تحقيق/ احسان تحسين

في كل يوم يذهب الاطفال الى مدارسهم وهناك من ينتظر سيارة الروضة او المدرسة لنقلهم الى روضاتهم او مدارسهم بعد ان تلبسهم امهاتهم ثيابهم الزاهية الالوان فرحين بيومهم المدرسي حاملين معهم احلامهم الصغيرة في بناء مستقبلهم. نجد مقابل هذا اطفالا اخرين بمثل اعمارهم تحملوا المسؤولية مبكرا فتراهم يقطعون الكيلومترات سعيا لبلوغ هدف مغاير لتأمين لقمة عيش مغمسة بعرق الجبين، صغار اضطرتهم الظروف لان يكونوا كبارا في المسؤولية قبل الاوان. هناك اسئلة كثيرة لعل ابرزها ما مصير هؤلاء الاطفال وهم ابناء اغنى بلد في العالم، ما تعانيه هذه الفئة الكبيرة من اذى نفسي واجتماعي وهم يجوبون الطرقات والشوارع بحثا عن الرزق لا سيما وان الاغلبية منهم يعملون في مهن قاسية فوق مستوى قدراتهم الجسدية والعقلية. البيان تجولت في عدد من مناطق في بغداد والتقت بعدد من الاطفال الذين تحملوا المسؤولية نيابة عن الآباء ..
الحرمان والفقر سببا في ترك مقاعد الدراسة!!
الطفل (سعد ابراهيم) يعمل فيتر سيارات وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر نظراته الحزينة وصوته الخافت يكادان يفضحان الالم الذي يسكن قلبه الصغير قائلا:تركت الدراسة منذ سنتين لاسباب مادية بعدما ضاق والدي في تامين مستلزمات العيش ودفع ايجار البيت الذي نسكن فيه ونتيجة لذلك عملت في هذا المحل ،لقد فقدت احلام المستقبل فلقد كنت اطمح لمستقبل زاهر ولكن العوز الكبير الذي اصابنا اضطرني للعمل وليس في اليد حيلة مضيفا: اشعر بالم حينما ارى اصحابي واصدقائي يتابعون الدراسة وانا غادرتها ولتعويض الالم في داخلي فانا اعمل لمساعدة شقيقتي باتمام دراستها في الصف الرابع الابتدائي وانا احبها واساعدها بجزء مما احصل عليه من مبلغ.
نصر حسين 15 سنة يتيم الاب تعمل والدته خادمة في البيوت لقد بدأ عمله حوالي قبل ثلاث سنوات بائعا متجولا امام ابواب المدارس يقول نصر ولدت يتيما وكانت امي هي الكل في الكل في البيت تقوم بتحضير الاكل وتنظيف الملابس تخرج لتطرق ابواب الجيران وغيرهم لمساعدتهم في غسل الملابس وتنظيف البيوت ولا تعود ا لا بعد الغروب بقليل ولم استطع متابعة دراستي فقد انقطعت عنها مبكرا وعلمتني والدتي ان احصل على لقمة العيش في هذا الزمن الصعب الذي لا يأتي الا بالجهد والصبر علمتني في البداية ان ابيع الحلويات في الشارع وافكر الان ان اتعلم حرفة معينة تكون مفتاحا لي في الحياة واقتات منها واعيش عندما اكبر اما عملي الان فهو مرحلة عابرة.
عند احد الاسواق في بغداد وجدنا الطفل (عادل محمد) يزاول عمله بجهد واضح وهو يعمل صباغ احذية تقربنا منه وتحدثنا اليه فحكى لنا قصته مع والديه فقال: منذ ولادتي وانا اشعر بالحرمان فوالدي كان دائما يدعي الفقر وعدم القدرة على الانفاق علينا فكنا نرتدي الملابس القديمة التي تحصل عليها امي من اقربائنا لتنفق علينا ،استمر هذا الحال حتى كبرنا وواجهنا الحياة بالانخراط في مهن حرفية نساعد عائلتنا من خلالها ماديا.
اما قصة الطفل (يوسف) فهي تختلف قليلا وان كان سائرا في نفس الطريق حيث ضحى بطفولته ودخل معترك الحياة بالعمل من اجل توفير لقمة العيش كبقية الاطفال الذين حرمتهم الحياة متعة العيش كاطفال مدللين يجدون من يرعاهم ،(صلاح) توفي والده وترك امه وثلاثة اخوة هو اكبرهم لا يملكون من حطام الدنيا سواه وهو في العاشرة من عمره لم يجد امامه فرصة الا الخروج من المدرسة وما زال في الثالث الابتدائي والبحث عن عمل سعيا وراء الرزق وبالفعل استطاع بمساعدة اصدقائه ان يعمل في احد المقاهي ،يعطي معظم اجره الى عائلته وما يتبقى له من مصروف يقضيه في صالات الاتاري في بغداد والتي هي متعته الوحيدة.
كيفية حماية الاطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية وصحية
