صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 42
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي مناقشة حول مسألة الرؤية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أحببت أن يطلع الإخوة هنا على كلام جميل للشيخ سعيد فودة رأيته في موقعه موقع الامام فخر الدين الرازي رحمه الله ويتناول فيه مسألة رؤية رب العالمين في دار النعيم فإليكم ما كتبه الشيخ سعيد فودة حفظه الله :

    بسم الله الرحمن الرحيم



    مسألة الرؤية
    مناقشات مع الفِرَق المخالفة

    اتفق أهل السنة على أن رؤية الله تعالى جائزة، وخالفهم في ذلك الشيعة والمعتزلة والإباضية، وقال الكرامية والمجسمة بجواز رؤية الله تعالى.
    فالحاصل أن رؤية الله قال بها الأشاعرة أهل السنة والكرامية والمجسمة، والاتفاق هذا حاصل على مجرد تصحيح الرؤية مع عدم الاتفاق على معناها ومفهومها وشروطها ولوازمها، كما سيتضح.
    وقال الشيعة والمعتزلة والإباضية بنفي الرؤية.
    ولم يتفق الأشاعرة والمجسمة والكرامية على معنى الرؤية وحقيقتها والأصول التي بنوا تصحيح الرؤية عليها، فالمجسمة والكرامية بنوا قولهم بذلك على استصحاب أصلهم المعلوم من أن الله - تعالى - جسم وأنه في جهة، والرؤية تحصل بالعين عن طريق مقابلة المرئي في الجهة، ويلزمهم عند اشتراطهم هذه الشروط التشبيه المحض.
    وأما الأشاعرة والماتريدية، فقالوا بصحة الرؤية ونفي كون الله تعالى جسماً، ونفي كونه ذا حَدٍّ أو حدودٍ، ولم يقولوا باشتراط الجهة لصحة الرؤية.
    فبأدنى تأمل، نعلم علماً قطعياً أن معنى الرؤية عند الأشاعرة ليس عينه عند المجسمة ومَن وافقهم، وبعض الجهلة يعتمدون على اتفاق الأشاعرة والمجسمة والكرامية على أصل صحة الرؤية، فيقول هؤلاء الجهلة بأن حقيقة مذهب الأشاعرة هو التجسيم والتشبيه، وهذا سوء ظنّ منهم، مبني على جهل كما قلنا، ومبني على سوء طوية، فالذي يجب على هؤلاء أن يقولوه عند رؤية كلام الأشاعرة: إن معنى الرؤية عندهم ليس نفس معنى الرؤية عند المجسمة، وهو التحقيق والحق الصريح الذي صرَّح به الأشاعرة.
    وأما أن يقولوا بأن الذي يثبت الرؤية يلزمه أن يكون مجسِّماً، فهذا غباءٌ مبني على جهل، ومبني على عدم إعمال القواعد المعتمدة عند العلماء في تحقيق المذاهب.
    والمقصود: أن الأشاعرة ما داموا قد صرَّحوا بنفي كون الله جسماً بأقوالهم وبنوا قواعد مذهبهم على ذلك، فلا يصح أن يُلزَموا بما يناقض مذهبهم المصرَّح به خاصة وأنهم بيَّنوا المقصود من معنى الرؤية عندهم.
    فبعد هذا لا يصح لواحد أن يقول إن الأشاعرة يلزمهم التشبيه والتجسيم لمجرد إثبات الرؤية.
    وسوف يزداد هذا وضوحاً فيما يلي.
    هذا الكلام ذكرناه هنا، لأن بعض المتسرّعين من المعتزلة والشيعة والإباضية وبعض الذين جعلوا عقائدهم عبارة عن خليطٍ خاص من مختاراتهم من هذه المذاهب ومن أهوائهم التي حسبوها علوماً ومعارف، اتهموا الأشاعرة بالتجسيم والتشبيه من أجل ذلك، ولهذا نبّهنا إلى غلطهم من ناحية منهجية، وسوف نبطل قولهم إبطالاً فيما يأتي من المباحث.
    ولكن العقلاء من الفرق المذكورة لم يتهموا الأشاعرة بهذه التهمة الباطلة، بل كان غاية قولهم منازعتهم في إثبات الرؤية، بل إن بعض أفاضلهم صرَّح بأن حقيقة معنى الرؤية عند الأشاعرة ينفي أصل الخلاف مع المعتزلة والشيعة والإباضية، وبعضهم قال العكس.
    وهكذا، فنحن نرى الواحد يتنقل من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال في مثل هذه المسألة.
    ولذلك أحببنا أن نناقش بعض المخالفين من الشيعة والمعتزلة والإباضية في هذه المسألة، ونتناول كلاً على حدة؛ لنبيّن اختلاف مناهجهم وصواب وسداد طريقة أهل الحق، وقد ارتأيتُ أن نبدأ بالكلام مع فرقة الشيعة الإماميةونتناول كتاباً من كتبهم المعتمدة لعالِم مشهور عندهم معتَرَفٍ بعلمه وحكمته، فنناقشه في مقولاته واستدلالاته وعباراته.
    وإنما اختارنا هذه الطريقة؛ لأن كثيراً من الناس الذين يخوضون في هذه المسألة معارضين لأهل السنة، ممن نعرفهم أو نخاطبهم يدفعهم الهوى والتعصّب وقلة الاطلاع، فكان ينبغي علينا عندما نناقشه أن نعلّمه ونوضّح له حقيقة المذاهب قبل أن نبدأ بإلزامه أو الردّ عليه، وهذا الأمر لازم في كل مناقشة، ولكن قدره يزيد وينقص بحسب جهل أو علم من نتكلم معه، فلذلك ارتأينا أن نتكلم مع واحد عالِم من كل فرقة من هذه الفرق، فالكلام مع العلماء - وإن كان عن طريق الكتب – أليق بالحكماء المدققين الباحثين عن الحق واليقين من المشاغبة والتشغيب مع مَن هو دونهم في العلم.
    وندعو الله تعالى أن يوفقنا أجمعين لما فيه الخير.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    مع الشيخ جعفر السبحاني في كتاب الإلهيات




