من أين تستمد هذه الحكومة الهجينة شرعيتها ؟
أرض السواد : طاهر الخزاعي
حكومتنا الجديدة , والتي يصر البعض على تسميتها زورا وبهتانا بحكومة الوحدة الوطنية , ليست هجينة وحسب ! بل هجين مشوه لا معالم واضحة لها , لا توحي بالقدر الأدنى من الانسجام ولا تقضي على المحاصصات والتوافقات بل كرستها بالشكل الذي يصعب تجاوزه في السنوات اللاحقة من مستقبل العراق ! .
لم يتغير أي شيء بالنسبة لتشكيلة الحكومة في اطارها العام منذ سقوط صدام وتشكيل وزارة مجلس الحكم وما تلاها بما في ذلك الحكومة الانتقالية المنتخبة وهذه الحكومة الدائمة .. لم يتغير أدنى شيء سوى وجود مجلس نواب منتخب على أساس الاصطفافات الثلاثة الرئيسة ! .. نظرة تأمل بسيطة على تقسيم الوزارات والمناصب الرئاسية والسيادية نجد الشيء ذاته من سقوط صدام وحتى اليوم ! وهذا يعني أن الانتخابات التي جرت لم تغير شيئا سوى مجلس نواب عمله شرعنة المحاصصات والتوافقات والتصويت لها ! .
لماذا لم يحصل أي تغيير في مجلس الرئاسة ؟ فالرئيس يمثل طائفة ونائباه يمثلان طائفتين ! ورئيس البرلمان من طائفة ونائباه من طائفتين وهكذا رئاسة الوزراء .. والوزارات السيادية تحذو هذا التقسيم المقيت حذو النعل بالنعل ! وهكذا كل الوزارات في العراق .. بالرغم من أن الدستور لا يشير ولا يلمح الى هذا التقسيم ! ..
وقد يقول قائل : ما يحصل هو ضريبة عدم الاستقرار في العراق , ولا بد من اشراك الجميع في الحكومة من اجل أن لا يُغرد أحد خارج السرب الحكومي علَّ وعسى أن يستقر الوضع .. والجواب على هكذا طرح , ماهو الضمان على أن الوضع الأمني سيكون مستقراً ؟ وكل المؤشرات تقول غير ذلك ! بل ما أتوقعه أن الاختراقات لمؤسسات الدولة من قبل البعثيين والارهابيين ستكون على قدم وساق , فقد فتحت الحكومة الجديدة أبوابها مشرعة لهؤلاء عن طريق أكثر من موقع ! ..
يُقال أن المفاوضات - بعد زيارة رايس ورامسفيلد - تتجه لتعيين الدكتور علاوي بمنصب نائب رئيس الوزراء ! ومثل ذلك النقل مؤداه أن وزارة الدفاع سيتسنمها شخص من نفس القائمة والاصابع تتجه نحو د. حاجم الحسني ! .. واذا تم ذلك فهو لا يعني سوى سلب النسبة الضئيلة المتبقية من الشرعية لهذه الحكومة الدائمة .. إذ أن شرعية الحكومة مستمدة من انتخاب الشعب لها , والانتخاب هنا المقصود به هو القائمة الفائزة التي أعطاها الشعب ثقته لتشكل حكومة تنسجم وتطلعاته .. أما وأن يكافأ الشعب بتنصيب من لم ينتخبه بنائب رئيس الوزراء أو امين مجلس وطني مستحدث على خلاف الدستور , وهكذا الكثير من المواقع التي تم التعدي من خلالها على اختيار الشعب ! ..
أنا هنا لست ضد أي شخص , فلم يعد بالنسبة لي مهما من يحكم ومن يتولى هذه الوزارة أو تلك بعد أن تبين لي الخيط الأسود من الخيط الابيض من نكتة الديمقراطية الامريكية في العراق .. إنما أريد اثارة مسأئل مهمة وأرى من واجبي أن أوصل الصوت عاليا للشعب العراقي المسكين الذي يتبع الضريبة باهضة ! ..
من هذه المسائل : من هي الجهة التي ستحكم العراق في السنوات الاربع القادمة ؟ هل هي قائمة الائتلاف أو الأكراد أو التوافق أم القائمة العراقية ؟ وهل لمجرد كون رئيس الوزراء من قائمة معينة يمكن القول بأن الحكومة العراقية على مسؤولية قائمة الائتلاف مثلاً ؟ أم نقول أن قائمة التحالف الكردي هي التي تحكم باعتبار رئيس الجمهورية منها ؟ أم أنها التوافق باعتبارها تحصل على عدد من المناصب الرئاسية والسيادية ؟ أم أن الجميع في العراق هم حكام العراق ؟
الشعب العراقي بحاجة لمعرفة معالم حكومته , وكيف سيكون برنامجها ؟ واذا كانت حكومة متشكلة من كل هذا الطيف غير المتجانس والمتناقض في الكثير من المفاصل , كيف يمكنها أن تتفق على برنامج حكومي طموح يحل مشاكل العراق !.. أم ستكون النتيجة منطقية باعتبارها تتبع المقدمات , والمقدمات خليط غير متجانس , فالفشل قادم ريب فيه ! لكن الأهم في هذه المفردة هو : من سيتحمل مسؤولية الفشل القادم ؟ هل سنشهد تراشقات وكل يلقي اللوم على الآخر ؟! .
ومسألة ثانية وهي ماهية جدوى مجلس البرلمان اذا كان محكوما بالتوافقات والمحاصصات !! وهل نتصور وجود رأي مخالف أو ناقد أو مراقب من اعضاء مجلس النواب اذا كان رؤساء القوائم اعضاء في مجلس الامن المستحدث خلافا للدستور !! والمفارقة هنا أن مجلس النواب يجب أن يكون أمينا على الدستور لا العكس .. وكيف نتصور وجود معارضة ايجابية بناءة مع حصول جميع القوائم على وزارات مثلاً .. وهل نتوقع من مثل هذا المجلس غير نقاط النظام التي لا يجيدها اغلبهم !!
ولعل المسألة الأهم هنا , من أين تستمد هذه الحكومة شرعيتها ؟ سؤال كبير بحاجة الى جواب واضح بعد أن دخلنا السنة الرابعة في طريق المعمعة السياسية المتهرئة في العراق .. سيُقال ان مجلس النواب المنتخب هو المشرعن لهذه الحكومة .. وهذا القول سيكون صحيحا اذا مارس مجلس النواب صلاحياته بكل تجرد ووفقا للآليات الديمقراطية والانتخابية .. وما شاهدناه ونشاهدة يوميا على الهواء مباشرة أن مجلس النواب يمضي ما تتفق عليه الكتل والأطراف السياسية , وحتى شكليا لم نر في مجلس النواب مرشحا آخر لرئاسة الجمهورية أو رئاسة البرلمان , إنما مرشح واحد ومتفق عليه مسبقاً .. ومجلس النواب لم يمارس أي دور غير دور توقيع التوافقات !! .. ولو تنزلنا وقلنا (عند الضرورات تُباح المحذورات) , ألا ينبغي أن نتوقف عند هذا الحد من اباحة المحذورات ؟ ونعطي رئيس الوزراء (البديل بالقوة والضغط) حقه الكامل في اختيار نائبيه ووزرائه ؟ .. والجواب بكل تأكيد أن رئيس الوزراء مقيد وعليه قبول أحد خيارات الكتل لهذه الوزارة أو تلك .. وهل يمكننا تصور أي دور لرئيس الوزراء في اختيار الوزارة بعد أن تم تقسيم الوزارات وتحاصصها ؟ .. هذا بالرغم من أننا مررنا بتجربة مريرة في الحكومة الانتقالية في الوزارات التابعة لاحزابها ..
رئيس الجمهورية ونائبيه توافق .. رئيس مجلس النواب ونائبيه بالتوافق .. مجلس أمن وطني مخالف للدستور بالتوافق ايضا .. نواب رئيس الوزراء بالتوافق ! .. الوزراء بالتوافق والمحاصصة !! بل رئيس الوزراء نفسه بالتوافق فقد تم رفضه وأعلن الجميع أن رئيس الوزراء يجب أن ينال التوافق من كل الفرقاء !! .. لا أدري ماذا بقي غير التوافق والمحاصصات .. وأغرب ما يحصل - ويبدو أن لا غرابة لأن العراق أضحى بلد الغرائب والعجائب - أن الشعب انتخب مجلسا للنواب وحصل على حكومة توافقية , أقل ما توصف أنها هجينة ! فلنتصور كيف يكون رئيس الوزراء الاستاذ نوري كامل المالكي ونائبه أياد علاوي , وهما نقيضان في الفكر والمنهج فكيف يجتمعان ؟ ! .
وأخيرا وبعد أن فقدت الانتخابات موضوعها السؤال الذي يطرح نفسه : من أين تستمد هذه الحكومة الهجينة شرعيتها ؟
kza_tahir@yahoo.com