 |
-
الانسحاب الايثاري للجعفري ورياح في أشرعة الحكومة القادمة
الرياح في أشرعة الحكومة القادمة
ربما جزء من المنهج الذي حرصت عليه هو إشاعة التفاؤل، إذ ان هذا الشعب المبتلى منذ الأزل بحاجة الى من يكشف له عن ضوء في ليله الذي استطال سواده ، حيث نقيض ذلك يظل من اليسير تجميع جوانب اليأس ودواعيه وان نطبق بها على انساننا المكلوم وندفعه للاعتقاد بأن الخير كل الخير ظل وراءه وأن لا أمل له في غده، الا انه في الوقت نفسه فإن هذا الميل لا يعني ان نبيع الوهم والآمال الزائفة بل هو سعي قد نتفق او نختلف عليه في تبين عوامل القوة والنجاح لتشكل العراق الدائمي بعد ان اجتاز المؤقت.
من جهة الجانب النفسي للشارع العراقي فإن المأزق السياسي الذي استغرق زمناً طويلاً لحله ورافقته كلف مدمرة ساعد عليها الشلل السياسي والحكومي، جعلت هذا الشارع مترقباً ومرحباً بل وراضياً بأي حل سياسي.
على مستوى ادارة الاختلافات فإن الايجابي فيها ان الصراعات السياسية حلت بطريقة الحوار والتنازلات المتبادلة لا القوة، وبذلك أسس العراقيون لعهد ولعرف من الاحتكام الى السياسة بدل العنف، فكان الانسحاب الايثاري للجعفري من جهة وتثبيت معارضيه لمبدأ المحاسبة ولقاعدة الرضا من جهة اخرى، في حين ان قبول تقييد منصب رئيس الوزراء وتوسيع المشاركة في قراره ينطوي على قبول الاغلبية لتقييد سلطتهم سواء عبر مجلس الأمن الوطني او آلية الثلثين في اتخاذ القرارت في مجلس الوزراء، يقابلها ان من شأن ذلك تجنب الشخصنة في الادارة وفي الوقت ذاته يلقي على الطرف الساعي للاشتراك في القرار مسؤولية انجاحه ودعمه وايضاً تبعات فشله.
ان العامل الايجابي الاخر تمثل بانخراط الجميع في العملية السياسية، اذ انهم اشتركوا وبفاعلية في البرلمان والرئاسة والحكومة، وهذا ما يوسع قاعدة المشاركة ويمكنهم من ضمان حقوق مكونهم عبر الاطر السياسية بدلاً من انتهاج العنف، كما ان اتساع قاعدة القوى المؤمنة بالطريق السلمي في قمة السلطة ينعكس بالضرورة على جمهورهم المحتقن بسبب ما يظنه من تهميش جعله ان لم يكن متعاطفاً مع العنف فهو غاض النظر عنه اذ كان يعتبره وسيلة لإرباك حكومة فقد مواقعه فيها.
كما ان الملاحظ ان هناك اتفاقا بين جميع الاطراف على الملفات الساخنة التي ينبغي معالجتها، وفي مقدمتها المشكل الأمني ووقف الفساد وعودة الخدمات، وما يستلزمه هذا بداهة من ضرورة توحد الموقف والخطاب من الارهاب، اذ لا يعقل او يقبل ان تكون جزءا من العملية السياسية والقدم الاخرى مع من يعمل على تقويضها، كذلك تبرز مشكلة الميليشيات، اذ انها تنازع الدولة اختصاصها، والتي تعرف بأنها الوحيدة المحتكرة للقوة، بجانب ذلك فان الميليشيات هي المفاتيح الذهبية للحرب الاهلية، وان امتلاك اي طرف لها يدفع الاخر للبحث عن آليات دفاع وتحصن ذاتي، الا انه برغم اتفاق الجميع على ضرورة حلها الا ان التباين يكمن في طريقة ذلك، فمن سعي لإدماجها في قوات الجيش والشرطة الى من يرى ادماجها بصيغ الافراد وليس كمجاميع الى دعوة تأهيل جزء منها في مؤسسات الدولة المدنية، وقبل ذلك على الدولة ان تستعيد هيبتها وقدرتها الحمائية للمواطن لدفعه للتخلي عن روابطه الاولية التي استظل بها للدفاع عن وجوده، لا شك ان عدم تخطي ذلك ستكون معضلة للنظام السياسي الناشئ.
