بسم الله الرحمن الرحيم
لأهمية هذا الشعب وهذا المجتمع أحببت أن أحاول تسليط ولو جزء حزمة من الضوء على طبيعة هذا المجتمع الثابتة والمتغيرة , سجاياه , طبائعه , بُنيته الاجتماعية والسياسية والدينية وما يتعلق بهذه الأمور .. فالعراق كبلد ومجتمع ضارب في أعماق التاريخ وموغل في القدم فهو بحق بلد الحضارات الانسانية بدءً من سومر وأكد وبابل وآشور كحضارات انسانية مرورا بتلاقحه - أجزاء مهمة منه - مع حضارات انسانية أخرى كحضارة فارس ثم الحضارة الاسلامية . والعراق بلد تعاقبت عليه أنواع الحكومات في القديم والحديث من العصور ودالت في العراق دول .. حكمه في يوم ما حمورابي صاحب المسلة القانونية الشهيرة التي اشتهرت بعدالة الفقرة القضائية القائلة " العين بالعين والسن بالسن" .. وحكمه في مفصل آخر من مفاصل حياته علي بن أبي طالب واتخذه عاصمته وحكمه الحجاج وابن زياد وساد العباسيون في العراق والاتراك العثمانيون .. تعاقبت عليه الحكومات الجائرة والعادلة وذاق هذا البلد أنواع مختلفة من الاحتلال منها المغولي الأصفر ومنها الاسلامي الصفوي الفارسي ومنها الاسلامي العثماني التركي ومنها الانجليزي والامريكي .. أرض العراق مهبط رسالات عديدة ومجتمع لدعوة بعض أنبياء الله وأوليائه فقد كان لهؤلاء الانبياء والاولياء في يوم من الايام محطات في العراق .. آدم ونوح .. هود وصالح .. يونس وشيت .. أيوب وابراهيم .. العزير وذو الكفل الخ .. صراعات الحق والباطل كانت أرض الرافدين ميدانا لها في فترات من التاريخ ! علي مع المارقين مرة والناكثين ثانية والقاسطين ثالثة .. الحسين ويزيد وما تبعها حتى صارت طشت الرؤوس المقطوعة في قصر الامارة مضرب الأمثال .. الكاظم وهارون والعديد غيرها وليس آخرها الصدرين وصدام . أرض العراق سُميت أرض السواد لشدة خضرة ربوعها ! .. دجلة والفرات يشقان أرضه من شماله الى جنوبه يحملان الخير لأبنائه .. ثروات هائلة تغفو عليها وفيها أرض العراق وسكانه يعانون القتل والتشريد والجوع والاضطهاد في كافة العصور ! .. اختلاف في الأديان والاعراق والمذاهب .. حضارة وبداوة .. الحاد وتدين .. جبال وأهوار , سهول وصحارى .. تنوع واختلاف وتوافق في كل شيء وعلى كل شيء .
كل هذه الاشياء لابد أن تكون مرايا في بعض حالاتها على المجتمع القاطن في هذه الأرض وفي هذا البلد .. وسأبدأ بمتفرقات هنا وهناك عن سجايا هذا المجتمع على أمل المواصلة .. المعروف أن النسيج الاجتماعي العراقي هو نسيج تطغى عليه الصفة القبلية العربية منها وغير العربية وهذه الصفة تجعل من التفاخر بين الناس أمراً غريزيا في أمور الدنيا الاجتماعية لذا تجدهم يتسابقون في مضامير الكرم والشجاعة والايثار حرصا منهم لتفوق هذه القبيلة على تلك وحفاظا على سمعة أهل هذا الحي أو تلك المدينة ومما لا شك فيه أن مثل هذا تنافس ينتج عنه سجايا كريمة يتطبع بها المجمتع وينشأ عليه النشأ الجديد ومن تلك السجايا حماية من يلجأ الى هذه العشيرة أو ذلك البيت أو ذاك الشخص ويسمونه بالــ"دخيل" والداخل في حمى عشيرة أو حمى شخص ما يعني أن لا يصل اليه أحد حتى يتم البت في أمره عبر مفاوضات يكون "الدخيل" أو من يمثله طرفا فيها .. وبالرغم من أن توفير الأمن للدخيل صفة جيدة وسجية كريمة لكنها بالتأكيد اُستخدمت في مواقف قد تكون مضرة بالمجتمع وخير مثال على ذلك استغلالها في الوقت الحاضر من قبل بعض المجرمين من البعثيين فكان استغلال السجايا الكريمة لنوايا دنيئة .. ولكن هذا لا يعني تشويه خُلقا كريما يُعد من سجايا هذا المجتمع .. وفي مجال "الدخالة" تحتفظ الذاكرة العراقية بصور كثيرة جداً ومعبرة عن هذه الصفة وللمثال يُروى أن رجلاً لاذ دخيلاً عند أحد الوجهاء وصادف أن قتل ابن الوجيه القبلي ابن الدخيل فتأذى الدخيل وعزم على ترك بيت وقبيلة الوجيه الى مكان آخر ولما عرف الوجيه بخطورة الأمر وما سيسببه له من عار نتيجة لذلك , قام وقتل ابنه وطلب من الدخيل أن يبقى في حمايته ما دام أخذ له بثأر ابنه !! دخل هذا الشخص ابنه كي يبقى محافظا على سمعته من الانحطاط لأن الدخالة سجية اجتماعية لا يمكن لمن يتجاوزها الا الانفكاك عن البنية الاجتماعية العامة ..
أكتفي بهذه المقدمة على أمل المتابعة لاحقا