    هذا الكتاب من الكتب المعتمدة عند الشيعة، ومؤلفه الشيخ جعفر السبحاني مشهود له بالمكانة العالية عندهم، وهذا يبعث على الطمأنينة عندما نتكلم معه ونناقش كلامه، فالأصل أن يكون منضبطاً بضوابط العلم والمعرفة الصحيحة، بعيداً عن المغالطات التي يحبها العوام، وهذا يكون أقرب إلى تحقيق الحق، وأجمع لطرق النقاش والبحث، وأمنع لتشتت الكلام.
    وقد تكلم الشيخ السبحاني في كتابه عن مسألة الرؤية تحت عنوان (امتناع رؤية الله سبحانه) الجزء الثاني ص125، طبعة مكتبة التوحيد – قم.
    قال الشيخ السبحاني (2/125): "اتفقت العدلية على أنه سبحانه لا يُرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأما غيرهم فالكرامية والمجسمة الذين يصفونه سبحانه بالجسم، ويثبتون له الجهة، جوّزوا رؤيته بلا إشكال في الدارين، وأهل الحديث والأشاعرة - مع عدِّ أنفسهم من أهل التنزيه وتحاشيهم عن إثبات الجسمية والجهة له سبحانه – قالوا برؤيته يوم القيامة، وأنه ينكشف للمؤمنين انكشاف القمر ليلة البدر تبعاً لبعض الأحاديث واستظهاراً من بعض الآيات"أ.هـ.
    لاحظ أنه يستغرب من مذهب الأشاعرة كيف ينفون الجسم والتحيز والجهة عن الله تعالى، ومع ذلك يقولون بالرؤية، واستغرابه هذا جاء لأنه جعل الرؤية ملازمة للجسمية والتحيّز، وهذا هو المتبادر إلى أذهان عامة الناس، ولكن بقليل من التأمل في كلام الأشاعرة يُعلم أنه يوجد انفكاك بين الرؤية والجسمية، فقد يُثْبِتُ الرؤية مَن ليس مجسِّماً.
    وكان ينبغي أن ينبِّه هنا إلى اختلاف مفهوم الرؤية بين الأشاعرة والمجسِّمة ولا يسوقه سوقاً واحداً، وسوف نشير إلى ذلك فيما يلي.
    ثم أشار السبحاني إلى اختلاف أقوال الناس حول الرؤية، بحسب ما ذكره الإمام الأشعري في كتاب مقالات الإسلاميين.
    ولا داعي لأن نذكر نحن هنا هذه الأقوال؛ لأن بعضها كما وصفه السبحاني (2/126): "من الأقوال السخيفة الساقطة"أ.هـ.
    ثم شرع السبحاني في بيان عقائد العدلية في الرؤية، وقال (2/126): "فإن في إثباتها كفاية لردّ سائر الأقوال وبيان وهنها"أ.هـ، ويقصد بالعدلية كما هو ظاهر كل من أثبت أن الله تعالى لا يخالف ما زعموا أنه ثابت في نفسه من العدل والظلم والتحسين والتقبيح، ويشمل هذا الشيعة والمعتزلة ...
    وهو يدّعي أن مجرد بيان قول العدلية يكفي لإظهار وَهْن سائر الأقوال وردّها، ولكنه سوف يناقش أدلة الأشاعرة بعد ذلك، وسوف نرى كيف يناقش أدلة الأشاعرة، ونتكلم في بيانه لأقوال العدلية في أدلتهم.
    ما هي حقيقة الرؤية
    تحت هذا العنوان ذكر السبحاني خلاصة ما يعتقد هو أنه حقيقة الرؤية، فذكر أن الرؤية هي حقيقة عبارة عن انعكاس صورة المرئي على العين، وذلك بواسطة وصول النور إلى العين، ثم تخلله في طبقات العين، ثم تحوّله بعد ذلك إلى تموّجات مناسبة للأشعة، ويتم إرسال هذه التموّجات إلى الدماغ فيحللها ويفسرها ويتعقلها بالشكل والصورة التي نعرفها.
    ثم قال في ص 127: "هذا هو واقع الإبصار والرؤية، فيجب أن يكون كل من النفي والإثبات على هذا المعنى الذي كشف عنه جهابذة العلم".أ.هـ.
    كذا قال، أما أن هذا هو المعنى الوحيد من الرؤية فهو ما سنناقشه بعد قليل، ولكن قوله: "الذي كشف عنه جهابذة العلم" لا داعي له هنا، فالعلماء المعاصرون وإن كانوا كشفوا عن بعض التفاصيل إلا أن هذه العملية إجمالاً كانت معلومة، فليست معرفتُها متوقفةً على كشف جهابذة العلم !! وكلامه هذا يوهم أن المتقدمين كانوا يتكلمون عن أمرٍ لا يعرفونه، فلما عرف هو حقيقة الرؤية على النحو الذي وضحه كان من الطبيعي أن الذي أثبت الرؤية ونفى التجسيم رأيه باطل من أساسه.
    ولكن الأمر ليس كذلك كما قلنا، ولا نستطيع أن نقول مطلقاً بقوله هذا، بل نقول بكل قوة: إن القدر الذي كان معلوماً عند المتقدمين كافٍ للكلام على مسألة الرؤية نفياً وإثباتاً، ولا يتوقف اتخاذ موقف فيها على ما كشفه جهابذة العلم كما قال، وسوف نوضح ذلك لاحقاً.
    ثم قال السبحاني في (2/127): "وبذلك يعلم أن تفسير الإبصار ورؤيته سبحانه بالعلم به أو بإدراكه في القلب أو من طريق الشهود خروج عن البحث، ونحن مركزون على إمكان رؤيته بهذه الأبصار التي يملكها كل إنسان؛ لأن هذا هو محطّ البحث بين العدلية والأشاعرة"أ.هـ.
    إذن السبحاني يرفض أن تكون الرؤيةُ نوعَ علم، أو نوعَ كشف، بل يصرّ على أن الرؤية حقيقتها ما سبق، فإذا قلنا بالرؤية يجب عنده أن نثبت هذا المعنى الذي ذكره؛ لأنه لا يوجد معنى آخر لها عنده وعند العدلية، وإذا نفيناها فإنما ينفي هو هذا المعنى بالضبط.
    والحقيقة أن البحث بهذا الشكل ليس صحيحاً، وبيان ذلك كما يلي:
    أولاً نقول: إن المعنى الذي ذكره للرؤية هو عبارة عن انفعال للنفس بما في الخارج بواسطة وسائط وآلات، فالعين تنفعل بالشعاع والدماغ ينفعل بالتموّجات، ثم تحدث الصورة التي يطلق عليها أنها رؤية.
    فنحن نسأل سؤالاً هنا، وهو سؤال مهم جداً، بل هو أساس البحث، فنقول: هل الرؤية كاسم يطلق على هذه الانفعالات فقط، أم يطلق على الصورة المدرَكة بعد حصول الانفعالات، أم يطلق على الصورة بشرط الانفعالات، أو على مجموع الصورة والانفعالات؟
    من الواضح لدى كل إنسان عاقل يفهم معنى الرؤية أنه يجزم بأن إطلاق اسم الرؤية على مجرد الانفعالات أمر باطل قطعاً، فلو حصلت الانفعالات ولم تحصل الصورة لخلل في العين أو الدماغ أو لسبب آخر، فلا يمكن أن يطلق اسم الرؤية على مجرد الانفعالات.
    فيبقى إذن الاحتمالات: أن الرؤية هل هي مجرد الصورة ولو لم تحصل الانفعالات، أو هي الصورة بشرط حصول الانفعالات بالنسق المذكور هنا، أي الذي وضّحه السبحاني.
    من الواضح عند أدنى تفكّر أن اسم الرؤية لا بُدَّ فيه من ملاحظة حصول الصورة، ولكن هل يشترط لإطلاق اسم الرؤية كون الصورة مسبوقة بهذه الانفعالات المذكورة أو لا يُشترط ؟
    هذا هو بالضبط حقيقة الخلاف بين الأشاعرة والعدلية.
    فالعدلية يقولون: كل صورة لم تحصل عن طريق هذه الانفعالات فلا تسمّى رؤية، والأشاعرة يقولون: بل تسمى رؤية وإن لم تسبقها هذه الانفعالات.
    فالأصالة للرؤية عند الأشاعرة للصورة وليست الانفعالات جزءاً منها، ويتصورون إمكان حصول الرؤية بلا سبق الانفعالات.
    وأما العدلية: فلأنهم لا يتصورون إمكان حصول الصورة إلا بواسطة هذه الانفعالات، فلذلك قالوا بنفي الرؤية، والانفعالات علة عندهم لحصول الرؤية.
    فالخلاصة إذن بعبارة أخرى، هل يوجد ترتبات في الوجود الخارجي الحادث بين أمر وأمر آخر، أي هل يوجد في الوجود الخارجي تلازم عقلي بين موجودَين اثنين متغايرَين، بحيث لا يمكن وجود أحدهما إلا بوجود الآخر، وإنما قلنا بين موجودَين متغايرَين، لأنه لو كان موجوداً واحداً، فالاتفاق حاصل على أنه لا يوجد بدون ذاتياته.
    ولكن محل الخلاف بالضبط: هل يمكن أن يكون وجود حادث شرطاً أو علة لوجود حادث آخر، بحيث يستحيل وجود الثاني إلا بوجود الأول، هذا هو حقيقة الخلاف وأصل المسألة.
    ومن الواضح أنها راجعة إلى القول بالعلية والمعلولية بين أجزاء العالم الحادث.
    وإذا ظهر أن المسألة ترجع لهذا الأصل، فلنوضح رأي الأشاعرة ورأي المخالفين لهم في هذه المسألة الأصلية والتي يتفرع عليها أكثر مسائل علم التوحيد.
    فخلاصة رأي الأشاعرة أن الله تعالى هو الخالق بلا واسطة لكل شيء موجود من الموجودات الحادثة، فكل ما في هذا العالم من موجودات فالله تعالى هو الخالق له بلا واسطة، فلا يوجد شيء من الموجودات الخارجية يتوقف في وجوده على وجود شيء آخر، إلا إذا كان جزءاً له أو داخلاً فيه، فلا يكونان متغايرَين منفصلَين حينذاك، والكلام في المتغايرات.
    وأما المخالفون من الشيعة ومن وافقهم من المعتزلة والفلاسفة، فيقولون: يوجد ترتب في العالم الحادث بين أفراده، وهذا الترتب هو ترتّب عليٌّ ومعلولي، بمعنى أن بعض الأمور الموجودة في هذا العالم الحادث علة لوجود غيرها، وما دامت علة لها، فلا يمكن وجود المعلول إلا بوجود العلة.
    وهكذا إذا كانت الصورة معلولة للانفعالات، فلا يمكن أن توجد الصورة عند العقل أو فيه إلا بوجود الانفعالات، فالانفعالات شرط عقلي لا يمكن تخلّفه.
    والأشاعرة يقولون: إن الله تعالى قادرٌ على خلق الصورة بدون الانفعالات المشار إليها، ولذلك فليست الانفعالات شرطاً عقلياً لا يتخلف، بل هي عبارة عن ترتبات عادية وترتيبات حاصلة بإرادة الله تعالى، ولو شاء الله أن لا يجعلها كذلك لقدر.
    ولذلك قال الأشاعرة بأن الرؤية حقيقة هي حصول الصورة الإدراكية، وأما مقدماتها الانفعالية فهي شروط عادية يمكن تخلّفها، وما دامت كذلك، فلا يستحيل أن يخلق الله تعالى الصورة بلا خلق الإدراكات الانفعالية التي جعلوها شروطا عقلية كالمقابلة واتصال الشعاع، وغيرها مما جعلوه شرطا عقليا للرؤية كالحد للمرئي، وبالتالي لا يلزم أن يكون من حصل فيه صورة المرئي مواجهاً له، ولا يشترط عقلاً أن يسبق ذلك كله حصول الانفعالات المذكورة، بل لو شاء الله تعالى أن يخلق الصورة مباشرة فإنه قادرٌ على ذلك.
    وأما الشيعة ومن وافقوه في هذا الرأي، فقالوا: لا يمكن أن يوجِد الله هذه الصورة إلا بإيجاد الانفعالات، ولا يمكن أن توجد الانفعالات إلا بوجود الجهة والمقابلة وارتطام الشعاع بالمرئي ثم انعكاسه عنه وسقوطه على العين، وهكذا.
    وهذا هو حقيقة الخلاف بين الشيعة والعدلية من جهة، وبين الأشاعرة من جهة أخرى، وإذا تأملنا الخلاف بهذا الوضع فإننا نستطيع أن نتبيّن عمق بحث وتحليل الأشاعرة في هذه المسألة، وربطهم لها بأصول العقائد بناءً على ما تحقق لديهم.
    وكذلك فالعدلية بنوا هذه المسألة على ما يعتقدونه من كون العلاقة بين الله تعالى وبين الموجودات في هذا العالم علاقة علية ومعلولية، كما يقول الشيعة المتأخرون والفلاسفة، أو مبنية على أن الله تعالى يجب عليه فعل الصلاح، وأن الحسن والقبح أمور ثابتة في نفس الأمر، وأن الله لا يمكن إلا أن يفعل ما هو مقتضى الصلاح والحسن، كما هو رأي المعتزلة.
    ومن الظاهر أن رأي المعتزلة والشيعة يعود إلى نفي كون الله تعالى مختاراً، أي أنهم ينفون كون الله تعالى متصفاً بالإرادة كما هو متصف بالعلم والقدرة، فالإرادة عندهم هي عين الفعل أو راجعة إليه، فالإرادة من صفات الأفعال لا الذات، وهو في الحقيقة نفي للإرادة لا إثبات لها.
    هذا هو حقيقة الأمر وأصوله الكبرى.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    ولنرجع قليلاً إلى مسألة الرؤية:




    إن من يعلم مذهب الأشاعرة يعلم أنهم يرجعون الرؤية إلى الإدراك، أي إلى نوع إدراك، فمن أرجع الرؤية عندهم إلى العلم، فالحاصل أنه لا خلاف بينه وبين غيره من حيث الحقيقة، ومخالفة الشيعة والمعتزلة لهم غير مبنية على أساس، والفرق بينهم في التدقيقات كنحو القول: هل يجوز أن نحصل على زيادة علم بالله تعالى أم لا يمكن ذلك سواء في الدنيا أم في الآخرة، فالأشاعرة يقولون: نعم هذا جائز، وغيرهم يقول لا، ولو جاز فلا يسمى رؤية، والأشاعرة يقولون: يسمى رؤية؛ لأن هذا هو حقيقة الرؤية.
    بل حقيقة الرؤية عندهم هو علم حاصل في الإنسان في عينه بالترتيب العادي المذكور سابقاً، ويمكن أن يخلقه الله مباشرة في النفس، ولكن تسميته بالرؤية لأن العادة جرت على خلقه في العين ولو بلا واسطة الانفعالات، فكل إدراك وعلم حصل للإنسان عن طريق الترتبات العادية المذكورة فيسمى رؤية وإن كان بخلق الله تعالى مباشرة.
    وكون العين آلة، فهذا للعادة التي خلقها الله تعالى وليس لأن العين سبب وعلة للرؤية، وأما القائلون بوجود صفة زائدة على العلم اسمها البصر، فالمذهب بناءً على ذلك واضح.
    إذن وبعد هذا التوضيح نقول:
    الخلاصة إن الأشاعرة لم يسلموا أن الرؤية هي حصول الإدراك بشرط الانفعال المذكور، بل قالوا هو مجرد حصول الإدراك، والشيعة ومن وافقهم قالوا باشتراط الإدراك بالانفعالات المذكورة، بناءً منهم على العلية والمعلولية والتولد والحسن والقبح العقليين. ويبقى الأمر عند الأشاعرة في إطلاق اسم الرؤية بناء على ما وضحناه.
    ويتضح لنا أن قول السبحاني بأن مَن فسر الرؤية بالعلم أو بالكشف أو نفى اشتراطهما بهذه الانفعالات ووصفه إياهم بأنهم خارجون عن محل النزاع، مجرد مصادرة على المطلوب، فالمطلوب أساساً تحقيق هذه المسألة أي معرفة هل الرؤية تطلق على هذا المعنى أو على ذاك.
    فالشيخ السبحاني صادَرَ على أساس المسألة، واعتبر أنه لا تطلق الرؤية إلا على ما قاله، ولذلك حَكَمَ بهذا الحكم كما ترى، ووقع في الغلط.



    وأما الفرق بين قول الأشاعرة وقول المجسمة، فهو كما يلي:



    إن المجسمة انطلقوا من نفس المقدمات التي قررها الشيعة والمعتزلة من أنه لا يمكن حصول الرؤية إلا بالانفعال والمواجهة وكون المرئي في جهة ومحدوداً .. إلخ، والمجسمة لما كانوا يقولون بأن الله في جهة ومحدود ... إلخ، لم يلزمهم نفي الرؤية كما فعل المعتزلة والشيعة، ولم يلزمهم تحقيق معنى الرؤية وتجريدها عن شروطها العادية كما فعل الأشاعرة، فالحاصل أن المجسمة والكرامية قالوا بكل ما قال به الشيعة والمعتزلة في شروط أجزاء الرؤية، والتزموا اللوازم التي فرَّ منها هؤلاء.
    وأما الأشاعرة فقد عرفنا قولهم، وهو إثبات الرؤية على ما وضحناه، ونفي لوازم التجسيم والتحديد والتشبيه.
    فهذه هي خلاصة هذه المسألة أتينا بها إليك من أصولها.



    ونكمل الآن مناقشة كلام السبحاني:



    استدل السبحاني على نفي الرؤية بقوله (2/127): "إن الرؤية إنما تصح لمن كان مقابلاً أو في حكم المقابل".أهـ. وبما أن الله تعالى ليس في جهة ولا حدَّ له، فيستحيل رؤيته، وقد بيّنا نحن أن الرؤية هي نفس الإدراك الحاصل لا بشرط الانفعالات والمقابلة والحدّ، وبناءً على ذلك فلا يلزمنا القول باستحالة الرؤية، وأما قوله بعد ذلك بأن الرؤية "إذا أريد بها غير حقيقتها مما يعبر عنه بالإدراك العلمي والشهود القلبي ... فهو حينئذٍ خارج عن محط البحث ومجال النزاع"أ.هـ.
    نقول: الرؤية عبارة عن إدراك معين، وتحقيق كون الرؤية كذلك هو أصل النزاع كما سبق تحقيقه، بل هو أصل المسألة، وادعاء كونه خارجاً عن محل النزاع وحصر الرؤية في الرؤية الحسية المشروطة بالشروط العادية عبارة عن مصادرة على المطلوب.
    وقد ساق أدلة أخرى راجعة إلى نفس الأساس، منها لزوم كون المرئي محدوداً متناهياً، ولزوم كونه جسماً ذا أبعاد، وفي جهة، ثم قال: "فروح الأدلة الأربعة يرجع إلى أمر واحد، وهو أن تجويز رؤيته معناه كونه سبحانه موجوداً متحيزاً ومحدوداً وذا جهة وعوارض جسمانية وقابلاً للإشارة، وكل ذلك مستحيل، فتكون النتيجة امتناع وقوع الرؤية عليه".أ.هـ.
    وكلامه في رجوع هذه الأدلة إلى حرفٍ واحد صحيح، ولذلك فجوابنا عن جميعها واحدٌ أيضاً، وهو أن الرؤية لا تستلزم هذه اللوازم، وإنما هذه شروط عادية لا عقلية، والرؤية إدراك يخلقه الله مباشرة بلا واسطة ولا اشتراط مقابلة ولا حدّ ولا جهة، فإذا سلم ذلك، فلا وجه لامتناع القول بها مع ورود الشريعة بها.
    ثم قال السبحاني مقرراً أدلته: "ومبادئ هذه البراهين أمور بديهية حسية يكفي في تصديقها تصور القضايا بموضوعاتها ومحمولاتها ونسبها".أ.هـ.
    وكلامه هذا ليس صحيحاً، فقد رأينا أنها ليست بدهية، بل ظاهرية، وأنها تحت النقد والتحليل العقلي تنحل وتكون سراباً بقيعة، والاعتماد على ظواهر الأمور كما يفضي بها إلينا الحس من دون نقد ليس من عادة المحصلين ولا الناقدين المحققين، وكثير من إشكالات الفرق المخالفة إنما وقعوا فيها من هذا الباب.
    وحاصل الكلام:
    إن الرؤية الحسية المشروطة بالحس والمقابلة واتصال الشعاع مستحيلة على الله، ولا نسلّم أن هذا المعنى هو حقيقة الرؤية، وأما حصول إدراك زائد على ما حصلنا عليه بواسطة النظر العقلي والتفكير في العالم، فهذا ليس بمستحيل سواء خلقه الله تعالى في العين ثم أدركناه بعقولنا أو خلقه الله مباشرة في النفس، وهذا هو حقيقة الرؤية، ولا وجه للقول بامتناعها على هذا النحو.



    يتبع.......

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    محاولة فاشلة:

    لقد وصف السبحاني بهذا العنوان بعض الأقوال التي نقلها عن الأشاعرة، وحاصل ما قاله تحت هذا العنوان إن الأشاعرة لما رأوا أن الرؤية تفضي إلى القول بالتجسيم، وكان القول بالتجسيم محالاً ممتنعاً، حاولوا تصحيح مقولتهم بثبوت وجواز الرؤية بلا لزوم التجسيم بوجوه خارجة عن محل النزاع، كما قال السبحاني.
    والحقيقة أن قول السبحاني مصادرة على المطلوب كما قلنا، لأن النزاع أصلاً: هل لا يمكن تحقيق الرؤية إلا على النحو الحسي المستلزم للجهة والحدّ، أم لا؟ فهو ومَنْ وافقه قال نعم لا يمكن إلا هذا الوجه وهذا المعنى، واستدلالهم مبني على ما يحسون به وادعوا أن هذا بديهي، والحقيقة أنه من الظواهر الحسية والعقل ينفي كونها بديهية، فالحس لا يدل إلا على الوقوع، ولا يدل على الاستحالة، وكلامنا في الامتناع.
    وكذلك فالعقل دلّ على أنه لا خالق إلا الله، وأنه يخلق بلا واسطة، ولا توجد علل وترتبات بين الموجودات الحادثة، هذا عند الأشاعرة.
    وأما عند المخالفين، فقالوا بالعلية والمعلولية والترتبات المذكورة، ولذلك لزمهم نفي الرؤية، ولا شك أن القول بالعلية والمعلولية والترتبات على النحو الذي ادعوه هم ليس من البديهيات ولا من الحسيات، بل لا يمكن إثباته إلا بالنظر الدقيق، ولا نسلمه لهم، بل نعارضه بعد إبطاله بنظر أقوى منه.
    فإذا كان الأمر كذلك، فكيف يقول السبحاني إن الأشاعرة يتفلتون من هذه المحاذير؟ لمَ لا يقول: إنهم حققوا أن للرؤية معنيين، الأول على ما جرت عليه العادة وهو المعنى الحسي، وقد منعه الأشاعرة، والثاني المجرد عن الشروط العادية، وقد قالوا به، ولا يستلزم الجسمية ولا الحد.
    وليس هذا مجرد محاولة تخريج للقول أو خروج عن محل النزاع، بل هو تحقيق لنفس المسألة، ولكن الشيخ السبحاني لم يقل ذلك، ولو قاله لدلّ على إنصافه، ويمكن بعد ذلك أن يخالفهم في نفس هذا الرأي لو شاء، ولكن الإنصاف مطلوب منه ولم يفعله، بل بادر - كما هي عادتهم - إلى اتهام الأشاعرة بالتلفيق.
    وقد نقل السبحاني قول الشهرستاني في بيان أن مذهب المعتزلة شرط الرؤية بتلك الشروط المستلزمة للحدّ والجهة: "ونفوا رؤية الباري تعالى بالأبصار نفي الاستحالة، والأشعري أثبتها إثبات الجواز على الإطلاق، والوجوب بحكم الوعد".أ.هـ.
    وهذه الكلمة نقلها عن الشهرستاني في نهاية الاقدام، ص356، وعلق السبحاني عليها بأن الرؤية الحسية هي الرؤية المعلومة، وهي محالة لما تستلزمه من الحد، ثم قال (2/129): "وأما ما يدعيه العرفاء وأهل الكشف والشهود خارج عن محط البحث"أ.هـ. وهذا الكلام يُكثر السبحاني من تكراره، وقد بينا لك أن هذا مجرد مغالطة منه ومصادرة على المطلوب، فالمدار مبني على أن الصورة الإدراكية هل تسمى رؤية أم لا، وقد ثبت بالنصوص واستعمال اللغة أنها تسمى بالرؤية، فالإنكار بعد ذلك تحكّم.
    وهذا كما لو ورد الشرع بنسبة اليد إلى الله تعالى، والمتبادر إلى الذهن من اليد هي الجارحة، والجارحة مستحيلة على الله تعالى، فهل ننكر أصل النسبة أم نبحث عن معنى آخر لليد يصح بناءً عليه نسبتها لله، لا شك أن الصحيح هو الطريق الثاني، فالمعنى الموجود في اللغة يصحح إطلاق اليد وإرادة القدرة والمعونة، وإطلاق هذا المعنى على الله لا ضرر فيه.
    وكذلك لما وردت نسبة الرؤية إلى الله تعالى، وكان المتبادر منها الرؤية الحسية، وهذه محالة على الله تعالى، بحثنا في اللغة عن معنى آخر وتحقيق لمفهوم الرؤية، فقلنا إنها حالة إدراكية أعلى مما تحصل عليه بواسطة النظر، وهذا جائز على الله تعالى، أي يجوز أن نعلم من كمالات الله تعالى أكثر مما نعلمه عن طريق النظر العقلي، فنحمل الرؤية على هذا القدر، وننفي اللوازم الحسية، وهذا هو الذي فعله الأشاعرة، بحيث لا يلزمهم نفي نص وارد في الشريعة صحيح النسبة، ولا يلزمهم مخالفة ولا معارضة المقطوع به عقلاً على الله تعالى من تنزيهه عن الجسمية والحدود والجهات.
    فأين الإشكال في هذا المذهب، بل إن المنصف لا يرى فيه إلا كل إتقان وإبداع ...
    ثم نقل السبحاني كلاماً عن العلامة القوشجي في شرح التجريد، فقال (2/129): "قال الفاضل القوشجي بعد شرح معنى الرؤية إما بالارتسام أو خروج شعاع: "إنا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحد أو رسم، كان نوعاً من المعرفة، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعاً آخر فوق الأول، ثم إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأولين نسميه الرؤية، ولا يتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان.
    فمحل النزاع أن مثل هذه الحالة الإدراكية يصح أن تقع بدون المقابلة وتتعلق بذات الله منزهة عن الجهة والمكان أولاً" أ.هـ.
    وعلق السبحاني على هذا الكلام قائلاً (2/130): "إن تمني الرؤية والإبصار بغير المقابلة والجهة مع تحققها بالعيون والأبصار أشبه بتمني وجود الشيء مع التأكيد على عدمه".أهـ.
    يريد السبحاني بهذا التعليق الحكم على كلام القوشجي بالتناقض، فهل كلام القوشجي فيه تناقض حقاً كما يريد السبحاني إيهام ذلك ؟!
    والحقيقة أنه بأدنى نظر نتبيّن أنه لا يوجد تناقض داخلي في كلام القوشجي، بل التناقض ناتج عن أن السبحاني ألزم القوشجي بناءً على مذهبه هو لا مذهب القوشجي، وبيان ذلك: أن القوشجي يقول بإمكان خلق الإدراك مع عدم وجود الاتصال والحد والجهة وغير ذلك، وهو بناءً على ذلك يقول إذا حصل لنا إدراك علمي بمستوى معين، فهل يمكن أن يحصل لنا إدراك علمي بمستوى أعلى منه ونسميه الرؤية كما نسمي إبصارنا للشمس رؤية، هذا هو حاصل كلام العلامة القوشجي، ولا يوجد تناقض.
    ولكن السبحاني يعتقد في نفسه أنه لا يوجد رؤية إلا باتصال شعاع ومقابلة وجهة، فلما سمع القوشجي يقول برؤية بدون تلك الأمور ألزمه بطلب وتمني الرؤية والإبصار مع عدم تحققها بالأبصار مع أنها عند السبحاني لا تحصل إلا بالأبصار، وظاهر أن هذا الإلزام لا يلزم، لأنه إلزام مركب على مذهب الملزِم، وليست كل مقدماته يسلم بها القوشجي كما هو ظاهر.
    فتبين لنا أن لا داعي للاستغراب من هذا الكلام.
    والحقيقة أنه لو تمَّ التدقيق قليلاً في كلام القوشجي لوصل المعارض إلى أغلب الحل والجواب عن الإشكالات التي تمنعه من القول بالرؤية جوازاً.
    وتوضيح ذلك: أننا يمكن أن نعلم الشيء بالنظر والرسم والحد، ثم يمكن أن نعلمه بمشاهدته بالإبصار، ومعلوم تفاوت هاتين الدرجتين من العلم، ومعلوم أن حقيقة اللون مثلاً المشاهَد بالعين والأبصار لا يمكن إدراكها إلا بالعين، أي لا يمكن إدراك حقيقة اللون عن طريق النظر العقلي والاستدلال، وعلمنا باللون وإن توقف عادة على البصر واتصال الشعاع، إلا أنه أقوى من علمنا بالشيء بمجرد النظر العقلي، فتحقق لنا إذن مستويان من العلم، فالسؤال هنا: هل يستحيل عقلاً أن يحصل لنا علمٌ بالله تعالى بدرجة أعلى من الدرجة التي حصلنا عليها عن طريق النظر العقلي والبحث في الأخبار، بحيث تسمى هذه الدرجة من العلم بالنسبة لما حصَّلناه رؤية؟
    إن الذي يفهم المسألة على هذا النحو يجزم بلا تردد بعدم امتناع هذه الدرجة من العلم، خاصة إذا أرجعنا حصولها إلى إرادة الله تعالى وقدرته المحيطة بكل الممكنات كما يقول الأشاعرة.
    وإذا صحَّ ذلك، فلا يبقى هناك وجه للقول باستحالة الرؤية خاصة إذا لاحظنا ورود الأحاديث وورود بعض الآيات الدالة على إمكان الرؤية لله تعالى.
    فحكم العقل بالإمكان، مع ورود النصوص الشرعية، يكفيان للجزم بجواز هذه المسألة، أعني رؤية الله تعالى، ويتوقف ثبوتها وحصولها في الآخرة أو في الدنيا على ثبوت سند الروايات الواردة بذلك، فلا تناقض مطلقاً في مذهب الأشاعرة، وليس مذهباً ملفقاً كما يقول المعتزلة والشيعة وأنصاف الفلاسفة وغيرهم، بل هو مذهب مبني على التحقيق العميق في العقليات والنظر الدقيق مع احترام نصوص الشريعة وعدم إهمال شيء منها.
    ثم قال الشيخ السبحاني (2/130): "ومَن أمعن النظر في كتب الأشاعرة خصوصاً القدامى منهم، وبالأخص كتب أهل الحديث والحنابلة يرى أنهم يفرون من هذه المحاولات ولا يرون لها قيمة في أوساطهم، وهم يتمسكون بالروايات وما استظهروه من الآيات ويحكمون بالرؤية الحقيقية كرؤية القمر.
    قال الشيخ الأشعري في الإبانة: "وندين بأن الله تعالى يُرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
    وقال في اللمع: "إن قال قائل: لم قلتم إنّ رؤية الله بالأبصار جائزة من باب القياس قيل له: قلنا ذلك لأن ما لا يجوز أن يوصف به الله تعالى ويستحيل عليه لا يلزم في القول بجواز الرؤية".أهـ. انتهى كلام السبحاني.
    وما ذكره من أن المتقدمين كالأشعري لم تكن تعجبهم هذا المذهب الذي سماه السبحاني محاولات، يقصد محاولات لتخريج الرؤية وصرفها عن التشبيه والتجسيم، والسبحاني يدعي أن هؤلاء المتقدمين كانوا يقولون بظاهر الأحاديث ويثبتون الرؤية الحقيقية، وقد عرفنا نحن أن مراد السبحاني بالرؤية الحقيقية الرؤية الحسية المستلزمة للجهة والحد والمقابلة والشعاع والانفعال، وهذه الرؤية لم يقل بها الأشاعرة مطلقاً لا المتقدمون منهم ولا المتأخرون، وحتى الإمام الأشعري لم يقل بذلك ولا أحد من تلامذته. بل مذهب على طول العصور واحد وهو ما بيّناه سابقاً.
    وأما الكلام الذي نقله عن الإمام الأشعري من الإبانة فلا يستلزم الجهة والحد وإثبات الرؤية الحسية مطلقاً، لأن الإمام الأشعري يقول إن الله تعالى يخلق الرؤية مباشرة في الأبصار دون أن يستلزم ذلك كون الله في جهة وبلا اشتراط شعاع، فهو خلق مباشر من الله تعالى للإدراك المسمى بالرؤية في الأبصار، ولا إشكال في ذلك كما علم في دقيق الكلام، وبعضهم قال: يخلقها الله تعالى في النفس مباشرة وبعضهم في الوجه، وهذا مبني عندهم على أن الإدراك لا يشترط فيه البنية، وهي مسألة معروفة، والحجة في ذلك الأصل الكبير الذي نبهنا إليه سابقاً، وهو أن الله تعالى خالق للأشياء بلا واسطة، ولا يوجد علية ولا معلولية بين الموجودات الخارجية في هذا العالم.
    وقد علم عند الجميع أن تشبيه الرؤية برؤية البدر إنما هو من حيث الوضوح والتميز وعدم الشك في كون المرئي هو الله تعالى، وليس المقصود هو رؤية الله في جهة ولا غير ذلك، لذلك قال النبي: "لا تضامون في رؤيته"، و"ليس بينكم وبينه سحاب"، وغير ذلك مما يدل على جهة الشبه في الرؤية وهي الوضوح والتميز.
    وأما النص الذي نقله السبحاني عن الإمام الأشعري من كتاب اللمع، فهو صريح فيما قلناه من نفي الحد والمقابلة والجهة، لا في إثباتها كما يريد السبحاني أن يدعيه، ودليل ذلك أن الأشعري قال: "لأن ما لا يجوز أن يوصف به الله تعالى ويستحيل عليه لا يلزم في القول بجواز الرؤية".أهـ. هذا هو كلامه الذي نقله السبحاني نفسه، ولو سأل نفسه: ما هو الذي يستحيل على الله تعالى لعرف أن الذي يستحيل عليه تعالى ولا يجوز أن يوصف به هو الحد والتجسيم والجهة وسقوط الشعاع، وغير ذلك مما جعله السبحاني جزءاً من الرؤية أو علة لها، كما سبق بيانه، فالإمام الأشعري لا يجعل شيئاً من ذلك شرطاً ولا علة، بل يقول إن الله يقدر على خلق الإدراك الذي هو الرؤية بلا تقدم هذه الأمور، لأن هذه كلها شروط عادية، تترتب بخلق الله وإرادته ولا يوجبها العقل لحصول الرؤية.


    هذا هو ما يقول به الإمام الأشعري، وهذا هو معنى كلامه، ولا يحتاج الواحد إلى عميق فكر ونظر حتى يعرف معناه، ولكنا قلنا إن السبحاني بنى جهات من كلامه على مجرد مغالطات ومصادرات على المطلوب.

    وبذلك، يكون العنوان الذي عنون به السبحاني هذه الفقرات، وهو "محاولة فاشلة" وصفاً لائقاً بكلامه هو لا بما توهم أنه فعَلَهُ الأشاعرة كما قال.
    وبعد أن بيّنا بطلان كلام السبحاني في هذا الموضع وعدم اتساقه، نكتفي بذكر بعض كلام الإمام أبي الحسن الأشعري كما ذكره عنه الإمام ابن فورك في مجرد مقالات الأشعري، ص82، قال: " وكان يجيب عن سؤال من يسأله في ذلك "كيف يُرى؟" أن هذا لا يخلو من أن يكون سؤالاً عن كيفية الرؤية أو عن كيفية الرائي أو عن كيفية المرئي، فإن كان سؤالاً عن كيفية الرؤية، فإن شيئاً من الأعراض لا كيفية لها، بل الكيفية نوع من الأعراض، وهي التركيب والهيئة، وإن كان سؤالاً عن كيفية المرئي فلا كيفية له؛ لأنه ليس بأجزاء مركَّبة، ويقول: [هذا كما تحيلون أنتم ونحن كلامَ من يسأل فيقول: كيف يُعلم؟ والجواب: أنه يُرى بلا كيفية له كما يُعْلَمُ بلا كيفية له]"أ.هـ.
    وهذا الكلام واضح في نفي الحدّ والجهة وما زعم السبحاني أنه لا ينفك عن الرؤية.
    وقد نقل عنه الإمام ابن فورك كلاماً كثيراً في تحقيق مذهبه، وكله يبطل ما ينسبه إليه الشيخ السبحاني، وكان يكفي السبحاني مجرد مراجعة هذا الكتاب ليمسك عن كتابة ما كتبه، بل لعمر الحق كان يكفيه مجرد التأمل في نفس العبارات التي نقلها هو من كتاب اللمع للإمام الأشعري ليعرف أنها لا تدل على ما زعمه، والكلام في هذا المعنى أكثر من ذلك لا حاجة إليه بعد اتضاح الحق.


    يتبع .......

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    المشاركات
    1,660

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو نور


    .....اتفق أهل السنة على أن رؤية الله تعالى جائزة، وخالفهم في ذلك الشيعة والمعتزلة والإباضية،

    وقال الكرامية والمجسمة بجواز رؤية الله تعالى.

    فالحاصل أن رؤية الله قال بها الأشاعرة أهل السنة والكرامية والمجسمة، والاتفاق هذا حاصل على مجرد تصحيح الرؤية

    مع عدم الاتفاق على معناها ومفهومها وشروطها ولوازمها، كما سيتضح.


    وقال الشيعة والمعتزلة والإباضية بنفي الرؤية.

    ولم يتفق الأشاعرة والمجسمة والكرامية على معنى الرؤية وحقيقتها والأصول التي بنوا تصحيح الرؤية عليها،

    فالمجسمة والكرامية بنوا قولهم بذلك على استصحاب أصلهم المعلوم من أن الله - تعالى - جسم وأنه في جهة،

    والرؤية تحصل بالعين عن طريق مقابلة المرئي في الجهة، ويلزمهم عند اشتراطهم هذه الشروط التشبيه المحض.

    وأما الأشاعرة والماتريدية، فقالوا بصحة الرؤية ونفي كون الله تعالى جسماً، ونفي كونه ذا حَدٍّ أو حدودٍ،

    ولم يقولوا باشتراط الجهة لصحة الرؤية.

    .
    الأخ الحبيب أبو النور...دع السبحاني على جنب في هذا اللحظة...

    لي تسائل صغير...


    هل تشرح لنا هذا الطلسم الأشعري

    فقالوا ((الأشاعرة)) بصحة الرؤية ونفي كون الله تعالى جسماً، ونفي كونه ذا حَدٍّ أو حدودٍ،

    ولم يقولوا باشتراط الجهة لصحة الرؤية!!

    يعني رؤية صحيحة 100% بين المرسل والمستقبل مع انتفاء الجسمية و الحد و الجهة ؟!

    هل هي رؤية عين بشرية !...بآليات الرؤية العينية التي يعرفها البشر... أم غير ذلك من الرؤى...

    كالتخيل و التصور الذهني وما شابه ؟

    في انتظار جوابك... أو جواب الأخوة الأشاعرة في منتدى الشيخ سعيد في الأصلين !

    العبد الفقير ديك الجن

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    أخي ديك الجن أفضل عدم الاجابة على أي تساؤلات بصدد ما نقلته حتى يكتمل النقل
    مع ذلك أخي ديك الجن أسألك هل بالفعل قرأت ما كتبه الشيخ فودة ونقلته حتى الآن ؟
    إذ يا أخي ما تتحدث عنه أنت هو آلية الرؤية وهي شيء منفك في مذهبنا عن الرؤية في نفسها أي عن حقيقة وماهية الرؤية
    فالرؤية بحد ذاتها ليست إلا نوع علم أو إدراك أو كشف ( سمه ما شئت ) وقد جعل الله تعالى حصولنا في هذه الدنيا على هذا النوع من العلم أو الكشف أو الادراك مترتباً بحكم العادة على الآلية الفيزييولوجية التي نعرفها
    تماماً كما أن علمنا الاستدلالي بالأشياء مترتب على وجود دماغ وجملة عصبية مركزية و آلية فيزيولوجية يطول شرحها وبيانها ترتب عادة لا ضرورة عقلية
    فهذا داخل ضمن مفهوم السنة الكونية لا القانون العقلي الضروري
    من هنا فلا حتمية للشروط العادية
    بدليل حصول المعجزات التي هي أوضح دليل على عدم ضرورة تلازم الأسباب العادية مع نتائجها المترتبة عليها عادةً
    فالرؤية ممكنة الحصول من دون هذه الأسباب المعتادة التي ألفناها
    هذا ممكن إن شاء الله تعالى
    وهذه حقيقة مذهبنا في الرؤية
    ولربما ستندهش جداً جداً جداً إذا علمت أن العلامة الطباطبائي وهو شيخ جعفر السبحاني له في القضية رأي قريب جداً من حيث الجوهر من مذهبنا ولعلي إن شاء الله تعالى أطلعك عليه بعد الفراغ من نقل كلام الشيخ فودة
    وستعلم عندئذ إن شاء الله أن هذا الموضوع استهلك كثيراً من المماحكة بلا داع
    وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله ولله الحمد

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    مناقشة الاستدلالات العقلية عند السبحاني

    الأدلة العقلية للقائلين بالجواز:


    ناقش الشيخ جعفر السبحاني بعض أدلة الجواز عند من قال بذلك، وسوف نتعقبه نحن في كلامه وننقد بعض ما فيه اختلال.
    قال السبحاني (2/131): "إن الشيخ الأشعري استدل على جواز الرؤية بوجوه عقلية نقتطف منها وجهين:
    الأول: قال: "ليس في جواز الرؤية إثبات حَدَثٍ، لأن المرئي لم يكن مرئياً، لأنه محدث ولو كان مرئياً لذلك للزمه أن يرى كل محدث، وذلك باطل عنده"، كذا نقله السبحاني في كتابه، والحقيقة أنني عندما رأيت هذا النقل عرفت أن فيه غلطاً ما، فرجعت إلى كتاب اللمع للأشعري وتصحيح العبارة من كتاب اللمع ص61 كما يلي: "وليس في جواز الرؤية إثبات حَدَث، لأن المرئي لم يكن مرئياً لأنه محدث، ولو كان مرئياً لذلك للزمهم أن يرى كل محدث، وذلك باطل عندهم".أهـ.
    وقبل ذلك قال: "إن قال قائل: لم قلتم إن رؤية الله تعالى بالأبصار جائزة من باب القياس؟ قيل له: قلنا ذلك لأن ما لا يجوز أن يوصف به الباري ويستحيل عليه فإنما لا يجوز لأن في تجويزه إثبات حدثه، او إثبات حدث معنى فيه، أو تشبيهه أو تجنيسه أو قلبه عن حقيقته أو تجويزه أو تظليمه أو تكذيبه، وليس في جواز الرؤية إثبات حدث، لأن المرئي ...إلخ"أ.هـ.
    هذا هو كلام الإمام الأشعري، ومن الواضح أنه يستدل على جواز الرؤية بأن الرؤية حاصلة في الرائي لا في المرئي، ولا تستلزم حصول معنى حادث في المرئي، فإذا كانت كذلك، فالأصل القول بجوازها، إذ العقل لا يمنع ذلك إلا إذا كانت هناك موانع منه، والموانع التي يذكرونها من استلزام الحيز والجهة والحد، بيّنا نحن أنها غير لازمة لأن معنى الرؤية حصول الصورة أو الإدراك في البصر، وهذا الأمر يمكن بقدرة الله تعالى بلا واسطة، فالأصل بقاؤها في حيز الجواز عند العقل.
    وهذا الاستدلال جيد وتام، لأن الأصل عدم الحكم على الأمر بالامتناع إلا لسبب، فإن عرفنا مانعاً قلنا به، وإن عرفنا موجباً قلنا به، وإلا بقي الأمر على مطلق الجواز، والجواز كما هو معلوم إما أن يكون بمعنى عدم المانع، وإما أن يكون بمعنى الحكم بالصحة.
    وبالمعنى الأول إما أن يكون لعدم العلم بالمانع، وإما أن يكون للعلم بعدم المانع، فعلى الثاني يرجع إلى القول بالصحة والجواز بالمعنى الأخص، وأما بالمعنى الأول وهو عدم العلم بالمانع فلا يكفي الاستناد إليه في أحكام الألوهية، إلا إذا انضم مع ذلك ورود الشريعة بإطلاق الرؤية، فيكون مرجحاً ومبيناً لعدم المانع.
    هذا هو مقصود الإمام أبي الحسن الأشعري، بل هذا هو معنى كلامه، فلننظر الآن كيف علق الشيخ جعفر السبحاني على هذا الكلام، قال (2/131): "إن الحدوث ليس شرطاً كافياً في الرؤية، حتى تلزم رؤية كل محدث، بل هو شرط لازم يتوقف على انضمام سائر الشروط التي أشرنا إليها، وبما أن بعضها غير متوفر في الموجودات المجردة المحدثة، لا تقع عليها الرؤية".أهـ.


    هكذا علق هذا الشيخ المحقق الجهبذ على كلام الأشعري، والناظر في معنى كلامه يعلم علماً يقينياً أنه لم يفهم كلام الأشعري كما وضحناه أعلاه، بل ظن السبحاني أن الأشعري يقول إن شرط الرؤية حدوث المرئي، فعارضه السبحاني بأن قال: بعض الحوادث لا ترى، فالحدوث ليس شرطاً كافياً أي سبباً للرؤية، ومعلوم أن هذا الكلام دالّ على عدم فهم عبارة الأشعري ولا طريقة استدلاله ولا على ماذا يستدل.
    فقد قلنا إن الأشعري يستدل على مجرد الجواز، وكلامه صحيح، وهو لا يستدل على الوقوع فضلاً على لزوم الوقوع حتى يعارض بهذا الكلام، والأشعري يتكلم عن عدم لزوم حصول معنى حادث في ذات المرئي عند الرؤية، ولا يتحدث عن كون الحدوث شرطاً للرؤية، وفرق بين هذا وذاك، بل هو رحمه الله نفى بكلامه أن تكون الرؤية سبباً لحدوث المرئي خلافاً لما قاله السبحاني.
    والحقيقة أنني تعجبتُ عندما رأيتُ هذا التخبط في كلام السبحاني.
    ولنكمل ما قاله السبحاني، قال (2/131): "الثاني قال: "ليس في إثبات الرؤية لله تعالى تشبيهاً".
    وأكمل قائلا:"يلاحظ عليه: إن حقيقة الرؤية قائمة بالمقابلة أو ما في حكمها، وهي لا تنفك عن كون المرئي في جهة ومكان، وهو يستلزم كونه سبحانه ذا جهة ومكان، فأي تشبيه أظهر من ذلك، وكيف يقول: إن تجويز الرؤية لا يستلزم التشبيه ؟! ما هكذا تورَد يا سعدُ الإبل" أ.هـ.
    هذا كلام السبحاني، والحقيقة أنني كلما قرأت له كلاماً أزدادُ تعجباً منه ومن كلامه، فها هو مرة أخرى يلزم الأشاعرة باستعمال مقدمات لا يسلّمون هم بها، فإنه يقول إن الرؤية لا تحصل إلا بحدّ ومقابلة وجهة، ويلزمهم بناءً على ذلك بثبوت ذلك لله تعالى عند القول بصحة رؤيته، وهو يعلم – أي السبحاني – علماً تاماً أن الأشاعرة يقولون بعدم وجود التلازم بين الرؤية وبين هذه الأمور التي تستلزم التشبيه، فلا يصح له إلزامهم بالتشبيه مطلقاً، بل يكون ذلك كذباً عليهم وإلزاماً لهم بما صرحوا بنفيه، ويكون مغالطة محضة، وقد ارتكبها السبحاني عدة مرات كما رأينا، ووجه المغالطة أنه يعتمد في إلزامهم على مقدمات ينكرونها، ثم هذا ليس دليلاً خاصاً، بل هو تكملة للاستدلال السابق على الجواز فعدّه دليلاً ثانياً مغالطة أخرى من السبحاني.
    وأما قوله بعد ذلك: "ما هكذا تورَد يا سعدُ الإبل"، ففيه سوء أدب غير خافٍ، فما هكذا يخاطب الأشعري ومَن هو في مقامه.
    وقد اعتاد السبحاني -هداه الله- أن يبني كلامه على ما يتوهمه، ولذلك لما اعتقد صواب انتقاده السابق للإمام الأشعري بنى عليه، ولما نظر في كتب المتأخرين من الأشاعرة ورأى أنهم يقولون بأن المصحح للرؤية هو الوجود تحقيقاً لقول الأشعري، ظنَّ أن هذا عبارة عن محاولة أخرى منهم لترقيع المذهب الذي فهمه هو عن الأشعري، وظنه منهم دليلاً جديداً، ولم يراجع نفسه فيحتمل خطأ كلامه السابق كما بيّناه، ولذلك قال (2/131): "ثم إن أئمة الأشاعرة في العصور المتأخرة لما وقفوا على وَهن الدليلين السابقين ؟! عدلوا إلى دليل عقلي آخر، وحاصله أنَّ مِلاك الرؤية والمصحح لها أمر مشترك بين الواجب وغيره، قالوا: إن الرؤية مشتركة بين الجوهر والعَرَض، ولا بدّ للرؤية المشتركة من علة واحدة، وهي إما الوجود أو الحدوث، والحدوث لا يصلح للعلية؛ لأنه أمر عدمي فتعين الوجود، فينتج أن صحة الرؤية مشتركة بين الواجب والممكن".
    وهذا الدليل - مع أنه لم يتم عند المفكرين من الأشاعرة - ظاهرُ الضعف؛ إذ لقائل أن يقول: إن الجهة المشتركة للرؤية في الجوهر والعرض ليس هو الوجود بما هو وجود، بل الوجود المقيد بعدة قيود، وهو كونه ممكنا ًمادياً يقع في إطار شرائط خاصة، كشف عنها العلم في تحقيق الرؤية، فإن الإبصار رهن ظروف خاصة، وادعاء كون المِلاك هو الوجود بما هو وجود غفلة عما يثبته الحسُّ والتجربة"أ.هـ.
    هذا هو كلام السبحاني وتعليقه على استدلال الأشعري العقلي.
    والحقيقة أنه قد جانب الصواب في هذا التعليق أيضاً، وذلك لما يلي:
    أولاً: إن القول بأن المصحح للرؤية هو الوجود ثابت النسبة إلى الإمام الأشعري، وليس هو من مخترعات المتأخرين، وبالتالي فلم يخترعه المتأخرون ليحاولوا تعديل فساد الأدلة التي نسبها السبحاني إلى الأشعري، فقد رأينا أن السبحاني لم يفهم حقيقة قول الأشعري وأنه نسب إليه استدلالات لا يقول بها.
    ثانياً: مع أن الأشعري يقول إن المصحح للرؤية هو الوجود، فقد اشتهر عند الأشاعرة أن الكثير منهم لم يوافقوه في هذا القول بل خالفوه فيه، وبالتالي فإن الأشاعرة أنفسهم هم الذين نقدوا كلام الأشعري ولم ينتظروا الشيخ السبحاني حتى يبين لهم ضعف هذا الاستدلال.
    ثالثاً: ولكن يبقى إدخال السبحاني العلوم المتأخرة في قوله: "كشف عنها العلم في تحقيق الرؤية .. إلخ"، فقد تبين لنا أن هذا ما هو إلا مجرد مبالغات واستعارة لبعض الألفاظ التي لا تفيد في هذا المقام، فقد علمنا أن بحوث العلم المعاصرة لم تزد على أن وضحت تفاصيل هذا الانفعال، ولكن معرفة كونه انفعالاً معلوم منذ مئات السنين، ولم يكن العلماء جاهلين بذلك القدر، والعلم بهذا القدر يكفي لبناء الأدلة العقلية كما هو معلوم.
    رابعاً: لا مدخلية للتجربة والحس ههنا في تحديد معنى الرؤية، بل يحتاج ذلك إلى نوع نظر، وتمسك السبحاني بمجرد البناء على الظاهر من الحس مصادرة على المطلوب كما قدمناه.
    ثم قال السبحاني في (2/132): "والعجب من هؤلاء كيف يدعون أن المصحح للرؤية هو الوجود مع أنّ لازمه صحة رؤية الأفكار والعقائد والروحيات والنفسانيات كالقدرة والإرداة وغير ذلك من الأمور الروحية الوجودية التي لا تقع في مجال الرؤية"أ.هـ.
    والجواب: كل ما هو موجود يصح أن يدرك بهذا المعنى الذي وضحناه لأنه علم خاصٌّ أو زيادة علم وإدراك، ولا نمنع إمكان رؤية ما ذكره، غاية الأمر أن مجال الرؤية الحاصل للمخلوقات محصور ومقيد بحدود معينة، ولكن هذا لا يستلزم الامتناع، غاية ما يستلزمه عدم رؤيتها بالفعل، وعدم الرؤية بالفعل لا يستلزم عدم الإمكان، وكلامنا أصلاً في الإمكان.
    فظهر بذلك أن لا دليل في كلام السبحاني يتم له، وكثير من كلامه مبني على مغالطات ومصادرات على المطلوب.
    وبهذا الكلام نكون قد انتهينا من مناقشة ما أورده السبحاني في مسألة الرؤية، ونفيها، وأما مناقشته للاستدلالات النقلية لمن أثبت الرؤية فسوف نذكرها في محلها إن شاء الله تعالى.


