كــوردتــســان.....



كتابات - واصف شنون



كنت ُ صغيرا ً في العاشرة من العمر حين عرفت إن نوري مصلح الساعات المنعزل في محله هو كردي منفي في سوق الشيوخ ،ثم عرفت إن محمد المصلاوي القصاب وزوجته صديقة العائلة وبناته الجميلات هم من الكرد أيضا ً ....ومنفيون أيضا ً ....



كنت ُ في الخامسة عشر مع صحبة أصدقاء نستقل الباص الشعبي الذي يوصل بين مدينتنا والناصرية ونيتنا الذهاب الى سينما الأندلس الصيفي ،حين شاهدت أكوام من الناس بملابسهم الكردية وصررهم الجبلية وبعض حميرهم أو بغالهم وهم يتكدسون في منطقة صحرواية في ناحية الفضلية التابعة للناصرية على الطريق المؤدي بين سوق الشيوخ ومركز المحافظة ....

وحين عودتنا في الظلام ..لم أشاهد سوى أكوام متكدسة ...من الظلامات ...



كانت العطلة الصيفية ...وكان الصيف ...،وقد أمرت حكومة البكر وحزب البعث ببناء أكواخ من الطين لهؤلاء (العصاة )الاكراد ....،كنت طالبا ً في الثالث المتوسط منتميا لاتحاد الطلبة ..التابع للحزب الشيوعي حين أخذني المسؤول الشيوعي (كريم خلف) سرا ً لكي نطلع على أحوال العوائل الكردية تلك ..وعلى الأكواخ الطينية التي يُحشرون فيها ....شاهدت أمهات واطفال وشيوخ ..ولم أر رجلا واحدا ً تجاوز العشرين ..بينهم ..

المرحوم الشيوعي (كريم خلف البدري ) مات في حرب المحمرة –خنين أباد (متطوعا ً في الجيش الشعبي مجبورا ً)عام 82 وذلك في الحرب العراقية الايرانية ...



في السادس الاعدادي كان ضمن المنهج الدراسي درس يسمى (الكردية ) ..أي تعليم اللغة الكردية ،كان إستاذنا مدرس الكردية إسمه (حمه جمال )..وكان جميل الطلعة والهندام والشخصية ..،لكننا ما أن حضرنا درسين ..من الكردية حتى إختفى الأستاذ حمه ...ولم نعد نعرف درس يسمى الكردية في المدرسة ...فيما بعد وحسب ظنّي لحد الأن ...



وحين خرجتُ من سجن البعث في اواخر شهر نيسان عام 1978 أخذني الأصدقاء في رحلة الى كردتسان (شمال العراق الحبيب )،فشاهدت بيخال وسرجنار وعين كاوه وسرسنك وصلاح الدين لم يسأل أحدأ عن هويتنا بل كلما نزلنا في قرية حتى هبطت علينا سماوات الرحمة والترحيب والأكل والشرب والمنام ....،.وأثناء العودة تم إيقافنا في بيجي بين تكريت وبغداد ..وتم التحقق من هوية كل واحد منا ..ستار دلي ..فاضل ..جعفرفندي وسلام التيسي هل تذكرون ذلك ...إن كنتم أحياء ..!!!

وفي بغداد ..لم يكن يأوينا صاحب فندق ..إلا إذا كان كرديا ً ..ففنادق شارع الجمهورية هي مملكة كردية في عاصمة العراق ....ونحن خونة العراق ...فقد هربنا من قتال الايرانيين وقتال الأكراد ...والشعب..!!!



إخوتي الكرد .....

بوركت دماؤكم ..وبوركت أرضكم ...وبوّرك بناؤكم ....وبوركت عداواتكم ... وبوركت عداوتكم لهم .. اتركوهم يفخخون ويولغون في الدماء في سواد الليالي .. دعوهم يموتون حبا ً في تفجيرحياة الصغاروأمهاتهم... ودعوهم يتمرجحون في بوصلة الساعات ..، دعوهم منشغلين في حبس الأنفاس وتقفيص النسوة والجوّر على المظلومين بحجة ( المظلومية )...،إتركوهم يقتلون بعضهم بعضا ً ....،اتركوهم يفسدون .. وإنتبهوا لمصائركم ...فقد تحقق مصيركم ...فمجدا ً لكل كردتسان ....

لاأمل لنا إلا بكم ..أقيموا كردتسان ...ولاتنسونا ..نحن إخوتكم في الموت السابق ....وأرجو أن أن لايكون اللاحق ...وطوبى للموت معكم ..

أنتم إمة تحترم الألوان والنساء والشجر والرقص والغابات ...وتخلق الموسيقى...

فروا الى مستقبلكم ...الجميل ..وهيهات.. هيهات من الرجعة ...

ورجائي الوحيد الأخير ...



أن تمنحوا من يحبكم ويهوى طبائعكم ..الأمان واللجوء ...