بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحببت أن يطلع الإخوة هنا على كلام جميل للشيخ سعيد فودة رأيته في موقعه موقع الامام فخر الدين الرازي رحمه الله ويتناول فيه مسألة رؤية رب العالمين في دار النعيم فإليكم ما كتبه الشيخ سعيد فودة حفظه الله :
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة الرؤية
مناقشات مع الفِرَق المخالفة
اتفق أهل السنة على أن رؤية الله تعالى جائزة، وخالفهم في ذلك الشيعة والمعتزلة والإباضية، وقال الكرامية والمجسمة بجواز رؤية الله تعالى.
فالحاصل أن رؤية الله قال بها الأشاعرة أهل السنة والكرامية والمجسمة، والاتفاق هذا حاصل على مجرد تصحيح الرؤية مع عدم الاتفاق على معناها ومفهومها وشروطها ولوازمها، كما سيتضح.
وقال الشيعة والمعتزلة والإباضية بنفي الرؤية.
ولم يتفق الأشاعرة والمجسمة والكرامية على معنى الرؤية وحقيقتها والأصول التي بنوا تصحيح الرؤية عليها، فالمجسمة والكرامية بنوا قولهم بذلك على استصحاب أصلهم المعلوم من أن الله - تعالى - جسم وأنه في جهة، والرؤية تحصل بالعين عن طريق مقابلة المرئي في الجهة، ويلزمهم عند اشتراطهم هذه الشروط التشبيه المحض.
وأما الأشاعرة والماتريدية، فقالوا بصحة الرؤية ونفي كون الله تعالى جسماً، ونفي كونه ذا حَدٍّ أو حدودٍ، ولم يقولوا باشتراط الجهة لصحة الرؤية.
فبأدنى تأمل، نعلم علماً قطعياً أن معنى الرؤية عند الأشاعرة ليس عينه عند المجسمة ومَن وافقهم، وبعض الجهلة يعتمدون على اتفاق الأشاعرة والمجسمة والكرامية على أصل صحة الرؤية، فيقول هؤلاء الجهلة بأن حقيقة مذهب الأشاعرة هو التجسيم والتشبيه، وهذا سوء ظنّ منهم، مبني على جهل كما قلنا، ومبني على سوء طوية، فالذي يجب على هؤلاء أن يقولوه عند رؤية كلام الأشاعرة: إن معنى الرؤية عندهم ليس نفس معنى الرؤية عند المجسمة، وهو التحقيق والحق الصريح الذي صرَّح به الأشاعرة.
وأما أن يقولوا بأن الذي يثبت الرؤية يلزمه أن يكون مجسِّماً، فهذا غباءٌ مبني على جهل، ومبني على عدم إعمال القواعد المعتمدة عند العلماء في تحقيق المذاهب.
والمقصود: أن الأشاعرة ما داموا قد صرَّحوا بنفي كون الله جسماً بأقوالهم وبنوا قواعد مذهبهم على ذلك، فلا يصح أن يُلزَموا بما يناقض مذهبهم المصرَّح به خاصة وأنهم بيَّنوا المقصود من معنى الرؤية عندهم.
فبعد هذا لا يصح لواحد أن يقول إن الأشاعرة يلزمهم التشبيه والتجسيم لمجرد إثبات الرؤية.
وسوف يزداد هذا وضوحاً فيما يلي.
هذا الكلام ذكرناه هنا، لأن بعض المتسرّعين من المعتزلة والشيعة والإباضية وبعض الذين جعلوا عقائدهم عبارة عن خليطٍ خاص من مختاراتهم من هذه المذاهب ومن أهوائهم التي حسبوها علوماً ومعارف، اتهموا الأشاعرة بالتجسيم والتشبيه من أجل ذلك، ولهذا نبّهنا إلى غلطهم من ناحية منهجية، وسوف نبطل قولهم إبطالاً فيما يأتي من المباحث.
ولكن العقلاء من الفرق المذكورة لم يتهموا الأشاعرة بهذه التهمة الباطلة، بل كان غاية قولهم منازعتهم في إثبات الرؤية، بل إن بعض أفاضلهم صرَّح بأن حقيقة معنى الرؤية عند الأشاعرة ينفي أصل الخلاف مع المعتزلة والشيعة والإباضية، وبعضهم قال العكس.
وهكذا، فنحن نرى الواحد يتنقل من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال في مثل هذه المسألة.
ولذلك أحببنا أن نناقش بعض المخالفين من الشيعة والمعتزلة والإباضية في هذه المسألة، ونتناول كلاً على حدة؛ لنبيّن اختلاف مناهجهم وصواب وسداد طريقة أهل الحق، وقد ارتأيتُ أن نبدأ بالكلام مع فرقة الشيعة الإماميةونتناول كتاباً من كتبهم المعتمدة لعالِم مشهور عندهم معتَرَفٍ بعلمه وحكمته، فنناقشه في مقولاته واستدلالاته وعباراته.
وإنما اختارنا هذه الطريقة؛ لأن كثيراً من الناس الذين يخوضون في هذه المسألة معارضين لأهل السنة، ممن نعرفهم أو نخاطبهم يدفعهم الهوى والتعصّب وقلة الاطلاع، فكان ينبغي علينا عندما نناقشه أن نعلّمه ونوضّح له حقيقة المذاهب قبل أن نبدأ بإلزامه أو الردّ عليه، وهذا الأمر لازم في كل مناقشة، ولكن قدره يزيد وينقص بحسب جهل أو علم من نتكلم معه، فلذلك ارتأينا أن نتكلم مع واحد عالِم من كل فرقة من هذه الفرق، فالكلام مع العلماء - وإن كان عن طريق الكتب – أليق بالحكماء المدققين الباحثين عن الحق واليقين من المشاغبة والتشغيب مع مَن هو دونهم في العلم.
وندعو الله تعالى أن يوفقنا أجمعين لما فيه الخير.