    يتبع........

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    المشاركات
    1,660

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو نور
    أخي ديك الجن أفضل عدم الاجابة على أي تساؤلات بصدد ما نقلته حتى يكتمل النقل
    مع ذلك أخي ديك الجن أسألك هل بالفعل قرأت ما كتبه الشيخ فودة ونقلته حتى الآن ؟
    إذ يا أخي ما تتحدث عنه أنت هو آلية الرؤية وهي شيء منفك في مذهبنا عن الرؤية في نفسها أي عن حقيقة وماهية الرؤية
    فالرؤية بحد ذاتها ليست إلا نوع علم أو إدراك أو كشف ( سمه ما شئت ) وقد جعل الله تعالى حصولنا في هذه الدنيا على هذا النوع من العلم أو الكشف أو الادراك مترتباً بحكم العادة على الآلية الفيزييولوجية التي نعرفها
    تماماً كما أن علمنا الاستدلالي بالأشياء مترتب على وجود دماغ وجملة عصبية مركزية و آلية فيزيولوجية يطول شرحها وبيانها ترتب عادة لا ضرورة عقلية
    فهذا داخل ضمن مفهوم السنة الكونية لا القانون العقلي الضروري
    من هنا فلا حتمية للشروط العادية
    بدليل حصول المعجزات التي هي أوضح دليل على عدم ضرورة تلازم الأسباب العادية مع نتائجها المترتبة عليها عادةً
    فالرؤية ممكنة الحصول من دون هذه الأسباب المعتادة التي ألفناها
    هذا ممكن إن شاء الله تعالى
    وهذه حقيقة مذهبنا في الرؤية
    ولربما ستندهش جداً جداً جداً إذا علمت أن العلامة الطباطبائي وهو شيخ جعفر السبحاني له في القضية رأي قريب جداً من حيث الجوهر من مذهبنا ولعلي إن شاء الله تعالى أطلعك عليه بعد الفراغ من نقل كلام الشيخ فودة
    وستعلم عندئذ إن شاء الله أن هذا الموضوع استهلك كثيراً من المماحكة بلا داع
    وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله ولله الحمد

    الأخ الحبيب أبو النور....

    تقول فلا حتمية بالنسبة ((للأشاعرة)) للشروط العادية في الرؤية ...

    أي آليات الرؤية العينية و البصرية التي يعرفها البشر...

    وتحبذ تعبيرات العلم أو الإدراك أو الكشف لتوصيف هذه الرؤية المنتظرة !

    أنا أفضل تسميتها ... التخيل و التصور الذهني و ما شابه ؟


    ما يحيرني بالفعل انكم تعتمدون هذه الآية للاثبات على سبيل المثال :

    {وجوهٌ يَومئذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرةٌ}

    يعني الوجه متضمنناً العينين جزء من كل في آلية الرؤية!...هذه واحدة


    وأنتم تعتمدون أيضاً هذا قول المنسوب للرسول :

    "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته"

    والحديث صحيح متفق عليه أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه،

    وأخرجه أحمد في مسنده، وكذلك الأربعة: أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه.....


    هل نرى هنا مماثلة و مقارنة في كلمتي ((كما ترون)) أم ماذا ؟؟؟...هذه اثنان...

    لندع اجتهاد السبحاني و الطباطبائي على جنب فهما لا يشكلان وجهة نظر الامامية القاطعة في المسألة...

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    أخي ديك الجن إنك تجبرني على الرد قبل اكتمال الموضوع
    أخي لا يجوز و لا يصح ولا يعقل إطلاقاً توصيف رؤية الله تعالى أكرمني الله تعالى و إياك بها بأنها تصور ذهني أو تخيل
    حاشا لله تعالى
    وهذا يا أخي ديك الجن هو من جنس قول المشبهة المجسمة فاياك ثم اياك ثم اياك أن تقع في هذا المطب
    فالله تعالى ليس من الأمور المتخيلة وحاشا لله تعالى أن يجوز عليه أن يكون متخيلاً
    حاشا للخيال أن يقترب من ذلك الجناب الأقدس
    يا أخي لا أمل من تذكيرك بأن العبرة في الرؤية العينية
    نعم في الرؤية العينية أو البصرية أو ما شئت من تسميات هو نوعية خاصة من العلم أو الادراك أو الكشف أو المعرفة أو ما شئت مما شاكل زيادة على أو وراء العلم الاستدلالي فإذا تحققت هذه النوعية الخاصة من العلم وبأي طريقة كانت وبسبب معتاد أو بدونه فقد صح أن يقال : ثم ( بفتح الثاء ) رؤية
    إذ هذه هي حقيقة الرؤية

    والتشبيه الوارد في الحديث الصحيح الذي نقلته وهو بالفعل حديث صحيح لا جدال في صحته هو في وضوح الرؤية لا في آلياتها
    أي كما ترون هذا القمر بهذا الوضوح فكذلك تكون رؤيتكم لربكم واضحة صافية
    لا أنكم ترون ربكم بنفس الآلية التي ترون بها القمر الآن
    وحاشا لرب العزة
    وسبحانه جل في علاه
    لا تدركه الأبصار وهو يدركها

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    إرجاع القول بالرؤية إلى اليهود والنصارى

    ولم يذكر السبحاني أي دليل نقلي على عدم الرؤية ونفيها إلا من خلال مناقشته لأدلة المثبتين، ثم بعد ذلك أرجع مسألة إثبات الرؤية إلى اليهود والنصارى، وادعى أنها تسربت إلى من قال بها من المسلمين منهم، ودسُّوها عليهم فقال (2/139): "والقائلون بالرؤية من المسلمين وإن استندوا إلى الكتاب والسنة ودليل العقل، لكن غالب الظن أن القول بها تسرب إلى أوساطهم من المتظاهرين بالإسلام كالأحبار والرهبان، وربما صاروا مصدراً لبعض الأحاديث في المقام وصار ذلك سبباً لجرأة طوائف من المسلمين على جوازها واستدعاء الأدلة عليها من العقل والنقل"أ.هـ.
    فها هو الشيخ السبحاني يتهم من قال بالرؤية بأنه استمد ذلك من اليهود والنصارى، ويكاد يصرح، بل يصرح بأن الأحاديث التي تثبت الرؤية إسرائيليات محضة، وأن مَن أثبت الرؤية قد وقع ضحية هذه اللعبة من اليهود والنصارى حتى جعل يستدعي أدلة من القرآن.
    هذا هو تصوّر السبحاني وتصور الخليلي في كتاب الحق الدامغ كما سنرى عن أحوال الذين أثبتوا الرؤية، لم يفرقوا بين واحد منهم.
    ومن الواضح أن هذا الكلام يمكن أن ينعكس عليهم؛ لأن بعض اليهود كانوا يقولون بنفي الرؤية كما هو معلوم، فلِمَ لا يقال: إن مَنْ نفى الرؤية كان متأثراً بهؤلاء ؟! واستمدها منهم ؟! خاصة أنه لا يوجد حديث واحد ينفي الرؤية صراحة، وإن توهموا دلالة بعض الأحاديث على ذلك، كما سيأتي بيانه، مع أنه يوجد أحاديث عديدة تثبتها صراحة، ولو كانت اليهود تثبتها والإسلام ينفيها لنبه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى ذلك، ولو ببعض الأحاديث كما نبه المسلمين على غير ذلك مما يخالف الإسلامُ فيه اليهود والنصارى.
    ثم هذه الآيات التي يستدل بها المثبتون للرؤية، هل دُسَّت دلالتها أيضاً في القرآن؟! هل يمكن القول إن اليهود استطاعوا دسَّ هذه الدلالات على الرؤية، وإن قال عنها السبحاني والمخالفُ إنها ظنية ولا تفيد اليقين، هل دسّوها أيضاً في القرآن؟!
    إننا نريد القول بأن هذا الأسلوب من مناقشة الأفكار أسلوب هابط وباطل، ولا يمكن تجويز القول به إلا بأدلة صريحة واضحة، ولا يمكن طرد ذلك في كل مسألة يحصل فيها خلاف، فيرمي كل واحد من المسلمين مخالفه بأنه يتبع اليهود والنصارى.
    وأما الأدلة النقلية التي يعتمد عليها السبحاني وغيره من النفاة، فسوف نناقش استدلالهم بها في محله.




    يتبع ......

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    المشاركات
    1,660

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو نور

    وهذا يا أخي ديك الجن هو من جنس قول المشبهة المجسمة فاياك ثم اياك ثم اياك أن تقع في هذا المطب
    فالله تعالى ليس من الأمور المتخيلة وحاشا لله تعالى أن يجوز عليه أن يكون متخيلاً
    حاشا للخيال أن يقترب من ذلك الجناب الأقدس
    يا أخي لا أمل من تذكيرك بأن العبرة في الرؤية العينية
    نعم في الرؤية العينية أو البصرية أو ما شئت من تسميات هو نوعية خاصة من العلم أو الادراك أو الكشف أو المعرفة أو ما شئت مما شاكل زيادة على أو وراء العلم الاستدلالي فإذا تحققت هذه النوعية الخاصة من العلم وبأي طريقة كانت وبسبب معتاد أو بدونه فقد صح أن يقال : ثم ( بفتح الثاء ) رؤية
    إذ هذه هي حقيقة الرؤية

    والتشبيه الوارد في الحديث الصحيح الذي نقلته وهو بالفعل حديث صحيح لا جدال في صحته هو في وضوح الرؤية لا في آلياتها
    أي كما ترون هذا القمر بهذا الوضوح فكذلك تكون رؤيتكم لربكم واضحة صافية
    لا أنكم ترون ربكم بنفس الآلية التي ترون بها القمر الآن
    وحاشا لرب العزة
    وسبحانه جل في علاه
    لا تدركه الأبصار وهو يدركها
    أخي أبو نور شو هاي اياك ثم اياك ؟؟

    لصق تهم أم افتراء ثم تهديد؟!

    ليش شايفني عمقول بالرؤية عبر التخيل ؟؟؟؟!!

    عجيب!

    ثانياً ما حاجة الوجوه الناضره الى ربها ناظره لطريقة العلم و الادراك و الكشف و المعرفة أو ما وراء العلم الاستدلالي !!!...

    ألم تستطيع العقول ان تنظر دون وجوه ؟؟!!

    أنت تهرب من الكيفية و تتعلق بمسألة وضوح الرؤية دون غيرها!...

    على كل حال أكمل موضوعك دون ازعاج ....

    ولنا عودة من حيث انتهينا أخي العزيز !

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    أخي ديك الجن آسف لجرحي مشاعرك من حيث لا أقصد ولا أبغي
    وعلى كل اعتبر الكلمة التي آذتك زلة لسان مني واستغفر لي الله تعالى وسامحني
    أما عن حاجة الوجوه الناضرة وقضية العقول التي لا تحتاج إلى عين للنظر
    فإنني أسألك يا أخي :
    وما حاجة العقل نفسه للدماغ ووللسيالات العصبية وللمخ والمخيخ و الأعصاب ؟
    أما كان الله تعالى قادراً على جعلنا علماء عاقلين بدون حاجة إلى الأدمغة والأعصاب والجملة العصبية المركزية والمحيطية ؟
    بلى
    ولكن هكذا شاء الله تعالى
    رتب حصولنا على العلم _ مطلق العلم _ على هذه الآلية العصبية المدهشة
    و كما يا أخي أثبتنا وجود علم ورؤية لا يحتاجان لا إلى دماغ ولا إلى أعصاب ولا إلى عين و رأس ( فالله تعالى عليم بصير ولا رأس ولا دماغ ولا جملة عصبية ولا عين جارحة ولا جوارح بالمرة )
    فلماذا نتعجب إذاً من إمكان رؤية بارينا جل وعلا إن شاء بدون قضية الآلية الضوئية و الفيزيولوجية التي نعرفها في هذه الدنيا
    يعني المسألة ببساطة : لا العلم يتوقف على وجود الدماغ ضرورة ولا على آلية بعينها ولا الرؤية تتوقف كذلك على آلية معينة
    وهذا الربط بين حقيقة الرؤية والآلية التي اعتدنا عليها هو ارتباط عادي خاضع لمشيئة الله تعالى التي لا تحجير عليها ولا تضييق
    فالله تعالى قادر إذاً على ربط رؤيته ( أي الرؤية الموعودة ) بالعين ولكن بدون هذه الآلية التي اعتدنا عليها في الحياة الدنيا
    و آسف مرةً أخرى وأعتذر عما بدر مني من كلام فهمته تأنيباً لك
    غفر الله لي ولك ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم مغفرةً عامة
    ولله الحمد

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    مع القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة


    القاضي عبد الجبار من كبار المعتزلة، وكتابه هذا من أهم الكتب الموجودة الآن للمعتزلة، وسوف نناقشه في كلامه على نفي الرؤية من الناحية العقلية وما يتعلق بذلك، وأما مناقشة الاستدلالات النقلية على الرؤية ونفي الرؤية فسوف نرجئها إلى محلّها.
    قال القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة، ص232: "ومما يجب نفيه عن الله تعالى الرؤية، وهذه مسألة خلاف بين الناس، وفي الحقيقة الخلاف في هذه المسألة إنما يتحقق بيننا وبين هؤلاء الأشعرية الذين لا يكيفون الرؤية، فأما المجسمة فهم يسلمون أن الله تعالى لو لم يكن جسماً لما صحَّ أن يُرى، ونحن نسلم لهم أن الله تعالى لو كان جسماً لصحَّ أن يُرى، والكلام معهم في هذه المسألة لغوٌ"أ.هـ.
    إذن المعتزلة يوافقون المجسمة في أصل الرؤية، أي في معناها وماهيتها، ولكن لما كان المعتزلة ينزهون الله تعالى عن الجسمية، فقد نفوا الرؤية؛ لأن الرؤية تستلزم الجسمية، ولما كان المجسمة يعتقدون الجسمية لله تعالى والحق والجهة، أثبتوا الرؤية، ومحل الاتفاق بين المعتزلة والمجسمة إنما هو على الرؤية الحسيّة المستلزمة للجهة والتحيّز والمكان للمرئي وللاتصال بالشعاع، إلى آخر ما ذكره السبحاني ووضحناه عنه.
    وقد صرَّح القاضي عبد الجبار بأن الخلاف إنما يصح بينهم، أي المعتزلة وبين الأشاعرة، ولا يصح نصبه بينهم وبين المجسمة من هذه الجهة، وأصل الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة إنما هو في المعنى الذي وضحناه سابقاً، وهو هل يمكن حصول الرؤية وهي الإدراك الزائد على العلم المتوصل إليه بالنظر العقلي، من دون اتصال شعاع ولا مقابلة، إلى آخر ذلك.
    فالأشاعرة أجازوا ذلك، لأنهم يعتقدون أن الله تعالى على كل شيء قدير، وهو فاعل مختار، يمكن أن يخلق هذا الإدراك بدون خلق ما يسبقه عادة، وذلك لأن الشروط غير المشروط، وإذا كانت الشروط عادية فيمكن عدم وجودها بالكلية مع وجود المشروط بها، هذا هو معنى الشرط العادي، وكلام الأشاعرة بناءً على ذلك صحيح لا غبار عليه، ولا تناقض فيه.
    وحاصل كلام الأشاعرة أن حقيقة الرؤية هي الإدراك الحاصل بخلق الله تعالى في المدرك، وأما الشروط التي يتكلم المخالفون عليها ويجعلونها أسباباً وعللاً للرؤية، ولا يتصورون حصول الرؤية إلا بحصولها، فإنما هي أسباب عادية يمكن تخلفها، ولا أثر لها مطلقاً في إيجاد الرؤية ولا في حصولها، بل الأمر مجرد ترتب عادي، ومعنى ذلك الترتب أن الله تعالى خلق الكون على هذا النحو من الترتيب، وعلى الإنسان إذا أراد أن يكتسب إدراك الرؤية أن يتبع هذه الشروط العادية، فهذه الشروط شروط لما خلقه الله تعالى في حركاته وسعيه، فهي عبارة عن النظام الذي ارتضاه الله تعالى للمخلوقات وعلى الإنسان أن يتقيد بها في محالِّها ليترتب له ما جعله الله مترتباً عليها، وليست هذه الشروط شروطاً لفعل الله تعالى ولا لقدرته، وحقيقة قول المعتزلة أنهم جعلوها شروطاً لنفس القدرة الإلهية، وفي هذا ما فيه من القول بتعجيز الله تعالى عن أن يخلق الرؤية بلا توسط الأسباب العادية، وإذا عرف الإنسان ذلك وصرح به، فإنه يقترب من إنكار التوحيد، فليحرص القراء على إدراك هذه المسألة بهذا النحو؛ لكي يعرفوا مدى دقة وحرص علماء أهل السنة في التدقيق في الأمور والتحقيق فيها.
    هذه كانت كالمقدمة لمناقشة القاضي عبد الجبار، ثم ذكر القاضي كلاماً فيه فوائد وفيه مصائب وبلايا، يحسن بنا أن ننبه إليه ونوضح ما فيه، قبل أن نكمل مناقشتنا لاستدلالاته العقلية.
    قال القاضي عبد الجبار ص233: "ويمكن أن نستدل على هذه المسألة بالعقل والسمع جميعاً، لأن صحة السمع لا تقف عليها، وكل مسألة لا تقف عليها صحة السمع فالاستدلال عليها ممكن، ولهذا جوزنا الاستدلال بالسمع على كونه حياً، لما لم تقف صحة السمع عليها"أ.هـ.
    هذا القسم الأول من كلامه، وقد صرح بهذه القاعدة التي ذكرها علماؤنا من الأشاعرة أيضاً، فقالوا: كل ما يتوقف ثبوت السمع عليه، فلا يصح الاستدلال عليه بالسمع، كوجود الله وكونه قادراً وعالماً مريداً، وقد ضبطنا هذا في حاشيتنا على صغرى الصغرى وفي ما قلناه في شرح كلام العضد على ابن الحاجب الأصولي، بما إذا كان كلامنا مع المخالفين لأصل الدين والمنكرين لرب العالمين، فلا يصح الاستدلال على وجود الله تعالى للمنكر لوجوده بقوله تعالى: "قل هو الله أحد" أو غيرها من الآيات القرآنية، لأن هذا الذي لا يعلم وجود الله أو ينكره، كيف يسلم بالقرآن الذي لا يثبت إلا إذا أثبتنا وجود الله تعالى؛ ولذلك وجب أن نستدل عليه بالعقل حال مخاطبتنا المخالفين في الأصول.
    وأما إذا كان كلامنا مع الموحِّدين، والمؤمنين، فلنا أن نستدل على قدرة الله تعالى بنفس القرآن، لأن القرآن حجة عليه وكل ما في القرآن حجة سواء كان آيات تتكلم عن أحكام عقائدية أم أحكام عملية، والفرق أن هذا الموَحِّدُ مؤمن بصدق القرآن، فيجوز الاستدلال له ومنه بما في القرآن، وكذلك يجوز الاستدلال بالإجماع على كون الله قديراً للموحدين؛ لأن الإجماع حجة نقلية، فحكمه حكم الحجج النقلية.
    وهذا التقييد من توضيحاتي التي أرجو الإصابة فيها.
    بقي ما في كلام القاضي عبد الجبار من اعتبار صفة الحياة يصح الاستدلال عليها بالسمع، فهذا خلاف ما عليه أئمتنا الأشاعرة، فالدليل عليها عقلي، فلا عالم إلا حي، ويستحيل التصديق بعالم غير حي، فهي من الصفات التي يستدل عليها بالعقل على حسب التفصيل السابق.
    ثم قال القاضي ص233: "يبين ذلك أن أحدنا يمكنه أن يعلم أن للعالم صانعاً حكيماً وإن لم يخطر بباله أنه هل يُرى أم لا، ولهذا لم نكفر مَن خالفنا في هذه المسألة لما كان الجهل بأنه تعالى لا يرى لا يقتضي جهلاً بذاته ولا بشيء من صفاته، ولهذا جوّزنا في قوله تعالى: "رب أرني أنظر إليك" أن يكون سؤال موسى عليه السلام سؤالاً لنفسه، لأن المرئي ليس له بكونه مرئياً حالة وصفة، وعلى هذا لم نجهِّل شيخنا أبا علي بالأكوان، حيث قال إنها مدركة بالبصر".أهـ.
    نعم، ما قاله القاضي عبد الجبار عن أن مسألة الرؤية لا يتوقف عليها إثبات وجود الله ولا ثبوت الشريعة، صحيح، وبناءً على ذلك، فإن المسألة تندرج من حيث الطرق التي يصح الاستدلال عليها بها في القاعدة السابقة التي وضحناها.
    ولكن تأمل في باقي كلامه، فهو يصرح بأن من لا يعرف أن الله لا يُرى، ليس بجاهل بالله العظيم؟! وهو يقصد فقط أنه لا يترتب على جهله بالرؤية الشك في كون الله تعالى صانعاً حكيماً، فهو يقول: إن من علم كون الله صانعاً حكيماً وجهل كونه يرى أو لا يُرى، فلا يعود هذا بالضرر على كونه عالماً بالله.
    وبناءً على ذلك، فهو يقول: لا ضرر من الاعتقاد بأن سيدنا موسى عليه السلام كان جاهلاً بهذا الحكم، أي كون الله لا يرى، بل ربما لا يَرى إشكالاً في اعتقاد سيدنا موسى عليه السلام جواز رؤيته، لأن ظاهر كلامه عليه السلام يدل على أنه يعتقد جواز الرؤية.
    فهذه إشكالية كبيرة يقع فيها المعتزلة، ويحاولون التملص منها بادعاء أن هذا الأمر لا يضر بكون الجاهل به عالماً بالله تعالى.
    ولكن الحقيقة الواضحة التي لا يستطيع أحد إنكارها، هي أن الجاهل بكون الله لا يُرى على حسب مذهب المعتزلة، يجب أن يكون جاهلاً بأن الله منزه عن الجسمية والجهة والحد وغير ذلك، وهذا كله داخل في التوحيد عندهم، وهو أصل من أصول الدين فيلزم جهل سيدنا موسى عليه السلام - بناءً على مذهب المعتزلة - بهذا كله.
    وهذا لازم قبيح جداً، وهم يعلمون أنه لازم لهم، ولكن يحاولون التملص من الحكم المترتب عليه بأن يقولوا: الجاهل بعدم صحة الرؤية، لا يستلزم ذلك كونه جاهلاً بالله العالم الصانع، فنقول: نعم قد لا يستلزم ذلك، ولكن يستلزم جهله بكون الله منزهاً عن الجهة والحد والمكان كما بيناه.
    وبيان اللزوم أنهم ادعوا أنه لا توجد رؤية إلا بكون المرئي في جهة وكونه ذا حدود ومكان .. إلخ، وإذا قيل إن الله يُرى، يلزم كون الله في جهة وفي مكان وله حدود، وهذا باطل، والعلم بالرؤية بالمعنى الذي يدعونه بديهي ضروري، وحسيٌّ كما صرح به الشيخ السبحاني كما نقلناه عنه.
    فيلزم إذن أن يكون موسى عليه السلام جاهلاً إما بمعنى الرؤية الضروري، أو جاهلاً بكون الله منزهاً عن الحدّ والجهة والمكان، وكلا اللازمين قبيح.
    ويبدو أن القاضي عبد الجبار يلتزم كون موسى جاهلاً من هذه الجهة، ولكن هذا عنده لا يستلزم كونه جاهلاً بالله العالم الصانع، أي بالله من حيث هو عالم صانع.
    وهذا صحيح، إذا صحّ عند المعتزلة جسم قديم خالق، وهم لا يصححون ذلك، بل ينفونه.
    ونحن نقول تحقيقا: إذا قالت المعتزلة بأن الجاهل باستحالة الرؤية لا يلزمه الجهل بالله تعالى العالم الصانع، فإننا نقول بل يلزمه على التحقيق، وذلك لأن المعتقد بصحة الرؤية عندهم ، يعتقد بأن الله تعالى جسم أو متحيز، لاستلزام الرؤية ذلك عندهم، والمعتقد بأن الله تعالى جسم، يستلزم إثبات جسم قديم أولا، وهذا قبيح. ويلزمه مخالفة ما تقرر عند العقلاء من أن الجسم لا يخلق أجساما، فالإله إذا كان جسما فيستحيل أن يخلق أجساما، ولذلك فيستحيل أن يكون صانعا، وهذا يخالف ادعاء القاضي عبد الجبار بأنه لا يستلزم إنكار العالم الصانع. بل تبين لنا أن يخالفه ويعارضه!!
    فقد اتضح إذن أن المعتزلة يلزمهم قبائح عديدة لا يستطيعون التملص منها.
    ولهذا الأمر، فقد جاء علماؤنا الأشاعرة وقالوا: إن معنى الرؤية ليس مستلزماً للحد والمكان والجهة كما وضحنا، وطلب الرؤية واعتقادها أي القول بصحتها لا يستلزم الجهل بالله تعالى، ولا إثبات الحد والجهة والحيز له جلَّ شأنه، ولا يستلزم ذلك كون سيدنا موسى عليه السلام جاهلاً مطلقاً لا بالله ولا بالأمر الضروري، بل موسى عليه السلام ما طلب إلا أمراً ممكناً ولو كان محالاً لما طلبه. وهذا الكلام والتخريج والتحقيق للمسألة بهذه الصورة لا يتم إلا بناءً على مذهب السادة الأشاعرة والماتريدية أهل السنة.
    وسوف يأتي لهذا كله مزيد توضيح عند مناقشة الأدلة النقلية، ونشرع الآن في مناقشة القاضي عبد الجبار في استدلالاته العقلية ومناقشته العقلية للمخالفين.



    يتبع..........

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    المشاركات
    1,660

    افتراضي

    أخي الحبيب ما في داعي للاعتذار..أعرف انك لم تقصد أي اساءة...


    للأسف بقي سؤالي كما هو.... دون جواب!

    سننتظر التوضيحات الحاسمة من الأخ الأشعري أبو نور...

    بعد انتهائه طبعاً من جميع النقول...


    السؤال الأول:

    ألم تستطيع العقول ان ((تنظر)) دون استخدام الوجوه كما جاء في الآية لتتحقق الرؤية ؟؟!!

    طلما يؤمن الأشاعرة أن استخدام الوجوه وما تحمله من "عيون" ليست من شروط الرؤية بل

    هي العلم و الادراك و الكشف و المعرفة أو ما وراء العلم الاستدلالي فقط !؟!

    ولماذا جاء مصطلح (( الوجوه الناضرة)) في الآية ملحوقاً بالرؤية =((الى ربها ناظرة))...

    لو كانت متحققة فعلاً بوسائل أخرى؟


    هذه نقطة...

    السؤال الثاني:

    أن تقول أن لفظة ((كما ترون)) في الحديث التالي :

    "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته"

    هي دليل على مماثلة في وضوح ((الرؤية)) لا في آلية الرؤية نفسها!...((الرؤية الالهية الواضحة ... حق و حقيقة ؟!))

    طيب لنرى هل هذا الأمر صحيح فعلاً ؟

    قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة - التوحيد -(( صحيح البخاري ))


    ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن بكير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي هلال ‏

    ‏عن ‏ ‏زيد ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏

    ‏قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال ‏ ‏هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا !

    قلنا لا قال فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما!

    ......

    وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا

    قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة !

    فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء

    فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟

    فيقولون الساق فيكشف عن ساقه!؟؟!

    http://hadith.al-islam.com/Display/D...e=all&Offset=0


    كيف هذا بالله عليك؟!

    وهل هناك عاقل يقول بهذا؟


    وضوح رؤية ...و حفلة تنكرية في نفس الوقت!

    بل تغيير صور!!؟ و تحول !!....وحزازير رحمانية !!؟؟.... في نفس الوقت ما بتظبط أخي العزيز؟!؟...

    قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة !

    أما الدليل!....

    يا عين عالدليل!...


    فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟

    فيقولون الساق فيكشف عن ساقه!؟؟!



    ساق بلا كيف و لا تشبيه أليس كذلك ؟!!


    أين وضوح الرؤية المزعومة بالله عليك أم أن هناك تشويش شيطاني ما !؟! :

    صحيح مسلم:

    ‏فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون !!؟!

    فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا !؟!

    فإذا جاء ربنا عرفناه !؟!

    ‏ ‏فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون؟!؟

    فيقول أنا ربكم!؟!

    فيقولون أنت ربنا!!!!


    فيتبعونه ‏ ‏ويضرب ‏ ‏الصراط بين ظهري جهنم؟!!؟


    http://hadith.al-islam.com/Display/D...earchLevel=QBE


    أين وضوح الرؤية المزعوم في حديث أبي موسى الأشعري الذي رواه الشيخان على سبيل المثال :

    " جنتان من فضة آنيتها وما فيها وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم

    وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن !!!...

    فهل مطلوب ازالة رداء الكبرياء عنه تعالى حتى تحصل الرؤية ؟!! تعالى الله عن ذلك !؟؟!!



    " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير " الأنعام 103

    صدق الله العظيم

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    77

    افتراضي

    أخي ديك الجن ألا تلاحظ أنني حتى الآن أتحرك في هذه المسألة في دائرة النقاش العقلي وليس في دائرة مناقشة النقول وتفسيرها
    هذا أولاً
    ثانياً
    لم أفهم وجه الاشكال في كون الرؤية مرتبطة بالوجه أو العين
    مالمشكلة في أن يخلق الله تعالى لنا رؤيته في نفوسنا عقب سبب يحدثه في الوجه أو في العين
    ما المشكلة في هذا الترتيب ؟
    نحن حتى في الدنيا لا ننظر إلى الرؤية على أنها هي نفس قضية وصول الأشعة الضوئية من ذات المرئي الكائن قبالة الرائي إلى الجملة البصرية العصبية للرائي والتفاعلات الكيميائية اللاحقة ومن ثم وصول الاشارات العصبية إلى الدماغ وما سوى ذلك من عمليات عصبية تالية في الدماغ
    لا هذا ليس هو نفس الرؤية
    الرؤية هي ثمرة هذه الآلية
    وهذه الثمرة قابلة للانفكاك عقلاً عن سببها المنتج لها عادةً
    سيما ونحن نؤمن أن العلاقة بين الأسباب والنتائج المترتبة عليها مسألة سنة كونية أي عادة لا لزوم عقلي لا يتخلف
    إذاً فمن الجائز عقلاً أن يخلق الله تعالى لنا رؤيته بسبب مرتبط بالعين وبالوجه ولكن بدون قضية التآثر الضوئي الكيميائي بين الرائي والمرئي
    ما المشكلة في ذلك ؟
    ما المشكلة في أن يجعل الله تعالى للرؤية في الآخرة نظاماً سببياً مختلفاً عن النظام المعتاد في الدنيا
    أما نقلته يا أخي من نصوص
    فإن صح وثبت فلا يمتنع تأويله إن كان ظاهره لا يتفق مع ما يليق بجلال الله وعظمته
    ما المشكلة في ذلك ؟
    ورد في القرآن الكريم نصوص ظاهرها قد يفهم منه أهل التجسيم والتشبيه ما لا يليق بجلال الله سبحانه وتعالى فكما نؤولها فمن باب أولى نتأول الأحاديث التي قد لا يتفق ظاهرها أو المفهوم منها عند البعض من المجسمة مع ما يتصف به الله تعالى من تعالٍ عن التجسيم
    لقد ورد في القرآن الكريم نسبة اليد واليدين و الأيدي لله تعالى فهل نسخر من قرآننا لاحتوائه على هذه الصفات ؟
    أم نؤمن بالله وكتابه ونحمل نصوصه على المعاني الصحيحة ؟
    لا لا نسخر من كلام الله بل نفهمه على ما يليق بذات الله تعالى فإما نتأوله تأويلاً اجمالياً أو نتأوله تأويلاً تفصيلياً
    نحن في سعة ولله الحمد

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني