النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: من وحي عاشوراء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي من وحي عاشوراء

    [align=center][align=center]من وحي عاشوراء [/align]
    [align=center] [/align]
    أرض السواد : غريبي مراد عبدالملك*

    مدخل :[/align]


    ما زلنا نستنشق نسيم كربلاء ،و ما زلنا مع أبي عبد الله الحسين عليه السلام ،و لابد لنا أن نبقى في رحابه دائما، لان البقاء مع الإمام الحسين عليه السلام، بقاء مع رسول الله (ص) و مع الله تبارك و تعالى و إنفتاح على الطهارة و الصدق والإخلاص و العصمة و الرحمة و الأمانة و الشهادة، لأن الإمام الحسين عليه السلام من رسول الله (ص)، كما ورد في الحديث النبوي الشريف المتواتر عند كل المدارس الإسلامية إلا من جحد و استكبر عن هذه الحقيقة الكبرى : "حسين مني و أنا من حسين ".

    و نبقى مع أبي عبد الله الحسين (ع) لنستلهم كيف نتحدث للناس عن الإسلام الحق في الفكر و الثقافة و السياسة و الاجتماع الذي نقدمه لعقولهم و قلوبهم و واقعهم و أحوالهم لتتوازن و تستقيم و تهتدي و تستجيب لله و للرسول لما دعاهم إليه من حياة كريمة...

    و لابد في هذا المجال ، أن ندرس المبحث الحسيني- عندما نريد قراءة شخصية الإمام الحسين (ع) قراءة جديدة تنهض بواقعنا من كبوته و تنهض بمجتمعاتنا من التخلف إلى التمدن الإسلامي –دراسة تحليلية راشدة، بعيدا عن كل الإستغراقات النفسية التي تنطلق من خلال التراكمات السوسيوثقافية للأزمات التاريخية. لأننا ورثنا من عهود التخلف أسلوب الحوار على طريقة الجدل البيزنطي، فكان التخلف ...الجهل ...العصبية هو طابع الواقع الإسلامي بحيث دوما نخنق الإيجابيات من خلال ملأ الساحة الإسلامية بإثارة السلبيات .



    كان لابد من هذه التوطئة حتى ندرس سيرة الإمام الحسين (ع) جيدا، و نرصد كيف كانت رحابة عقله و رزانة فكره و حلم حراكه و إشراقة إسلامه و وجاهة صبره ؟ و كيف كان يحمل مسؤولية الإسلام و المسلمين في عقله و قلبه و آله عليهم الصلاة و السلام؟

    إذا كنا نحب فعلا و واقعا الإمام الحسين عليه السلام و نحيي يوم شهادته بكربلاء كل سنة، ينبغي أن نطلق في هذا اليوم الحزن الإسلامي الذي يصنع الفرح الإسلامي و يجعل من الإبتلاء مدرسة للإستقامة ، لأن كربلاء جامعة للحكمة الإسلامية و بستان لأزهار الثقافة الإسلامية و مكمن الثروات الروحية و العرفانية الإسلامية. لهذا لابد أن تكون ذكرى الإمام الحسين عليه السلام إنطلاقة جديدة للعلماء و المفكرين و المثقفين و الأدباء لأجل بناء و تنمية المناهج البحثية الخاصة بموضوع الإصلاح الإسلامي فكرا و عملا(سلوكا).

    حتى يستوعب المسلمون الإصلاح في الفكر و الثقافة و السياسة و الإقتصاد و الإجتماع و في فهم الكون، من خلال فصول مقياس الشهادة في جامعة كربلاء الحسين عليه السلام.

    و في ضوء ذلك، نجد أنه ليس لدى الإمام الشهيد الحسين عليه السلام شيء في الفكر و في السياسة و في الإجتماع و في الثقافة و في الحركة ككل إلا الخط الإسلامي الأصيل.فكان الحسين عليه السلام إماما بكل ما تحمل الكلمة من معنى و بكل ما تتسع له الكلمة في أبعادها الثقافية و السياسية و الاجتماعية و الإقتصادية و التربوية و الإعلامية و الإستراتيجية، فكان أسلوبه العملي يتمثل أسلوب رسول الله (ص) أعظم تمثيل. و في بعض أحاديثه عليه الصلاة و السلام قال:( أيها الناس قال رسول الله (ص) قال:" من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباده بالإثم و العدوان فلم يغر عليه ،بقول و لا بفعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله" ،ألا و إن هؤولاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمان و اظهروا الفساد، و عطلوا الحدود و استأثروا بالفيء و أحلوا حرام الله و حرموا حلال الله و أنا أحق من غير...)(1)إن حديث الإمام الحسين عليه السلام هذا، جاء بصيغة النداء المبني للرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، حيث يعطي حقيقة العلاقة الجوهرية بين شخص النبي الأكرم (ص) و الإمام الحسين عليه السلام من جهة ، و صفة التحليل التربوي للمفاهيم السياسية كالقيادة و المسؤولية في مدرسة أهل البيت عليهم السلام من جهة أخرى، من خلال توسيع دائرة المطارحة و الاستقصاء للمآزق التي تعوق حركة المجتمع الإسلامي في نشدانه للمطلب الحضاري القرآني. و أول ما نلاحظه في مستهل هذا الخطاب النبوي الحسيني ، أنه لابد منا التحديق في البطولات و الأدوار بالإضافة لتحديقنا للأبطال ، لأجل اكتشاف و تقصي خصوصية الخط الذي يمثله هذا الشخص البطل، فرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حدد لنا ملامح القيادة السيئة التي تفرض نفسها على الواقع الإسلامي و التي تستقطب الناس لخطها الانحرافي و تحجب عنهم الخط الإسلامي الأصيل.

    ثم يتحدث الإمام الحسين عليه السلام بعد تبليغ الحديث النبوي ، بأسلوب يضفي على المسألة بشيء من التفصيل و التحليل و التبسيط و التحريك أو بشيء من الحركية الرسالية الواقعية التي تتصدى لها الإمامة عند قصور القوم عن وعي مضمون النبوة بالنسبة لحراكهم العام في الحياة أو نكوصهم عنها أو تناسيهم لها.

    حيث انطلق الإمام الحسين عليه السلام لتوصيف الواقع من خلال إسقاط النظرية الإسلامية النبوية عليه لمكاشفته، فبعد أن كان الحديث عن القائد أصبح حديثا عن الانحراف الذي صنع نظاما و أجهزة تخدم مصالح هذا النظام و تحمي أهدافه الإستكبارية.

    من خلال ذلك نفهم ، أن الشخص القائد الذي يكون سلوكه سييء في حركة القيادة للحكم، إذا إلتقى بمجتمع لا يبالي بواقعه أكان إسلاميا او غير ذلك ، فإن هذا الواقع حتما يكون واقعا غير إسلامي، لأن شروط ذلك-التي حددها الرسول الأكرم (ص)- قد توافرت...

    بعد هذه الإرهاصة الثقافية السياسية أو النظرية النبوية الحسينية لمفهوم القيادة بصيغة واقعية ، جاءت المسؤولية الإسلامية لإنتاج التغيير ، حيث قدم الإمام الحسين عليه السلام نفسه على انه الرمز الأول و الأجدر و الأصلح القادم للتغيير لا لتغيير الشخص و لكن لتغيير اتجاه القيادة و تقويم انحرافها على مستوى الشخص كقمة الهرم الانحرافي من ناحية و المجتمع كهيكل انحرافي من ناحية أخرى ، و هذه الحقيقة نستشفها و نستوحيها في عدة مشاهد قصصية قرآنية ، مما يركز لدى المسلم النبيه و السامع عن الإمامة و الولاية ،أن الحراك الرسالي الإمامي معصوم طاهر، دائم الاتصال بالبصائر القرآنية والإمام هو العالم الوحيد بعد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم بكنهها في كل تفاصيل حياته ، لان الإمام بكله يعبر عن الإسلام الحقيقي ...

    من خلال ما تقدم أيها الأحبة، نفهم أن الإمام الحسين عليه السلام، العيش في رحابه الطاهرة و استحضار ذكراها الزكية العطرة يعلمنا المعالم الأساسية و السبل الكفيلة و العناوين القادرة على تحديد الطاغية و مواجهته و تغنينا أحاديثه عليه السلام بأساليب و مناهج الحراك التغييري و مبادئه حتى لا نستغرق في شخص الطاغية و نتناسى سمومه و أجهزته المنتشرة في المجتمع ، و حتى لا نغفل عن الناس الذين يعشقون الذل و الهوان و يخدمون الاستكبار و المستكبرين. إن مسألة القيادة و مسؤولية التغيير مطالب نستوحي جل أبعادها و أسسها و ثقافتها من حركة الإمام الحسين عليه السلام لأنها الحركة العظيمة التي أغنت و تغني الوعي السياسي الإسلامي في مواجهة الظلم و الانحراف من جانب و ثقافة الإصلاح الإسلامي من جانب آخر ، بحيث نخطط لإسقاط رأس الهرم الإستكباري و قاعدته ، لا أن نخطط للرأس و نطمئن للقاعدة، التي تحتضن ألف طاغية و طاغية .و نبقى نلف و ندور مع مسلسل الثورة و الطاغية الشخص بدلا عن الثورة و الطاغية الفكرة (الطغيان)؟

    أحبتي ، كربلاء هي النظرية التطبيقية الإسلامية للثورة على الطغيان في الواقع الإسلامي عبر الزمن الإسلامي، لذلك نريد لكر بلاء أن تبقى في حياتنا من خلال بقاء الثقافة الحسينية النبوية القرآنية في وعينا واجتماعنا و إعلامنا وتبقى المفعل الثقافي الأساسي لكل مشاريعنا الإصلاحية...لأن الإمام الحسين عليه السلام عندما أراد الإصلاح في أمة جده رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم درس الواقع الإسلامي كله،بقيادته الفاجرة و الفاسقة و بمجتمع هذه القيادة المارق و الماجن و المنافق ، دون الإشارة إلى مواقع الفساد و الانحراف و التخلف و العصبية و الظلم ككل لأن الفساد كان شاملا و متجذرا ، مما فرض عليه أن ينتج إصلاحا شاملا عظيما للتاريخ الإسلامي كله...

    كربلاء هي : إحدى مصاديق عنوان الإمام الحسين عليه السلام و التي تختزن حركة إسلامية إنطلقت من عناوين إسلامية كبرى كالحوار و الثبات و اليقين و الإخلاص و الصدق و الأمانة و التوكل و الرضا و ما هنالك من قيم إسلامية كلما ذكرناها إستحضرنا شخصية أبي عبد الله الحسين عليه السلام كما نستحضر جده النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و أبوه أمير المؤمنين عليه السلام و أمه الصديقة الطاهرة المعصومة عليها السلام و أخوه المجتبى عليه السلام و أخته العقيلة عليها السلام و الأئمة الأطهار عليهم السلام من ولده. حيث نجده عليه السلام حاور كل الناس من المدينة حتى كربلاء ،حاور الحر بن يزيد الرياحي و أهل الكوفة و الذين جاءوا ليقتلوه باسم الإسلام و هم أعلم بأنه هو الإسلام الإنسان ،بعد أن حاولوا أن يفرضوا عليه الخضوع لحكم الظالمين يزيد و بن زياد...هناك قال قوله الشامخ شموخ الجبال الراسيات، الخالد خلود الإسلام لان كلامه صميم روح الإسلام و من كان ذاته من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لا يجعله الله عز وجل ينطق عن الهوى، بل ينطقه بالحق الذي يستمد من الوحي سر خلوده :"لا و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أقر لكم إقرار العبيد..."(2).

    إن عاشوراء في كربلاء الأرض و كربلاء التاريخ، تريدنا أن نحييها في كل مكان ينطلق فيه الظلم و الإثم و العدوان و الاحتلال و الإستكبار، إن عاشوراء نحييها من خلال أجيال الشباب العاشقة للحسين عليه السلام و الصادقة في تشيعها لأهل البيت عليهم السلام، الشباب الرسالي الذي يبيت الليل عابدا لله و شاكرا نعمه و ينطلق في الفجر ليواجه الإستكبار بالجهاد الثقافي و السياسي و الأخلاقي و الإعلامي و الاقتصادي و الخيري و الإستشهادي في جنوب لبنان و فلسطين المحتلة و كل بلاد المسلمين بل كل العالم، هذا الشباب الذي من حقه أن يقول أنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و الإمام الحسن عليه السلام و الإمام الحسين عليه السلام و الأئمة الأطهار من ولده عليهم السلام و من حقه أن يتحدث عن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، لأنه يتحرك وفق الخط الإسلامي الأصيل.

    إن تاريخ عاشوراء لن يتوقف في زمن السنة الهجرية 61 ، لأن مسألة عاشوراء أوسع و أكبر و أهدى من كل الحدود و النسبيات لأنها عنوان إسلامي رباني ممتد مع الواقع الإسلامي و الحياة كلها، يواجه الكفر الثقافي و الكفر السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الإعلامي و العسكري من خلال الثقافة الإسلامية العملية التي يشعها في بداية كل سنة إسلامية جديدة من تاريخ الهجرة النبوية الشريفة في نفوس و عقول المسلمين الصادقين و المخلصين ...

    إذا عاشوراء فكرة إسلامية تريد من الإنسان المسلم أن يتربى في رحابها على مواجهة الأمور برؤية إسلامية أصيلة و منطق إسلامي دقيق، و هناك نقرأ الفرق بين الإنسان المؤمن و الإنسان غير المؤمن...

    لنتأمل عاشوراء بصدق و وعي و إيمان و نلج إلى أعماق كربلاء القيمة لنفهم لعبة الإستكبار العالمي في الواقع الإسلامي.

    أيها المسلمون النبهاء، عاشوراء الحسين عليه السلام سر من الأسرار التي تتحدث عنها هذه الآية الكريمة:" و ما يلقاها إلا الذين صبروا و ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" (فصلت/34-35)



    الهوامش:

    (1)الكامل في التاريخ: ج2 ص552

    (2)بحار الأنوار ج 45 ص 9


    -------------------------
    (*) كاتب و باحث إسلامي جزائري

    islamo04@hotmail.com





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    الدولة
    العراق - الديوانية
    المشاركات
    33

    افتراضي

    نرفع الى مقام الامام الهمام المنتظر احر التعازي بمصاب ابي الاحرار الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام ..
    بارك الله فيك اخي على هذا المجهود الرائع وجعلك الله من انصار الامام الحجه ومن المستشهدين بين يديه..

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center]من وحي عاشوراء [/align]

    [align=center]أرض السواد : غريبي مراد عبدالملك[/align]

    لقد جاء في بعض الأحاديث: إن الناس يجتمعون يوم القيامة، فينادى: أين أهل الفضل؟ فيقوم جماعة من الناس و يقولون: نحن أهل الفضل، فيقال لهم: ماذا كنتم تفعلون في الدنيا ؟قالوا: كنا نحب في الله و نبغض في الله فيقال لهم: ادخلوا الجنة بغير حساب.
    على هذا الأساس ننطلق هذه الأيام في تربص روحي، تربوي، أخلاقي، سياسي أو بكلمة تربص إسلامي أصيل، تربص ليس بالجامعة الأمريكية أو الفرنسية أو البريطانية و لكن بجامعة كربلاء، الجامعة التي عميدها إمام من أئمة المسلمين و سيد شباب أهل الجنة، حيث نستثير في رحابها ذكرى الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد عليه الصلاة و السلام و الصفوة الطيبة من أهل بيته و أصحابه الكرام...

    إنني أدعوكم أحبتي إلى القيام بزيارة روحية علمية أخلاقية لجامعة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، من خلال إسراء روحاني تاريخي هادف و رسالي نتعلم فيه أنه عندما نريد أن نحب أحدا نحبه على أساس قربه من الله و عندما نبغض أحدا نبغضه على أساس بعده عن الله.و ثورة الحسين عليه السلام هي نبراس منير في ذلك كله و أكثر من ذلك على امتداد التاريخ الإنساني و الزمن الإسلامي، كون خطها و مضمونها و التحديات التي تتمثل فيها و من روحيتها نستوحي كل نشاطاتنا الإسلامية العملية.لأن قائد هذه الثورة سيد شباب أهل الجنة و شخصه في كل ما عاشه و ما قاله و ما فعله و ما أوصى به المسلمين يمثل الشرعية الإسلامية...

    و حتى نكون من أهل الفضل لابد أن نجسد التشريع الإسلامي و نستقرؤه من خلال استحضار ذكريات الإمام الحسين عليه السلام و أهل بيته عليهم الصلاة و السلام لندرس كل المفردات التي طرحوها في الساحة الإسلامية. لأن الكثير من الناس يخسرون صفة الفضل، كونهم لم يأسسوا علاقاتهم على أساس إسلامي رصين مما جعلهم يتصورون علاقتهم بالحسين عليه السلام كعلاقة بثائر و فقط و يتغاضون عن حق الحسين في المنظومة الإسلامية و ثقل وزنه في المعادلة الحضارية الإسلامية، فيركزون على الحرب و القتال و ما يتعلق بمعركة كربلاء المباركة، دون الإلتفات إلى الأساس الرئيسي لخروج الحسين عليه السلام و تجسيده للقيمة الإسلامية أعظم تجسيد أقصد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الذي نال به وسام بقاء ذكره بذكر الإسلام المحمدي، و هذا النكوص عن الحقيقة الإسلامية التي تجسدت في شخصية أبي عبد الله الحسين عليه السلام لا لشيء سوى لأن القوم لا يقدرون أن يذكروا بني أمية بسوء ،و يزيدهم الشيطان طغيانا و غيا بأن يلوموا أبي عبد الله الحسين عليه السلام على خروجه و هو حجة الله في أرضه ، سبحان الله ما لهم كيف يحكمون؟

    في هذا الإطار، أيها الأحبة، لابد أن نرفض الكثير من الكلمات المسؤولة و الغير مسؤولة التي يوصف بها الإمام الحسين عليه السلام و كذا الخانات التي توضع فيها شخصية الإمام عليه السلام، بل لابد أن نقول للعالم الإمام الحسين عليه السلام عاش و تكلم و تحرك و قاتل وتصدى للواقع على أساس ديني إسلامي أصيل، لا عن إجتهاد، بل كان و لايزال و سيبقى الحسين عليه السلام قائدا و رائدا للإصلاح الإسلامي و إمام المسلمين عبر التاريخ الإنساني و الزمن الإسلامي.

    و حبنا و ولايتنا للحسين عليه السلام، معناها أن ننطلق من ديننا و تشريعنا و إخلاصنا لله و للرسول صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين عليه السلام و المعصومة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام و للحسن المجتبى عليه السلام و للحجة عليه السلام و عجل الله فرجه الشريف، ليس حبا و ولاية نتقولها بالألسن و ننكرها بالجوارح و بالسياسة، إنها كما كل المودة و الحب و الولاية للنبي الأكرم و أهل بيته الأطهار عليهم السلام أمر تعب مستتعب لا يقدر على حمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان...

    و الإمام الحسين عليه السلام، أبدا لم يكن شخصية شيعية بل المسلم الصادق الأمين الأسوة الحسنة و الإمام المجتبى، بل القضية أن شيعة أهل البيت عليهم السلام إرتبطوا بالحسين عليه السلام و أئمة الهدى عليهم السلام من خلال إنتمائهم للإسلام شكلا و مضمونا و التزموا بالإسلام عقلا و قلبا و انتماءا و تاريخا و ليس وراثة أو نسبا أو جغرافية بل عرفوا الإسلام الحقيقي و أئمته عبر التاريخ كما عينهم الله و نعتهم رسوله الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، مما فرض عليهم الانطلاق في رحاب قادة أهل الفضل و سادتهم عليهم السلام.و المسألة كلها أن الله سبحانه و تعالى جعل للإنسان على نفسه بصيرة و شرف المسلم بعقيدة و شريعة تحرك معادلة الإسلام في وجوده كله(معادلة الثقلين).

    أيها المسلمون، الارتباط بالحسين عليه السلام مسألة صعبة جدا، لأن ذكرى عاشوراء تريد للمسلم أن يتمرد على عصبياته الذاتية و العائلية و السياسية و الطائفية، إنها الثورة على العصبية الجاهلية و على الظلم الإستكباري، و من ثمة تكون النتيجة الدخول إلى الجنة بغير حساب.

    سوف نبقى نحلق على طول هذه الأيام المباركة و حتى بداية شهر صفر في أجواء كلمات الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام لنفهمها و نتصور من خلالها خصوصيات الثورة الحسينية كخطوة متقدمة في المسيرة الإسلامية و الثورة الإسلامية و الحركة الإسلامية و الخط الإسلامي، التي وضع معالمها و أركانها و خطوطها الأساسية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين عليه السلام و الصحابة الكرام و الحسن المجتبى عليه السلام و أرادونا نسير عليها كما سارت عقيلة أهل البيت عليهم السلام السيدة زينب عليها السلام و من بعدها أئمة الهدى عليهم السلام و شيعتهم عبر التاريخ، حتى نلتقي بالحجة ابن الحسن صاحب العصر و الزمان عجل الله فرجه الشريف و عليه الصلاة و السلام.

    من هذا كله، ليس التشيع للحسين عليه السلام تشيع لشخص بل تشيع لإمام مجتبى و لشريعة سمحاء و لخط إسلامي أصيل، كما أن إحياء ذكرى واقعة الطف هو تجديد البيعة للثائر الإسلامي من اجل الحرية الإسلامية التي حدثني عنها ذات يوم أحد شهداء المدرسة الحسينية في هذا الزمان الشهيد حسين معن تلميذ الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في كتابه (الحرية في الإسلام).

    إن هذا المنطق المحمدي الوجود، الحسيني البقاء، المهدوي الظهور و البزوغ، شأنه شأن المعجم الذي يكون ملاذ طلاب المعرفة الإسلامية العملية الصافية و العطرة، فهناك مفاهيم في الثورة الحسينية يجب أن نعيها و نركزها في نفوسنا حتى لا نجعل من مسألة كربلاء عنوان تاريخي جامد حبيس المجلدات، لان أئمة أهل البيت عليهم السلام إنما أرادوا منا أن نبقى مع كربلاء الحسين و العباس عليهما السلام و كل الشهداء طوال هذه القرون و حتى نحرر نفوسنا و عقولنا و قلوبنا و مجتمعاتنا من قيود الاستكبار و جرائمه و من حب التخلف و العبودية و الضلال و الجهل و الرضا بها، أرادونا أن نحرك ذلك كله من خلال دراسة مجتمع كربلاء، فسب يزيد و بن زياد و أذنابهم و البراء منهم يستدعي منا معرفة منطق يزيد و ذهنية مجتمع يزيد، حتى نقدر على فك ألغاز تخلفنا و شتاتنا و جبننا، و حتى يكون بغضي ليزيد ليس للشخص فقط بل للفكرة اليزيدية و الفرعونية ككل، هذا ما يجب أن نفكر فيه عندما نريد أن نستحضر ذكرى الإمام الحسين عليه السلام إسلاميا.

    الإمام أبي عبد الله عليه السلام قاتل من موقع رسالي كما قاتل والده أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان يرجو لو أن عدوه يهتدي إلى سبيل الرشاد فيحقن الدماء بالرجوع عن غيه.هكذا كان الحسين عليه السلام ينصح و يعظ و يرشد بروح إسلامية حتى في ليلة العاشر من محرم كما ورد في الآثر. بينما أهل الإرهاب في عصرنا يقاتلون من موقع ذاتي، عائلي، طائفي، سياسي، من خلال العقدة و من خلال الاستعباد و من خلال الجهل و التخلف. ما عسانا نقول لهم سوى ما قال مولاي و سيدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام: "لي عملي و لكم عملكم".

    أحبتي، هذه نظرة خاطفة عن الجامعة الحسينية، التي تقول لنا: " فلم يبعد من كان الحق نيته" ( البحار ج 44 ص365، رواية 3، باب 37) توحي لنا أن نبحث لنعرف الحق و كربلاء بحق كانت معادلة متنوعة المجاهيل منها الموجب و منها السالب، صعب حلها و لكن يظل عنوان الحسين عليه السلام رائد الإصلاح الإسلامي هو الحل الوحيد الواجب معرفته أحسن المعرفة من الناس أجمعين لحل معادلة الإستكبار و الإستبداد و التخلف ككل.

    أيها الإخوة، جميعا، علينا أن نكتشف كيف نتشيع و علينا أن نكتشف هل فعلا نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام و نكتشف أعداء التشيع من هم ؟ ليس عدونا الجواني فقط ، و لكن الذي يترصد تخلفنا و انحرافاتنا،كي يسقط روح الثورة في نفوسنا و يسقط روح الإسلام في حياتنا و يسقط كل الحياة الكريمة.

    لأن العهد الذي عاهدنا عليه الحسين و أصحابه و من قبل الله و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة الزهراء و الحسن عليهم السلام و في ذلك أئمة الهدى عليهم السلام و في هذا ما نعاهد عليه كل يوم جمعة بعد صلاة العصر الحجة عجل الله فرجه الشريف.هذا العهد كله هو عهد الله، الذي لابد من الوعي بالوفاء به ، من خلال تقوية حركة الإصلاح الإسلامي في نفوسنا و عقولنا و قلوبنا و بيوتنا و مجتمعاتنا لأنه كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم : كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته.

    ليس من عادتي أن اكتب عن عاشوراء بهذه الصراحة و الإنفتاح، و لكن واقعنا الإسلامي يشعرني بالخطر القادم بإتجاه مستقبل المسألة الحسينية، كما أخشى أن تكر السبحة و نبقى نبكي و نتباكى و نتقاذف التهم و السباب و التكفير و نصرخ صراخ العاجزين و يبقى الإعلام الرسالي مشروع رهن الأدراج و يبقى علماء الدين يتحدثون عن البراء و الولاء و الأعذار و الأخطاء، دون الإلتفات للقلاع الإسلامية التي نفقدها واحدة تلو الأخرى على أساس الواقعية و القضاء و القدر الذي ساء فهمه.

    أريد فقط أن اختم بكلمة، إن الحسين عليه السلام لبى نداء أهل الكوفة صورة بينما روحا لبى نداء الله فهل شيعة الحسين عليه السلام و من يعتقدون ولايته و إمامته و ولاية و إمامة أجداده و أولاده عليهم الصلاة و السلام، بإمكانهم تلبية نداء المستضعفين (الشيعة و السنة) في العراق و أفغانستان و فلسطين و شمال إفريقيا و شمال الصين و أروبا الشرقية و في العالم ككل.

    لا نريد إجابة الآن، بل إجابة مصداقا لقوله تبارك و تعالى:" و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون" (التوبة /105)

    (*) كاتب و باحث إسلامي جزائري

    islamo04@hotmail.com





  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center][align=center]من وحي عاشوراء (3)[/align]

    أرض السواد : غريبي مراد عبدالملك[/align]

    مدخل :

    لا شك أن الحديث عن عاشوراء يثير العديد من الأسئلة الكبرى و التحديات العظمى ، مما يفرض علينا أن نعمل على أساس أن ننتج إجابات حقيقية و واقعية لهذه الإشكالات و التحديات...فليس ناجعا التهرب من أسئلة عاشوراء و تحدياتها بالنسبة للمسلمين كافة ، لأننا في نهاية المطاف نركن إلى مطارحات عاشوراء لنعيش القلق النفسي من خلال طبيعة القراءات الواعية لثورة الإمام الحسين عليه السلام ، حيث نتذكر يوم القيامة الذي يخلق بداخلنا حركة رجاء عفو الله و رحمته،مما يمنعنا عن المعصية و يدفعنا إلى طاعته سبحانه و تعالى.

    و كما يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "لا يغرنك الناس من نفسك، فإن الأمر يصل إليك من دونهم"(1).

    هذا الجو يستشعره بكل تأكيد كل مسلم مسؤول دون غيره و بحق في حياته الإسلامية، خصوصا في أيام عاشوراء، لان قدسية تلك الأيام لا تنال و لا تلتمس كما لا يجنى ثمرها من قبل المسلمين الغارقين في الدنيا و الناسين الآخرة، بل أهل عاشوراء هم مسلمون استقام أمرهم في طريق الله ، و انفتحت حياتهم على الله ، فلحقوا بركب الحسين عليه السلام روحا و فكرا و سلوكا و خوفا و رجاءا ،أو قل مسؤولية.

    ترى لماذا مطلوب أن نعيش هذا الجو؟

    الجواب سهل ممتنع، لأن الله تعالى تحدى في القرآن اليهود، و بالتحديد في سورة الجمعة التي ننطق كلمات آيها دون أن نعيش في رحاب مقاصدها و أبعادها التربوية و الرسالية: " قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" ( الجمعة /6)، جلي للكل أن الخطاب موجه ظاهرا لليهود ، الذين إنطلقوا بمزاعم حب الله لهم و انهم أولياؤه و أحباؤه من دون الناس و هم شعب الله المختار ،فجاء امتحان الله لهم ليعطي نظرية أكبر و أعظم وأهدى للناس أجمعين من خلال نموذج الغرور اليهودي عبر التاريخ ،حيث طلب منهم أن يتمنوا الموت كعنوان للفناء من الحياة الدنيا و الزهد في متاعها، فكان الناتج أنهم لا يتمنونه أبدا ...ضمن هذا الإطار ، يطرح البعض أن المسألة تخص اليهود ، لكن بالمنطق الإسلامي نرد على الذين قد تضيق عقولهم و تقسو قلوبهم، أن القرآن العظيم كتاب الأمة الإسلامية و بكل آياته هو منهاج للمسلمين. حيث نستلهم من هذه الآية و الآيات التي تليها، أن مسألة الولاء أو الولاية هي استحقاق إسلامي حيث تخلق لدى الإنسان وعيا كبيرا.في تطلعه الإسلامي الخامد، مما يجعله منتظرا لجل ألوان الابتلاء في تناغمه مع الولاية و الولاء ، و محتسبا لأجل أن تتوازن قضية الولاية في وجوده . و ترتفع به إلى القرب و اللطف الإلهي بالثبات و اليقين بان الصبح الإسلامي قريب .

    الولاية الإسلامية ،أحبتي ، تحرك مضامين قرآنية ، قلما ننتبه لها لولا ذكريات أئمة الهدى عليهم السلام و كلماتهم النورانية و مواقفهم الرائعة و العظيمة ، و عاشوراء الحسين عليه السلام تأتي في مقدمة هذا المعنى كله ،لأنها الرائعة الإمامية التي أغنت كل الروائع التالية لها و ركزت كل المسيرة الإسلامية بإجابات شافية كافية و مقنعة لكل الأجيال.

    لكن " أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب* الذين يوفون بعهد الله و لا ينقضون الميثاق و الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب" (الرعد/19-20).

    لابد لنا كمسلمين، نؤمن بالثقلين، أن نبقي هذه القاعدة حاضرة في أذهاننا،بأننا يوميا نراجع سلامة هذا الإيمان و هذا الميثاق ،أقصد أن إحياء عاشوراء لابد أن يكون إحياءا قرآنيا حتى نتشيع للحسين قرآنيا، و كي يستقبلنا الإمام الحسين عليه السلام كما استقبل أصحابه و أفراد أهل بيته و هم يستأذنونه القتال، بالآية الكريمة: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ،فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا"( الأحزاب /23)

    في هذا الصدد ، لابد أن نفكر و نحن في موسم عاشوراء ، هل بيننا و بين الله عهد أم ليس هناك عهد؟و هل بيننا و بين الحسين عليه السلام من خلال النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم عهد أم لا؟و ما هو هذا العهد إن كان موجودا؟ و بأية صفة يتصف هذا العهد ؟ هل الصفة العائلية أو الصفة الإقليمية أو الصفة القومية أو صفة من الصفات الطارئة في مجتمعاتنا أو الصفة الإسلامية؟

    على كل ، باختصار يمكن الإجابة على هذه الأسئلة العاشورائية، انطلاقا من قول الإمام الحسين عليه السلام: " فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق"(2)

    إن المسألة أساسا ، أيها الأحبة،أن عاشوراء أريد لها أن تكون ذكرى خامدة، لأن عاشوراء الحقيقية تثير العهود و المواثيق الإسلامية و تحيي الصفة الأصيلة، فكل التهكم و السباب و التشويه الإعلامي و التسفيه الجماهيري الذي يستقبله شيعة أهل البيت عليهم السلام من الآخر الجواني و الخارجي (القريب أو البعيد) بخصوص الشعائر الحسينية هي عمقا حرب نفسية لإجهاض الموقف الحسيني واقعا و الإسلام الحركي المتطلع للإصلاح الإسلامي الكبير بنهج الإمام الحسين عليه السلام.

    و هنا أحب أن أقول لكل الأحبة المفكرين و المثقفين و الأدباء الذين أثاروا مسألة الشعائر الحسينية ، لقد دققنا في هذه المسألة تدقيقا فقهيا –ثقافيا و قد تباحثنا الآراء و الاجتهادات التي تناقلتها وسائل الإعلام المنصفة و الحاقدة و المنافقة، و نتج لدينا عدة علامات استفهام ، لكن النتيجة النهائية ، أن المسألة نوقشت بعيدا عن الثقافة الحسينية ، مما جعلها تصور على أنها مأزقا إسلاميا، بينما أصلا هي مفاعلا ثقافيا لمشروع الوحدة الإسلامية ، إذا ما تناول الإعلام الرسالي الموضوع بحكمة حسينية ،من شأنها تصلح ما أفسدت الصفات الطارئة المتفشية في مجتمعاتنا الشيعية و السنية على حد سواء، بل في اجتماعنا الإسلامي الراهن ! ؟

    أيها الأحبة :إن إحياء عاشوراء ، هي أن نسير حيث سار الإمام الحسين عليه السلام و آله الأطهار عليهم السلام و أصحابه الكرام رضوان الله عليهم ،و نقف حيث وقفوا، وأن نتعلم ما علمونا، و نفهم لماذا استشهدوا ؟ جيدا، و أن نواصل المسيرة التي رسموها لنا...حتى نتخلص من الجبن الثقافي و الضعف الروحي العرفاني المسيطر علينا من خلال الصفات الطارئة التي نقدسها و نعبدها من حيث لا ندري ...أيها الأحبة لا نزال نجهل أغلب حقائق واقعة الطف ، حيث نقتل بجهلنا هذا ، من حولنا، كل الوعي الإسلامي لكلمات الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام التي تحدث بها عن ثقافة و مسؤولية الإصلاح الإسلامي في المتغير الإسلامي.

    و نبقى نتساءل : من الطالب بدم المقتول في كر بلاء؟؟

    إنه سؤال محرج فعلا للبعض و غامض للبعض الآخر، لكنه أيضا مصيري جدا للطرفين... لمن ألقى السمع و هو شهيد...

    (*) كاتب و باحث إسلامي جزائري

    islamo04@hotmail.com





  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center]من وحي عاشوراء (4)[/align]

    [align=center]أرض السواد : غريبي مراد عبدالملك[/align]




    مدخل:

    و نستمر نستمد الدروس الرسالية والعبر الولائية من الذكريات الكربلائية، في ما عاشه الإمام الحسين عليه السلام و آله الأطهار عليهم السلام و أصحابه الكرام رضوان الله عليهم، الذين قال عنهم عليه السلام: و الله ما رأيت أبر و أوفى من أصحابي، إنهم يستأنسون بالمنية استئناس الطفل بحالب أمه".

    هذه الكلمة و أمثالها التي تملأ صفحات عاشوراء، لابد أن نقف عندها بصدق لنستحضر واقعة الطف مأساة و رسالة، لأن المنية التي أحبها أصحاب الإمام عليه السلام و إستأنسوا بها، حدثنا عنها القرآن العظيم والنبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم في عدة مواضع، ليس حديثا عن النهاية و لكن حديثا عن البداية إذا كانت نتيجة رسالية منفتحة على الله و أوليائه و رسالاته، لذلك عاشوراء ذكرى تعطينا دروسا عملية في طريقة مواجهة الظلم و الاستكبار من جهة و تعطينا دروسا في أسلوب النظر للأمور الطارئة، خصوصا المنية كأعظم أمر طارئ و مفاجئ...لأنها تكدر اللذات الدنيوية، و تفتح الباب واسعا على الاستحقاق الأخروي ...

    و يبقى الحديث عن عاشوراء، أيها الأحبة، حديثا عن المسؤولية الإسلامية في الحياة، لأن الله سبحانه و تعالى يريد منا أن نحرك الحرية و العدالة في واقعنا من خلال خط المعارضة و الرفض و المواجهة للظلم و الباطل و الاستكبار بكل أشكاله و أبعاده...

    على أساس هذا المعنى، يمكننا أن نفهم مخاض كربلاء، تلك الأرض التي ارتوت بدم الرسالة الطاهر، تلك الأرض التي كانت تنتظر قدوم ركب الحرية و الحق و العدالة لتحتضنه، منذ بزوغ فجر الإسلام أو من قبل حسب الروايات الواردة بخصوص مقتل الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين عليه السلام بكربلاء ...

    فعندما نريد أن نحرك الثورة الحسينية، لابد أن نحرك الثقافة الحسينية أولا لتأصيل مسألة السلوك الثوري، و حتى لا يتخيل بعض المسلمين، أننا دعاة فتنة أو أصحاب عصبية، لأن مشكلة أغلب المسلمين يتعصبون بلا وعي ، منهم من يتعصب بلا موازنة و آخر يتعصب بلا ثقافة ، بل أكثر من هذا كله، منهم من يتعصب من أجل ملأ الفراغ ... و ننتهي إلى ظلم الإمام الحسين عليه السلام من حيث أردنا نصرته ! ؟

    في مسألة إحياء الثورة الحسينية، هناك فرق كبير عندما يكون مسارها منطلقا من خلال ثقافتها التي تختزن العلم الإسلامي كله و الشجاعة و البطولة و التقوى و الثبات و اليقين و الشهادة و الريادة والاجتباء كل المعاني الحميدة العظيمة التي تميز بها الإمام الحسين عليه السلام عن أي قائد آخر.

    و عندما يكون منطلقا من خلفيات ذاتية تجعلنا نفصل مقاصد ثورة الحسين عليه السلام حسب أهوائنا، و نطلق عنوان الثورة الحسينية في شعارات غريبة عن الثقافة الحسينية...شعارات غالبا ما نثير بها الحساسيات المذهبية، بدلا أن نعرف الآخر عن ثقافة التمييز بين الحق و الباطل في النهضة الحسينية. والحقيقة الإسلامية تقول عاشوراء إسلامية، لأن يزيد لا يمثل السنة...نعم، قد يكون لبعض السنة بعض التحفظات حول ذلك، من خلال عدم وعيهم بالمؤامرة التاريخية على الإسلام ككل، و للثورة الحسينية بالخصوص ، على أنها ثورة لأجل مستقبل الأمة الإسلامية ككل، و ثورة على الظلم و الاستكبار في الواقع الإسلامي.

    أيها الأحبة، ثورة الحسين عليه السلام ذات أصالة إسلامية و وقوعها كما أهدافها جاءت لحرمة المسلمين كافة (سنة و شيعة)، لأن شعارها كان إصلاح أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم، التي انحرفت من خلال القيادة الباغية الطاغية المستحلة لحرم الله و الظالمة الغاشمة لعياله...

    هذا ليس كلامي و لا رأيي بل من تعابير الإمام الحسين عليه السلام، الذي قال: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر"(1)

    هذه الكلمة لابد أن نستوعبها جيدا، قبل أن نخوض غمار الحديث و الإحياء للثورة الحسينية أو الدعوة للثقافة الحسينية، لأن الثورة الحسينية ، مطلب إسلامي لا يستوعب إلا بالصراحة و الرحابة و الكرامة و العلم ...الإسلامية....

    إن عاشوراء ذكرى تدعونا أن نفكر في هذه الكلمة أساسا و الكلمات الأخرى الواردة عن الإمام عليه السلام و آله الأطهار عليهم السلام و أصحابه الأخيار رضوان الله عليهم تماما، لأن حركة أبي عبد الله الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء و مرورا بمكة، فيها رسم بياني رسالي عظيم تمخضت عليه ثقافة مواجهة التحديات الإستكبارية التي تراهن بكل قواها الشيطانية على مستقبل الإسلام الصافي و الطاهر عبر التاريخ...

    إن واقعة الطف، فيها الكثير من عناصر القوة و كذلك الكثير من عناصر الضعف، على حد قول الفرزدق الشاعر عند ما التقى الإمام الحسين عليه السلام و سأله الإمام عن حال الناس في الكوفة فقال له: "قلوب الناس معك، و أسيافهم عليك"(2)



    هذه الحال تمثلت في كل أجيال الأئمة عليهم السلام، لأن عامة الناس عبر التاريخ، يحبون الحماس و الانفتاح المجهول المعالم و السطحية، و يستقبلون الولاء و الحب كنبضات قلب انطلقت من نظرة أو من قصة ممتعة أو من جو حماسي أو من مصلحة ذاتية أو من عادة اجتماعية أو من موروث عائلي، أما إذا انطلقت هذه الأمور كلها لتخترق الواقع، تبخر ذلك الحب و الولاء...!

    لماذا ذلك في رأيكم؟

    لأن كل واحد منا، لا يمتحن نفسه بخصوص وعيه للحسين عليه السلام و لكربلاء القضية و عاشوراء الرسالة...

    قد نحب الحسين عليه السلام و أهل البيت عليهم السلام ، لأننا نعيش ذكرياتهم و لكن هل واقعا نعيش أيضا معاناتهم و رسالتهم في الحياة؟

    قد نتساءل و كربلاء القضية و عاشوراء الرسالة أسئلتها محرجة و مكدرة للذات...كيف نعيش معاناتهم و ما ذا نقصد بمعاناتهم و رسالتهم في الحياة؟

    الجواب: إن التشيع الصحيح و السليم و الأرحب و الإسلامي بتعبير الأدق، هو أن تضحي بالنفس و النفيس، بالمزاج و المصلحة و العصبية و الرجعية و الخوف و التخلف و الذل من اجل الإسلام و من أجل حب الإسلام بصدق، لأننا لا نكون محبين صادقين للإسلام إذا أحببنا كل تلك العناوين التي تفصل بين القول و الفعل، و الله عزوجل يقول:"يا أيها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون *كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" ( صورة الصف/2-3).

    هذا الجانب السلبي، الذي يواجهه معظم الناس في العلاقة بكربلاء و بالحسين و بالعباس عليهما السلام و في كل علاقاتهم بأئمة أهل البيت عليهم السلام، لابد أن نراجعه و نستقصيه جيدا في واقعنا الإسلامي، حتى لا تكون قلوبنا مع الحسين و العباس و الأئمة الأطهار عليهم السلام و المصلحين في العالم و سيوفنا (حراكنا و واقعنا)عليهم، من الجبن الرسالي وصولا إلى النفاق الولائي و العياذ بالله...و هذه الحقائق عشناها و نعيشها في الزمن الإسلامي المعاصر، حيث مجتمعاتنا لا تعيش المسؤولية في الوقوف مع المصلحين و مع الصالحين و مع النبلاء، لأن الإستضعاف بدلا أن يكون محفزا للتغيير أصبح ذريعة في التقوقع و الذل و الخنوع على جميع الصعد الحياتية...

    القضية أحبتي، أصلا، تتعلق بالأمة التي يدفعها القائد للإصلاح و التغيير و العزة ، فتنتفض معه لإنجاح مساعيه الرسالية و مباركتها بالتضحيات و العطاءات و الشهادات ...

    و هناك الجانب الإيجابي ضمن هذه العلاقة، و الذي يوضح لنا الحب و الولاء العميقين بجلاء، و يجسد كل المعاني الولائية في ثلة من الناس مقارنة بالجانب السلبي الذي أهله هم السواد الأعظم، لكن هذه الثلة تمثل الجودة في احترام القضية الإسلامية و احترام القائد الإسلامي الصالح و احترام الحق و المسؤولية و الحرية في الإسلام ....

    هذه الجودة اكتسبها و نالها رجال وقفوا مع الإمام الحسين عليه السلام وقفة لا تضاهى، و الآن نطل على شخصية على سبيل القدوة لا على سبيل الحصر، لأن أصحاب الحسين عليه السلام كما تحدث عنهم صلوات ربي و سلامه عليه في الحديث السابق هم سواء في البذل و الجهاد و الثبات و الشهادة، إن هذه الشخصية كانت في الضد كله من الإمام الحسين عليه السلام، حتى أن الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام بعث لهذا الرجل أن يلتقيه في الطريق فأبى في البداية، لولا أن الله كان قد من عليه بزوجة واعية صالحة منفتحة على الرمزية الإسلامية مستلهمة للإمامة الإسلامية، دفعته لتغيير موقفه و يلتقي أبي عبد الله الحسين عليه السلام...

    إنه "زهير بن القين" ذلك الرجل الذي التحق بالحسين عليه السلام، و في بضع ساعات علمه إمام زمانه ماهو الحق و ماهو الباطل، فكانت النتيجة أن انفتحت روح الرجل على كل فضائل أهل البيت عليهم السلام، ووزنهم في المسيرة الإسلامية، و انتهى به الحال أن أصبح الإمام الحسين عليه السلام أغلى من نفسه...

    حيث تنجلي هذه الحقيقة في رد "زهير بن القين" على كلمة الإمام الحسين عليه السلام في ليلة العاشر من المحرم لأصحابه: "...هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ...فإن القوم إنما يطلبوني، و لو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري..."

    فرد زهير - هذا الرجل الفذ و الموالي النادر- على الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام قائلا: "0000FF" (3)

    إنه الحب و الولاء و المسؤولية المعمقة و المتجذرة بصدق و حق في نفوس أصحاب الإمام الحسين عليه السلام و المنطلقة من المعرفة الإسلامية و الإيمان و الإسلام و الإحسان، إن زهير بن القين نموذج من نماذج كربلاء و تلميذ من تلامذة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، نال درجة الدكتوراه العليا في الشهادة و الصدق و الوفاء و الإخلاص لإمام زمانه و لأهل البيت عليهم الصلاة و السلام بجامعة كربلاء الرسالية فاستحق وسام التشيع الذي صعب تحصيله...! ؟

    بهذه الصورة المشرقة من نفحات الولاية الكربلائية، نفهم كيف كان تشيع أصحاب الحسين عليه السلام للحسين عليه السلام...

    واجبنا نحن، من نتشيع للحسين عليه السلام ؟ أن نلاحظ كيف كان سلوك أصحابه معه عليه السلام ؟ و ندقق في تفاصيل تقواهم و ورعهم لأنه لا تنال ولاية الأئمة عليهم السلام إلا بالتقوى و الورع كصنوان لمستقبل الشهادة من اجل الإسلام...

    فصدورنا تزداد ضيقا و عقولنا تخمرها المصالح و الطائفية و العصبية و التخلف و الحزبية و كل الأمراض التي تعتل بها الروح و تتعفن بها القلوب و تتجمد بها الحركة في زوايا ضيقة من الواقع الإسلامي ...

    بعد هذا، أيها الأحبة، إن هذه الليالي العاشورائية الإسلامية، من شعائر الله التي شرط الباري عز وجل تعظيمها لبلوغ مرتبة تقوى القلوب، و تعظيمها عنوان بحاجة ماسة، لعقل واسع و صدر رحيب يسع النهضة الحسينية، ثقافة و ثورة...


    الهوامش:

    (1) البحار ج45 ص 7 باب 37

    (2) الإرشاد ج2 ص 67 – تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام

    (3) تاريخ الطبري ج3 ص 315-316



    (*)كاتب و باحث إسلامي جزائري

    islamo04@hotmail.com





ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني