من المسؤول عن التفتيت الجديد : الجابــري أم اليعقوبي؟
كتابات - عمار البغدادي
لم أكن أعرف نديم الجابــري طيلة ربع قرن من المواجهات الدامية التي خاضتها الفعاليات الإسلامية ضد الدكتاتورية في بغداد ولم أسمع باسمه إلا بعد أن هدأت الرنة وسقط النظام البائد وانكشفت الساحة العراقية عن أحزاب بالجملة وتنظيمات بالمفرق وتيارات طويلة عريضة لا عد لها ولا حصر!.
ومع احترامي الشديد لكل الفعاليات الإسلامية والوطنية العراقية لكن ينبغي القول أن حزب الفضيلة الإسلامي من بين الأحزاب العراقية التي تأسست بعد سقوط النظام ولم يكن هذا الحزب في الساحة العراقية. وليدلني فاضل في الحزب على وجود أو فاعلية سياسية أو ميدانية له قبل هذا التاريخ. وما نعرفه أن الأخ الجابــري كان طيلة الفترة السابقة أستاذاً للعلوم السياسية في إحدى الجامعات العراقية وكان يعمل ويمارس وظيفته الأكاديمية هذه من دون أن نقرأ شيئاً عن ملاحقة أو استجواب أو تحقيق أو مضايقة تعرض لها. في حين كان المعارضون العراقيون (في الخارج) يعملون كل من موقعه ضد النظام في كافة المحافل والمنتديات والجبهات التي شهدت حضوراً كثيفاً للمعارضة العراقية.
أقول، من غير اللائق والمستحب أن يصنف الجابــري كفاح العراقيين من أجل الحرية والعدالة والاستقلال وزوال الدكتاتورية بنفس تجزيئي وتفريطي على أساس (داخل) و(خارج) ويُدين بشكل واضح كفاح عراقيي الخارج مع أن التصنيف المذكور وفي المحصلة النهائية يدين الجابــري ولا يقف معه؟
إن الأخ الجابــري الذي شاءت الأقدار أن يكون في محيط الحركة السياسية الإسلامية (الائتلاف) لم يكن هو ولا حزبه يشكلان شيئاً في سياق المعارضة ضد الدكتاتورية ولولا الحالة الصدرية مرجعاً استشهادياً وقيادة سياسية شابة وشجاعة ولولا الأجواء الديمقراطية التي أتاحها الوضع الجديد للعراقيين لكان الجابــري للآن يمارس مهنة التدريس في إحدى الجامعات العراقية دون ضغط أو مضايقة وهذا ليس عيباً أو طعناً فيه. لأن الرجل وكما يبدو فضل (الداخل) ومارس (تقيةً مكثفة) جداً لئلا يضطر أن يكون من (الخارج) مع أنني لا أعلم إن كان الرجل مع هذا التصنيف أم لا قبل تطور الأوضاع في 9 نيسان 2003!.
وأقول لم يكن السيد الجابــري مضطراً للحديث عن الداخل والخارج وقد اختار (الخارج) طواعية عبــر دخوله قبة البــرلمان وهو موقع لم يكن في يوم من الأيام ليحلم به لو كان معارضو الخارج فضلوا الخارج ولم يعودوا إلى العراق. وللأسف الشديد فإن السيد الجابــري يعمل في السياسة بانتقائية شديدة كأي بــراغماتي في الدنيا فيأخذ من (الخارج) ما يريح حزبه ويريحه شخصياً إلى حد الإصرار على بقائه مرشح الفضيلة لرئاسة الوزراء ويهاجم (الخارج) عندما تتعلق المسألة بتوسيع هامش الدعوة إلى شخصه لهذا المنصب عبــر تسويق رسائل شتى للتيارات والكيانات والأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة خصوصاً الأطراف السنية للتأكيد على أنه أفضل الموجودين وهو الخيار الوسط الذي يمكنه تهدئة الأوضاع وتشكيل الحكومة والقضاء على المجموعات المسلحة وطمأنة السنة على دورهم في العملية السياسية.!!.
وأقول أيضاً:
هل كان السيد نديم الجابــري بحاجة لهذه المغامرة السياسية لكي يقنع الآخرين بصدقية دعواه ولو على حساب جهود المعارضة العراقية وتاريخ طويل من الضحايا والمعاناة والاغتيالات والمشاريع الوطنية والعمل الدؤوب لإسقاط النظام؟
وهل يصح أن يتحدث هذا الرجل وبهذا التوهين الواضح لتاريخ العمل الوطني العراقي في الخارج والداخل في حين كان يمارس حياته الطبيعية فيما أخوته في المعارضة العراقية كانوا يعانون الأمرين طيلة ربع قرن؟ ثم من أين أتى الجابــري بهذا المصطلح المشين وغير اللائق وكأن المعارضة العراقية لم يكن لها اتصال وتواصل وعمل حقيقي وتواجد فاعل في الساحة الداخلية؟
إن هذا (التهويش) أو (التهميش) لا يليق بأكاديمي وأمين عام حزب يفترض به أن يكون مطلعاً على الأوضاع العراقية وعلى دراية كافية بما كان يجري في زمن النظام السابق.
إنني هنا لا أريد أن أذكر الجابــري بالتحديد وليس حزبه (لأنني احترم الفضيلة والشيخ اليعقوبي وكوادره السياسية العاملة) بالوجود الميداني للمجاهدين في الأهوار وكردستان ومناطق في الجنوب العراقي بشكل فعلي لسنوات طويلة.
لقد كان المجاهدون العراقيون في فيلق بدر وفعاليات إسلامية أخرى يتواجدون على رقعة جغرافية في العراق بشكل فعلي وميداني ومستقر بما يعادل مساحة لبنان مرتين أي ما يعادل أكثر من (11) ألف كيلومتراً من مساحة العراق وإذا شاء الجابــري أن يتأكد من ذلك فبإمكانه أن يعود إلى التاريخ. إلا إذا كان الجابــري مثل غيره من معارضي الداخل ضد التاريخ!!.
وأتساءل:
أين كان نديم الجابــري حين خاض مجاهدونا العراقيون معارك شاخ شميران؟ وهل يتذكر تلك المعارك الشريفة التي تفانى فيها أخوتنا باعتراف النظام نفسه؟ عشيتها خرج صدام على شاشات التلفزة وقال بالحرف الواحد (هؤلاء أبناء العراق وهم يقاتلون كعراقيين) ما يعني أن النظام على ديكتاتوريته وظلمه وتجاوزه وعدوانه ووحشيته كان يعترف بعناد المجاهدين وأنهم أبناء العراق ولم يصنف صدام وقتها هؤلاء المجاهدين بوصفهم مجاهدي داخل وخارج.!!.
أين كان الجابــري أيام الحرب العراقية ـ الإيرانية وفي الملاحم التي سطرها مجاهدو (الخارج) على صفحات التاريخ على قلتهم ويفاعة أعمارهم؟ أين كان حين كان المجاهدون يحتمون بقصب الأهوار وأيديهم على بنادقهم فيما كان النظام يحيل هذه المساحات المائية المعقدة إلى رماد بفعل الكيماوي والأسلحة الثقيلة وهم بلا مأوى أو خنادق تحميهم من جحيم القذائف والكيماوي سوى (فلينات) تطفو على سطح المياه العميقة وسلاح خفيف. رغم ذلك سجلوا ملاحم لا تنسى بدمهم الزكي وكان هذا الدم الشريف الطاهر هو المسؤول عن حفر نقطة بداية زوال الديكتاتورية مع أنهم لم يكونوا يحلمون بموقع أو يتصارعون على منصب ولم يهلكوا أنفسهم لحظة من أجل بيت في الخضراء أو راتب في الجمعية الوطنية!!.
أنا أدعو السيد الجابــري إلى زيارة إيران للاطلاع على حجم ودور وفاعلية وعراقية ووطنية المعارضة في (الخارج) لكي يتبين له أن هذه المعارضة كانت معارضة الداخل والكثير من الذين يتشدقون اليوم باسم الداخل كانوا في (الخارج) أي خارج فضاء العمل الوطني الحقيقي!!.
أنا أدعو السيد الجابــري مخلصاً لزيارة مقبــرة مدينة قم الإيرانية ويسأل هناك (لأنه لا يعرف حقيقة فاعلية الخارج) عن مقبــرة الشهداء العراقيين. ليطلع على تاريخنا المدفون في مقابــر الغرباء. إن هؤلاء الفتية الذين تحاول تهميشهم هم الذين أوصلوك وأوصلوا غيرك (على المرتاح) إلى المواقع العليا في البلاد مع أن أيّ عراقي لو أجرى مقاربة بسيطة ما بين فعل المجاهدين في الخارج وبين (فعلك) لاتضح الفارق الشاسع ما بين حديث الصالونات البعيدة عن المحارق ولهيب النيران ورائحة البارود وبين العملية الجهادية الكبيرة التي أداها الاستشهاديون العراقيون على امتداد زمن المحنة.
هنا أطالبك باعتذار خطي وشفاهي لكل قطرة دم أهرقت في الخارج. ولكل قطرة دم مقدسة سالت ساخنة على حدود زرباطية والبصرة والكوت والعمارة حيث كان مجاهدونا يشتبكون مع مفارز النظام فيسقط الشهداء منهم وهم بالمئات ويعود الآخرون إلى مواقعهم بانتظار العودة ثانية إلى الداخل.
نعم ـ من السهل عليك وأنت تنعم بترف المنطقة الخضراء أن تتحدث للشرقية بما لا يليق بتاريخ المجاهدين وسنوات الجمر لكن من الصعب عليك أن تمرر هذه (الكذبة) على التاريخ. لأن التاريخ هو الشاهد على (غيابك) و(حضورهم) و(اختبائك) و(علنيتهم) مع أن هؤلاء المجاهدين لا يحتاجون أي أحد لتأكيد الصدقية والنظافة الجهادية والوطنية الحقة. وهل يحتاجونها أمام (الأستاذ) الذي أمضى سنوات طويلة مدرساً في بغداد وبينه وبين رائحة البارود بعد المشرق عن المغرب؟!.
لست أنا الذي يطالبك بهذا الاعتذار ـ بل عوائل شهدائنا الذين سقطوا في معارك الشرف وإذا كان الأخوة في الائتلاف لا يفاتحونك لغايات ومصالح انتخابية وضرورات سياسية لكن هذه العوائل لن تنظر إليك بوصفك المؤتمن على التاريخ ودماء الشهداء ودور الحركة الإسلامية في مقارعة النظام البائد بل بوصفك من أدعياء الوطنية حيث تسعى بكل ما أوتيت من دهاء وتزلف وممالئة الأطراف السياسية لتحقيق مآربها ولو على حساب التاريخ والدم المقدس وجهود الخيرين من أبناء العراق.
طبعاً أن لا ألومك فيما ذهبت إليه من طروحات (عملاقة) وآراء متنورة وأفكار سديدة لأنك ـ أساساً لا علاقة لك بالتاريخ والقاعدة تقول أنك (تشمئز) من أي طرح فيه شيء من التاريخ بل لا تشارك أي أحد شيئاً يشم منه رائحة بارود في ساتر ترابي أو ملتقى أو مؤتمر لقوى المعارضة العراقية. لكن ذلك لا يعني أن تندفع باتجاه إطلاق النار على التاريخ وهو أغلى ما لدى المجاهدين أمام شعوبهم.!
هل من أجل موقع رئاسة الوزراء تنال من تاريخ الناس أم أنك فعلاً تدرك (أخطار) وصول عبد المهدي أو السيد الجعفري لهذا الموقع على مستقبل العراق؟
وأي عراق تريد تطويره وتهدئة خواطر العراقيين فيه وأنت تسحق بأقدامك على (الممهدين) لهذا المستقبل من الذين عمدوا بدمهم أروقته وترابه؟
إن هدوء الطرح واستغلال الظروف الأمنية والسياسية الملتبسة التي تعيشها الساحة العراقية وانتهاز فرصة الجدل الدائر حول منصب رئيس الوزراء لن يتحول إلى رافعة حقيقة لك ولا لحاشيتك الممهورين بخاتم الدعوة لك.
إن الهدوء وتسويق التطمينات ورفع شعار الوسطية والاعتدال هي قوانة مشروخة لن تجعلك في الموقع الذي تحلم به. أتدري لماذا؟
لأن الذين يمسحون بمناديلهم دم المجاهدين على تراب قم وزرباطية والبصرة وتضحيات شبابنا في كردستان والخلايا السرية التي كانت تعمل طيلة مراحل الكفاح الطويلة ويحاولون شطب التاريخ بجرة قلم أو عبارة عابــرة لن يوفقوا في أخذ مكانتهم بين الناس ودونك قصص التجارب والأحزاب وسير المتسلقين والمنتفعين وتجار الاعتدال وضباط الوسطية وأساتذة الواقعية.
وعلى ذكر السيدين الجعفري وعبد المهدي أود أن أقول لك:
لو أن انتفاضة شعبية كالتي جرت في 15 شعبان عام 1991 هي التي أسقطت النظام السابق وليس القوات الأميركية ـ وأنت تعلم نفوذ الإسلاميين وقياداتهم فيها ـ هل كنت تجرأ على المضي بنهج التصنيف السابق؟
ولأنني لا أنتظر منك جواباً منصفاً أقول:
رغم أنك لم تكن موجوداً في ساحة الفعل السياسي والميداني المعارض للنظام آنذاك لكنك لن تجرأ أبداً على تصنيف الساحة بعد ذلك إلى داخل وخارج.
إن الذين تقف اليوم مرشحاً أمامهم لم يتحدثوا عن (داخل متخاذل) و(نخبة ساكتة) مع أنهم وبعد تصريحاتك الفارغة من حقهم أن يذهبوا مع هذا التصنيف إلى أقصاه.
نعم لقد كنت في عداد الداخل المتخاذل والنخبة الساكتة، مع أنني بالتأكيد لن أقصد كل الداخل ولا كل النخبة بل أقصد تلك النوعية من النخب والقطاعات الانتهازية التي تعيش على معاناة الناس وتستثمر بــروح ذئبية ظروف العراق الحرجة لغايات شخصية.
نعم.. لو كانت انتفاضة آذار حققت أهدافها لما كنت في موقع المنافس لهاتين الشخصيتين اللتين عملتا ـ كل من موقعها ـ لسنوات طويلة في الداخل والخارج من أجل خلاص العراقيين. أقول هذا الكلام ليس من موقع المستفيد من أحدهما بل لدي مسافة من الملاحظات على الأداء والطريقة. وهذا شيء طبيعي.
أعود فأقول:
1 ـ إن حديثي هذا هو مع الجابــري وليس بالضرورة مع حزب الفضيلة. وأدعو الحزب وعلى رأسه الشيخ اليعقوبي أن يراجع تصريحات الجابــري المسيئة ويعكف على معالجة الآثار السيئة التي تركها في الشارع الإسلامي والوطني.
2 ـ لا تنكأوا جراح الماضي لأنكم لن تحصدوا سوى الريح وربنا عز وجل يقول في كتابه (السابقون السابقون أولئك المقربون).
3 ـ إن كل ما لديكم هو من تراث المجاهدين وتاريخهم وإذا كان الجابــري يصنف التاريخ إلى داخل وخارج فنحن نعتبــر التاريخ كل لا يتجزأ. أي أننا نعرف تاريخ (الداخل) مثلما نعرف بالأرقام تاريخ الخارج.
4 ـ إذا أراد حزب الفضيلة أن يستثمر خلاف الائتلاف مع القوائم والكيانات الأخرى في المجلس النيابي فمن حقه ذلك شريطة أن يكون صادقاً مع نفسه وأن لا يبخس حقوق المجاهدين والقيادات الإسلامية التي قاتلت الدكتاتورية في زمن الموت في الأقبية والمقابــر الجماعية وغرف التحقيق السوداء وفي وقت كان الكثيرون يتجنبون الخوض في أوضاع البلد ويعتبــرون التقية دينهم وقبلتهم قبل أن تتحول المنطقة الخضراء قبلةً ودولارات الجمعية الوطنية دينهم والنزوع الشره نحو السلطة ديدنهم وشغلهم الشاغل.
5 ـ أدعو سماحة الشيخ اليعقوبي أن يكون واعياً لأساليب بعض قيادات حزبه وأطماعهم الشخصية فيعمل على إجراء إصلاحات (ديمقراطية) حقيقية تطال الهرم والخطاب وطريقة معالجة مشاكل الحزب الداخلية مع يقيني أن سماحته لن يألوا جهداً في هذا السبيل ولن يكون آخر من تصله افتراءات نوابه وقيادات حزبه على تاريخنا وتجربتنا وتضحياتنا المقدسة.