ماذا يقول اخصائيو علم النفس عن عمل الطفل في اشغال لا تناسب عمره هذا ما سنعرفه من خلال الدكتور (خالد الجابري) استاذ علم النفس في جامعة بغداد قائلا: ان الابعاد النفسية للاطفال الذين يزجون للعمل في سبيل اعالة عوائلهم كثيرة وتبدأ من فهمنا بصورة عامة حيث ان هذا المفهوم بدأ يتغير مع مرور السنين فعندما يزج الاطفال في عمل معين لكسب الرزق فانهم يعملون في مناخ لا يتناسب مع مراحل التطور لقدراتهم العقلية والنفسية والاجتماعية اي انهم سوف يحرمون من فرص التعلم وقد يتعرضون الى مضايقات او قد يستغلون من قبل الآخرين لزجهم في اعمال وسلوكيات يستنكرها المجتمع. ولو قمنا بدراسة لشخصية المجرمين والمدمنين لوجدنا ان كثيرا منهم كانوا يعانون من سنوات طفولة ومراهقة صعبة كانت السبب الاساس لما وصلوا اليه من مأساة ولذلك فان للعائلة والمجتمع دورا مهما في خلق الانسان معافى نفسيا واجتماعيا من خلال، فالتعامل الشاذ مع الطفل سيجعله ضحية الجهل الاجتماعي ولقد ادركت البلدان المتقدمة هذه المشكلة وواجهتها بحزم وشرعت قوانين لحماية الاطفال من انخراطهم في اعمال لا تتناسب مع قدراتهم، يبقى ان نقول ان من واجب الدولة ومؤسساتها ان تضع بعين الاعتبار الخطورة التي تكمن وراء عدم الاكتراث بالاطفال وسوء معاملتهم وان تدرك بان الوعي الصحي والفقر هما عنصران مهمان في استفحال هذه الظاهرة وان السبيل الوحيد لمعالجتها هو بان قوم الدول المتقدمة بتشريع قوانين خاصة لحماية الاطفال الذين يعانون من مشاكل صحية كالحساسية والام الظهر وازمات صدرية نتيجة عملهم الشاق وعدم مراجعتهم لاي طبيب لكي يتم معالجتهم كذلك يعاني الاكثرية منهم من نقص النمو مقارنة مع اقرانهم من تلاميذ المدارس فهم اقصر واقل وزنا.
تدني المستوى المعاشي للعائلة سببا في انتشار ظاهرة التشرد
كما حدثنا الباحث الاقتصادي (فلاح حسن) استاذ في الكلية التقنية الادارية ان المستوى المعاشي للعائلة سبب من اسباب انتشار ظاهرة التشرد للاطفال حيث تلجأ بعض العوائل ذات المستوى المعاشي المتدني في زج ابنائهم في اعمال شاقة لرفع المستوى المعاشي لهم.حيث نلاحظ العديد من هؤلاء الاطفال يكونون مسؤولين معاشيا على عائلتهم بسبب فقرهم او عدم وجود معيل كبير لهم. ولو دعمت الدولة هذه العوائل وحسنت من مستواهم المعاشي لتلاشي هذا الجانب تدريجيا لتبدي العائلة نهجا اخر في تعليم وتطوير قدرات الطفل النفسية والصحية. كما ان هناك جانبا ثانويا اخر هو عدم وجود الثقافة العامة لدى العائلة وتخلفها يدفع الى دفع اطفالهم في اعمال غير مناسبة لقدراتهم الجسدية والنفسية ولو كان هناك وعي كاف للعائلة لما تفشت ظاهرة تشرد الاطفال وزجهم في اعمال المسؤولين التي هي بالتالي سبب في اغراق الطفل نحو عمليات الاجرام لعدم وجود قدرة ذهنية للطفل تساعده على معرفة السلوك العالي في المجتمع. لذا للثقافة دور بارزا في بناء عائلة صحيحة في مجتمع يسود فيه كافة طبقات التعايش الايجابية والسلبية.
...اخيرا...
على ضوء اراء الباحثين والاجتماعيين والاقتصاديين نرى ان ظاهرة تشرد الاطفال سببها المستوى المعاشي والثقافي للعائلة كما ان للدولة دورا كبيرا في تطوير المستوى المعاشي والاجتماعي للعائلة التي هي نواة المجتمع لذا نشد على ايدي المسؤولين في الحكومة لوضع مخططات اقتصادية واجتماعية لرفع المستوى المعاشي للعائلة الذي له دور كبير في رفع المستوى الثقافي للعائلة وذلك من خلال وضع مخصصات مالية للعوائل الفقيرة في المستوى المادي ووضع قوانين خاصة لحماية الطفل وتطوير القدرات الاجتماعية والمعاشية للعائلة ورفع الوعي الصحي لهم لان بناء مجتمع جديد يجب ان يبدأ في تكافل الدولة وتبنيها مخططات وقوانين صحيحة للعائلة والفرد. وكلنا امل في حكومتنا الجديدة ان تأخذ على عاتقها مسؤولية رفع المستوى المعاشي لمجتمع عانى منذ عقود طويلة بسبب سياسات ونهج مختلف للنظام السابق بعيدا عن تكوين الفرد والمجتمع الثقافي والاجتماعي والصحي.

http://www.albayaan.com/D_thkik.htm

بانتظار ما تقوم به الحكومة الجديدة....