!!!!!حضور فدرالية العائلة و فناء الدولة



كتابات - عبدالكريم كاظم



في ما يخص العراق تحديداً إذا كنا ننظر و لو من زاوية فيها بعض المجازفة الصريحة و بعض التبصر الحاد ، أنه بعد فترة وجيزة جداً ستبدأ بصورة عملية و جادة سيرورة فناء الدولة العراقية التدريجي و سيتطور في مقابل ذلك تكوين فدرالية العائلة أو فدراليات كبرى بمسميات شتى لأن مشروع تقسيم العراق ليس ابن اليوم بل هو مشروع مصاغ و معمول به منذ حرب الخليج الأولى التي سقط بسببها شهداء عراقيون كثر دون الاشارة لطبيعة دياناتهم و معتقداتهم أو قومياتهم ، و تطابقاً مع قول ماركس الشهير مع بعض التحوير سترتفع الأصوات و هي تنادي ... ( يا فدراليات العائلات تكاثروا ) فيصبح عندنا على سبيل المثال لا الحصر كما يقال : فدرالية آل الحكيم / فدرالية مسعود / فدرالية آل الضاري / فدرالية الجعفري و هكذا دواليك ، و يبقى أملنا أن تقوم هذه الأمنية في وقت قريب أما متى ، فهذا مرتبط بتعليمات الولي الفقيه الجديد القادم من جارتنا ( الطيبة ) و الحريصة على مصالحنا العليا و أمننا القومي ايران ، قد يهزأ بالتأكيد بعض القراء لذلك و لكن لابأس دعونا في الوقت نفسه نحافظ على الخصوصيات المجتمعية لجيراننا الايرانيين و السعوديين فهم أكثر حرصاً و خوفاً حتى على أحلامنا و إذا لم يصدق القارئ الكريم الذي أحترمه كثيراً هذه التصورات سوف أرفق له بعض المعطيات الواقعية المنتشرة على أرض السواد و المتكاثرة بصورة تدعو للاستغراب كتكاثر العمائم و المقلدين الذين ينتمون إلى يوتوبيا المراجع ، أن من يقرأ تاريخ العراق يعرف جيداً أن هذه الأمنية التي يحرص عليها الآخر ـ و أعني هنا جيراننا ـ إذا ما تحققت الآن أو بعد فترة ليست بالقصيرة فهو أمر حسن و كما يقال عادة أن تحديد مدة معينة هو أفضل من اللاتحديد أو أفضل من .. ( إلى أجل غير مسمى ) و على القارئ أن لا يتوهم من إنني لا أنتظر قيام مدينتي الفاضلة فهذا الأمر ينبغي عليه أن يلمسه من خلال التقدم ـ و لو ببطء ـ عن طريق فدرالية العمائم و الشراويل القائمة على الحرية و المساواة .

ايتام ، بقايا النظام السابق ، المقبور و المخلوع .. نعت عولميّ حداثوي يطلق الآن في العراق و خارجه على كل ـ بعض العراقيين الذين لا يسيرون خلف موسيقى الجاز الأمريكي و كونشترو العمائم و بوصفهم ـ أيضاً ـ من اولئك الضالين و المغضوب عليهم لا لشي فقط لامتهانهم الصراحة في القول ، لذلك يرى العراقي الذي ينعت بهذه الصفة نفسه ـ حتى لو تمت عملية تبيض الضمائر بالنسبة للبعض ـ خارج المعادلة و عليه أن يحمل متاعه الهزيل المكون من صدقه و صراحته ويهرب بهما مرة أخرى أو أن يلقي أمام الخطيئة ـ بعد تبييض الضمير ـ خطاب توبته الجديدة و من حسن الحظ أن هناك قسماً كبيراً من العراقيين مازال يجالد و يكابر بسبب ما ألحقته هذه التهم الجاهزة من نزوع إلى العزلة أو الصمت ... فطوبى للغرباء ، أن العقاب الذي نتعرض ـ يتعرض له يومياً من جراء هذا الزيف و الخلط العشوائي للحقائق يدفعنا أحياناً و على مضض إلى قبول التهمة الموجهة إلينا نتيجة مجاهرتنا بالرأي الصريح أو الكتابة في موقع ما او صحيفة ما ، فبعد أن كان إصدار الكلمة الصريحة بصوت مسموع ضرباً من الجنون و الإنجرار إلى موت أكيد محقق أصبحت العملية ـ الممارسة الآن متماثلة و متطابقة ـ مع أضافة بعض التوابل كالفسفور الأبيض و لا ننسى أيضاً الاستفادة من التقنيات التكنلوجية الحديثة كالدريل مثلاً ـ لشقيقتها الأولى فتقع على عاتقنا النتيجة الأولى نفسها .. الموت و ما علينا في هذه الحالة إلا المبايعة و الطاعة العمياء و تقبيل يد الولي الفقيه ، لذلك نرى عزوف بعض الزملاء من الكتاب عن الكتابة كما كانت العادة في سالف الزمان القريب و جنوح البعض إلى الكتابة الموجعة حد الصراخ ، و لا ندري هنا هل تقلص عدد الذين يبحثون عن حقيقة الأشياء ؟ دائماً اتساءل عن مصباح القديس ( أوغسطين ديوجين ) و شمعة الضمير لسعدي يوسف .. أين هما الآن ؟ .

هذه النقطة حصراً هي الأكثر راهنية و إلحاحاً و سوف تسمح بتحديد كنه الكاتب ضمن مقاسات معّدة سلفاً بحيث يجب إعادة النظر بكل المواقف السابقة و الحالية ، فكيف تسنى للحاضر اختصار هذا النعت لكي يقرر هو نفسه كنه الكلمة و أهميتها القصوى .. ألم يعرف الآخر ذلك البدء الذي بدأت منه الكلمة ، فهذا الأمر لا يخلو من غموض لكنه يتعاطى مع الفوضى دون أي إلزام و بحرية تامة ، باختصار شديد يمكن القول جزافاً : إن هذا الطرح العولميّ و الطرح القديم يكملان بعضهما البعض ، كل واحدة تشد إلى ناحية ببعض من المغالاة المستمرة ، فهل الخلاف في شطر منه خلاف على قول ـ فعل أم انه خلاف لغوي و يحتاج إلى منظومة لغوية جديدة تتجاوز المعنى لتبقى متمسكة بالأصول .. يا للوقيعة و يا لوقيعة اللغة .

لقد أضحت عبارة مثل ( هذا رأيي أو رؤيتي للأشياء ) تعني الخروج عن مركزية المنظومة و صرامتها التأويلية التي تفوض العملية القمعية للسلطة ، و هنا نتجاوز المضمون ثانية لتبقى العبارات ، و نحن نسأل و ما الفرق اذن ، إذا كان الاستبداد لا يورث إلا استبداداً يتخذ مدلولاته الملازمة له بإصرار و هكذا تتحول الكلمات على غرار .. القائد الأوحد / سماحة السيد / قائد قوات .. / هيئة العلماء .. / الأمين العام / رئيس الحزب .. و هي تحمل في ذاتها ذهنية و تجربة التسلط و البطش و بهذا ستضفي هالة على أفراد لا يتمتعون بهذه الهالة و لا يستحقونها و عليه يبقى مفهوم و ثقافة إلغاء الآخر و تهميشه متخذة أشكالاً مختلفة لا يمكن اليوم ترسيمها بالتحديد ففدراليات العائلات ( المختارة ) تعتقد جازمة أن الله أصطفاها من بين بني البشر إلى ما هنالك من التصورات الغيبية التي تجد لها تخريجاً شرعياً أو نضالياً ينطلي على السذج و أصحاب الولاءات فيختزل نضال و تضحيات أهل الجنوب العراقي مثلاً بآل الحكيم و معاناة الأكراد و مآسايهم الكبيرة على آل البرزاني أو الطلباني و احفادهم و مريديهم ، فلماذا اذن يشتم البعض آل ابي سفيان ، هل هم وحدهم من مارس نظام الوراثة و السطوة و التسلط ، سحقاً للغباء و لهذا الأسلوب التناحري الموروث الذي حاد عن الخط الفكري الصحيح الذي يشكل الكابح لأي انزلاق عدمي .