صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 31
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    جديد "الكتب" العالمية

    [align=center]



    الكتاب: مدخل عام إلى النزعة الإنسانية

    تأليف :جيم هيريك

    الناشر: بروميثيوس بوكس ـ لندن 2005

    الصفحات: 105 صفحات من القطع الكبير

    Humanism : an introduction

    Jim Herrick

    Prometheus Books

    London 2005

    P.105
    [/align]

    مؤلف هذا الكتاب هو الباحث جيم هيريك المختص بدراسة الفلسفة الإنسانية منذ بداياتها في عصر النهضة وحتى اليوم. وقد ساهم في نشر الفكر العقلاني والإنساني في إنجلترا من خلال ترؤسه للعديد من المجلات المختصة بالموضوع. كما وأصدر سابقا عدة كتب عن تاريخ الفلسفة الإنسانية. وفي هذا الكتاب الجديد يقدم الباحث لمحة عامة عن هذه الحركة الفكرية والأدبية التي ازدهرت في أوروبا إبان عصر النهضة على وجه الخصوص.


    ومنذ البداية يقول بما معناه: إن النزعة الإنسانية هي تلك الفلسفة التي تضع الإنسان والقيم الإنسانية فوق كل شيء. وقد نشأت هذه الحركة الثقافية في إيطاليا أولا وفي القرن الرابع عشر. ثم انتشرت من هناك إلى بقية أنحاء أوروبا وبلغت ذروتها في القرن السادس عشر: عصر النهضة بامتياز. وهي تعتبر الإنسان أجمل الكائنات وأفضلها وأرقاها وتثق به وبإمكانياته كل الثقة. عندئذ عاد المفكرون الأوروبيون إلى النصوص الوثنية اليونانية ـ الرومانية التي كانوا قد نسوها أو أهملوها طيلة العصور الوسطى المظلمة. لقد عادوا لاكتشاف نصوص أفلاطون وأرسطو وهوميروس وفيرجيل وشيشرون وسواهم عديدون.


    ومن أهم المفكرين والشعراء النهضويين ذوي النزعة الإنسانية نذكر بيترارك، وبيك الميراندولي، ومارسيل فيشان، ثم ايراسموس الذي لقبوه بأمير عصر النهضة. لقد ضاق كل هؤلاء ذرعا برجال الدين ومواعظهم وأفكارهم التقليدية المكرورة منذ مئات السنين. وشعروا بالاختناق في ذلك الجو المغلق للعصور الوسطى


    حيث لا توجد إلا اليقينيات القطعية والتعاليم المفروضة عليك فرضا من فوق وعن طريق الإكراه والقسر.ولذلك راحوا يقفزون على كل العصور الوسطى التي تتجاوز الألف سنة لكي يعودوا إلى أجواء اليونان والرومان حيث كانت الحرية متوافرة. وهكذا راحوا يترجمون كبار كتاب اليونان إلى اللغة اللاتينية أو اللغات القومية الأوروبية التي كانت في طور الانبثاق آنئذ: كالإيطالية، والفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، الخ.


    والواقع أن النزعة الإنسانية هي ذلك التصور الفلسفي الذي يثق بالإنسان ويتفاءل به وبمقدراته. كما أن الإنسان يشكل بالنسبة له القيمة العليا التي لا قيمة فوقها. والإنسان بالنسبة له غاية بحد ذاتها وليس وسيلة بأي شكل من الأشكال.


    ثم يردف المؤلف قائلا بما معناه: أثناء العصور الوسطى كانوا يتحدثون عن الآداب الإنسانية والآداب الإلهية. وكانوا يقصدون بالأولى مجمل المعارف الدنيوية التي يدرسونها للطلاب في كليات الفنون والبلاغة. وأما الثانية فكانوا يدرسونها في كليات اللاهوت المسيحي حيث يهتمون بالدين والإنجيل وشرحه والتعليق عليه. وكانت الدراسات اللاهوتية تهيمن على الدراسات الإنسانية بشكل واضح طيلة العصور الوسطى. وذلك لأن العلوم الإلهية أشرف من العلوم الإنسانية وأجل شأنا.


    وكانت الفلسفة خادمة لعلم اللاهوت المسيحي. وكان كلام رجال الدين شبه معصوم ولا يناقش وإنما يطاع فقط. ثم ابتدأت الأمور تتغير منذ القرن الرابع عشر حيث ظهر بيترارك وتجرأ على إبداء إعجابه بالكتاب الوثنيين السابقين على المسيحية. ثم تلاه آخرون عديدون ومشوا على نفس الخط. وبرر هؤلاء أخذهم عن فلاسفة اليونان والرومان بأن كتبهم تحتوي على الحكمة والعلم والعقلانية الصائبة على الرغم من وثنيتها. وبالتالي فيجوز الأخذ عنهم.


    ولكن رجال الدين انزعجوا من هذا التصرف واعتبروه خروجا على المسيحية. وقالوا بأن الحكمة لا توجد إلا في الكتب الدينية. وهكذا جرت معركة بين الطرفين استمرت عدة قرون حتى انتصار الحداثة. ثم يردف المؤلف قائلا: لقد موضع هؤلاء الفلاسفة النهضويون والإنسانيون الإنسان في مركز كل اهتمام أو تساؤل.


    وقالوا بأن كل معرفة لا تهدف إلى الرفع من شأن الإنسان أو ترقيته لا جدوى لها ولا لزوم. وراحوا يحلمون ببناء مجتمع يختلف عن مجتمع القرون الوسطى المستكين لأقوال الكهنة والمستسلم للمقادير والظروف. راحوا يحلمون بتثقيف الإنسان وتهذيبه لكي يصبح عقلانيا ذكيا معتمدا على نفسه وإمكانياته لا متواكلا ولا كسولا.وقالوا بأن التوصل إلى ذلك لا يمكن أن يتم من خلال الاعتماد على الكتب الصفراء لرجال الدين المسيحيين وإنما من خلال كتب كبار شعراء وفلاسفة اليونان والرومان.


    على هذا النحو انطلقت الحركة الإنسانية قوية فاتحة. وكان من اهم ممثليها على مستوى أوروبا كلها : ايراسموس، خوان لويس فيفيس، غيوم بوديه، جاك لوفيفر ديتابل، لورنزو فالا، وآخرون عديدون. وبفضل المطبعة الآلية التي ظهرت في ذلك الوقت راحت كتب هؤلاء المفكرين الإنسانيين تنتشر في كل الأوساط بسرعة البرق. ففي السابق كانت نساخة الكتاب تستغرق أسابيع عديدة أو شهورا. وأما الآن فقد أصبحت طباعته وبمئات النسخ تتم بين عشية وضحاها.. هنا نكتشف أهمية التكنولوجيا.


    وكل ذلك ساهم في انتشار الأفكار الجديدة لعصر النهضة والإصلاح الديني في آن معا. وراح المثقفون يعتقدون بأن الثقافة الجديدة هي محرك التطور البشري. ولحسن حظ هؤلاء الفلاسفة الجسورين فإن الأمراء الإيطاليين راحوا يدعمونهم ماديا ومعنويا. بل وحموهم من ضغط الكنيسة والعامة والمتعصبين دينيا. هذا ما فعله أمراء مدينة فلورنسا التي أنجبت أشهر الرسامين والفنانين والعلماء والفلاسفة.


    فبفضل مساعدتهم راح المفكر مارسيل فيشان يترجم أفلاطون وتلامذته. وقد تشكلت أول أكاديمية علمية في مدينة فلورنسا. وكان من حسن حظها أن هاجر إليها كبار علماء بيزنطة بعد سقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح. ولكن هذه الأكاديمية تعصبت لفكر أفلاطون إلى حد أنها منعت تدريس فكر أرسطو الذي دخل إلى إيطاليا عن طريق العرب: أي عن طريق فلسفة ابن سينا وابن رشد بشكل خاص.


    ومعلوم أن فلسفة أفلاطون مثالية خيالية، في حين أن فلسفة تلميذه أرسطو واقعية مادية. ويمكن القول بأن كل تاريخ الفكر البشري منذ ذلك الوقت وحتى اليوم مقسوم إلى قسمين: قسم يتبع أفلاطون وقسم يتبع أرسطو. فابن سينا مثلا يقع في جهة أفلاطون، وابن رشد في جهة أرسطو، وهلم جرا.


    ثم يردف المؤلف قائلا: وبعدئذ انتشرت الفلسفة ذات النزعة الإنسانية في ألمانيا وهولندا قادمة من إيطاليا. وبعدئذ دخلت إلى فرنسا. وعندما عارض رجال الدين دخول الفكر العربي الفلسفي بحجة أنه آت من جهة أعداء المسيحية قال لهم فلاسفة النهضة: هذا الفكر يشكل جزءاً لا يتجزأ من ميراث البشرية والإنسانية. ونحن بحاجة إليه وسوف نأخذ به ونستفيد منه أيا تكن الجهة التي جاء منها.


    ثم ظهر تيار جديد لدى العلماء من رجال الدين وهو ما يمكن أن ندعوه بالنزعة الإنسانية المتدينة: أي تلك التي توفق بين الكتابات المقدسة من جهة، وكتابات أدباء اليونان والرومان وفلاسفتهم من جهة أخرى. ويمكن اعتبار المفكر الهولندي ايراسموس أكبر مثال على هذا النوع. وكذلك المفكر الإنجليزي توماس مور. ولكن حروب المذاهب داخل المسيحية بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين وكل المجازر التي رافقتها وضعت حدا للنزعة الإنسانية المتفائلة جدا بنوايا الإنسان وإمكانياته.


    فقد كشف الإنسان عن وجهه القبيح أثناء هذه الحروب الأهلية المدمرة وبدا أنه قادر على ارتكاب أبشع الأعمال والمجازر. وعندئذ طرأ تحول على مفهوم النزعة الإنسانية وأصبح أكثر واقعية إن لم يكن أكثر تشاؤما. وهذا ما يتجلى في كتابات الفيلسوف الفرنسي مونتيني (1533 ـ 1592) الذي صور الإنسان كما هو عليه لا كما نحلم أن يكون. فالإنسان المثالي الذي يترفع على الصغائر ولا يفعل إلا الخير لم يعد له وجود لديه.


    وإنما بدا الإنسان على حقيقته بخيره وشره، بعجره وبجره. فبقدر ما هو قادر على صنع المعجزات وتحقيق التقدم، بقدر ما هو قادر على ارتكاب أكبر المجازر والحماقات في حق أخيه الإنسان إذا ما اختلف عنه في العقيدة أو المذهب. ثم يردف المؤلف قائلا: وعندئذ ابتدأت تظهر نزعة إنسانية إلحادية كرد فعل على حروب المذاهب والطوائف المسيحية. وقال بعض المفكرين: إذا كان الدين يسمح بارتكاب كل هذه المجازر الدموية فلا حاجة لنا به ! ولكن البعض الآخر ركز فقط على مسؤولية رجال الدين المتعصبين وليس الدين نفسه.


    وقالوا بأن الأصوليين المتزمتين فهموا الدين بشكل خطأ وحرفوه عن مساره الصحيح. ثم واصلت الحركة الفلسفية الإنسانية مسيرتها إلى الأمام في القرون التالية وولدت الفلسفة الكانطية في القرن الثامن عشر. وهي أكبر فلسفة نقدية تكشف عن إمكانيات الإنسان ومحدوديته في آن معا. وقد أكدت الفلسفة الكانطية عندئذ على كونية الجنس البشري ووحدته وقالت بأن الإنسان قادر على صنع التقدم: أي الخروج من مرحلة البربرية والتخلف إلى مرحلة الحضارة والاستنارة وتحسين الأوضاع المعيشية على هذه الأرض.


    ثم استمرت الحركة الإنسانية بعدئذ حتى ولدت الإعلان الشهير لحقوق الإنسان والمواطن بعد الثورة الفرنسية.





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center]



    الحرب الكبرى من أجل الحضارة

    تأليف :روبرت فيسك

    الكتاب : الحرب الكبرى من أجل

    الحضارة فتح الشرق الأوسط من قبل الغرب (1979-2005)

    الناشر: ألفريد أ. نوف ـ لندن 2005

    الصفحات 1107 صفحات من القطع المتوسط

    The great war for civilization :
    The conquest of the Middle East
    Robert Fisk
    Alfred A. Knop - London 2005

    P.1107[/align]


    مؤلف هذا الكتاب هو الصحافي الانجليزي الشهير روبرت فيسك. وربما كان أهم صحافي غربي يشتغل في منطقة الشرق الأوسط منذ عدة عقود. وبالتالي فهو يعرفها أكثر من أبنائها أنفسهم. فمنذ أكثر من ثلاثين سنة وهو يجوب هذه المنطقة طولاً وعرضاً لصالح جريدة «الاندبندنت» البريطانية.

    وهو الصحافي الغربي الوحيد الذي حظي بمقابلة أسامة بن لادن ثلاث مرات قبل ضربة 11 سبتمبر الشهيرة. وهو يتخذ عادة من بيروت مقرا له ولانطلاقته لاستكشاف أحوال المنطقة من حدود أفغانستان وباكستان إلى حدود سوريا ولبنان مروراً بإيران والعراق ومصر وفلسطين والأردن وشبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج كلها... بل وحتى شمال إفريقيا...

    وفي هذا الكتاب الجديد الضخم الذي يتجاوز الألف ومئة صفحة يقدم المؤلف لمحة عامة ومفصلة عن تاريخ منطقة الشرق الأوسط منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم. ومنذ البداية يقول ما معناه: إن تاريخ الشرق الأوسط يختلط تقريباً بتاريخ حروبه وصراعاته التي ما انفكت تتوالى منذ ربع قرن وحتى اليوم.

    فهناك الحرب السوفييتية في أفغانستان (1979)، ثم الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، ثم الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1991)، ثم حرب الخليج لتحرير الكويت (1991)، ثم الحرب الأميركية في أفغانستان كرد على ضربة 11 سبتمبر 2001، ثم الحرب ضد عراق صدام حسين (2003)، هذا دون أن ننسى الحروب العربية-الإسرائيلية على فلسطين...

    كل تاريخ المنطقة المعاصر مخضب بالدم ومحكوم بالصراعات المدمرة التي لا تترك شعوب المنطقة ترتاح لحظة واحدة. ثم يستهزئ روبرت فيسك بالحروب التي يخوضها الغرب هناك منذ القرن التاسع عشر ويقول: إنهم يزعمون في كل مرة أنهم يخوضون الحروب من أجل تحضر الشعوب الهمجية المتخلفة للمنطقة.

    هذا ما قال الانجليز في أفغانستان في القرن التاسع عشر، وهذا ما قالوه في العراق في بداية القرن العشرين عندما استولوا عليه،وهذا ما يقوله بوش حاليا عندما يخوض حربا مشابهة لحرب الانجليز ولكن بعد مئة سنة تقريبا... كلهم يدعون الحرص على المنطقة وإدخال شعوبها في الحضارة والديمقراطية والحرية، ولكن الحقيقة شيء آخر... فهم يريدون السيطرة على المنطقة والتحكم في ثرواتها وسياستها لا أكثر ولا أقل.

    ففي القرن التاسع عشر جرت لعبة الأمم الكبرى على أرض أفغانستان بين بريطانيا وروسيا. ودفع الشعب الأفغاني ثمن التطاحن بين القوتين العظميين في ذلك الوقت. وكان هدف الانجليز السيطرة على طريق الحرير وحماية مصالح إمبراطوريتهم في الهند.

    ثم جرت لعبة الأمم الكبرى على أرض أفغانستان بعد مئة سنة من ذلك التاريخ بين الولايات المتحدة التي حلت محل بريطانيا كقوة عظمى وبين الاتحاد السوفييتي. وانتهت بدحر الجيش الأحمر ثم انهيار الشيوعية ككل، والآن تغيرت الأمور. فلم يعد العدو الأساسي هو الاتحاد السوفييتي وإنما ما يدعونه بالأصولية الإسلامية.

    وأصبح حلفاء الأمس من أمثال بن لادن وحكمتيار والظواهري وسواهم أعداء اليوم. ومعلوم أن المخابرات المركزية الأميركية كانت توزع المال والسلاح على قادة المجاهدين الأفغان من أجل تحقيق هزيمة الاتحاد السوفييتي، عدوها الأساسي طيلة الحرب الباردة.

    ثم يردف روبرت فيسك قائلا: لقد أمضيت قسما كبيرا من حياتي في التغطية الصحافية للصراعات المسلحة التي تدور هناك. ورأيت الغرب يخوض الحروب زاعما أنها من أجل الحضارة. وهذا شيء يضحكني فعلا لأنه يمثل مهزلة لا أكثر ولا أقل.

    ففي أفغانستان مثلا خاض الروس حربهم باسم محاربة الإرهاب الدولي وحقهم في التدخل لصالح الشعوب المقموعة من قبل الرجعية والإقطاع. وأما خصومهم الأفغان فكانوا يخوضون الحرب باسم الله والدين ضد المعتدين الشيوعيين، أعداء الله كما يقولون.

    ثم غطيت بعدئذ الحرب العراقية ـ الإيرانية انطلاقا من الخطوط المتقدمة للجبهة العسكرية. وسمعت الإيرانيين يتحدثون عن الحرب المفروضة عليهم من قبل صدام حسين والغرب الذي يدعمه ويقف وراءه من أجل القضاء على الثورة الإسلامية التي أهانت أميركا بعد إسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلوي.

    ورأيت الإسرائيليين يغزون لبنان مرتين ويحتلون بيروت بحجة القضاء على الإرهاب! وفي عام 1991 انتقلت إلى جبهة الكويت لتغطية أحداثها بعد أن غزاها صدام حسين بجيوشه. ورأيت بأم عيني وصول القوات الأميركية وسواها.

    وقال الرئيس بوش الأب بأن هدفهم هو تحرير الإمارة الصغيرة وتشكيل نظام عالمي جديد بعد ذلك: نظام قائم على العدل والحق والحرية!

    ثم يردف روبرت فيسك قائلاً:وعلى ذرى الجبال الأفغانية التقيت بأسامة بن لادن عندما ابتدأ يلفظ أول تهديداته ضد الولايات المتحدة الأميركية. وقد ظل صامتا عندما كنت أسجل كلماته على ضوء مصباح بترولي في دفتري الخاص. وراح يتحدث لي عن الله والشر في العالم والحرب الحقيقية بين المؤمنين والكفار.

    وعندما حصلت ضربة 11 سبتمبر شاءت الصدفة أن أكون فوق المحيط الأطلسي متوجها إلى أميركا. وعندئذ غير ربان الطائرة وجهته فوق بحر ايرلندا وعاد بنا إلى انجلترا خوفا من المخاطر.

    وبعد ثلاثة أشهر من ذلك التاريخ وجدت نفسي في أفغانستان من جديد من أجل تغطية الحرب الأميركية ضد طالبان وابن لادن وجماعة القاعدة.

    وبعد سنة من ذلك التاريخ كنت في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة استمع إلى خطاب جورج دبليو بوش. وراح يتحدث عن الله والصراع بين الخير والشر في العالم وإمكانية وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق. وكان بذلك يحضر الرأي العام لغزو العراق.

    ثم يتحدث المؤلف عن أول لقاء له بابن لادن ويقول: كان ذلك في شهر ديسمبر من عام 1993. وكنت آنذاك مرسلا من قبل جريدتي «الاندبندنت» لتغطية أخبار القمة الإسلامية في الخرطوم. وفجأة تقدم مني صديق سعودي هو الصحافي جمال الخاشقجي وقال لي: يوجد هنا شخص ينبغي أن تلتقي به يا روبرت.

    قال لي هذه الكلمات في الفندق الذي كنت أنزل فيه في مدينة الخرطوم. وكان الخاشقجي يلبس الزي السعودي التقليدي لا الطقم الأوروبي. والواقع أن جمال الخاشقجي هو مسلم حقيقي وملتزم بأداء فرائض دينه على الرغم من ليبراليته الجلية. وعندما قال لي هذه العبارة فهمت فورا من يقصد بذلك. عرفت أنه يريد أن يقدمني لأسامة بن لادن لكي أتعرف عليه.

    وكان جمال قد التقى به في أفغانستان أثناء الحرب ضد الجيش السوفييتي. ثم أردف يقول لي: هذه هي أول مرة يقابل فيها صحافياً غربياً، فلا تدع الفرصة تفوتك، إنه شخص مهم وله مستقبل. والواقع أن جمال الخاشقجي كان يريد أن يعرف كيف سيتصرف ابن لادن مع شخص كافر مثلي: أي شخص غربي وغير مسلم. وكنت أنا أيضا أرغب في ذلك.

    ثم يردف روبرت فيسك قائلا: والواقع أن قصة ابن لادن تعتبر مغامرة كبيرة وتستحق أن تروى. فعندما غزا الجيش السوفييتي أفغانستان عام 1979 قررت السعودية أن تقدم للأفغان فيلقا عربيا لمساعدتها على مواجهة هذا الغزو. وقد شجعتها المخابرات المركزية الأميركية على فعل ذلك.وعندئذ استلم ابن لادن قيادة القوات العربية في أفغانستان نظرا لحماسته الدينية وعدائه الشديد للشيوعية الإلحادية.

    ثم يتابع المؤلف كلامه قائلا: لنعد الآن إلى قصة لقائي بابن لادن لأول مرة شمال الخرطوم. فقد قادني إلى هناك بالسيارة جمال الخاشقجي وقال لي أثناء الطريق: الناس هنا يحبون ابن لادن لأنه صرف أموالا كثيرة على الشعب السوداني من أجل تحسين أوضاعه وخدمة الفقراء. والواقع أن هذا الشيء ليس مدهشا على الإطلاق. فالإسلام منذ بداياته الأولى كان يدعو إلى الاهتمام بالفقير والمسكين وابن السبيل. وهنا تكمن عظمة الإسلام في الواقع.

    وعندما وصلنا إلى خيمة ابن لادن كان جالسا على الأرض يحيط به رجاله من المجاهدين العرب في أفغانستان. وكانوا كثيرين. وفي الوقت ذاته كان يستقبل الفلاحين السودانيين البسطاء الذين جاءوا لتقديم الشكر له لأنه أول من شق طريقا معبدة تصل قريتهم بالعاصمة. وأول شيء أدهشني في ابن لادن هو حياؤه وخجله. فعندما كان شيوخ المنطقة من السودانيين يمدحونه ويشكرونه كان يحني رأسه خجلا وهو يشعر بالحرج. ولكن عندما عرف بوجود صحافي غربي في الحفل على بعد خطوات منه ازداد حرجه.

    وكان يوجه إلي من وقت لآخر نظرات إن لم تكن عدائية صراحة إلا أنها كانت تدل على الاشتباه بي وعدم الثقة. وعندما تقدم منه جمال الخاشقجي وسلم عليه قبله ابن لادن على كلتا الوجنتين. وبعدئذ جاء دوري فسلمت عليه مصافحة باليد قائلا له: السلام عليكم. وعندئذ اقترح علي أن ننتقل إلى مكان آخر في الخيمة بعيدا عن الضوضاء والأطفال والشيوخ والزوار من أجل أن نتحدث بهدوء. على هذا النحو حصل لقائي الأول مع ابن لادن لكنه لن يكون الأخير.





  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center]

    [/align]


    [align=center]الكتاب : الصندوق الأسود للديكتاتورية

    تأليف :محمد منصور

    الناشر : دار كنعان للنشر ـ دمشق 2005


    الصفحات : 138 صفحة من القطع المتوسط
    [/align]




    تطرح قضية الاستبداد والتسلط وغياب الحريات في المجتمعات المحكومة بأنظمة شمولية في هذه المرحلة بقوة نابعة من طبيعة المتغيرات الدولية وتنامي الوعي الداخلي بضرورة انتهاء مرحلة الدولة الأمنية وتأكيد حقوق المواطنة وتحقيق الحرية والمشاركة الفاعلة في صنع القرار وإعلاء قيمة المواطنة والقانون،

    وفي هذا السياق يأتي كتاب الكاتب والصحافي السوري محمد منصور «الكتاب الأسود للديكتاتورية» الذي يحاول فيه مقاربة ظاهرة السلطة الديكتاتورية من حيث طبيعة أسلوبها في الحكم وممارساتها القمعية وأثر هذه الممارسات على المجتمع والحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية ومنظومة القيم والسلوك وتطور الحياة،

    وتتبدى أهداف الكتاب من خلا ل الإهداء الذي يتوجه به إلى كل من قال كلمة حق في وجه سلطان جائر تأكيداً على المعنى الخاص الذي يمثله مثل هذا الموقف على المستوى السياسي والأخلاقي والوطني. يقدم للكتاب الباحث السوري المعروف ميشيل كيلو فيؤكد على غنى مضامين الكتاب وذهابه في تناول ظاهرة الديكتاتورية والاستبداد السياسي بأسلوب يختلف عما سبق طرحه من قبل كتاب آخرين إذ يحاول الكاتب أن يتقصى ويصف تجليات ممارسة السلطة الديكتاتورية وآثارها في الحياة اليومية للمواطنين دون مبالغة أو تصنع

    وعلى الرغم من إفادته من كتاب «طبائع الاستبداد» للكواكبي إلا أنه لم يسقط تحت وطأة التقليد أو النسخ لاسيما، وأن الكاتب يتابع تغطية الظواهر الجديدة للديكتاتورية والتي لم يعرفها الكواكبي في زمانه، لكنه بالمقابل يشير إلى محدودية الكتاب في تغطية الآثار المختلفة للديكتاتورية في الحياة العامة للمجتمع .

    ويمكن القول إن الكاتب يحاول التأكيد على المعاني المشتركة التي تمثلها ظاهرة الديكتاتورية في العالم وآثارها المدمرة على الحياة والإنسان وذلك من خلال المقتطفات الكثيرة التي يصدر بها فصول الكتاب والرسوم الدالة للرسام الكاريكاتوري علي فرزات ما يسهم في تنوع أدوات التعبير وتكاملها على صعيد الرسالة التي يعمل الكتاب على إيصالها إلى المتلقي.

    يتناول المؤلف في تقديمه للكتاب هذه الظاهرة باعتبارها أمراضا مزمنة عرفها التاريخ البشري منذ طغاة اليونان وقياصرة الرومان وصولا إلى هتلر وموسوليني وستالين وأنظمة الاستبداد العربية إلا أن ما يلفت النظر في تاريخ هذه الديكتاتوريات في العالم هو عدم تساوي توزيع ظهور الطغاة في التاريخ من جهة،

    ومن جهة أخرى تشكيل هذا الظهور حالات منفردة في أغلب الأحيان في الوقت الذي كان فيه حكم الطغاة يشمل عددا كبيرا من البلدان في مراحل تاريخية معينة مع اختلاف استمرار هذه الديكتاتوريات من بلد إلى بلد آخر ومن الملاحظات الأخرى التي يسجلها الكاتب تحول هذا النظام إلى نظام سياسي عادي لبعض البلدان في وقت كان يجب فيه أن يشكل نظاما سياسيا استثنائيا

    وهذا ما جعل تكرار ظهور هذه الأنظمة أشبه بالأمراض والأوبئة التي كان يعم انتشارها بسرعة، وقد جرى استخدام مفهوم النظام الشمولي أو حكم الفرد المطلق قبل خمسين عاما في وصف نظام الحكم الديكتاتوري المتطرف أيام حكم هتلر وستالين إذ كان هذان النظامان يمارسان سيطرة شبه شاملة على المواطنين وحياتهم مستخدمين جميع أشكال المراقبة وقمع الحريات من خلال الشرطة السياسية أو السرية

    ويستعين الكاتب بما كتبه محمد جابر الأنصاري في توصيف أكثر أشكال الديكتاتورية خطرا والمتمثلة في ديكتاتورية الفرد وديكتاتورية الأقلية الحزبية أو الفئوية.

    الفصل الأول من الكتاب يبحث في ظاهرة الديكتاتورية وموت الزمن لأن هذا الزمن في ظل هذه السلطة يتحول إلى ظل لها، فهو يمشي بطيئا في تجلياته وأبعاده ويلقي بثقله على كل شيء في الحياة من علاقات وأفكار وأشياء وأماكن مع غياب الحرية حتى يصبح حالة نموذجية من حالات الاضطراب المعنوي في الحياة فهو يمتص الحركة

    وفي مواقع القرار يمضي معصوب العينين والأذنين حيث الإحساس بألم الناس وحاجاتهم غائب، أما في السجون والمعتقلات فإن الزمن هو لعنة الحياة والوجود المسكونة بالدمار النفسي والجسدي وفي هذا الفضاء المغلق تمارس فنون القهر والإذلال وتحطيم الإرادة الإنسانية والشعور بآدمية الإنسان لدى السجين والسجان معا.

    إن الزمن في ظل هذه الأنظمة يسير بقوة الفعل الأمني والانتظار هو سيد الموقف في هذا الزمن حيث يكتسي هذا الانتظار طابع القرف والتمرد والغضب المحتقن إذ أن هناك من تنتظر أن يفرج عن ولدها أو زوجها وهناك من يريد معرفة مصير أخيه أو أبيه المفقود ومن ينتظر أن يرد له ماله المصادر أو حقوقه المدنية التي جرد منها ومن ينتظر العودة إلى وطنه من منفاه القسري لكنه بعد سقوط الديكتاتورية تظهر محاولات استرداد هذه الحقوق إلا أن الزمن الذي ضاع من أعمارهم لا يمكنهم استرداده.

    الفصل الثاني من الكتاب يبحث في ظاهرة الفوضى التي تسم هذا النظام على العكس مما يظنه البعض، فهو يبدو لهم شديد التماسك والقوة ومن أجل معرفة صيرورة هذا النظام يرسم صورة للمراحل التي يعيشها هذا النظام بدءاً من وجود حراك سياسي يعيشه المجتمع بقدر من الحيوية وحالة من التوازن السياسي التي تنجم عن وجود مجموعة قوى فاعلة تعيش في حالة صراع دائم تنتهي بصورة تدريجية إلى إمساك فرد من المؤسسة العسكرية غالبا بالسلطة مستغلا ظرفا خاصا تمر به البلاد ومستخدما قوة الجيش في غفلة من حلفائه لتركيز السلطات في يده

    وهنا يجري استبدال حركية المجتمع بقوة الأجهزة الأمنية التي تصبح صاحبة الأمر والنهي في جميع مجالات الحياة، ونظرا لكون الديكتاتورية هي حالة اعتداء على القانون فإنها تفتح الباب واسعا أمام التجاوزات والاستثناءات التي تنتهي بخلق حالة من الفوضى، تؤدي بطبيعة الحال إلى استبدال الكفاءة بالولاء المطلق،

    لكن ما تناساه الكاتب هو سعي هذه السلطة إلى ممارسة عمليات الفساد الواسعة بهدف ضرب منظومة القيم في المجتمع كشرط لتهديم حصانة المجتمع اتجاه ذلك لتقبل هذا الواقع والانغماس فيه لكي يجري حرف الوعي والسلوك عن دوره في مواجهة هذا الواقع إلى المشاركة فيه والبحث عن المكاسب الخاصة بدلا من النضال من أجل المصلحة العامة.

    إضافة إلى أن هذا الواقع الجديد يجعل المسؤولين في أي موقع في دائرة الاتهام ما يجعلهم يتحولون إلى أدوات دائمة الخوف على امتيازاتهم وأنفسهم بسبب معرفتهم بما ارتكبوه من فساد محمي من أجهزة السلطة لاسيما الأمنية منها.

    ويتابع الكاتب استجلاء الآثار الواسعة للسلطة الديكتاتورية وفي مقدمتها زرع الخوف في نفوس الناس كمقدمة لبسط السيطرة والإمساك بالسلطة بقبضة من حديد فهذا النهج يشكل عنوانا من عناوين النجاح والاستمرار ولذلك تلجأ إلى محاولات قتل الثقة عند الناس فيما يتعلق بحقهم في الوطن والكرامة الإنسانية كما يحدث ذلك في الاعتقال التعسفي والاعتداء على الناس في الأماكن العامة وسيطرة أجهزة الأمن على كل مرافق الحياة العامة،

    الأمر الذي يجعل الشجاعة تصبح سلوكا غير مبرر لأنها تدل على التهور، ومن الممارسات التي يرتكبها هذا النظام تجريد الناس من الشرف عبر شراء الضمائر والذمم والخوف على لقمة العيش ومستقبل الأبناء ما يقود إلى صنع دمى بشرية.

    ولا تتوقف الآثار التي تنجم عن الديكتاتورية فئة الرجال بل هي تطال الأطفال والشباب على حد سواء من خلال المنظمات القائمة على التلقين السياسي بحيث تغطي هذه المنظمات فئات المجتمع كلها وهذه المنظمات في واقع الحال ليست سوى أجهزة مرتبطة بالمؤسسة الأمنية وتابعة لها، كذلك يلجأ النظام إلى تسميم أجواء الحياة عبر الممارسات التي ينتهجها في حربه ضد خصومه ومعارضيه ما يؤدي إلى سيادة قيم الكراهية والعداء

    ويرى الكاتب إن أول ما يكرهه الناس في ظل الأنظمة الديكتاتورية هو كراهية القانون ورجاله وتكون هذه الكراهية في مؤسسات الدولة هي العملة الرائجة كما يكرهون الإعلام الرسمي بسبب طبيعة مهمته القائمة على تبرير الأخطاء والتغطية على الجرائم المرتبكة،الأمر الذي يجعل الكراهية المضمرة في النفوس تتحول إلى حالة احتجاج سلمي ضعيف وخائف.

    إن انعكاسات تلك السلطة تتجاوز الإنسان إلى العمران والسياحة والذائقة الجمالية والبيئة والمكان من خلال الإجراءات الأمنية ومحاولة مراقبة تحركات الناس وسيادة الخوف بالعدوى وأكذوبة مقولة السياحة الداخلية وفقدان الثقة بمصداقية الإعلام التلقيني الساذج لكن الجانب الأكثر مأساوية في هذا النظام هو مفهوم الحوار القائم على محاولة رشوة الطرف الآخر بالمكاسب وبعض الامتيازات وعلى سوء النية والسرية والتكتم

    وعندما لا تكون هناك استجابة من قبل الطرف المعارض فإن التهم جاهزة وهي لا تختلف في المضمون عند أي نظام ديكتاتوري كان، ومقابل هذه الممارسات هناك تكريس كلي لمفهوم القائد الرمز حيث يجري منع ظهور أية شخصية منافسة ويجري العمل على خلق أتباع لا يتوانى عن إظهار ضعفهم والتندر عليهم في الوقت الذي يعمد فيه إلى إبراز رجال في موقع أمنية لكنه يختارهم من الذين تورطوا في ارتكاب أعمال إجرام وترويع.

    بعد ذلك يطرح الكاتب سؤالاً مركزياً عن البديل الممكن لاسيما في المرحلة التي تلي سقوط النظام والتي يجد الناس فيها أنفسهم في حالة عجز وأنه لا بديل عن الديكتاتور، وإذا كان السؤال عن البديل يمكن أن يكون في نهاية الكتاب إلا إن المؤلف يعود في الفصل العاشر إلى الحديث عن الديكتاتورية وصناعة الانتصارات الإعلامية

    ويستحضر في هذا المقام أسماء أهم الرموز التي اشتهرت في تاريخ العرب الحديث بدءاً من الحرب العالمية الأولى كأحمد سعيد ويونس بحري ومحمد سعيد الصحاف ثم ينتقل إلى مجال العلاقة بين الديكتاتور والشاعر كما تجلت في نصوص كثيرة من الشعر العربي المعاصر تظهر ملامح شخصية الديكتاتور وسماته النفسية وهي نصوص تعبر عن الشجاعة في الموقف والكلمة الصادقة، ومن الشعراء الذين اختار قصائدهم بدوي الجبل والجواهري وأمل دنقل وبدر شاكر السياب ونزار قباني ومحمود درويش،

    لكنه تجاهل الحديث عن الدور الذي لعبه كثير من الشعراء في مدح الديكتاتور والتغني ببطولاته وأمجاده وانتصاراته وضرورته التاريخية كمنقذ وملهم إضافة إلى أن عدداً من الشعراء السابقين قالوا في مدح السلطة القصائد المطولة التي تغنت بأمجاده ومناقبه العظيمة حيث تندرج هذه الظاهرة في إطار سياسات الترغيب والترهيب التي تمارسها السلطة على المثقف وطبيعة الثقافة التي تمجد الرمز، والفحولة وتعلي من قيمته

    والغريب أن الكاتب الذي يعمل ناقدا فنيا يغفل عن الحديث عن استخدام الديكتاتور للفن وفي مقدمته الغناء وسيلة مفضلة للتغني بمناقبه وعطاءاته وأمجاده ومحبة الشعب له، حيث تتحول وظيفة وسائل الإعلام المملوكة من قبل النظام إلى أدوات لا عمل لها سوى تكريس هذه الأغاني وتعميمها للتأثير في وعي الناس ومزاجهم ولكن إلى حين.

    مفيد نجم





  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center]




    الكتاب: السلطة والمقدَّس/ دراسة

    تأليف :علي مبروك

    الناشر: مركز الإنماء الحضاري حلب 2006

    الصفحات: 158 صفحة من القطع المتوسط
    [/align]



    يذهب الباحث والكاتب المصري علي مبروك الذي صدر له من قبل (عهد الإمامة والسياسة والخطاب التاريخي في علم العقائد) في كتابه هذا ـ السلطة والمقدس ـ إلى اعتبار أن المجال السياسي في الإسلام قد تبلور تحت سطوة القداسة المزدوجة لكل من الدين والقبيلة، ولم يحدث أبداً أن تبلور بعيداً عن أي حضور للقداسة،


    وضمن هذا السياق، فإنه يبدو أن العلاقة بين كلا المقدسين ـ للدين والقبيلة ـ قد راحت تتأرجح بين التماهي الكامل بينهما في البدء، حيث راح مقدس القبيلة يحيل نفسه إلى مقدس إلهي، وبين تخفي اللاحق للواحد منهما (أو مقدس القبيلة) وراء الآخر (أو مقدس الدين) ولكن من دون أن تنفصم عراها أبداً.


    بل إنه يبدو أن المراوحة نفسها بين التماهي والتخفي تظل هي التي تنتظم مسار العلاقة بينهما للآن. فالحق أنه التماهي بين المقدسين، ولا شيء سواه، هو ما يمكن قراءته وراء سطور الأقوال والروايات التي تضعها المصادر التاريخية على ألسنة الفرقاء المتنازعين على خلافة النبي صلى الله عليه وسلم منذ ما قبل وفاته. وليس يقلل أبداً من قوة دلالة هذه الروايات ما يقال من ظهور الانتحال والوضع عليها.


    إذ الحق أن انتحال القول ووضعه إنما يشير إلى قوة حضور دلالته في الواقع، وبحيث يبدو أنه كلما كانت الدلالة أكثر حضوراً، كلما جرى وضع القول الدال عليها على ألسنة ذوي السلطة الرمزية وحتى الفعلية، الأعلى والأقوى.


    بعد ذلك يرى علي مبروك أنه إذ تنبني شورى القبيلة على الشوكة والمغالبة، حيث: «الرياسة لا تكون إلا بالغلب، والغلب إنما يكون بالعصبية كما قدمناه، فلا بد في الرياسة على القوم أن تكون من عصبية غالبة لعصبياتهم واحدة واحدة، لأن كل عصبية منهم إذا أحست بغلب عصبية الرئيس لهم أحسوا بالإذعان والاتباع»، على نحو يبدو معه وكأن الأمر طوعاً وشورى.


    وإذن فإنها الرياسة تكون للأقوى مغالبة وشوكة، والإذعان من الأدنى انصياعاً وبيعة هي ما تمثل بنية شورى القبيلة، التي أدرك فيها الغزالي جوهر ما جرى في الإسلام منذ ما بعد وفاة النبي، والتي لم تزل تحكم فضاء الممارسة السياسية العربية للآن، وبالطبع بعد أن أضيفت إلى شوكة القبيلة أو قريش قوة الجيش.


    والحق إنها تغاير بحسب هذا البناء شورى العقيدة بكل ما قيل إنها تفترضه من وجوب الاختيار والممانعة وهكذا فإنه إذا كان نظام القبيلة قد راح يجد ما يدعمه في نصوص الشورى (في القرآن)، فإنه يلزم التأكيد على أن ذلك لا يعني أبداً أن هذه النصوص كانت هي التي وجهت الأمر، بل إنها شورى القبيلة قد كانت هي الموجهة لشورى النص، وليس العكس.


    وبالرغم من ذلك فإنه يبقى أن هذه المخايلة بالتماهي هي أحد أقنعة التماهي الأكبر بين مقدس الدين ومقدس القبيلة. وإذا كان يبدو هكذا ان استمرار التقليد الخاص تداول السلطة عبر شورى القبيلة أو المغالبة وليس الوراثة، قد آل حسب كل ما سبق إلى وجوب التماهي بين مقدس الدين ومقدس القبيلة، فإنه كان لا بد أن يتولى كسر هذا التقليد بالذات، والتحول إلى الوراثة مع معاوية، إلى ضرب من التحوير في العلاقة بين كلا المقدسين راح فيه الواحد منهما (أو مقدس القبيلة) يتخفى وراء الآخر


    وذلك بدلاً من تماهيها المعلن أو المضمر، ولعل هذا التحوير، بما يعنيه من دوام العلاقة ـ رغم التخفي ـ بين كلا المقدسين، وليس نفيها، إنما يرتبط بحقيقة أن نظام القبيلة لم يكن أبداً بسبيل الانهيار والتحلل، بقدر ما كان يتجه إلى طور من التخفي والتحول ـ إذ الحق أن مصائر السياسة والثقافة في الإسلام لن تفلت أبداً ـ


    وحتى الآن من قبضة التوجيه الحاسم لهذا النظام. وهكذا فلعل الأمر مع معاوية، لم يتجاوز حد أن تحولاً كان لا بد أن يطرأ على أحد عناصر هذا النظام، والخاص بتداول السلطة بالذات، على نحو يلائم التحول إلى دولة امبراطورية أوسع بما لا يقاس من حدود القبيلة ـ ذلك لأن رقعة الدولة قد اتسعت على نحو يجاوز قدرة القبيلة على أن تظل تحكم وتتداول السلطة ـ بأساليبها القديمة.


    وبما يحيل في النهاية، إلى أن التخفي القبائلي وراء العقائدي إنما ينطوي على ضرب من التخفي لتقديس هذا النظام وراء تقديس السلطان.


    وبالرغم من أن حقيقة الأمر لم تتجاوز، هكذا حدود أن تقديس النظام قد راح يتخفى وراء تقديس السلطان، وإنما يحيل إلى دوام التقديس في كل الأحوال، فإنه يبقى أن الأمر قد بات ينطوي على التجاوز وزمن التقديس في السياسة إلى التقديس الذي ينتج ـ يؤسس ـ نفسه في الثقافة.


    وهنا فإنه إذا كان التقديس ـ إنتاج التقديس في السياسة قد راح يتحقق عبر استراتيجية يتعانق فيها التماحي والتخفي لكل من القبلي والعقيدي، فإن تأسيسه في الثقافة قد راح يتحقق بدوره، عبر استراتيجية يتجاوب فيها النقلي مع العقلي، أي من حيث المرويات في النقل عن تقديس السلطان ـ الأب، سواء جاء على لسان النبي «صلى الله عليه وسلم»، أو كانت إنتاج ثقافة قد تضافرت في تأسيسها للتقديس مع نظام معرفي يؤسس في العقل، لسلطة النموذج ـ الأصل ـ وذلك بالطبع عبر التوسط الدائم للدين حيث القداسة الأصل.. القداسة للرب.
    أنور محمد





  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center]

    الكتاب : التأمل بالحريّة التأمل بالديمقراطية

    تأليف :ريمون آرون

    التأمل في الديمقراطية

    الناشر: غاليمار ـ باريس 2005

    الصفحات : 1815 صفحة من القطع الصغير

    Penser la liberté, penser la démocratie

    Raymond Aron

    Gallimard - Paris 2005

    p.1815
    [/align]

    ريمون آرون هو أحد المفكرين الفرنسيين في القرن العشرين، إلى جانب جان بول سارتر ولكن من منظورين مختلفين، فآرون كان منظر الليبرالية بامتياز بينما كان سارتر فيلسوف اليسار بامتياز أيضا. كان الاثنان قد مرا بمدرسة المعلمين العليا في باريس حيث عُرفا ب«الأخوين العدوين» أو «الصديقين اللدودين».

    قدم ريمون آرون عدداً من الأعمال التي أصبحت مراجع في ميدانها. ومن أشهر كتبه «السلام والحرب بين الأمم» و«مراحل الفكر السوسيولوجي» و«المشاهد الملتزم».

    «التأمل بالحرية، التأمل بالديمقراطية» هو عمل يضم مجموعة من الإصدارات والدراسات المتفرقة وهي «ثورة مناهضة للبروليتاريا. إيديولوجية النزعة القومية ـ الاشتراكية وواقعها» و«الدول الديمقراطية والدول الشمولية» (التوتاليتارية)، و«الإنسان ضد الطغاة»، و«ثورة مضاهية للشمولية: هنغاريا 1956»، و«المأساة الجزائرية»، و«الثورة الضائعة»، و«ثمانية عشر درسا حول المجتمع الصناعي»، و«الديمقراطية والتوتاليتارية»، و«نزع أوهام التقدم. دراسة حول ديالكتيك الحداثة»، و«فجر التاريخ الكوني»...

    وكان ريمون آرون قد تحدث في هذا العمل الأخير «فجر التاريخ الكوني» عما يشابه «نهاية التاريخ» التي قال بها المفكر الأميركي ذو الأصل الياباني فرنسيس فوكوياما على أساس الانتصار النهائي للرأسمالية على الاشتراكي، ويقول آرون قبل عقود عدة: «لم يكن لدى البشر أبدا من الدوافع بقدر ما لديهم اليوم كي لا يقتتلوا فيما بينهم.

    ولم يكن لديهم أبدا القدر نفسه من الدوافع كي يحسوا أنهم شركاء في المشروع نفسه. لكنني لا أستنتج من هذا أن عصر التاريخ الكوني سيكون سلميا. إننا نعرف أن الإنسان هو كائن عاقل لكن البشر هل هم عاقلون أيضا؟».

    وفي المقدمة التي يكتبها الباحث نيكولا بافوريز لهذا الإصدار الجديد لأعمال ريمون آرون، يرى في هذا المفكر الكبير تجسيدا للمفكر الملتزم والأخلاقي إذ يكتب: «إرث آرون هو حالة ذهنية وأخلاق فكرية والتزام مواطن. الحالة الذهنية تكمن في إرادة الفهم قبل إصدار الأحكام وذلك عبر التأمل في العالم كما هو وليس كما تريده الأحلام. والأخلاق الفكرية تمر عبر احترام الوقائع وعدم التحيز في النقاشات. وعبر المزج بين المعرفة والنضال من أجل الحرية يصبح البشر جديرين بها وتجعل منهم مواطنين يملكون عقلا نقدياً ومسؤولاً».

    إن ريمون آرون، كما يتم تقديمه في هذا الكتاب، يمثل «رهان الحرية والعقل في مواجهة التوتاليتارية والعنف». وإذا كان قد ردد بأشكال وصيغ ومواقف متعددة ومختلفة مناهضته للحرب، فإنه «اجتاز» القرن العشرين الذي شهد حربين كونيتين.

    لقد كان هذا القرن هو زمن «الحروب الكبرى التي قامت باسم الإيديولوجيات» وجرى فيها استخدام تكنولوجيات المجتمع الصناعي، ولم تكن بعيدة عن بروز الفاشية والنازية في إطار الحضارة الليبرالية. وإذا كان آرون قد نظر لليبرالية ودافع عنها وعن قيمها فإنه بالمقابل حذر من انحرافات المجتمعات الصناعية، لاسيما فيما يتعلق بمسألة الحرية التي دافعت عنها أوروبا اعتبارا من القرن الثامن عشر.

    ريمون آرون من مواليد عام 1905، أي العام الذي شهد فصل الدولة عن الكنيسة رسميا في فرنسا، وتوفي عام 1983 وهكذا واجه إذن مثل جميع أبناء جيله دورة الحروب الكبرى والمعارك الإيديولوجية والتبدلات التي شهدها العالم وتغيرات الخارطة الأوروبية، خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

    وقد حاول آرون أن يفهم التاريخ الإنساني على ضوء ما تسمح به معرفة «جميع قطاعات المجتمع الحديث من اقتصاد وعلاقات اجتماعية وعلاقات طبقية وأنظمة سياسية وعلاقات بين الأمم ونقاشات إيديولوجية» كما يعبر آرون نفسه.

    ويؤكد آرون في جميع كتاباته عن فكرة الالتزام بالحرية في مواجهة كل أشكال الدكتاتوريات، والإصرار على ترجيح العقل في مواجهة الفوضى والعنف، وهذا ما يعبر عنه بالقول: «لقد اخترت قبل خمس وثلاثين سنة المجتمع الذي يسود فيه الحوار. وينبغي لهذا الحوار أن يكون عقلانيا إلى أقصى درجة ممكنة (...). إن مجتمعات الحوار هي رهان بالنسبة للإنسانية. النظام الآخر يقوم على عدم الثقة بالمحكومين، وزعم أقلية من المتنفذين أنهم يمتلكون الإرادة النهائية بالنسبة لهم وبالنسبة للمستقبل أيضا».

    ومن خلال النظر في تسلسل دراسات ريمون آرون التي يحتويها هذا الكتاب بصفحاته التي تزيد على 1800 صفحة يبدو أن «المعركة» الفكرية التي خاضها قد اتخذت أشكالا عديدة. إذ كانت ذات طابع فكري نظري بحت خاصة مع نشر كتابه: «مدخل إلى فلسفة التاريخ» حيث أعلن عداءه السافر للفلسفة الوضعية.

    ثم أخذت تلك المعركة شكلا ايديولوجياً خلال سنوات الحرب العالمية الثانية على أساس التهديد الكبير، الذي واجهته الديمقراطية مع تنامي قوة النظام النازي واستمر هذا التهديد بعد نهاية الحرب بصيغته الستالينية وتوترات فترة الحرب الباردة.

    وكان ريمون آرون قد أولى اهتماما خاصا لدراسة المجتمعات الصناعية باثنين من أهم تعبيراتها، أي في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وقد درس هذه المجتمعات من خلال التوترات التي تجتاحها من داخلها ولكن أيضا من خلال التحديات الخارجية التي تواجهها وتمثلت في الاتحاد السوفييتي (سابقا) وفي مشاكل التنمية في العالم الثالث وذلك على أساس المهمة «الكونية» المطلوبة لأية تنمية.

    يقول آرون في دراسته التي تحمل عنوان «تاريخ التقدم»، ما يلي: «ليست غاية الاقتصاد هي إنتاج الحد الأقصى من السلع وإنما حل مشكلة الفقر الأساسية في العالم وتأمين شرط إنساني لأكبر عدد ممكن من الأفراد».

    ومن خلال تنوع المشارب والاهتمامات التي تعرض لها ريمون آرون والواقعة «على الحدود» بين فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع والعلاقات الدولية والاقتصاد يصيغ مفهوما سياسيا وليبراليا للديمقراطية، وهو مفهوم يمزج بين المسار العلمي والالتزام في النضال ضد التوتاليتارية وبين الحرص على الموضوعية والتعبير عن وجهة نظر المواطن.

    وقد شكل موضوع أوروبا في هذا الإطار أحد اهتمامات ريمون آرون وذلك من خلال قلقه حيال «انتقالها من مصاف حضارة كونية إلى جعلها موضوعا للتنافس بين القوى العظمى في ظل الحرب الباردة» كذلك يرى أن أوروبا التي كانت قد اخترعت الحضارة الليبرالية الحديثة وارتقت إلى مرتبة حضارة كونية فريدة في عصرها خلال القرن التاسع عشر، ولدت فيما بعد حربين كونيتين أيضا، كما ولدت أنظمة استبدادية دمرت قوتها وفككت وحدتها، بل ومست هويتها نفسها من حددها ب«الخروج من التاريخ».

    إن التاريخ بالنسبة لريمون آرون متحرك باستمرار بواسطة عاملين أساسيين هما العمل الإنساني والضرورة وما نجم عنهما من تكدس للثروات والمعارف، ولكن أيضا ما نجم عنهما من نزعات استعمارية جسدتها الأمم الأوروبية القوية في عمليات احتلال لعدد من مناطق العالم في أفق بناء إمبراطوريات استعمارية. وهكذا تصرفت أوروبا على عكس مبدأ الحرية الذي يعتبره آرون أساس حضارتها. يقول آرون «الحرية هي جوهر الثقافة الغربية وأساس نجاحها وسر انتشارها ونفوذها».

    وعلى قاعدة الموقف من الحرية لم يتردد ريمون آرون في تأييد حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره. وهذا ما عبر عنه في عمله الشهير «المأساة الجزائرية». وكان قد اتخذ في البداية موقفا يطالب بأن يترافق «الجهد العسكري» الفرنسي ببرنامج إصلاحات تؤدي في نهاية الأمر إلى قيام دولة جزائرية. وهذا ما أثار غضب العديد من رجال السياسة الذين كانوا يصرون على بقاء «الجزائر فرنسية».

    ويلخص ريمون آرون موقفه من حرب الجزائر بكلمة للفيلسوف والمفكر الفرنسي الكبير «مونتسكيو» صاحب كتاب «روح الشرائع» جاء فيها: «ينبغي على المرء أن يتمسك بالحقيقة في مواقفه حيال الوطن. إن واجب كل مواطن التمسك بالحقيقة حتى في مواقفه حيال الوطن. إن واجب كل مواطن هو الموت من أجل وطنه. لكن ليس هناك أي شخص مرغم على الكذب من أجل هذا الوطن».

    واعتبر ريمون آرون في حينه بأن الفرنسيين، وبعد استقلال المغرب وتونس، ثم اندلاع حرب التحرير الجزائرية، كانوا يحسون بالمرارة، وعلى رأسهم أنصار معسكر اليسار، حيال «خسارة شمال إفريقيا»، بل وإحساس ب«الهزيمة». وفي مواجهة مثل هذا الوضع تساءل آرون: «ألا ينبغي علينا أن نتحلى بالجسارة التي تجعلنا نفضل أفكارنا على مصالحنا وأن نضحي بالقوة من أجل احترام مبادئنا؟»

    لكن بكل الأحوال أشار آرون، في معرض المقارنة بين أوضاع المغرب وتونس وحصولهما على الاستقلال وبين أوضاع الجزائر أثناء حرب التحرير، إلى أنه لم يكن في الجزائر حزب سياسي مثل «الدستور الجديد» في تونس وحزب «الاستقلال في المغرب.

    لكن حرب التحرير الجزائرية فرضت واقعا جديدا بحيث «غدا على الصعيد الاقتصادي والمالي من الأفضل موافقة البرلمان ـ الفرنسي ـ على تكريس مبلغ ثلاثمئة مليار فرنك فرنسي من أجل ترحيل فرنسيي الجزائر وإعادتهم إلى فرنسا،

    على اعتبار أن هذا الحل كان أقل كلفة من استطالة الحرب، وحتى لو كان الانتصار هو ما ستؤول إليه» كما قال آرون في عام 1956 ثم أضاف في موقع آخر: «لا يمكن لفرنسا أن تقاتل كي تدفع إلى ما لا نهاية استقلال الجزائر».

    وكان آرون قد اعتبر «العامل الديمغرافي» حاسما في تحديد مآل المواجهة. وكان ريمون آرون قد كرس دراسة كاملة لما أسماه ب«الثورة الهنغارية»، أي لتلك الانتفاضة التي شهدتها بودابست عام 1956 وجرى سحقها بالدبابات السوفييتية. وكانت، كما رآها آرون، انتفاضة وطنية عفوية قادها طلبة وعمال ومثقفون وكان من بينهم شيوعيون، أو شيوعيون سابقون.

    ومن الدرس الهنغاري يخرج ريمون بالقول «إن الغرب لا يستطيع ولا يريد التدخل - في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية الشيوعية آنذاك ـ ذلك أن الاتحاد السوفييتي يمتلك الإمكانيات والتصميم الضروري من أجل سحق الثورات. إن المنظور الوحيد هو قبول الممارسة الشيوعية في روسيا وفي البلدان التي تدور في فلكها.

    إننا لا نعرف مدى هامش المتغيرات التي تحتوي عليها هذه الممارسة. ولكن نعرف بأن النظام السوفييتي ليس أكثر مقاومة من غيره أمام تأثيرات التنمية الاقتصادية وأمام انفعالات البشر وأحلامهم وأمام المؤثرات القادمة من الخارج وخاصة من الغرب. وأكثر من ذلك، إن هذا النظام مصاب بتصدع داخلي لم تكن الأنظمة الاستبدادية الشرعية تعرفه، إنه مدان بسبب الإيديولوجية التي يقول بها». هذا ما رآه ريمون منذ عام 1957.





  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center]الرجل لغز المرأة الأكبر




    غريغ برندت، و لز توسيلو

    كتاب يعفي النساء من اختلاق الأعذار للنصف الخشن[/align]


    القاهرة: نسيم الصمادي

    الرجال هم لغز الألغاز الذي تواجهه النساء. فهن يتلقين منهم إشارات متناقضة، خاصة أن الرجل بطبعه ليس كثير الكلام والتعبير عن نفسه. وقد يجد البعض أن هذا الغموض من دواعي جاذبية الرجل بالنسبة للنساء. لكنه قد يصبح بالنسبة للكثيرات منهن كابوسا مزعجا، بعد أن يتحول من مجرد غموض إلى لغز عميق مستعص على الحل.


    وجدت بعض النساء حلا ـ أو لنقل عزاء أو مهربا ـ في إيجاد الأعذار للرجل. فهو مرة خجول، وأخرى مضطرب، وثالثة يخشى الارتباط والالتزام، ورابعة مشغول تماما بعمله، وليس لديه دقيقة واحدة للحديث إليها، وأنه مر بتجربة مؤلمة من قبل سببت له عقدة نفسية..الخ.

    لكن هذا الكتاب يعفي النساء من اختلاق الأعذار وانتحالها للرجال. فهو يقول لهن بكل بساطة وصراحة معا، إن السبب الحقيقي لكل تلك الظواهر المحيرة واضح للغاية، وهو أن الرجل حين لا يكون واضحا وصريحا ومباشرا، إنما ينوي فعلا التهرب من تلك المرأة، لأنه لا يجد فيها فتاة أحلامه. ويتهم الكتاب المرأة بأنها تعي تماما تلك الحقيقة، لكنها تغافل نفسها أملا في تحقيق المستحيل. فإذا أراد رجل الارتباط بامرأة ما، فلن يمنعه من ذلك أي عائق.

    يضع المؤلفان غريغ برندت، ولز توسيلو كتابهما هذا في إطار فكاهي ساخر مرح. وحتى تبويب الكتاب يندرج تحت هذا الإطار، إذ يوردان كل عذر تفوه به أي رجل عبر التاريخ للتهرب من الالتزام والارتباط والزواج بامرأة، ثم يردان عليه ردا مفحما، لا بد أن يختتمه بعبارة يوجهها لبني جنسه قائلا: «.. وأنت وأنا نعرف ذلك جيدا».

    جاء في الكتاب: «هذا الكتاب ليس فقط لتفنيد أعذار الرجل التي يقدمها للنساء عندما يريد التهرب منهن. لكنه أيضا موجه للنساء حتى يتوقفن عن خداع أنفسهن وإيهامها، واختلاق الاعذار للرجال. فهذا الأسلوب من جانبهن يشجع الرجال على التمادي في التنصل من التزاماتهم، وادعاء أعذار غير موجودة أصلا، خاصة إذا وجد من النساء مسارعة بتقديم تلك الأعذار على طبق من فضة.

    يقدم الكتاب سيناريوهات عديدة. فمرة يستعرض الأعذار التي يلقيها الرجال على أسماع النساء (وتصدقها النساء في معظم الأحيان). ثم يتخيل سيناريو مختلفا، لا يتهرب فيه الرجل منها، بل يكون صريحا مباشرا، كما يجب أن يكون الرجل المحب. فبدلا من أن يدعي الانشغال في العمل مثلا، فإنه يتصل بها ليتخفف من مشاغله، ولتكون مكالمتها هي فترة الراحة والهدوء من عناء العمل. وسيخبرها بذلك بالطبع.

    أما أي حديث عدا هذا فكله كذب واختلاق وتهرب واضح ـ لمن تريد أن ترى.

    ويقول المؤلفان: «المسألة كلها محض اختيار، ولا تحتاج لكل هذا الكم من اللف والدوران. والصراحة هي أفضل الطرق وأقصرها، وأكثرها حبا واحتراما. وعندما لا يكون هناك حب، فليس هناك احترام أيضا. واللف والدوران يفقد أي شخص احترامه لدى الطرف الآخر. أما المصارحة، فحتى لو كانت مؤلمة، فلن تفقدك احترام الطرف الآخر. فكن رجلا بحق، وصارحها حتى لو جرحت مشاعرها. فعلى الأقل، لن تفقد احترامها».

    أما للمرأة فيقول: «توقفي عن خداع نفسك وصارحيها، حتى لا تتألمي ولا تتعرضي للفشل المرة تلو المرة، ولنفس السبب في كل مرة».





  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    16

    افتراضي

    اختيارات موفقة، بارك الله جهدك.. أخي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    وبارك فيك اخي علي كامل

    --------------------




    [align=center]
    [/align]

    [align=center]* الكتاب: اليمن ..الأرض والشعب

    * الناشر: بالاس اثين للنشر لندن 2005

    * الصفحات: 160 صفحة من القطع الكبير


    Yemen : land and people

    Sarah Searight

    Pallas Athene Pub-London 2005

    p.160
    [/align]


    مؤلفة هذا الكتاب هي الصحافية والباحثة الانجليزية سارة سيرايت المتخصصة في شؤون اليمن خصوصا والخليج العربي عموما. وهي تقدم هنا لمحة تاريخية شاملة عن اليمن بكل جغرافيته وأرضه وشعبه. ومنذ البداية تقول في ما معناه: يقع اليمن في الجنوب الأقصى لشبه الجزيرة العربية، ولكنه ليس أرضا صحراوية على عكس هذه الأخيرة. وإنما هو بلاد مخضوضرة مليئة بالحياة والأعشاب والأشجار والأراضي الخصبة.


    ولذلك لقبوه منذ القديم ببلاد العرب السعيدة. والواقع أن مناظره الطبيعية خلابة ومتنوعة وتختلف من منطقة لأخرى. إن أعلى جبل فيه يقع شرقي العاصمة صنعاء ويدعى جبل النبي شعيب. ويبلغ ارتفاعه 3666م.واليمن مشكل من مجموعة كبيرة من الأراضي العالية التي تحيط بصنعاء على مسافة دائرية تصل إلى مئة كيلومتر. ثم تنزل هذه الأراضي تدريجيا حتى تصل إلى البحر الأحمر غربا، وحتى المحيط الهندي والربع الخالي جنوبا، ثم نحو وادي حضرموت شرقا.


    ويمكن القول بأن اليمن ينقسم إلى أربع مناطق متمايزة عن بعضها البعض من حيث المناخ والزراعة. المنطقة الأولى هي تهامة وهي تقع على الضفة الشرقية للبحر الأحمر وتمتد حتى حدود المملكة العربية السعودية شمالا وحتى مضيق باب المندب جنوبا. وتهامة هي عبارة عن سهول رملية ذات مناخ استوائي. إنها عبارة عن نوع من الصحراء الواقعة على ضفاف البحر، وتتخللها من وقت لآخر الواحات الخضراء.


    ثم تردف المؤلفة قائلة: أما المنطقة الثانية في اليمن فمشكلة من الأراضي العالية والخصبة الموجودة شرق البلاد. وتتخللها وديان كثيرة، أي أنهار. وهذه المنطقة تحتوي على عدة مدن مهمة ليس أقلها تعز والعاصمة صنعاء.


    والواقع أن هذه الأخيرة تقع على ارتفاع 2300 كيلومتر وتطل بالتالي على مناظر رائعة تجلّ عن الوصف. وهي محاطة بأراض خصبة. حقا إن صنعاء جميلة، وجمالها يخطف الأبصار. إنها مدينة معلقة بين السماء والأرض. وأما المنطقة الثالثة من اليمن فمشكلة من الهضاب العالية الصحراوية التي تحاذي الربع الخالي الذي يشكل القسم الأكبر من الأراضي السعودية. وبالتالي فيوجد فرق كبير بين هذه المنطقة وبين مناطق صنعاء وأعالي اليمن.


    وأما المنطقة الرابعة والأخيرة فتخص وادي حضرموت. وهو يقع بين هذه الأراضي الصحراوية المذكورة آنفا وبين السهول الشاطئية للمحيط الهندي. هذا هو وادي حضرموت الهائل والذي يبهر الأصوات. إن وادي حضرموت هو مهد الحضارات العربية الجنوبية الأولى. ومعلوم أن الكثير من الرحالة القدماء اعتقدوا أنه يمثل جنة عدن المذكورة في الكتب المقدسة!


    وأما في ما يخص تاريخ اليمن فهو عريق ويضرب بجذوره في أعماق التاريخ. وقد تعاقبت على البلاد حضارات عديدة قبل الإسلام وبعده. وأما فيما يخص التاريخ المعاصر فيمكن القول بأن اليمن كان عبارة عن إقليم من أقاليم الإمبراطورية العثمانية بين عامي (1849-1918): أي طيلة سبعين سنة تقريبا.


    ولكن الشعب اليمني الأبيّ لم يقبل الاحتلال التركي بسهولة. فقد لجأ إلى المقاومة منذ البداية ولم يترك المحتل يرتاح يوما واحدا. ولكن نضال اليمنيين من أجل الاستقلال لم ينتظم فعلا إلا بدءاً من عام 1904. وقد تمحور حول البطل القومي الجديد لليمن: الأمير الزيدي يحيى حميد الدين. وقد أبدى بسالة وشجاعة نادرة في ساحة القتال. وانتشرت أخبار معاركه وانتصاراته في كل أنحاء البلاد حتى تحول إلى أسطورة. وقد اضطر الأتراك إلى توقيع معاهدة مع الأمير عام (1911). واعترفوا بموجبها بالاستقلال الذاتي لليمن في ظل حكم الإمام يحيى.


    ومنذ تلك اللحظة أصبح هذا الرجل القائد الروحي والعسكري للقبائل الزيدية. ولكنه لم يكتف بذلك وإنما حاول أن يمد سلطته ونفوذه على باقي مناطق البلاد ما عدا المحمية البريطانية في عدن. فهناك كان يوجد خط أحمر لا يستطيع تجاوزه وإلا دخل في حرب مع القوة العظمى الأولى في ذلك الزمان: أي الإمبراطورية الانجليزية.


    وفي عام 1918 هزمت الإمبراطورية العثمانية على إثر الحرب العالمية الأولى وراحت تنسحب من كل الأراضي التي استعمرتها سابقا ومن بينها اليمن. وعندئذ أصبح الإمام يحيى ملكا على اليمن. وظلت سلالة حميد الدين تسيطر على اليمن الشمالي حتى ثورة 1962.


    وهكذا استمر حكم المملكة الأمامية لليمن ثلاثة وأربعين عاما: أي من عام 1919 إلى عام 1962. وعلى الرغم من المطامع الغربية والإقليمية في اليمن إلا أن الإمام يحيى نجح في المحافظة على استقلال وسيادة الأراضي التي كانت واقعة تحت سلطته.


    ولكن الثمن المدفوع من قبل الشعب اليمني تلقاء ذلك كان باهظا: أي قبوله بالسلطة الاستبدادية المطلقة للإمام يحيى. وهذا ما عزل اليمن عن كل تأثير خارجي وجعله يغوص في الجمود والتخلف.


    وحدهم المقربون من الملك والأعيان والتجار الأغنياء ما كانوا خاضعين لهذا الحصار الثقافي. فقد كان بإمكانهم أن يخرجوا من البلاد بسهولة ويروا العالم الخارجي. أما بقية الشعب فلا. ولذلك ظل الشعب اليمني جاهلا متخلفا لفترة طويلة في حين أنه كان من أذكى الشعوب العربية. إن هذا الموقف المتزمت والمتخلف هو الذي دفع بقادة الحركة السرية لليمنيين الأحرار إلى قتل الإمام يحيى عام 1948. ومعروف أن هذه الجماعة كان مقرها في عدن ومصر. وهي التي حضرت لثورة 1962 التي أطاحت بنظام الإمامة.


    وقد خلفه ابنه الإمام أحمد بن يحيى على سدة الحكم. و لكنه حكم على طريقة والده من دون أن يغير شيئا يذكر في العادات الاستبدادية القديمة.


    ثم تعود المؤلفة في الزمن قليلا إلى الوراء وتقول: في عام 1907 نصّب الشريف محمد الإدريسي نفسه إماما لإقليم عسير الواقع شمالي تهامة والذي أصبح الآن سعوديا. وكان الإدريسيون مدعومين من قبل إيطاليا أولا ثم بريطانيا ثانيا. وقد احتلوا تهامة عام 1919، والحديدة عام 1921. ولكن قوات الأمير يحيى استطاعت أن تنتصر عليهم عام 1925. ولكن السعودية استولت بعدئذ على إقليم عسير بعد حرب قصيرة ضد قوات الإمام يحيى.ثم تردف المؤلفة قائلة:


    والواقع أنه بدءاً من عام 1930 ازدادت النقمة على هذا النظام القروسطي المغلق في أوساط سكان الأرياف: أي معظم سكان البلاد. فالمدارس كانت معدومة تقريبا في البلاد باستثناء المدن الكبرى، والسلع الاستهلاكية العادية كانت معدومة أيضا. وكان السكان يعيشون في حالة فقر مدقع. وأما نسبة موت الأطفال فكانت مرتفعة جدا بسبب عدم وجود مصحات أو مستشفيات أو أدوية.


    باختصار فقد كان اليمن يعاني من تأخر مريع في التنمية. ولذلك تشكلت عام 1944 معارضة للنظام في عدن. وكانت مشكلة من قبل بعض المثقفين الذين تجمعوا في حركة اليمنيين الأحرار المذكورة آنفا. وقد انتشرت أفكارهم بسرعة داخل اليمن الشمالي وبالأخص في أوساط ضباط الجيش المتدربين في مصر والعراق. ولم يكن هدفهم إسقاط النظام وإنما فقط إنهاء احتكار عائلة واحدة للسلطة هي عائلة حميد الدين.


    وفي بداية عام 1948 اغتال اليمنيون الأحرار الإمام يحيى ونصبوا محله عبدالله الوزير كإمام جديد. وعندئذ فرّ الإمام أحمد بن يحيى إلى منطقة تقع شمال غرب صنعاء وأعلن عن نفسه إماماً خلفاً لوالده القتيل. وتجمعت حوله القبائل الزيدية المشهورة بقوتها وجرأتها في ساح الوغى. وكانت سعيدة للانخراط في حرب ضد شوافعة الجنوب الذين يشكلون أغلبية حركة اليمنيين الأحرار.


    ثم تتحدث المؤلفة عن التركيبة السكانية لليمن وتقول إن مسلمي اليمن ينقسمون إلى ثلاث طوائف: طائفة الزيديين، وطائفة الشوافعة، وطائفة الإسماعيليين القليلة جدا والساكنة في جبل حراز. والطائفتان الأوليان متساويتان من حيث العدد ومنتشرتان في كل أنحاء البلاد ومختلطتان.


    ولكن يمكن القول بأن الجزء الأكبر من جنوب اليمن مسكون من قبل أغلبية شافعية، هذا في حين أن الشمال يسيطر عليه المذهب الزيدي. ولكن لا يوجد عداء بين كلا المذهبين في الواقع. فالشوافعة يمكن أن يصلّوا في مساجد الزيديين، والعكس صحيح أيضا. وبالتالي فليس الخلاف المذهبي هو سبب انقسام اليمن على عكس الفكرة الشائعة وإنما الانقسامات القبلية والسياسية هي السبب. فالنزعة القبلية عميقة ومتجذرة في نفوس الشعب.





  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center]

    [/align]

    [align=center]* الكتاب:لغة الذات والحداثة الدائمة
    *الكاتب : أبراهيم حاج عبدي
    * الناشر: دار المدى ـ دمشق 2006
    * الصفحات:408 صفحات من القطع المتوسط[/align]



    يعتبر الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس، مؤلف هذا الكتاب، واحدا من الأسماء اللامعة في مجال النقد السينمائي على مستوى الوطن العربي. درس السينما مطلع السبعينات في المعهد التجريبي التابع لـ « مدينة السينما» (شيني شيتا) في العاصمة الإيطالية، روما.


    اصدر العديد من الأبحاث والدراسات في مجال السينما والنقد السينمائي، منها «رحلة في السينما العربية»، و«الصورة والواقع»، و«سينما يوسف شاهين»، و«سينما الإنسان».. وغيرها، كما قام بترجمة بعض أهم الكتب السينمائية من اللغة الفرنسية إلى العربية، مثل كتاب «علم جمال السينما»، وكتاب «هيتشكوك» الذي يتناول سينما المخرج الكبير الفريد هيتشكوك.


    كذلك قام بترجمة سيناريو فيلم (المحاكمة) الذي حققه اورسون ويلز عن رواية لكافكا تحمل الاسم نفسه، وهو يشرف حاليا على الملحق السينمائي الأسبوعي الذي تصدره صحيفة «الحياة» اللندنية، إلى جانب ذلك يواظب على الكتابة للصحف والدوريات العربية المتخصصة بالفن السابع.


    في كتابه الجديد «لغة الذات والحداثة الدائمة» ينحو العريس باتجاه منحى مختلف، إذ يقدم قراءات في حياة وأعمال أكثر من أربعين كاتبا برزوا في مجالات الفلسفة والشعر والرواية والمسرح.. وهم ينتمون إلى جغرافيا مختلفة تمتد من الولايات المتحدة إلى اليابان، ومن الدول الاسكندنافية إلى جنوب أفريقيا، وأنتجوا إبداعهم في القرن العشرين، باستثناء، مفكرين اثنين هما: سقراط وابن خلدون.


    فسقراط الذي عاش في أثينا قبل الميلاد، يعتبره العريس رمزا للتمرد الإنساني، في كل العصور، فهو الذي تساءل مبكرا: لم لا نعرف أنفسنا؟، وهو الذي قال في إحدى لحظات محاكمته مخاطبا الأثينيين: «إن لدي مهمة جعلني الرب في سبيلها مرتبطا بمدينتكم، ولهذا لا أكف عن حثكم، وعن وعظكم، وعن توبيخكم حيثما وكيفما اتفق، من الصباح حتى المساء»، فسقراط «لو لم يوجد بالفعل، لكان من الضروري أن يوجد»، كما يقول العريس، وذلك كدلالة على الرفض الذي يعتمل في النفس البشرية، وسعيها للاحتجاج ضد العبودية والقمع والحقائق الجاهزة المعلبة.


    ينتقل العريس من هذا التاريخ الإغريقي القديم إلى نهاية القرن الرابع عشر الميلادي في الشمال الإفريقي، ليختار أحد أهم الباحثين في مجال التاريخ، وهو عبد الرحمن ابن خلدون، صاحب أشهر كتاب، هو «المقدمة» الذي يعتبر إلى الآن من الكتب الفاعلة، والمؤثرة، ويرى العريس أن السبب في ذلك، يعود إلى أن الأسئلة التي طرحها لا تزال هي الأسئلة المطروحة على التاريخ حتى اليوم ـ


    فالمقدمة يعتبر أول نص في التاريخ يربط الأحداث بأسبابها الاجتماعية والمناخية والجغرافية، ويقول بمبدأ «التوليد»، بمعنى أن الأحداث تولد من بعضها البعض، لا في تعاقب زمني بسيط، وإنما في تعاقب تعددي مركب.


    ولعل ابن خلدون هو أول من انتقد، بشكل علمي ومنهجي، المؤرخين المسلمين الذين سبقوه مثل: ابن اسحق، والطبري، والاشدي، والواقدي.. وسواهم ممن قال عنهم في مقدمته: إن التاريخ على أيديهم صور تُجرّد من بوادرها.


    وهم على الجملة، إذا تعرضوا لذكر دولة نسقوا أخبارها نسقا، محافظين على نقلها وهما أو صدقا، لا يتعرضون لبدايتها. ولا آيتها، ولا علة الوقوف عند غايتها»، ووفق هذه الآراء فان ابن خلدون ابتكر منهجا جديدا لكتابة التاريخ فلم يعد الأمر يقتصر على تدوين الوقائع فحسب، بل صار يقوم بتعليل الوقائع تعليلا علميا منهجيا يقوم على الملاحظة والمقارنة والموازنة والمعارضة، ولا سيما دراسة البيئة، وأصول العوائد، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران.


    من هاتين المحطتين التاريخيتين، ينتقل العريس ليستقر في القرن العشرين الذي احدث ثورة هائلة في مجالات الفكر والفن والعلم والتطور التقني، كما كان قرنا مليئا بالمجاعات والصراعات والثورات والحروب. يختار العريس من بين مبدعي هذا القرن رموزا في مختلف مجالات الفكر والأدب والفن محاولا الإجابة عن السؤال الرئيس الذي يطرحه على نفسه، والمتمثل في: لماذا، ولمن يكتب الكاتب؟


    والجواب عن هذا السؤال يتوضح بصورة تدريجية على مدى القراءات التي تحملها صفحات الكتاب، عبر التركيز على علاقة الكتابة بكاتبها، باعتبارها ـ كما يقول ـ العلاقة الحاسمة التي تجعل للنص هويته، وشكله ومضمونه، فالنصوص التي نطالعها في الكتاب تفترض أن الكتابة هي في المقام الأول «تعبير عن الذات»، أو حسب تعبير نيكوس كازانتزاكيس ـ أحد الحاضرين في الصفحات ـ هو تعبير عن لهيب الروح.


    العريس يحاجج في «أن نص الكاتب ينبع، أولا، من همه الذاتي، من رغبته في تحدي الحياة والموت معا، بل وفي حدود قصوى من رغبته في الوقوف خارج الجماعة. ومن هنا يكون الفن (أدبيا أو غير أدبي) فعل مشاكسة. ولأن كل مشاكسة تجاوز، يصبح الفن لغة التطلع الدائم إلى الممكن، بل والى المستحيل.


    ودائما عبر مرشّح الذات الخلاقة»، وبهذا المعنى فقط يمكن ـ في رأيه ـ النظر إلى فعل الإبداع كفعل تسام يحاول الإنسان المبدع من خلاله أن يجد لنفسه مكانا خارج حسابات البشر ويومياتهم الفانية، حتى وان كان من سمات الأدب الكبير والفن الكبير النهل من حياة البشر ومن أحزانهم، وأفراحهم، وآمالهم، وخيباتهم.


    يتناول العريس، إذن، في مؤلفه تجربة عدد كبير من الكتاب الذين تختلف اهتماماتهم، لكن ما يجمعهم هو قرابة الحبر، فيتحدث عن أبرز كتاب اليابان، ويتوقف عند مبدعي الحداثة الأوربية المعاصرة، ويقرأ تجربة مؤرخ الأديان أو المنقب في تاريخ الأساطير، وتجربة اشهر كتاب ألبانيا وسويسرا.. وسواهم، محاولا رسم الأجواء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي رافقت ظهورهم وولادتهم، مرورا بمراحل الطفولة، والصبا، والمواقف التي تركت في نفوسهم ندوبا لا تمحى.


    وهو يقيم أعمالهم من خلال ذائقته الخاصة ككاتب متابع ومجتهد، عبر رؤية موضوعية تقرأ قسمات وجوههم، وتكشف عن الأسرار التي اكتنفت مصائرهم في محاولة منه للوصول إلى منبع الإشعاع الذي توهج، ذات إشراقه، في دهاليز روحهم ليشع بنوره على العالم، وتحقيقا لهذا الهدف فهو يضع أعمالهم وسيرتهم الذاتية تحت مجهر النقد مستعينا بخبرته التي اكتسبها عبر زاويته اليومية في صحيفة الحياة «ألف وجه لألف عام» والمخصصة للحديث عن أهم الإبداعات العالمية في مجال المسرح والسينما والتشكيل والأدب..


    وما يقوم به في زاويته، يطبقه هنا أيضا، إذ يجهد في تأويل ما كتبه هؤلاء الكتاب عبر قراءة جديدة للمراحل والظروف والحالات التي مروا بها، والأمكنة التي عاشوا فيها، وهو يقارب عوالمهم بكثير من الشغف والحذر والدراية، وبلغة ترتقي إلى مصاف النص الأدبي الذي ينأى عن إطلاق الأحكام النقدية الحاسمة والصارمة، وإنما يكتفي بسرد هذه الحياة بكل تناقضاتها وتشعباتها التي تمخضت عن شخصيات لعبت دورا كبيرا في رسم ملامح القرن العشرين.


    المفكر الفرنسي لوي التوسير من الشخصيات التي يفرد لها مساحة في كتابه، وهو يركز على نقطة مهمة تتعلق برؤية التوسير ـ المتوفي في العام 1990 ـ للماركسية، إذ يرى العريس بان قراءة متأنية لأعمال التوسير ستضعنا أمام واقع يقول «إن عملية سلخ الجلد الأيديولوجي عن الماركسية، إنما بدأت مع التوسير الذي وقف على نقيض غرامشي وغارودي.. ليعلن أن الماركسية إما أن تكون علما أو لا تكون..


    وان أية نظرة أخرى إلى الماركسية تحاول أن تؤنسنها، إنما يعني رمي الماركسية كفلسفة للاقتصاد والتاريخ في أحضان الأيديولوجيا، وتحويلها إلى دوغما تزعم حل مشكلات الإنسان كلها، وهي على هذه الشاكلة عاجزة عن ذلك».


    ويكتب عن جورج دوموزيل (1898 ـ 1986) المفكر الفرنسي الذي قضى عمره يدرس وحدة الجنس البشري، ويعقد المقارنات بين مختلف الشعوب والحضارات، ويسجل نقاط اللقاء بين الأقوام، تلك النقاط التي كانت، بالنسبة إليه، أفسح وأكبر من نقاط الخلاف بكثير، لذلك كان يطرح سؤالا على قرن شهد صراعات وحروب مريرة: ترى لماذا يتصارع هؤلاء الناس ؟ وعلام هم مختلفون حقا؟


    ويقف العريس عند تجربة ميرسيا ايلياد الإشكالي، فهو ولد في بوخارست عاصمة رومانيا عام 1907 واستقر في باريس، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، بعد تنقلات كثيرة، وفيها بدأ بنشر أهم كتبه باللغة الفرنسية، فهو من كبار كتاب القرن العشرين ويصعب تصنيفه تبعا لتعدد اهتماماته الكتابية والفكرية حيث كتب البحث التاريخي كما كتب الرواية، كتب الشعر كما غاص في التأمل الفلسفي، فضلا عن دراسته لتاريخ الأديان.


    وفي فصل تحت عنوان «حداثة القرن العشرين» يقف العريس عند تجربة الروائي الفرنسي مارسيل بروست، وخصوصا رائعته الذائعة الصيت «البحث عن الزمن الضائع»، التي أخرجت الرواية من المكان الذي وضعها فيه بلزاك، والجديد لدى بروست، بحسب العريس، هو ذلك التضاد الذي أبدعه بين الزمن الحقيقي المتآكل، والزمن الداخلي اللامتناهي، كما يتحدث عن تجربة الروائي الايرلندي جيمس جويس (1882 ـ 1941) وتحفته الروائية الخالدة «أوليس» التي تشتغل على الزمن بشكل مغاير للفرنسي بروست: إنها باختصار «تفلش» الزمن، تمده، وتدخل في تفاصيله، إذ أن أحداث الرواية جميعها تدور على مدى ثماني عشرة ساعة لا غير..


    ثماني عشرة ساعة تتوزع على ما يقارب الألف صفحة، وهي بذلك تعتبر أعظم عمل روائي افرزه القرن العشرين، فهي رواية تتحدث عن بلوم (البطل) الذي يستيقظ صباحا، وينام بعد منتصف الليل، ويمضي حياة رتيبة إلى حدود الموت.. يمضي نهارا واحدا هو في عرف جويس الحياة كل الحياة. ومغزى هذا النهار في «أوليس» هو الذي أعطى لجويس مكانته كواحد من كبار كتاب الحداثة في القرن العشرين.


    تلك هي الطريقة التي يقارب بها العريس عوالم الكتاب الذين اختارهم، وسيكون في مقدور القارئ التعرف في الصفحات اللاحقة على كتاب، بعضهم بلغت شهرته الآفاق، وبعضهم الآخر لم ينل حظه من الشهرة في العالم العربي، ومنهم: روبرت موزيل، لوي فردينان سيلين، توماس مان، أرنست جونغر، عزرا باوند، بيار لوتي، فريدريك دورنمات، كارين بلكسن، تشيزار بافيزي، نيكوس كازنتزاكيس، وليام فوكنر، تينيسي وليامز، ألبير كامو، ستيفان تسفايغ، غراهام غرين، لورانس داريل، البرتو مورافيا، يانيس ريتسوس، تانيزاكي، ياسوناري كاواباتا، يوكيو ميشيما، اسماعيل كاداريه، بول بولز، جان جينيه، فرانز كافكا.. وغيرهم.





  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center][/align]

    [align=center]
    * الكتاب: الحرية والعدالة في فكر عبدالله النديم
    * تأليف :رضوان الكاشف
    *الناشر: الهيئة المصرية للكتاب ـ القاهرة 2005
    *الصفحات: 204 صفحات من القطع الصغيرلمتوسط
    [/align]


    عرف رضوان الكاشف كمخرج سينمائي متميز أغنى تاريخ السينما المصرية خصوصاً والعربية عموماً بالأفلام المتميزة التي قدمها ونال عليها العديد من الجوائز، لكن ذلك لم يشغله عن البحث والقراءة في التراث الثقافي التنويري العربي، لاستحضار الأفكار التي قدمها عدد من رموز التنوير العربي في مرحلة ظهر فيها تطلع العرب إلى الحرية والتطور والنهوض.

    ويعدّ عبد الله النديم واحدا من تلك الرموز المهمة التي أدركت في مرحلة مبكرة ضرورة تحقيق النهضة والتقدم، الأمر الذي جعل استعادة مفاهيم الحرية والعدالة في فكره يعبر عن شعور بالحاجة إليها بعد أن شهد مشروع النهضة فشلا ذريعاً أدى إلى البحث عن مشاريع جديدة كان العنف أهم مظاهرها الجديدة في حين يحاول عدد من الباحثين والمفكرين العرب البحث عن عناصر القوة في الذات العربية .

    وكتاب رضوان الكاشف الحرية والعدالة في فكر عبدالله النديم محاولة للبحث عن عناصر القوة في كياننا للتواصل معها،حيث يعد النديم داعية كبيراً للحرية والعدالة وعارفا بقدر العلوم والمعارف ومفكرا وثائرا سياسيا، كما يقول الكاشف في مقدمة الكتاب.

    في بداية الكتاب يورد الباحث مجموعة من الملاحظات حول منهجية البحث أولها أن الدراسة غير معنية بالتأريخ لحياة النديم وما تحاول دراسته هو فكر النديم السياسي والاجتماعي دون القيام بمقارنات بين فكره وأفكار غيره من المفكرين المعاصرين له وقد حددت الدراسة الأفكار العامة الموجهة لفكر النديم في أربع أفكار هي الوحدة والرأي العام والتنظيم والفاعلية الإنسانية والإصلاح والتقدم والتمدن العمراني.

    وبعد أن يحدد معاني الأفكار يتحدث عن أهمية معنى الوحدة في تنظيم البنيان الفكري للنديم ودوره في فهم معاني الحرية والعدالة والوحدة عند النديم فهو يكشف عن الشروط الضرورية التي بتوافرها تتحقق الأركان الرئيسية لمفهوم الأمة بالمعنى الحديث.

    ومن هذه العناصر وحدة النشاط الاقتصادي كشرط لخلق ثروة الممالك، وتحقيق الوحدة الوطنية والإصلاح السياسي وخلق رأي عام يدرك مصالح الوطن واحتياجات التقدم والتمدن والعمران.

    ويتناول الباحث مفهوم الحرية في مقالاته التي نشرها في جريدتي «التنكيت» و«التبكيت» اللتين أسسهما بين الحرية المطلقة والحرية النسبية حيث يجد أن النديم يتعامل مع مفهوم الحرية من منظور أنها شكل يتعلق بالإنسان كجزء من كل وفرد في جماعة .

    وكانت نقطة البدء عنده أن اللذة والغرض الذاتي يحكمان حياة الإنسان وفي تناوله للعلاقة بين الحرية والموضوعية يطالب بأن لا يكون الكلام تعبيرا عن الميول والرغبات والأهداف الذاتية وقد قصر صفة الحرية على الكلام المتعلق بالعلوم والصنائع والأخلاق وبذلك أخرج الأخلاق من دائرة الرغبات والمواصفات الاجتماعية والإنسانية.

    وجعل لها وجودا مستقلا عن الإنسان، وللحرية عنده ركنان أولهما القدرة على الاختيار النابع من إرادة حرة وثانيهما التحرر من الأغراض التي تحكم الفكر وتطبعه بطابعها الخاص لكنه في الوقت نفسه يرى استحالة وجود الحرية المطلقة لأسباب تتعلق بالقانون وطبيعته فهي تنتفي مع وجود القانون الذي هو بالنسبة إليه تعبير عن المصالح الذاتية للناس إلا أن الباحث يرى في طروحات النديم .

    ما يشير إلى ملامح طبقية من خلال التأكيد على نسبية القانون وارتباطه بنسبية المصالح التي يعبر عنها كونه يوضع ويصاغ بطريقة تجعله قابلا للتأويل بما يوافق مصالح واضعيه.

    إن امتلاك حرية الاختيار الصادرة عن إرادة تملك أمرها لا يكفي لكي ننسب صفة الحرية الكاملة إليها، فلا بد في نظر النديم من امتلاك للقدرة على إعلان هذا الاختيار وطرحه للتداول في كل مكان نطقا وكتابة وهذا بالنسبة إليه غير متحقق في المجتمعات الإنسانية .

    وقد أكد أن للحرية وظيفة تتحدد في تحقيق الانسجام الداخلي لصاحبها لكن تحقيق تلك الحرية يتطلب ثلاثة شروط هي العلانية والقانون العادل الذي يشمل جميع الناس ويكون مستقيما في نفاذه وعدم الجور على الآخرين من خلال حرية الإنسان في الحركة.

    وبعد أن يثبت استحالة تحقق الحرية المطلقة يثبت أنها حرية نسبية وهو يعرفها بأنها وقوف الإنسان عند حده ومعرفته حقا لنفسه يطالب به وواجبا لغيره يؤديه فهي حرية حقوقية تقوم بين الأفراد وهناك شروط يضعها النديم لممارسة تلك الحرية وهي الشرط الأخلاقي والحالة الحضارية التي تعكس تمدنا وتقدما والشعور القوي بالانتماء لوطن يحكم أفراده الانتظام.

    من جهة ثانية يطالب النديم بتحقيق التساوي المطلق المؤسس على قانون واضح النصوص وغير قابل للتأويل ومعرفة الأفراد بالقانون وقدرتهم على استخدامه وهذا يتطلب تعميم العلم وتنوير الأفكار .

    وانسجاما مع الهدف الذي وضعه لدعوته لبناء الأمة احتلت الحرية السياسية بكل تنويعاتها مساحة كبيرة في كتاباته وأهم أوجهها تتمثل في الشورى والحكم النيابي وقد تطورت فكرة الشورى عنده حتى أصبحت العنصر المميز لأرقى نظم الحكم التي تتحقق في ظلها الحرية والعدالة على أفضل وجه بشكل يدفع الأمة إلى العمران وتنوير الأفكار خاصة.

    وأن مجلس الشورى هو مجلس منتخب من قبل الأمة وليس من قبل الحاكم بحيث يصبح الشعب هو الضامن لبقائه واستمراره وهذا يتطلب انتخاب المجلس انتخابا حرا ويطالب النديم بألا يقتصر حق التمثيل النيابي على الأغنياء وأصحاب الجاه لكنه على الرغم من كشفه للأخطاء التي تنجم عن احتكار التمثيل النيابي .

    إلا أنه لم يستبدل معيار ملكية الثروة بمعيار العمل المنتج للثروة فالشخص المؤهل للقيام بالشورى هو العلم والمعرفة والدراية والخبرة و تتعلق بتمايز قائم على المصالح وقد خطا النديم خطوات كبيرة في فهم الشورى وتطوير معانيها لكنه لم يكن قادرا على تجاوز أوضاع أمته .

    تشمل الحرية السياسية عنده حرية الكلام وحرية المطبوعات وكان من أول الذين مارسوها عمليا فهو يعتبر الكلام في السياسة حقا من الحقوق وينكر على الحاكم حقه في منع الناس من الكلام في السياسة وهذه الحرية ترتبط عنده بحرية المطبوعات نظراً لأن الطباعة تحتل في هذا العصر المكان الذي كانت تحتله الخطابة في العصور السابقة.

    كما اعتبر أن حرية المطبوعات هي إحدى علامات المملكة العادلة وتساعد على تطور الأفكار، وإذا كان النديم الداعي إلى بناء أمة قوية تتحقق لها مركزية السلطة ووحدة الاقتصاد فإنه عارض الكثير من الحريات الشخصية.

    ولم يبن معارضته لهذا النوع من الحريات على أساس ديني بل احتكم إلى معايير المنفعة الفردية والعامة، وفي هذا الصدد يتعرض للحرية الشخصية في أوروبا ويضخم بعض ممارساتها سلبيا مما يؤدي إلى غياب الجوهر الحقيقي لها لينتهي إلى إدانتها واعتبارها توحشاً وبهيمية.

    وفيما يتعلق بالتمدن فهو يقدم تعريفا يتعارض مع ما طرحه سابقا فهو يخرج الرغبات الخاصة والأغراض الذاتية من حدود التعريف الذي يقدمه للحرية ومن خلال كتاباته يظهر الخلط الذي يقوم به بين الفجور والانحلال والحريات الشخصية كحق من حقوق الفرد ما دامت لا تجور على حقوق الآخرين.

    وبذلك فقد أغفل النديم الفرق بين نوعين من السلوك الشخصي، أحدهما يعكس تفسخا والآخر يجسد حقا للفرد في حياته الخاصة، ورغم ذلك يجد نفسه مضطرا إلى إقرار بعض الحقوق الخاصة للأفراد لكنه لندرته لا يخلق سياقا لنظريته العامة للحرية.

    ويدرس الباحث العلاقة بين الحرية والعدالة في فكر النديم الذي طرحه في مقالاته التي كان ينشرها في جريدته «التنكيت»، وفيه يبدو أنه يوائم بينهما بشكل يجعل وجود أحدهما مرتبطا بالآخر.

    كما يجعل من الحرية أداة لتحقيق العدالة وقبل أن يتحدث عن هذا الارتباط يناقش المعنى القانوني للعدالة التي تتخذ عنده معنى التساوي في الحقوق والمعاملة وهو يربط بين سيادة الظلم وفساد الأخلاق من خلال تعويد الخدم على الكذب ودفعهم إلى الخيانة الأمر الذي يظهر البعد الأخلاقي للعدالة في فكره .

    ويرى الباحث ضرورة الحديث عن موقفه من الأغنياء والفقراء كمدخل لفهم العدالة الاجتماعية عنده لاسيما أنه اعتبر الثروة التي حصل عليها الأغنياء كانت من النهب والاستبداد وظلم الفقراء بل يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يحمل الأغنياء مسؤولية الخراب الاقتصادي ويعلل النديم هذا الموقف من الأغنياء بانكباب الأغنياء على المصنوع الأجنبي وإعراضهم عن المصنوع الوطني.

    لم يقف النديم عند نقد ممارسات الأغنياء بل يكشف عن الفوارق الطبقية القائمة بين الأغنياء والفقراء ورصد هذه الفوارق وإظهار جورها على الفقراء ودورها في منع توجيه الثروة نحو ترقية البلاد وضمن حديثه عن الفوارق.

    لا ينسى الفوارق الموجودة بين الريف والمدينة ورغم هذا الهجوم على الأغنياء فإنه لم ينس دورهم في ترقية البلاد وتطوير المجتمع، وفي دراسة أخرى يبحث في مفهوم الحرية في كتاباته التي خطها في جريدة «الأستاذ» بعد فشل ثورة عرابي.

    ويأتي الوطن في مقدمة فكره من خلال تنديده بالاحتلال وفضح الادعاءات التي يروجها الانجليز حول أسباب استمرار وجودهم في مصر، فقد رأى أن الاستبداد عنصر أصيل في السياسة الاستعمارية وهو يعبر عن ابتعاد هذا المستعمر عن الحرية التي كان يتحدث عنها.

    كما يرصد وجها آخر لفقدان الحرية يظهر في سيطرته على الاقتصاد الوطني التي تحول الوطنيين إلى أجراء يعملون لحسابه وهو لا يتوقف عند الفضح والإدانة بل يدعو المصريين إلى المقاومة باعتبارها حقا مشروعا لهم.

    إن النديم لا يتوقف عند الدعوة إلى إنشاء الأحزاب أو العصبيات كما يسميها وإنما يحاول أن يرد جذورها إلى الشرق وفي دعوته يريد أن يعود السلطة للأحزاب لأنها سوف تقوم بتقييد الحكومة بأصوات ناخبيها وتمنع حدوث الفوضى التي يوجدها استبداد الوزراء، ويقارن بين النظام الحزبي في أوروبا ونقيضه في الشرق، مبينا أن غياب الأحزاب فتح الباب أمام الاستبداد، ولذلك يعود للدعوة إلى الشورى وضرورة استبعاد الثروة كشرط لاختيار القائمين عليها وقد اهتم النديم كثيرا بحرية الديانات والبحث عن أصولها في تراثنا.

    واعتبر حفظ الوحدة الوطنية مرتبطا بإعطاء الطوائف الدينية حريتها، ودعا أيضا إلى حرية الفكر بعد أن عدها من أسباب تأخر الشرق في الوقت الذي واصل فيه هجومه على الحرية الشخصية وتناسى حرية المرأة التي لم يكن يوافق عليها بسبب مواقفه التقليدية منها.




    مفيد نجم





  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center][/align]
    [align=center]* الكتاب:الغراب.. القصة الحقيقية لإشاعة
    * تأليف :جان إيف لوناوور
    * الناشر: هاشيت ـ باريس2006
    * الصفحات :220 صفحة من القطع المتوسط


    Corbeau


    Histoire vraie d'une rumeur


    Jean Yves Le Naour


    Hachette - Paris 2006


    P.220[/align]


    جان إيف لوناوور هو مؤرخ من مواليد عام 1972، ومختص بالحرب العالمية الأولى وبفترة ما بين الحربين. سبق له ونشر العديد من الكتب من بينها «العار الأسود» المنشور عام 2004 والمكرس للقوات الفرنسية الاستعمارية. ومن كتبه أيضاً «تاريخ الإجهاض: القرنان التاسع عشر والعشرون» و«يوميات مراهقة في فترة الحرب 1914-1918» و«تاريخ سياسي لفرنسا منذ عام 1940».

    «الغراب: القصة الحقيقية لإشاعة» هو كتاب يؤرخ فيه مؤلفه لمدينة «تول» الفرنسية انطلاقا من حدث عاشت فرنسا على إيقاعه مدة شهور طويلة، إذ ما بين عام 1917 وعام 1922 عرفت هذه المدينة الصغيرة التي كان يبلغ عدد سكانها 13000نسمة قصة عادية عاشها بشر عاديون. ذلك أن أنجيلا لافال البالغة من العمر آنذاك 31 سنة عملت كموظفة في قسم المحاسبة بدار المحافظة فوقعت في حب رئيسها المباشر جان باتيست موري (40 عاماً) الذي فضل عليها السكرتيرة ـ الطابعة ماري أنطوانيت ريو ابنة الثانية والعشرين سنة.

    هذه القصة العادية الحقيقية كان يمكنها أن تتوقف عند هذا الحد مثل الكثير من القصص غيرها لولا أنه في شهر ديسمبر من عام 1917 جرى إرسال الرسالة الأولى من أصل مئة وعشرة رسائل مجهولة المصدر. ومن هنا جاءت صفة «الغراب» على المرسل المجهول الذي كان يذيل رسائله بتوقيع «عين النمر». وقد بدأت هذه السلسلة من الرسائل باستخدام قاموس يرمي من خلاله مرسلها تحذير «أنجيلا» من «موري» الذي يشهّر بها.

    كانت الحرب العالمية الأولى دائرة مما خلق مناخا ملائما لانتشار الإشاعات، كما هو الحال دائما أثناء الحروب حيث تجد الإشاعات والوشايات أرضا خصبة لنموها وتعاظمها. يقول مؤلف هذا الكتاب عن «الغراب» ما يلي: «لم يكن ذلك المازح السيئ مجرد إنسان يحب أن يلعب بعواطف الآخرين فحسب،

    وإنما غدا شيئا فشيئا أكثر عدوانية إذ وسّع من مجال ضحاياه كي يشملوا جميع عائلات موظفي المحافظة وأصدقائهم». هكذا وصل الأمر في عام 1921 إلى أن «الغراب» قد علّق على باب مسرح مدينة «تول» قائمة بأسماء أربعة أشخاص ومقابل اسم كل رجل اسم عشيقته واسم كل امرأة اسم عشيقها.

    وطيلة فترة سنوات 1917 ـ 1922 سرى وباء الرسائل المجهولة المصدر في مدينة «تول» وأقضّ مضاجع سكانها. وكان يتم توزيع تلك الرسائل في علب البريد أو يتم تركها على الأرصفة أو على النوافذ بل وحتى على مقاعد الكنائس. وكانت هذه الرسائل كلها تشجب سلوكيات أولئك الذين «يخونون» زوجاتهم أو تلك اللواتي «يخنّ» أزواجهن، هذا إلى جانب التشهير ب«ذوي السلوك السيئ» في مختلف المجالات. وكان من هذه الرسائل كلها أن أشاعت حالة من القلق بين سكان المدينة التي شهدت جواً من الشك من هذا «الغراب» المجهول والتساؤل حول شخصيته وعمّا يريده من رسائله !

    ثم تدخلت أجهزة الشرطة بفعالية أكبر بعد وفاة أحد العاملين بميدان القضاء في دار المحافظة إثر تلقيه رسالة مجهولة. بنفس الوقت خفّت الصحافة الفرنسية الوطنية إلى مدينة «تول» بحثا عن أية معلومة أو خبر يخص «الغراب» لتنتقل القضية كلها إلى حيّز الاهتمام الوطني، بل أصبح الخبر الأول في النشرات الإخبارية ولفترة طويلة يخص «غراب» مدينة تول.

    هذا لاسيما وأن هذه القضية عرفت سلسلة من المفاجآت، الواحدة تلو الأخرى مثل انتحار ـ أو قتل ـ أحد الذين حامت حولهم الشبهات، وتحديد مشبوه آخر بعد أن جرى تنظيم كتابة «إملاء» لعدد من الأشخاص بحيث أن أحد الخبراء بالخط قد اعتبره بأنه كاتب الرسائل المجهولة ثم إعفاء القاضي الذي كان مكلّفا بالتحقيقات بعد أن خطرت له فكرة «عجيبة» في عالم القضاء ألا وهي اللجوء إلى إحدى «البصّارات» كي تساعده في الكشف عن ملابسات القضية.

    لم يكن «الغراب» في الواقع سوى «انجيلا لافال» التي دفعتها صدمتها العاطفية إلى البحث عن آلية انتقام فأوحت لها مخيلتها بفكرة الرسائل المجهولة. وكان يمكن لهذه القضية كلها أن تبقى في إطار الأحداث المتفرقة العادية ويطويها النسيان لو لم يكن المخرج السينمائي الفرنسي «هنري جورج كلوزو» قد قدم «الغراب» في فيلم سينمائي عام 1943.

    واليوم يقوم المؤرخ بنشر هذا الكتاب الجديد. يقول: «كان يمكن لقضية الرسائل المجهولة أن تبقى في إطار مجرد قصة إخفاق في الحب وما ترتب على ذلك من ثأر وضيع. لكن تدخل صحافة تسعى لاقتفاء أثر الفضائح وتخلق أحيانا الأحداث بدلا من أن تنقلها لقرائها».

    وهنا بالتحديد يأخذ هذا الكتاب بعده الذي يتجاوز تماما قضية «تول» كلها كي يبرز آليتين للوشايات والإشاعات، آلية الغراب وآلية الصحافة. ذلك أن أنجيلا لافال، كما يرى المؤلف، وقبل أن يتم اتهامها رسميا تداولت الصحافة اسمها واعتبرتها مذنبة. يقول: «لقد جرى خرق سر التحقيقات ومارس الصحافيون تأثيرا كبيرا على القاضي وأكثر بكثير مما كان يتصور».

    ولا شك أن المؤلف يخوض هنا في قضية لها الآن صدى كبير لدى الرأي العام الفرنسي حول دور الصحافة في توجيه الاتهامات لمجموعة من الأشخاص أمضوا ثلاث سنوات في السجن قبل أن تثبت براءتهم تماماً في القضية المعروفة باسم قضية «أوترو».

    ويناقش المؤلف أيضا دور القاضي فرانسوا ريشار في قضية «تول» والذي وصل به الأمر إلى «نسيان أخلاقيات مهنة القضاء حيث وصل به الأمر إلى الإدلاء ببعض الأسرار للصحافة». هنا أيضا يناقش المؤرخ «لوناوور» دور قضاة التحقيق في المرحلة الراهنة حيث يبدو أنهم لا يبحثون سوى عن شيء واحد هو إرسال الذين يحققون معهم إلى السجون بعيدا عن كونهم أبرياء أو مذنبين حقيقيين. ويشير في هذا السياق إلى بعض ما كتبه «الغراب» وكان موجها للقضاة مباشرة ومن يلتف حولهم من رجال الشرطة وغيرهم مثل قوله: «لا فائدة من محاولة التعرف علي من خلال بصمات اليد. ذلك أنني أكتب دائما وأنا ألبس قفازا مثل ذلك الذي تستخدمه المولّدات أو الأطباء عند القيام بعمليات التوليد».

    وكان أحد القضاة في تول قد اقتنع بأن «أنجيلا لافال» هي صاحبة خط الرسائل الموجهة المجهولة الموقعة باسم «عين النمر». لكنه تردد في توجيه الاتهام رسميا لها على أساس الخط وحده. وهنا يعيد المؤلف إلى الذاكرة ما كان جرى من خطأ قضائي فادح عندما جرى الاعتماد على الخط وحده لتوجيه الاتهام ظلما للضابط «دريفوس» بالتعامل مع العدو، في القضية المعروفة باسم قضية دريفوس والتي انقسمت فرنسا حولها بين تيارين أحدهما ضد دريفوس والآخر يدافع عنه،

    حيث كان على رأس هؤلاء الكاتب إميل زولا الذي وجّه رسالته الشهيرة، التي تحمل عنوان «إني أتهم» لرئيس الجمهورية. لكن بعد وفاة والدة أنجيلا لافال غرقا زادت الشكوك حول ابنتها التي «نجحت في أن ترسخ بذهن والدتها فكرة الانتحار الضروري».

    ما اتفق عليه الجميع أثناء سير القضية هو أن أنجيلا لافال تعاني من حالة خلل عقلي، وأنها «مذنبة وليست مسؤولة». وهكذا صدر الحكم عليها بالسجن لمدة شهر واحد ودفع مئتي فرنك فرنسي لكل «ضحية» من الضحايا الذين شهّرت بهم. لكن القضية أبرزت خللا ما في آليات عمل أجهزة البوليس والقضاء في فرنسا. وهذا الخلل الذي أصبح «مزمنا» كما يريد أن يشير مؤلف هذا الكتاب «فيما يتعلق بالوقت الراهن».





  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center][/align]

    [align=center] * الكتاب: كارل ماركس
    * تأليف :مانويل خيمينيز سورينا
    * الناشر: اديمات ليبروس - لندن 2005
    * الصفحات :192 صفحة من القطع الكبير
    Karl Marx
    Manuel Gimenez Saurina
    Edimat Libros - London 2005
    p.192
    [/align]

    مؤلف هذا الكتاب هو الباحث مانويل خيمينيز سورينا المختص بكارل ماركس والفلسفة الماركسية بشكل عام. وهو هنا يقدم لمحة تاريخية عامة عن حياة ماركس وأعماله. فعلى الرغم من أن الشيوعية قد انهارت، وأن الماركسية فقدت الكثير من مصداقيتها في الآونة الأخيرة، إلا أن حياة مؤسسها لا تزال تثير الاهتمام لدى الباحثين والمختصين بالشؤون الإيديولوجية. يضاف إلى ذلك أن فكره لا يزال حاضرا بسبب تركيزه الشديد على العدالة الاجتماعية.
    منذ البداية يقول المؤلف ما معناه: ولد كارل ماركس بألمانيا في الخامس من شهر مايو عام 1818 ومات في لندن يوم الرابع عشر من مارس عام 1883. وهذا يعني أنه عاش خمسة وستين عاما. وبين هذين التاريخين شهد العالم ظهور شخصية فكرية وسياسية سوف يكون لها تأثير ضخم على الأجيال التالية. وقد اشتهر ماركس بنقده للرأسمالية نقدا شديدا على الرغم من اعترافه بالتقدم الذي حققته البورجوازية كطبقة اجتماعية عقلانية وعلمية.
    كما اشتهر بفلسفته التي اختزلت التاريخ البشري كله إلى مجرد صراع للطبقات بين الرأسماليين والعمال البروليتاريين. وهي نظرة صحيحة وناقصة في ذات الوقت ولا تنطبق إلا على مجتمعات الغرب الصناعية المليئة بالمعامل والطبقات العمالية. وحتى هنا نلاحظ أن الرأسمالية كانت ذكية عندما رفعت مستوى العمال وأسقطت بالتالي أطروحة ماركس حول الثورة المحتومة وانهيار الرأسمالية.
    ثم يردف المؤلف قائلا: كان والده محاميا من أصل يهودي ولكنه تخلى عن يهوديته عام 1824 وجعل أولاده الأربعة يعتنقون الدين الغالب في ألمانيا أي المسيحية على الطريقة البروتستانتية. وكان ذلك عام 1824: أي عندما كان عمر ماركس ست سنوات فقط. وبعد أن نال ماركس شهادة البكالوريا في مدينته الأصلية انتقل إلى بون لدراسة القانون،
    ومن هناك ذهب إلى جامعة برلين لإكمال دراساته الجامعية والاهتمام بالتاريخ والفلسفة بالدرجة الأولى. ومعلوم أن ذكرى هيغل كانت لا تزال حية وقوية باعتباره أستاذ الفلسفة الأكبر في جامعة برلين وصاحب النظريات الشهيرة التي ستؤثر على ماركس وكل جيله كثيرا كما هو معلوم.
    ولكنه لم يستطع أن يتتلمذ على يد هيغل مباشرة لسبب بسيط هو أن هذا الأخير كان قد مات عام 1831، أي عندما كان ماركس في الثامنة عشرة من عمره وقبل أن يصل إلى مدينة برلين للدراسة فيها. وقد أنهى ماركس أطروحة الدكتوراه في جامعة برلين عام 1841 وناقشها تحت العنوان التالي: الاختلاف في فلسفة الطبيعة بين ديقريطس وأبيقور، وهما فيلسوفان يونانيان قديمان.
    ثم يردف المؤلف قائلاً: وفي برلين انتسب ماركس إلى الحلقات الثقافية التي تدعى باليسار الهيغلي. نقول ذلك ونحن نعلم أن فكر هيغل أدى إلى توليد تيارين متزامنين: الأول يميني محافظ والثاني يساري ثوري. ومن أشهر الهيغليين اليساريين يمكن أن نذكر برينو بارير وفويرباخ.
    ومعلوم أن هذا الأخير كان قد انخرط في نقد جذري لعلم اللاهوت المسيحي بدءًا من عام 1836: أي بعد موت هيغل بخمس سنوات فقط. وأخذ فويرباخ يتجه أكثر فأكثر نحو المادية المحضة: أي الإلحاد في نهاية المطاف. وكان ذلك مناقضا لمثالية هيغل الذي حاول المصالحة بين الدين والفلسفة، أو بين السماء والأرض. ومعلوم أن ماركس تأثر بفويرباخ وسار على خطاه.
    وقد عبّر فويرباخ عن توجهه الجديد هذا في كتابه «جوهر المسيحية». وحاول عندئذ استخدام الجدل المثالي لهيغل من أجل فهم الواقع بشكل تاريخي وعلمي ومن خلال تطوره الجدلي الخلاق. بمعنى آخر فقد حرف فلسفة هيغل عن مثاليتها لكي تصبح واقعية أو مادية بحتة.
    ثم يردف المؤلف قائلا: وفي عام 1842 كان ماركس في الرابعة والعشرين من عمره عندما عرض عليه بعض البورجوازيين الراديكاليين أن يستلم رئاسة تحرير جريدتهم في مدينة كولونيا. وكانت مناهضة لسياسة الحكومة التي تعتبرها رجعية محافظة. وقد سرّ ماركس بهذا المنصب في وقت كانت أبواب الجامعة مقفلة كليا أمامه.
    وراح كارل ماركس يزيد من راديكالية الجريدة في الاتجاه الديمقراطي الثوري. ولكن الحكومة كانت له بالمرصاد. فقد فرضت عليه رقابة صارمة. ثم منعت الجريدة من الصدور عام 1843. وكان ماركس قد اضطر للاستقالة من منصبه قبل ذلك التاريخ من أجل إنقاذ الجريدة، ولكن عبثاً.
    ثم تزوج ماركس من صديقة طفولته جيني فون ويستفالين عام 1843. وكانت خطيبته منذ زمن طويل، وبالتالي فالزواج جاء كتتويج لقصة حب حقيقية. وكانت خطيبته من عائلة أرستقراطية بروسية شهيرة. وقد أصبح أخوها وزيرا للداخلية في إحدى الفترات الأكثر رجعية وقمعا من تاريخ الحكومة البروسية. وكان ذلك بين عامي 1850 ـ 1858. ومعلوم أنه أرسل جاسوساً إلى لندن للتجسس على زوج أخته كارل ماركس، وكان يعيش آنذاك في لندن. بل ونزل عندهم في البيت وراقبهم جيدا قبل أن يكتب تقريرا شهيرا لا تزال الأدبيات البوليسية أو المخابراتية تحتفظ به حتى الآن.
    ثم غادر ماركس ألمانيا مع زوجته عام 1843 وذهب إلى باريس حيث أسس جريدة راديكالية لم يصدر منها إلا عدد واحد. وكانت باسم: الحوليات الفرنسية ـ الألمانية. وقد ساعده على نشرها شخص يدعى أرنولد روج (1802 ـ 1880). ولكنه اختلف معه لأن ماركس كان راديكاليا أو ثوريا أكثر من اللزوم.
    فقد طرح عندئذ الشعار التالي: ينبغي نقد كل ما هو موجود بشكل لا شفقة فيه ولا رحمة. وقال عندئذ هذه العبارة: إن نقد الأسلحة لا يمكن أن يحل محل سلاح النقد. وبدءًا من تلك الفترة راح ماركس يعلق آماله على جماهير العمال (البروليتاريا) من أجل تغيير نظام الأشياء، لا على حفنة من القادة البورجوازيين المستنيرين.
    ثم يردف المؤلف قائلا: وفي عام 1844 التقى انجلز بكارل ماركس لأول مرة عندما كان في زيارة خاصة إلى باريس. وسوف يصبح لاحقا صديقه الأكثر إخلاصا وحميمية. وكان انجلز ألمانيا مثل ماركس ولكن من عائلة غنية. وقد درس فلسفة هيغل مثل ماركس وأعجب بها ولكنه رفض المشروعية الفكرية التي خلعها هيغل على الدولة البروسية المحافظة.
    وفي عام 1842 غادر انجلز مدينة «بريم» في ألمانيا لكي يلتحق بالشركة التجارية التي كان والده يمتلكها في مدينة مانشستر في انجلترا. وعندئذ تعرف على الأحوال البائسة والمرعبة التي يعيش فيها عمال المصانع. ورأى بأم عينيه مدى استغلال أرباب العمل للعمال المساكين. وعندئذ أصدر دراسة عام 1845 بعنوان: أحوال الطبقة العاملة في انجلترا.
    وبالتالي فإن لقاءه بماركس جاء في الوقت المناسب لأنهما كانا ينتميان إلى نفس التيار الفلسفي والسياسي ويحملان نفس الهموم والآمال. وبعد هذا اللقاء بوقت قصير تعاون ماركس وانجلز على كتابة أول عمل مهم وناضج من أعمال الفلسفة الماركسية ألا وهو الإيديولوجيا الألمانية. ويمكن القول إن هذا الكتاب بلور الأسس العقائدية للإيديولوجيا الماركسية: أي للمادية التاريخية. وللمرة الأولى راح ماركس ينتقد أستاذه فويرباخ ويهاجم تصوره اللا تاريخي للفلسفة المادية.
    ولم يقطع ماركس وانجلز عندئذ مع فويرباخ فقط وإنما أيضا مع الأستاذ الأكبر هيغل: أي مع تصوره المثالي لفلسفة التاريخ. وقد كتب ماركس في أطروحاته عن لودفيغ فويرباخ التي تشكل مقدمة الكتابة العبارة الشهيرة التالية: إن الفلاسفة لم يفعلوا على مدار التاريخ إلا تفسير العالم بطرائق مختلفة. وقد آن الأوان لتغييره.





  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center][/align]

    [align=center] * الكتاب:صقلية ..الفن، والتاريخ والثقافة

    * الناشر:ارسينال ـ لندن 2006

    *الصفحات: 318 صفحة من القطع الكبير

    Sicily
    Art, History and Culture
    Giovanni Francesio
    Arsenale- London 2006
    p. 318
    [/align]




    مؤلف هذا الكتاب هو الباحث جيوفاني فرانسيزيو المختص بتاريخ جزيرة صقلية ومعالمها وآثارها والحضارات التي تعاقبت عليها. وهو يقدم هنا دراسة تاريخية عامة عن هذه البلاد التي تقع جنوب إيطاليا والتي قال عنها شاعر الألمان غوته العبارة التالية: إن من زار إيطاليا دون أن يزور صقلية لم يزر شيئا !

    وهذا أكبر دليل على مدى أهمية هذه الجزيرة المتوسطية الخارقة الجمال. ومنذ البداية يقول المؤلف ما معناه: إن الشواطئ المشمسة لصقلية وحسن ضيافة سكانها وترحيبهم بالأجانب ينسيانك كل التعب والعناء الذي تجشمته للوصول إليها. فالجمال الساحر لهذه الأرض المتوحشة التي لم تفسدها الحضارة بعدئذ يذهلك عن نفسك ويمتلك كل أحاسيسك ومشاعرك.

    وقد قال عنها الكاتب الفرنسي الشهير غي دومباسان ما يلي: إن لصقلية الحظ في أن تعاقبت عليها حضارات غنية وخصبة مختلفة. فتارة كان الغزاة يجيئونها من الشمال وتارة من الجنوب. وكلهم جبلوها بحضاراتهم المتنوعة الشديدة الثراء. وبالتالي فهي جزيرة تضج بالتناقضات وتغتني بها في الوقت ذاته.

    ثم يردف المؤلف قائلا: في القرن التاسع قبل الميلاد تدهورت أحوال صور في لبنان فهجر الفينيقيون المشرق وذهبوا لاستعمار إفريقيا الشمالية وتأسيس مدينة قرطاج هناك. ولا تزال معالمها الأثرية باقية في تونس حتى الآن. وهي تدهشنا بصمودها وتحديها لمئات القرون. فأطلالها لا تزال واقفة تشهد عليها.

    ثم جاء الرومان بدورهم لكي يجلوا الإغريق عن الجزيرة ويحلوا محلهم بقوة السلاح. وقد استطاع البيزنطيون الهيمنة على المنطقة عام 535 بعد الميلاد. وبما أن سكان الجزيرة كانوا قد بقوا إغريقا في أعماق قلوبهم فإنهم استقبلوا الفاتحين البيزنطيين بالورود والرياحين. ومعلوم أن بيزنطة كانت يونانية اللغة والثقافة. صحيح أنها كانت تابعة للإمبراطورية الرومانية سياسيا إلا أنها كانت متشبعة بحضارة اليونان.

    ثم يردف المؤلف قائلا: وبعدئذ جاء دور العرب والمسلمين. فبعد أن نجحت الفتوحات في المشرق واستولت على سوريا، ومصر، والعراق، وبلاد فارس، الخ. انتقلت إلى المغرب وشمال إفريقيا. وكانت محكومة من قبل الرومان. وقد بدا البيزنطيون عاجزين عن صدّ موجات الفاتحين المسلمين. وأصبحت صقلية عرضة للغزوات السورية والمصرية قبل أن يفتحها العرب تماما عام 827م أي في بداية القرن التاسع الميلادي.

    والواقع أن العرب استغلوا التناقضات الداخلية للجزيرة. وعن طريق التعاون مع طرف ضد طرف آخر استطاعوا أن يفتحوا ثغرة في دفاعاتها فاحتلوا «باليرما» عام 831م و«سيراكوزا» عام 878م.

    ثم يردف المؤلف قائلا: وقد استوطنت المستعمرات العربية أساسا في المنطقة الغربية من صقلية. وكان السكان الأصليون يدعونهم بالسراسين، وهو مصطلح يدل على عرب سوريا، وعرب مصر، وبربر شمال إفريقيا، ومسلمي إسبانيا في آن معا. بمعنى أنهم كانوا يخلطون بين العرب والبربر ولا يفرقون بينهما. وبعد أن فتحها المسلمون راحوا يقيمون مباشرة ثكنات عسكرية عربية في باليرما وثكنات بربرية في مدينة أغريجنتا.

    وقد قسم العرب أو المسلمون الجزيرة إلى ثلاث مناطق أساسية: منطقة وادي المزارة الواقعة في الغرب وقد انتشر فيها الإسلام إلى حد كبير عندما غير السكان دينهم المسيحي واعتنقوا الدين الجديد. ومنطقة وادي دي نوتو في الجنوب الشرقي، ومنطقة وادي ديمونا في الشمال الشرقي حيث بقيت أقلية مسيحية معتصمة في أعالي الجبال. ومن هناك كانت تقود المقاومة ضد المسلمين. وكانت مقاومة على هيئة فدائيين أو مغاوير. ومعلوم أن الجبال الوعرة تساعد على هذا النوع من المقاومة.

    ولكن كان يوجد في الجزيرة يهود أيضا. وقد اتبع معهم المسلمون سياسة شديدة التسامح بشرط أن يقبلوا بوضع الذميّ: أي أهل الكتاب. وسمحوا لسكان صقلية بالاحتفاظ بعاداتهم وتقاليدهم وإدارتهم المحلية بشرط أن يدفعوا الجزية. وهكذا طبقوا الشريعة الإسلامية عليهم.

    وكانت إمارة صقلية الإسلامية مستقلة عمليا عن القيروان عاصمة الأغالبة. ولكنها كانت تابعة لهم نظريا. ومعلوم أن الهيمنة الإسلامية كانت قد امتدت آنذاك لكي تشمل جزءاً كبيرا من حوض البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من سوريا وانتهاء بإسبانيا مرورا بمصر وسواها. وقد استفادت جزيرة صقلية من هذا الوضع لكي توسع مجال تجارتها مع العالم الخارجي وتستورد مواد جديدة غير معروفة سابقا. وبالتالي فاحتلالها من قبل العرب لم يكن نقمة وإنما نعمة لأنه أتاح لها أن تتعرف على حضارة جديدة وتغتني بعطائها وثرواتها.

    وقد دشن العرب هناك سياسة الإصلاح الزراعي وحسنوا نظام الريّ وحبّذوا نشوء ملكيات فردية صغيرة للمزارعين. وشجعوا السكان المحليين على زرع الحمضيات التي لم تكن معروفة في البلاد.

    كان العرب آنذاك أصحاب حضارة كبيرة، وكانوا يقدمون للآخرين أفضل ما عندهم. كما أدخلوا إلى هناك زراعة قصب السكر، والقطن، وشجر التوت. وكان هذا الأخير يستخدم من أجل تربية دود القز والحصول على الحرير. كما أدخلوا إلى صقلية شجرة النخيل لأول مرة وهي رمز العرب، وكذلك زراعة البطيخ الأحمر والأصفر، الخ.

    وبدءاً من صقلية، وإسبانيا أيضا، راحت هده المنتجات الجديدة تدخل إلى كل أنحاء أوروبا. وقد دخلت في معظم الأحيان مع أسمائها. ولذلك تركت اللغة العربية بصماتها على اللغات الأجنبية كالفرنسية والإسبانية والإيطالية والانجليزية. فالتفاعل الحضاري يؤدي إلى تفاعل لغوي. ثم يردف المؤلف قائلا:

    ولكن معظم هذه الزراعات الجديدة كانت تتطلب الكثير من الماء. ولذلك استخدم المسلمون نظام الريّ الروماني بعد أن أدخلوا عليه تحسينات كبيرة. فقد أضافوا النواعير والقناطر وأشياء أخرى. وبالتالي فالعرب لم يكونوا فقط ناقلين للحضارة وإنما كانوا صانعين لها ومضيفين إليها أيضا.

    وحسّن المسلمون أيضا تقنيات استخراج المعادن من الأرض كالكبريت، والرصاص، والفضة، الخ. وراحوا يعلمون الناس كيف يمكن أن يستخرجوا الملح من ماء البحر، وكيف يصطادون السمك بكل أنواعه.

    ومعلوم أن حضارة العرب كانت متقدمة على أوروبا آنذاك من الناحية العلمية والتكنولوجية والفلسفية. ثم راح المسلمون يبنون في صقلية القصور والمساجد الرائعة والحدائق المليئة بالنافورات وأحواض المياه. وراحوا يعلمون السكان الأصليين فن الخط، والزخرفة العربية الإسلامية الشهيرة. ولا تزال آثار الحضارة العربية ـ الإسلامية موجودة بكثرة في صقلية وشاهدة على عظمة الماضي.

    وقد زار ابن حوقل مدينة باليرما عام 950 وخلّف لنا وصفا دقيقيا للمدينة وللحضارة العربية الإسلامية في صقلية. ومعلوم أنه كان تاجرا من بغداد ومؤرخا وجغرافيا في ذات الوقت. ولا تزال آثار بعض البنايات والمساجد التي وصفها ماثلة للعيان حتى الآن. لا تزال شامخة تتحدى الزمن. ولا يزال العربي يشعر بأنه في بيته تقريبا عندما يزور صقلية.

    هذا فيما يخص الماضي البعيد. وأما فيما يخص الحاضر فيقول المؤلف ما معناه: إن باليرما هي الآن عاصمة جزيرة صقلية. ويبلغ عدد سكانها ثمانمئة ألف نسمة. وقد اشتهرت بجمالها الذي طالما تغنى به الكتاب والشعراء.

    ولكن لسوء الحظ فإن سمعتها اختلطت بسمعة المافيا السوداء. فما هي المافيا يا تُرى؟ إنها عبارة عن منظمة إجرامية بدون شك. ولكن كلمة المافيا بالمعنى الواسع للكلمة تدل على القيم الإقطاعية: أي قيم الشرف، والرجولة، والتضحية، والوفاء للعهد، الخ. وبالتالي فالمعنى العام لها والذي هو من أصل عربي ليس سلبيا على الإطلاق. ولكنه أصبح سلبيا بعد أن اختلط بتلك المنظمة الإجرامية التي عاثت فسادا في الأرض كلها، وليس فقط في باليرما وصقلية.

    وأصول المافيا سرية، مجهولة. فلا أحد يعرف كيف تشكلت لأول مرة. ولكن المؤرخين يعتقدون بأن تشكلها مرتبط بالفقر المدقع واليأس وكل ما هو سلبي في الحياة. فالجنوب الإيطالي لم يحظ بعناية السلطة المركزية كما حصل للشمال. ولذلك بقي متخلفا، فقيرا، جاهلا. وقد انقسمت المافيا إلى عدة عصابات متحاربة مع بعضها البعض. وانعكست هذه الحروب والمجازر على السكان الأصليين الذين أصبحت كلمة المافيا ترعبهم مثلما ترعب القريب والبعيد. ورجال المافيا من أجرأ الناس وأكثرهم شجاعة. ولكنهم شريرون أيضا ولا يتورعون عن سفك الدم إذا لزم الأمر. وكثيراً ما يقومون بتصفية حسابات دموية فيما بينهم ويقتلون حتى أطفال بعضهم البعض.





  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center][align=center][/align]

    * الكتاب: الثورة الفرنسية(1789-1799) تاريخ اجتماعي وسياسي
    تأليف :جان كليمان مارتان
    * الناشر: بيلان ـ باريس 2006
    * الصفحات: 317 صفحة من القطع الكبير

    La révolution française (1789-1799)
    : une histoire socio-politique
    Jean Clément Martin
    Belin- Paris 2006
    P.317
    [/align]


    مؤلف هذا الكتاب هو الباحث الفرنسي جان كليمان مارتان، الأستاذ في جامعة السوربون ومدير معهد التاريخ الخاص بالثورة الفرنسية. وكان قد نشر سابقا كتباً عدة نذكر من بينها: الثورة ـ الثورة المضادة، وتشكيل الأمة الحديثة في فرنسا بين عامي 1789-1799. وفي هذا الكتاب الجديد يقدم لنا المؤلف صورة واضحة جداً عن الثورة الفرنسية بكل أحداثها ومراحلها المتقلبة وإنجازاتها.

    ومنذ البداية يقول المؤلف ما معناه: لقد تحققت الثورة الفرنسية خلال بضعة أشهر فقط من 17 يونيو إلى 15 أكتوبر من عام 1789. ولكنها ابتدأت في الواقع منذ الخامس من شهر مايو من العام نفسه. نقول ذلك على الرغم من أنه لم يحصل أي حدث ثوري عنيف في ذلك اليوم.

    فالملك لويس السادس عشر كان قد دعا ممثلي الأمة الفرنسية للاجتماع في قصر فرساي في ذلك اليوم بالذات من أجل التناقش بشأن الإصلاحات. ولكنه ما كان يعلم أن الثورة الفرنسية ستندلع بعد بضعة أسابيع لكي تطيح به وبكل عائلته التي حكمت البلاد منذ قرون وقرون.

    والواقع أن الشخصيات التي دعيت للاجتماع في ذلك اليوم المشهود كانت تنتمي إلى الطبقات الثلاث التي تشكل الشعب الفرنسي، أي طبقة الكهنة وكبار رجال الدين، ثم طبقة النبلاء الأرستقراطيين، ثم طبقة بقية الشعب: أي معظم سكان فرنسا. الطبقتان الأوليتان كانتا تتمتعان بامتيازات ضخمة مادية ومعنوية.

    فكان يكفي آنذاك أن تولد في عائلة نبلاء أو عائلة من كبار الكهنة المسيحيين لكي تفتح أمامك أبواب الدولة والتوظيف والثروة على مصراعيها. أما إذا شاء لك الحظ العاثر أن تولد في طبقة شعبية أو فلاحية فالويل لك. كان معظم أبناء الشعب الفرنسي آنذاك خدما عند الكهنة والطبقة الأرستقراطية.

    وضد هذا الوضع المهين واللاإنساني اندلعت الثورة الفرنسية، وبالتالي فقد كانت ثورة من أجل العدالة والحرية بالدرجة الأولى.

    وقد افتتح الاجتماع المهيب مطران مدينة نانسي «لافار». وهاجم في خطابه أخطاء فلاسفة التنوير وترف البلاط الملكي في آن معاً. وقارن بينه وبين فقر الفلاحين في الأرياف الفرنسية. وقال بما معناه: لا يجوز أن يكون الغنى الفاحش في جهة والفقر الفاحش في جهة أخرى.

    ومعلوم أن ممثلي الفلاحين والطبقات العمالية والشعبية كانوا قد أسمعوا صوتهم في القصر بهذا الاتجاه. وقالوا للملك بأن الشعب يتضور جوعاً لأن الضرائب أثقلت كاهله. ثم قالوا للملك: «إن الشعب يدفع كل شيء وأما الكبار، أي الأغنياء جدا، فلا يدفعون شيئا للخزينة العامة، فهل هذا معقول يا جلالة الملك؟ هل يعقل أن يدفع الفقير الضرائب ولا يدفعها الغني الفاحش الثراء؟».

    ثم يطرح المؤلف هذا السؤال: كم كان عدد النبلاء الأرستقراطيين في فرنسا آنذاك؟ حوالي الثلاثمائة ألف شخص في بلد يصل عدد سكانه إلى الثلاثين مليون نسمة تقريباً. كل الشعب كان يخدم هؤلاء النبلاء الاقطاعيين الذين يتوارثون الامتيازات والمناصب أباً عن جد. وضد هؤلاء اندلعت الثورة الفرنسية التي رفعت الشعار التالي: حرية، مساواة، إخاء. بمعنى أنه لا يوجد بعد اليوم ابن سيدة وابن جارية وإنما يوجد شعب واحد مؤلف من مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.

    ولكن الثورة اندلعت أيضاً ضد طبقة رجال الدين التي كانت تستغل الشعب مثل طبقة النبلاء وإن بطريقة أخرى. فقد كانت تخدّره بالمواعظ المسيحية التي تطلب منه القبول بواقعه البائس مقابل الوصول إلى الجنة في العالم الآخر. لقد لعب رجال الدين دور الدعاية الديماغوجية للعهد القديم عندما أقنعوا الشعب بعدم الثورة عليه. وكانوا يلحون في مواعظهم يوم الأحد على الفكرة التالية: إن الثورة على الحاكم تعني الثورة على الله لأن ملك فرنسا هو ظل الله في الأرض.

    ولكن بما أن الفلاسفة كانوا قد نقضوا هذه الفكرة من قبل فان الشعب المستنير وبخاصة في المدن راح يتجرأ على إعلان غضبه الشديد على الوضع القائم. ومعلوم أن جان جاك روسو أحد ملهمي الثورة الفرنسية كان قد ركّز على الفكرة التالية: وهي أن الناس خلقوا متساوين في البداية ثم اختلفت أوضاعهم بعدئذ وانقسموا إلى فئتين متمايزتين: فئة النبلاء والأغنياء المالكين للأرض، وفئة الفلاحين الفقراء الذين يشتغلون في الأرض دون أن يملكوا شيئاً.

    وبالتالي فالملكية هي أساس التفاوت بين البشر، وهي التي أدت إلى كل هذا الظلم الذي أصاب الفلاحين الذين يشكلون أغلبية الشعب الفرنسي. وفي خطابه الشهير عن أصل الظلم واللامساواة بين البشر فكك روسو كل الأفكار القديمة التي تبرر الامتيازات والتفاوتات الطبقية، وقال انه لا أصل لها ولا شرعية على الإطلاق.

    وكان هذا الخطاب بمثابة إعلان حالة حرب على النظام القائم حتى قبل أن تندلع الثورة الفرنسية بثلاثين سنة على الأقل. وبالتالي فالفلاسفة كانوا قد مهدوا الأرضية وزرعوا البذور الفكرية التي تفتحت لاحقاً وأدت إلى اندلاع الثورة الفرنسية.

    فالثورة لم تنشأ من العدم أو لم تكن ممكنة لولا أن المشروعية القديمة التي تبرر الامتيازات قد سقطت أو أصيبت في الصميم على الأقل وحلت محلها مشروعية جديدة هي مشروعية حقوق الإنسان والمواطن. ثم يردف المؤلف قائلاً بما معناه: والواقع أن الشرعية الإلهية للملك لويس السادس عشر كانت قد سقطت في نظر قادة الثورة والطبقات البورجوازية المستنيرة من الشعب. ولكنها كانت لا تزال قوية في نظر غالبية الفلاحين الفقراء الذين يعتقدون بأن الملك هو بالفعل ظل الله على الأرض.

    ولهذا السبب فإن الصراع بين كلا التيارين الجمهوري والملكي سوف يستمر فترة طويلة بعد سقوط النظام الملكي، وذلك لأن طبقة النبلاء والكهنة ظلت تدافع عن النظام القديم وتجر وراءها قسماً لا يستهان به من الشعب الفرنسي المغلوب على أمره والجاهل. ولكن البورجوازية المستنيرة نجحت في نهاية المطاف في قلب النظام الإطلاقي المستبد وإحلال النظام الجمهوري البرلماني محله. وهو نظام قائم على الانتخابات وسيادة الشعب لا على الحق الإلهي للملوك.

    فالمشروعية لم تعد في يد الكهنة وإنما في يد الشعب وإرادته الحرة. على هذا النحو راحت تتصارع في فرنسا مشروعيتان: مشروعية الملك والكنيسة المسيحية الراسخة الجذور منذ مئات السنين، ومشروعية التصويت الشعبي وحقوق الإنسان والمواطن، وهي حديثة العهد. والواقع أن الثورة لم تكن تريد في البداية أن تقلب الملك وإنما أن تحول فرنسا إلى نظام ملكي دستوري لا نظام ملكي استبدادي أو إطلاقي كما هو سائد. بمعنى آخر كانت تريد أن تفعل كما فعلت انجلترا.

    ولكن تدافع الأحداث وتفاعلاتها غير المتوقعة أديا إلى نوع من الراديكالية المتشددة التي طالبت بإسقاط النظام الملكي بل وقطع رأس الملك وزوجته ماري أنطوانيت. على هذا النحو اتخذت الثورة الفرنسية طابعاً دموياً ما كان أحد يتوقعه في البداية. نلاحظ أن المؤلف يتوقف عند كل هذه المراحل التي مرت بها الثورة من خلال الفصول المتتابعة للكتاب.

    فالفصل الأول يتحدث عن كيفية ولادة الثورة الفرنسية أو اندلاعها. وأما الفصل الثاني فيتحدث عن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تختمر أو تعتمل في أعماق فرنسا منذ عقود عدة من السنين. فالبلاد كانت جائعة تقريبا، أو قل ان القسم الأكبر من الشعب كان جائعا في حين أن النبلاء والكهنة والأغنياء كانوا يعيشون حياة البذخ والإسراف في القصور. وهذا هو السبب الأساسي لاندلاع الثورة الفرنسية في الواقع.

    وهذا ما لم يفهمه لويس السادس عشر إلا بشكل متأخر وبعد فوات الأوان. نقول ذلك وبخاصة أن حاشيته أو بطانته أخفت عنه حقيقة الصورة. وزاد من تفاقم الأوضاع سوء المحاصيل الزراعية في العام الذي سبق الثورة مباشرة أي عام 1788. وهكذا أصبح القمح نادرا وبالتالي فلم يعد هناك خبز أو طعام. ومعلوم أن الخبز هو المادة الأساسية للشعب. وعندما يجوع الإنسان يثور أو يصبح ميالا للتمرد على النظام القائم. فالجوع كافر لا يرحم.

    أما الفصل الثالث من الكتاب فيتحدث عن أزمة الثقافة السياسية في فرنسا آنذاك. فالشعب لم يعد يقدس شخص الملك كما كان يحصل سابقا، أو قل أصبح يقدسه بشكل أقل. وتأثير الكهنة ورجال الدين لم يعد قويا كما كان عليه الحال في العصور الماضية، وذلك لأن الأفكار الثورية والتنويرية كانت قد انتشرت في صفوف الشعب بما فيه الكفاية.

    ثم يردف المؤلف قائلا: وأما الطبقة البورجوازية فكانت قد تخلصت كلياً من الأفكار القديمة التي تخلع القدسية على النظام السائد. وكانت أفكار فلاسفة التنوير قد انتشرت في صفوفها وتغلغلت إلى أعماقها. وبالتالي فلم تعد تشعر بالمهابة أمام النبلاء والأرستقراطيين كما كان يحصل سابقا. وهذا ما دفع بها إلى الثورة عليهم وبكل حقد أحيانا لأنهم مصّوا دم الشعب وتمتعوا بخيراته وعرق جبينه على مدار القرون.

    ضمن هذه الأجواء ينبغي أن نموضع الأمور لكي نفهم سبب اندلاع الثورة الفرنسية. أما الفصل الرابع من الكتاب فقد كرّسه المؤلف لدراسة الموضوع المهم التالي: الثورة الفرنسية تؤدي إلى تجديد البلاد والخروج من الروتين ومستنقع الجمود والركود. لا ريب في أن الثورة تهدم وتدمر، ولكنها في الوقت ذاته تدخل حيوية جديدة إلى البلاد وتفتح آفاقاً واسعة لم تكن في الحسبان.

    وهذا ما يؤدي إلى تجديد الطاقات وشحذها من جديد. أما استمرارية الوضع القائم على ما هو عليه فإنه يعرقل الانطلاقة ويخنق الحيوية والطاقات الجديدة التي تريد أن تعبر عن نفسها. بهذا المعنى فإن الثورة الفرنسية كانت حظا لفرنسا على الرغم من كل شيء. لقد أدت إلى ولادة فرنسا جديدة ، فرنسا حيوية مليئة بالنشاط والأمل، فرنسا مختلفة عن فرنسا القديمة الجامدة التي وصلت إلى الجدار المسدود.

    أما الفصل الخامس من الكتاب فيتحدث عن الطرق أو الآفاق الجديدة، التي فتحتها الثورة الفرنسية وكيف أنها غيّرت العلاقة بين الدين والسياسة، أو بين الشعب والحكم، أو بين الأغنياء والفقراء.

    أما الفصل السادس من الكتاب فيتحدث عن الخط المتصاعد واللامرجوع عنه للثورة بعد أن بلغت زخما معيّنا. هذا في حين أن الفصل السابع يتحدث عن فشل الرعب الثوري الذي قام به روبسبيير والذي أدّى إلى قطع رأسه تحت المقصلة في نهاية المطاف. ويتحدث المؤلف في الفصلين الأخيرين عن وصول الثورة نفسها إلى الجدار المسدود وكيف أنقذها نابليون بونابرت في آخر لحظة وأكملها.





  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=center][/align][align=center]نظرية العدالة [/align]

    [align=center] * الكتاب:نظرية العدالة
    *تأليف :جون رولس
    * الناشر: بلكناب برس - نيويورك 2005

    * الصفحات: 560 صفحة من القطع الكبير

    A theory of justice : original edition

    John Rawls

    Belknap press n New York 2005

    P.560

    [/align]

    مؤلف هذا الكتاب هو واحد من أهم المفكرين في الولايات المتحدة الأميركية، جون رولس. وقد كان أستاذاً كبيراً في جامعات برنستون، وأوكسفورد، وكورنيل، وهارفارد قبل أن يتقاعد عام 1995. وهو يعتبر أحد أكبر الفلاسفة السياسيين في القرن العشرين. والواقع أن فكره يهيمن على الفلسفة الأخلاقية والسياسية منذ أن كان قد نشر أبحاثه عن العدالة، والحرية، والديمقراطية وسوى ذلك.

    وتأثيره يمتد لكي يشمل اقتصاد الرفاهية، ونظرية الخيار العقلاني، والقانون، وعلم النفس الأخلاقي. ولا نجد مثيلا لكتابه عن العدالة إلا لدى الكلاسيكيين الكبار كأفلاطون وجمهوريته، وهوبز ونظريته السياسية، وجون لوك ورسالته عن الحكومة المدنية، وجان جاك روسو وكتابه الشهير:

    العقد الاجتماعي. وكتابه عن العدالة مؤلف من عدة أقسام، وكل قسم يتفرع إلى عدة فصول. فالقسم الأول يحمل العنوان العريض التالي: النظرية. وهنا نجده يتحدث عن العدالة بصفتها إنصافا. ويتحدث الفيلسوف عن دور العدالة، وموضوع العدالة، والفكرة الأساسية لنظرية العدالة... الخ.

    وأما القسم الثاني من الكتاب فيتحدث عن المؤسسات التي تحقق العدالة في المجتمع والدولة. هذا في حين أن القسم الثالث يتحدث عن الغايات النهائية للعدالة ألا وهي الخير العام للجميع. في الواقع أنه ينبغي أن نتحدث عن السياق العام الذي ألف فيه جون رولس كتابه هذا. لقد ألفه عندما كانت مشروعية الولايات المتحدة تتعرض لضربات موجعة وتشكيك كبير من قبل المثقفين في الداخل والخارج.

    ولا يمكن فهم كتاب نظرية العدالة إذا لم نأخذ بعين الاعتبار اهتزاز صورة الولايات المتحدة بعد حرب فيتنام. كما ينبغي أن نموضع كل أبحاث هذا الفيلسوف ضمن سياق مشكلات المجتمع الأميركي المعاصرة.

    فالسود كانوا يعانون من تمييز عنصري في كل مجالات الحياة: في المدرسة، والشارع، والجامعة، والوظيفة، الخ. وقد ظهرت عندئذ حركة النضال من أجل نيل الحقوق المدنية. وهي الحركة التي قاد زمامها الزعيم الشهير مارتن لوثر كنغ. ومعلوم أنهم اغتالوه بعدئذ. وأصبح عندئذ رمزاً عن النضال من أجل الحق والعدل.

    وبالتالي فعندما ألف الفيلسوف جون رولس كتابه عن العدالة فإنه كان يفكر في كل هذه الأشياء. فالفيلسوف الذي لا يعتمد على الواقع ومشكلاته المحسوسة من أجل بلورة فلسفته ونظرياته لا يستحق اسم فيلسوف في الواقع. ويرى معظم الباحثين أن كتاب رولس هذا هو أهم نص في الفلسفة السياسية بالنسبة للعالم الانغلوساكسوني بمجمله.

    والواقع أن الرجل ولد في عائلة غنية لا فقيرة. وبالتالي فاهتمامه بموضوع العدالة مجرد عن المصالح الشخصية. إنه اهتمام كريم لرجل كريم يصعب عليه أن يرى الظلم والتمييز سائدين في المجتمع الأميركي. وبالتالي فهو يريد تصحيح الأوضاع. ولهذا السبب ألف كتابه عن العدالة.

    والواقع أن جون رولس كمثقف كان يقف على يسار الطبقة السياسية والفكرية الأميركية. ولكن أفكاره أو نظرياته لم تكن تهم فقط اليسار، وإنما اليمين أيضا وكل أطياف الساحة الثقافية والسياسية في البلاد. وكان جون رولس يقول ما معناه: في دولة عادلة حقا ينبغي ألا نحاسب الناس على أماكن ولادتهم سلبا أو إيجابا. فالإنسان لا يستطيع أن يختار مكان ولادته. ولولا ذلك لربما كان قد اختار باستمرار أن يولد في عائلة غنية وطبقة بورجوازية ميسورة لا في عائلة فقيرة ومديونة مثلاً.

    والمقصود بذلك أن أول مبدأ من مبادئ العدالة هو ألا نحاسب الناس إلا على ميزاتهم الشخصية وكفاءاتهم. وبالتالي فلا ينبغي أن نميز بين أسود وأبيض، أو ابن سرة وابن جارية، الخ. الكل سواسية أمام القانون ومؤسسات الدولة أو هكذا ينبغي أن يكون. وأما المبدأ الثاني الذي يلح عليه المؤلف فهو مبدأ الحرية. فالحرية ينبغي أن تعطى للجميع وليس لفئة دون فئة أخرى. والحرية مشروعة ما دامت لا تمنع حرية الآخر في أن تتحقق.

    أما المبدأ الثالث الذي يلح عليه المؤلف فهو مبدأ مشروعية الاختلاف بين البشر. بمعنى أن العدالة تقتضي منا القبول باللامساواة العادلة بين البشر. ماذا يعني ذلك؟ ألا يتناقض هذا مع العدالة يا ترى؟ ولكن التفاوت في الدخل أو الثروة بين البشر لا ينبغي أن يكون ضخما جدا أو فاحشا. بمعنى أنه يحق لي أن أكون أغنى منك إذا كنت أكثر كفاءة وقدرة. ولكن لا ينبغي أن تكون ثروتي أكبر من ثروتك بعشرات المرات مثلا أو مئات المرات كما يحصل في مجتمعات الرأسمالية المتوحشة.

    ويرى البروفيسور جون رولس أن اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية ينبغي أن تحقق شرطين اثنين: الأول هو أن تكون ناتجة عن وظائف ومواقع مفتوحة للجميع وليست مغلقة في وجه أي مواطن بشكل مسبق بسبب لون وجهه أو دينه أو أصله العرقي، الخ. ينبغي أن تكون هذه الوظائف مفتوحة أمام الجميع وتحقق مبدأ تكافؤ الفرص. ولكن من يكون أفضل وأكثر كفاءة من غيره يحق له أن يفوز بها.

    والثاني هو أن هذه اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية ينبغي أن تنعكس إيجابا على الأفراد الأكثر فقرا في المجتمع. وهذا يعني أن على الدولة أن تتدخل لكي تحمي المواطنين الأكثر ضعفا وفقرا لكيلا يدوس عليهم الأقوياء والأغنياء ويسحقوهم سحقا داخل النظام الرأسمالي الذي لا يرحم.

    ثم يردف الفيلسوف الشهير وأستاذ جامعة هارفارد قائلا: ليس من العدل أن تولد في عائلة غنية، وأنا في عائلة فقيرة. وليس من العدل أن تولد ذكيا متفوقا، وأنا غبيا . ولكن هذا شيء وارد جدا في الحياة الاجتماعية وينبغي أن نقبله ولا حيلة لنا به. هذا النوع من الظلم واللاعدالة أمر لا مندوحة عنه.

    ولكن يمكن التخفيف منه عن طريق إفادة الغني المتفوق للجماعة ككل وليس فقط لمصلحته الشخصية. كيف؟ عن طريق دفع ضرائب أكثر من غيره. فمن يكسب الملايين من الدولارات سنوياً ينبغي عليه أن يدفع قسماً كبيراً إلى الدولة لكي تصرفه على الفقراء أو تحسّن وضعهم به. وعلى هذا النحو يحصل نوع من التوازن بين الأغنياء والفقراء ولا يعود أحد يموت من الجوع أو يصبح غير قادر على إطعام عائلته مثلا وتربية أطفاله. هنا يوجد خط أحمر لا يمكن انتهاكه في أي دولة تحترم نفسها.

    وبالتالي فالعدالة التي يدعو إليها البروفيسور جون رولس هي عدالة نسبية ولا تهدف إطلاقا إلى المساواة الكاملة في المدخول والمستوى بين جميع المواطنين. فهذا شيء مستحيل، بل وغير مرغوب أبدا. وقد حاولت الأنظمة الستالينية تحقيقه عن طريق الدكتاتورية فكانت النتيجة الفشل الذريع للجميع من أغنياء وفقراء، أو أذكياء وأغبياء، أو أقوياء وضعفاء...

    على العكس فإن وجود نوع من التفاوت النسبي في المدخول بين المواطنين يؤدي إلى نوع من الديناميكية الاجتماعية ويحقق الوضع الطبيعي للإنسان. فليس من العدل أن أعطي المتفوق المنتج راتبا مساويا لراتب الغبي الكسلان مثلا. ولكن ينبغي أن أعطي للجميع إمكانية العيش الكريم وتحسين وضعهم ووضع أولادهم. بمعنى آخر ينبغي أن يوجد تفاوت بين البشر ولكن لا ينبغي أن يكون هذا التفاوت فاحشا.

    نضرب على ذلك المثل التالي: إذا كان العامل في الشركة يتقاضى مبلغ ألف دولار كراتب فلا ينبغي أن يتجاوز راتب رب العمل، أي رئيس الشركة، الخمسة والعشرين ألف دولار.

    ولكن في الرأسمالية المعاصرة نلاحظ أن هذا الشرط غير متوفر. فراتب أرباب العمل أصبح خيالياً ولا يكاد يصدق. فبعضهم يتقاضى راتب مئة ألف دولار شهرياً أو حتى مليون دولار، هذا في حين أن راتب العامل الذي يشتغل عنده لا يتجاوز الألف أو الألف وخمسمئة دولار.

    هذا ظلم فاحش في نظر جون رولس، وهو غير مقبول على الإطلاق. فهل أنت بحاجة إلى مليون دولار في الشهر لكي تعيش؟ هل أنت بحاجة إلى مئة ألف دولار؟ يكفيك خمسة وعشرون ألفا أو خمسون ألفا على أكثر تقدير. مهما يكن من أمر فإن عليك إذا كنت تكسب كثيرا أن تعطي قسما منه إلى الخزينة العامة أو مصلحة الضرائب لكي تصرفه على الناس المحتاجين وترفع مستوى ذوي الدخل المحدود.

    ثم لكي تصرفه على الخدمات العامة أيضا من أجل تحسينها وصيانتها. وعلى هذا النحو يحصل التكافل الاجتماعي في المجتمع. بمعنى آخر فإن نسبة التفاوت بين الغني والفقير في المجتمع الأميركي لا ينبغي أن تتجاوز واحداً على خمسة وعشرين أو واحداً على ثلاثين كحد أقصى. ولكننا نعلم أنها تتجاوز الآن واحداً على ألف أو حتى على مئة ألف ! هنا يكمن الخطر على المجتمع في دول الرأسمالية المتوحشة، الجشعة، التي لا تشبع.

    وبالتالي فإن المنظّر الأكبر للعدالة في أميركا ليس شيوعياً ولا ماركسياً ولا يؤمن بالمساواة الكاملة بين البشر، ولا يطالب بها أصلا لأنه يرى فيها خطرا على تقدم المجتمع وحيويته وازدهاره. ولكنه يطالب بالحد الأدنى من العدل والمساواة لكي يعيش الجميع في وئام وسلام.





صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني