صحيفة الحياة اللندنية - « الجوف - عبدالعزيز النبط » - 18 / 3 / 2006م - 1:51 م
دأب المتطرفون السعوديون على التسلل للعراق لتنفيذ عمليات انتحارية
شاب عائد من بغداد لـ«الحياة»: رفضت قتل الأبرياء وعدت بـ«الرشاوى»...
وضع أهالي الجوف، لوقف هجرة شبانهم إلى العراق من أجل «القتال»، إستراتيجية تعتمد على محاولة تزويجهم بأسرع وقت ممكن، حتى وإن كانت أعمارهم صغيرة وغير مؤهلين ليتحملوا مسؤولية أسرة.
ويقدر شبان في المنطقة عدد زملائهم في العراق بنحو300 شاب، توجهوا من الجوف إلى العراق منذ سقوط بغداد، ودخول القوات الأميركية إلى البلاد لـ «مجاهدة الكفار»، حسب مبررهم.
وتعض أم عبدالله الرويلي الآن أصابع الندم، بعد مقتل ابنها عبد الله «25 عاماً» قبل أكثر من عام، وتنتابها حالات البكاء كلما ورد ذكر أبنها، معلنة أساها لعدم تلبية رغبته، عندما كان يلح عليها كي تزوجه قبل سنة من ذهابه إلى العراق.
ويقول سامي الرويلي، الشقيق الأكبر لعبدالله: «على رغم مرور أكثر من عام على مقتل عبدالله في العراق، إلا أن والدتنا لا تزال تشعر بألم وحرقة كبيرين كلما تذكرت عبدالله».
وأشار إلى أنه لمس وأهله تغيراً كبيراً في شخصية عبدالله، بعد قطع دراسته في كلية أصول الدين في القصيم وعودته إلى سكاكا، قبل سنة كاملة من ذهابه إلى العراق، لافتاً إلى أنه أصبح انطوائياً وكتوماً وملازماً للمسجد، ويتقرب ويتودد من والديه أكثر من أي وقت مضى.
وأضاف، أنهم لم يعرفوا بنية عبدالله التوجه إلى العراق، وإلا بادروا إلى إبلاغ الجهات الأمنية حتى تمنعه من الذهاب إلى هناك، موضحاً أنهم تفاجأوا باتصال شقيقهم، منتصف شهر جمادى الآخرة من العام 1425هـ من سورية، وإعلان نيته التوجه إلى العراق.
ويتذكر سامي الاتصال الهاتفي الذي تلقاه في منتصف شهر شعبان، بعد شهرين من توجه عبدالله إلى العراق، من شخص مجهول يخبره عن «استشهاده» في قصف جوي تعرض له و40 شاباً غالبيتهم من السعودية من القوات الأميركية، وتحدث له الشخص المجهول بلغة عربية فصحى، أن عبدالله دفن في مقبرة الشهداء بالقرب من الفلوجة.
وأكد شاب في العشرينيات من العمر «فضل عدم ذكر اسمه» لـ «الحياة»، أنه عاد إلى سكاكا من العراق، بعدما طلب القائد المسؤول عن تجنيده في العراق منه، تنفيذ عملية انتحارية ضد أهداف مدنية، يحددها القائد فيما بعد - حسب قوله - مؤكداً أنه رفض هذا النوع من القتال، لأنه كان يعتقد أنه ذهب للجهاد هناك ضد الأعداء.
وأوضح أن الشاب عاد إلى السعودية بالطريقة نفسها التي دخل بها العراق، إذ أعطى أحد الأشخاص مبلغاً من المال لقاء توصيله إلى الأراضي السورية، ومنها إلى وطنه.
وأبدى الشاب ندمه الشديد على تركه أهله ووطنه بدافع الحماسة، مؤكداً أنه «كاد يُقتل من أجل أناس يبيحون دماء جميع من يخالفهم في المعتقد أو المذهب أو الدين، عرباً كانوا أم أجانب».
وأشار إلى أنه يعرف شباناً كثيرين من منطقة الجوف ذهبوا إلى العراق.
وأضاف، أن أهله بعد هذه الحادثة سارعوا إلى تزويجه، حتى لا يفكر في الذهاب مجدداً إلى العراق، مشيراً إلى أن نسبة كبيرة من أهالي الجوف أصبحوا يخافون على أولادهم أن يذهبوا إلى العراق، إذ رأوا مظاهر التدين على أبنائهم، خصوصاً بعد تكرار ذهاب شبان الجوف إلى العراق لـ «الجهاد» بشكل ملاحظ وبأعداد كبيرة.
من جانبه أوضح مدير إدارة محكمة «دومة الجندل» وإمام وخطيب جامع الدريويش عيسى بن إبراهيم الدريويش، أن الجهاد في سبيل الله لابد له من راية، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، والذي يقول «إن الجهاد لا يشترط له إمام ولا راية، قد قال بلا علم وهو قول الخوارج».
لافتاً إلى «أن الجهاد باقٍ وماضٍ إذا اكتملت أو توافرت شروطه اللازمة، أما إذا لم تتوافر المقومات والشروط فإنه ينتظر حتى تعود للمسلمين قوتهم وهذا هو الحق».
وأكد أنه لا يجوز أن يذهب الشبان للقتال في بلاد أخرى مثل العراق وغيرها من دون إذن والديهم أو ولي الأمر، لأنهم رعية والرعية شرعاً لا بد أن تطيع الإمام، فإذا أذن بذلك، بعد ذلك أذن الوالدين للحديث «ففيهما فجاهد»، مشيراً إلى أن إذن الوالدين للقتال في العراق لا يكفي، ولا بد من إذن الإمام، وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة.
وقال الدريويش إن الجهاد من أفضل الأعمال والقربات، وأن الله عز وجل شرعه وأمر به، لكن لا بد من توافر شروط الجهاد ومقوماته، لافتاً إلى أنه لا يجوز للشبان الذهاب للقتال في العراق أو أي مكان آخر، لأن ولي الأمر يمنع ذلك.
وأشار إلى أنه وجد القبول والاستحسان من الشبان الذين استشاروه في مسألة الذهاب إلى العراق للقتال هناك، بعد أن بيَّن لهم وجوب أخذ موافقة ولي الأمر، وكذلك إذن الوالدين، فإذا منعاه أن يذهب إلى العراق عليه أن يمتنع وجوباً.
وشدد الدريويش على أهمية بيان مسألة ذهاب الشبان إلى العراق للقتال لعموم المسلمين، من باب التناصح على الحق وإظهار مذهب أهل السنة والجماعة، وترك الاجتهادات التي لا تُبنى على تأصيل علمي وشرعي.
يذكر أن بعض الشبان الملتزمين في الجوف يتناقلون بفخر وإعزاز لقطات جوال لبعض الشبان الذين «يستشهدون» في العراق. ويعبر غالبية الشبان الراغبين التوجه إلى العراق «أعمارهم بين 18 و25 عاماً» من طريق منفذ الحديثة الحدودي بين السعودية والأردن «يتبع منطقة الجوف»، ويعبرون إلى الأردن ثم إلى سورية ثم يتفقون مع أشخاص معروفين في سورية على تهريب المقاتلين إلى داخل العراق في مقابل أجر مادي يراوح بين خمسة آلاف ريال وعشرة آلاف ريال.
أما الشبان الممنوعون من السفر وهم العائدون من أفغانستان، فإنهم يدخلون العراق بطريقة غير مشروعة، من طريق تخطي الحد الفاصل بين السعودية والعراق.
ومن وسائل الشبان الأخرى الاتفاق مع بعض الحجاج العراقيين الذين يتوجهون إلى مكة المكرمة مروراً بمدينة سكاكا، على الركوب مكان هؤلاء الحجاج في رحلة العودة إلى العراق، إذ يتخلف حاج أو حاجان من الجنسية العراقية عن التوجه إلى العراق، ويحل محلهم الشبان الراغبون التوجه إلى العراق للقتال.
http://rasid.com/artc.php?id=10338