشعوب في زمن العلم والخروج عن حدود المجرة .
والغريب أن أحداً من أصدقائي المسيحيين أو الصابئة لم يستنكر البحث أو الحديث أو الحوار في مسألة المهدي والمهدوية ، بل كل الإشكالات والإمتعاضات كانت تتأتى من أصدقاء لي مسلمين – ولا أريد أن أزيد أكثر – والأغرب من ذلك أنهم يتذمرون من الخوض بهذا الموضوع ، ويعتبرونه نوع من أنواع التخلف ، بل ويعتبرون الحديث في هذا الموضوع نوع من أنواع الهراء والإستهلاك ، ربما لأنهم التصقوا بالمادة التصاقاً أغلق أمامهم إمكانية النقاش أو البحث خارج المختبرات .
وهذا شئ لمسناه سابقاً ونلمسه – الآن - كثيراً، بأشكال وصور متفاوتة ومتباينة ، حتى في زمن المولى المقدس الشهيد الصدرالثاني ، حين كان البعض يشكل علينا إلحاحنا بالتبشير بالمنقذ الآتي من خلف أبواب الغيب ، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ويعيب البعضُ علينا أننا نحاول فهم واقعنا للإنطلاق نحو المستقبل ، ووجدنا الكثيرون يعيبون أننا نعقد اجتماعاتنا السرية لمناقشة مندرجات ما ورد في ( موسوعة الإمام المهدي ) ، ويتصورون أننا نكشف عن شئ ينبغي له أن يُحاط بالقدسية ، ولا يحق للعامة كشف كنهه ،( كما يفعل البوذيون ببوذا ) حتى أن البعض من أعداء السيد الشهيد الصدر ( من التجار وأصحاب الدكاكين ) كان يعتبر تشديد المولى المقدس على فكرة التمهيد للظهور المبارك وسيلة دعائية لإستقطاب الجماهير ، بل والبعض من أعداءه ( السياسيون )كان يعتبرها وسيلة لدغدغة مشاعر السواد الأعظم ، لخداعهم وجمعهم بغية تنفيذ مشروع ما ، وكثيراً ما سمعناهم يتهمونه بانتهاك حرمة الحوزة ، وفتح بابها على مصراعيه لكل من هب ودب ، وخصوصاً الطلاب ( المعدان ) – هكذا يسميهم أهل الولاية - بل ويتهمونه أنه ارتكب جريمة بالنزول الى المجتمع ، وكان المفترض – برأيهم – أن تبقى المرجعية والمرجع محاطاً بهالة من القداسة ، وتبقى الحوزة محاطة بهالة من الضبابية والغموض ريثما يظهر الإمام الذي لم يكن يعرف عنه الكثيرمن الشيعة سوى إن إسمه ( صاحب الزمان ) .
ويعيد التاريخ نفسه ، لنرى أن أحد ( المراجع ) العظام ، و (وهي رميم ) ، هذا المرجع ، يتشدق - مستنكراً إطلاق تسمية جيش المهدي على فصائل المقاومة الوطنية الشيعية ومستهجناً إلحاح السيد مقتدى الصدر على ذكر إسم الإمام المهدي في جميع المحافل ، هذا المرجع ، قال بالحرف الواحد ، وباللهجة العراقية - وجميل أنه يتقنها - :- ((( يمعودين اشخبصتونا بالمهدي ؟؟؟إخذوه إلكم ، وإحنة كافي علينة دعش إمام !!!!!.....)))
من هذه الرؤية السلبية ، ومن هذا المنطلق الجامد ، تبدأ محنتنا مع الأقرب ، فضلاً عن محنتنا مع الأبعدين ، ولو كانت المسألة تنحصر بمن يقذفوننا بالتخلف بسبب عشقنا للإمام المهدي لكانت المسألة بسيطة ، ويمكن حلها بالحوار ، ولكن الأخطر من ذلك ، أن البعض من هؤلاء كان يتخذ من الإمام المهدي (عجل الله ظهوره المبارك) وسيلة للمتاجرة ، وطريقة من طرق التكسب في دكانه الحوزوي ، بل البعض كان يحتكر تجارة ( موضوعة الغيبة والظهور ) ويعتبرها جزءً من رأس المال الذي يدر عليه ربحاً وفيراً يمنحه القدرة على استكمال بناء إمبراطوريته ومؤسساته الباذخة في البلدان المجاورة والبعيدة ،، ويعتبر موضوع ( المهدي) من البضائع التي يجب أن تكتب لها الندرة في سوق التبضع ، هذا البعض بدأ يشعر أن (فتية وقائدهم)أخذوا يضخون – بقوة - نفس البضاعة التي يحتكرها للسوق وبكميات كبيرة ، ويعرضونها بالمجان ، فاختلت لديهم معادلة العرض والطلب ، وبدأوا يبحثون عن تجارة أخرى تحت عنوان (( دع عنك نهباً صيحَ في حُجُراته )) .
إن فكرة المهدي والمهدوية لم تأت في أدبيات الشيعة حصراً ، وليست من أدبيات المسلمين خصوصاً ، بل هي مسألة إنسانية ، فحتى الشيوعيين لديهم مهديهم المتمثل بالـــ ( بروسترويكا ) والنظام الرأسمالي لديه مهديه المتمثل بالنظام العالمي الجديد ، وغيرهم يعتبر العولمة هي باب النجاة والخلاص، وحتى أن الأكراد لديهم مهديهم المتمثل بالفيدرالية ، وكذلك الصابئة والمسيحييون واليهود ، وكل أطياف الأرض ، ففكرة المهدي ( المخلص ) موجودة لدى الإنسان بالفطرة ، كما أن وجود الإيمان بالخالق موجودة في فطرة الإنسان .
وفي نفس الوقت الذي يلومنا البعض ممن يدعون الإنفتاح والحداثة ، فإنهم يغفلون أن نماذجهم العليا في الحداثة والتطور ، هي في الحقيقة تسير ضمن مفهوم المهدوية ، وتسير وفق برنامج معد مسبقاً للتمهيد لفكرة المخلص ، وقد يستغرب البعض أن الولايات المتحدة الأمريكية - بهذا الكم والنوع الهائل من التطور على كل الأصعدة ، والذي يسيل له لعاب المعجبين من الحداثويين والليبراليين الجدد والقدامى - هي في الحقيقة تعمل ضمن برنامج يغير مفردات الأجندة على وفق فكرة ظهور المخلص ، المتمثل بالسيد المسيح ، وتعمل ضمن منهجية راسخة تتعلق بالنبؤآت رغم أنف البعض ممن لا يؤمن بها ، ويسوقون جيوشهم لتنفيذ الخطوات ذات العلاقة بالمشروع واستكماله تحت ذرائع مادية بحتة .
وقريباً من نهاية الألفية الثانية ، وبالضبط في عام 1980 ، تم تأسيس ( السفارة المسيحية الدولية في القدس ) والتي كانت من أولى مهامها التبشير بقيامة ثانية للسيد المسيح ، مسبوقة بقيام كامل لدولة إسرائيل ، فقد أشار مؤسسها في بيانه الأول الى ما يلي (( نحن صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم ، وأن القدس هي المدينة الوحيدة التي تحظى باهتمام الله ، وأن الله قد أعطى هذه الأرض لإسرائيل الى الأبد )) ، ومن المفاهيم التي يؤمن بها أعضاء هذه السفارة (( إنه إذا لم تبق دولة إسرائيل ، فليس هناك مكان للسيد المسيح عند ظهوره ) وهذا ما ورد في إجتماعهم الذي عقدوه في عام 1982 لمناسبة الإحتفال بالذكرى السنوية لعيد العرش ، أو ما يسمى بالعيد اليهودي المسيحي ، الذي حضره أكثر من ثلاثة آلاف رجل دين مسيحي ، ومعهم الحاخامات الكبار من اليهود .
وفي أمريكا التي يتغزل بها المنفلتون والمعجبون ويتركون ورائهم إرثاً رائعاً ، أقول ، في أمريكا نفسها تم تأسيس كنيسة بإسم ( الكنيسة التدبيرية ) والتي من أهم أتباعها (بوش الأب ، والإبن وقبلهما الرئيس ريغان ) ، ويبلغ تعداد أتباعها ستين مليون أمريكي ، هذه الكنيسة تؤمن بأن العودة الثانية للمسيح مشروطة بقيام دولة إسرائيل ، وتجميع كل يهود العالم في دولة صهيون .
ومن المفيد أن نلوح الى أن الرئيس ( ريغان ) قال في خطاب له أمام لجنة العلاقات العامة الأمريكية – الإسرائيلية ، وبالضبط في تشرين الثاني من عام 1983ما يلي :- انني أتسائل هل نحن الجيل الذي سيشهد معركة ( هرمجيدون ) ؟؟ إن النبؤآت في العهد القديم تصف تماماً الوقت الذي نحن فيه . إنتهى كلام ريغان ، وهذا يذكرنا كثيراً بمفردات كتاب ( The late great plant earth ) ( كوكب الأرض العظيم الراحل ) لمؤلفه ( هال ليندسي ) الذي صدر عام 1970 ، والذي بيعت منه خمة عشر مليون نسخة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ، هذا الكتاب الذي يتحدث عن نهاية التاريخ الحالي بقيامة السيد المسيح الثانية ، وبعد إستكمال قيام دولة إسرائيل ، ومن الغريب ، أن الكتاب يشير الى أن ( الإتحاد السوفيتي سابقاً ) هو أقوام ( يأجوج ومأجوج ) التي وردت في أدبيات العرب في مرحلة ما قبل الظهور ، وهم الأقوام التي سيتعاون معها العرب للهجوم على دولة إسرائيل ، ويشير في الكتاب الى أن النصر سيكون حليف إسرائيل في معركة ( هرمجديون ) التي تكون في سهل المجدل من فلسطين .
والخلاصة ، أن اليهود يعرفون أن ثمة ما يهدد حلمهم ، ويعرفون أن ( المهدي ) الآتي من بلاد العرب ، سيهدد إسرائيل ، وقد يقوض بنائها ، مما يعرقل قيامة السيد المسيح – بزعمهم – ويوقف تحقيق الحلم الأكبر ، ولذا رأينا أن السيد المولى المقدس يذكر أن إسرائيل لديها ملف كامل عن الإمام المهدي ، وربما لا تنقصه سوى الصورة الشخصية ، ومن الملفت للنظر أن يشير ( رحمه الله ) الى أن فكرة قوات التدخل السريع جاءت كوسيلة من وسائل الرد على التحرك العسكري المتوقع للإمام المهدي ( عجل الله ظهوره المبارك ) ، وهو – أعني المولى المقدس – قد بثنا ومضة أو إشارة للسعي نحو بناء جيش عقائدي بوجه قوات التدخل السريع ، واتخاذه كقاعدة عسكرية إسلامية غير متحزبة ، تعمل ضمن الفهم والوعي المتكاملين ضد المشروع اليهودي في المنطقة والعالم .
ورغم وضوح هذه الإشارة أو الرسالة ألا إننا نجد أن البعض قد فهمها ، وبدأ يسعى بموجبها للتطبيق ، في نفس الوقت الذي تنصل عنها البعض الآخر ، بل بدأوا يعملون من أجل تقويض بناء هذه القاعدة بكل ما يملكون من وسائل بوعي أو بغير وعي .
القصد من ذلك ، أن المشروع الصهيو – أمريكي ، وبما يحمله من مفردات ، هو ليس بعيداً عن فهمه لدور المسلمين الخطير - رغم عدم فهم الكثير من المسلمين لدورهم - في تقويض مشروع قيام دولة إسرائيل ، والساسة في البيت الأبيض ليسوا ممن يغفل بأن من أدوات التهديد المباشرة لمشروعهم هو شخصية ( المهدي ) الذي نراه يرد في كثير من أدبياتهم الدينية ونصوصهم ، ولذا فإن إسم ( المهدي ) لوحده ، يمثل لديهم معنى من معاني التهديد ، وهذا ما لمسناه في حساسيتهم من تسمية ( جيش المهدي ) أو ( جيش الإمام المهدي ) ، وكذلك حساسية أعوانهم من هذه التسمية ، والذي استطاع أن يخرق عليهم إهابهم ويصل بكلمة ( المهدي ) الى أروقة البيت الأبيض ، ومجلس الأمن .
إن إغفالنا عن متبنياتنا لا يعني أن أعدائنا غافلون عن متبنياتهم ، وإغفالنا عن متبنياتنا ليس سبباً كافياً يجعل أعدائنا يغفلون أو يتجاوزون متبنياتهم ، رغم أن البون شاسع بين إنسانية متبنايتنا ومتبنياتهم ، فنحن ننطلق من فكرة الخلاص الحقيقية ، وبناء صرح الإنسانية بمعناها الأشمل ، وردع الظلم ، وتقويض جدران الطاغوت والإستكبار ، وتحقيق أطروحة العدل الإلهي الكاملة ، بينما نجد الخلاص عندهم يقوم على أساس قتل الآخر، واغتصاب ممتلكاته من أجل الوصول لتحقيق الحلم الصهيوني في بناء دولة إسرائيل من النهر الى البحر ...هذا الحلم الذي نسيناه نحن ، ولكن أعداءنا ما زالوا يعملون ضمن مفردات تحقيقه سراً ، وعلانية .
راسم المرواني
العراق / عاصمة العالم
marwanyauthor@yahoo.com
marwanypoet@hotmail.com