كذلك فإن التحدي الاهم هو في ان تصبح الطبقة السياسية قائدة لشارعها وليس منقادة له، وان هذا التحول تؤاتيه الآن ظروف مثالية، اذ ان الحكومة ورأسها وحتى معارضتها هم ليسوا بحاجة ان يواجهوا الاصوات الانتخابية قبل اربع سنين، وهذا ما يجعل ايديهم حرة في اتخاذ قرارات غير شعبوية او تجانب العواطف العامة، اذ ان الشعب وان تخندق طائفياً وقومياً بسبب الرغبة لتحقيق الهويات التي قمعت، وصوت بالتالي لهوياته بدوافع من الخوف المتبادل فإنه بعد ذلك لا شك سيكون كباقي شعوب الارض باحثاً عن ضروريات الأمن والاستقرار والحياة وفي ذلك سيتطلع لرجال دولة لا لقادة طوائف.
وهنا فإن رئيس الوزراء القادم وحكومته ليسوا مطالبين بأن يجترحوا معجزة اقتصادية او ان يقفزوا بمعدلات النمو او ان يجعلوا ميزان العراق الصناعي او الزراعي ايجابياً لصالحه او ان يحققوا دولة الرفاه، كون العراق بريعه النفطي لا يتطلب من ادارته الا ان تحقق حداً مقبولاً من الأمن والاستقرار وسلطة القانون التي تفضي لايقاف الفساد، عند ذاك فإن عوامل السوق ستعيد للاقتصاد توازنه وتكون الدولة المؤتمنة على ثرواته المادية التي هي هبة الله من غير جهد وعليها فقط ان تفلح في توزيعها، إذ ان غاية الطموح المنظور هو ان يكون العراق دولة خدمات مع شبكة ضمانات اجتماعية تتأسس على العدل وتقليص الفوارق.
من جانب اخر فإن هناك اجواء اقليمية ودولية مساعدة للحكومة، فعلى مستوى الإقليم فإنه وبعد ان وصل العراق الى مفترق طرق خطير بات اهونها على جواره هو السير بثبات في طريق العملية السياسية والتي بديلها تفتت العراق او اصطراع مكوناته او ارتحال ارهابه، اما دولياً فإن العالم يتطلع الى حكومة وحدة وطنية شرعية لا تقصي أحدا لكي يتم التعاطي معها ايجابياً، اذ ان ما يجري في العراق هو ليس في بلد قصي او هامشي بل في بلد مفصلي باقتصاده وبموقعه في شرق اوسط يشكل عصب الاقتصاد العالمي وشرارة عدم استقراره.
ان انبثاق حكومة عراقية دائمة مرتكزة على دستور لا نتفائل بكونها ستستطيع ان تتخطى المشكلات التي هي مزمنة وتعود الى لحظة التأسيس، تلك التي شابها ورافقها الاختلال في توزيع السلطة مع تجذر مشكلة الوحدة الوطنية وفشل في معالجة التنوع، تراكمت فوقها عقود اخرى من دكتاتورية ابت بعد ان سقطت الا ان تحيل البلد بعدها ركاماً، لذا لا احد يتوهم بأن مدينة فاضلة ستخرج من بين انقاض وطن، ولكن حسب الجنين ان لا يأتي مشوهاً.
http://www.asharqalawsat.com/leader....89&issue=10015
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |