قرأت يوم أمس عبارة نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية من النجف الأشرف عن لسان شيخ لم تذكر اسمه ، يقول فيها :" قاتلنا نحن الشيعة الانجليز في ثورة العشرين ، و قطف السنة الحكم ، وسوف نترك السنة هذه المرة يقاتلون الامريكان لنقطف الحكم هذه المرة"
ومع وجود الشك في وثاقة الناقل الذي قد يكون كافرا او فاسقا ، وغموض هوية المتحدث ، بما يلقي ظلالا من الشك على الرواية من اساسها ، الا انه قد نجد بعض الطائفيين يفكر في هذه الطريقة ، حيث ينتقد علنا تجربة الشيعة السابقة في مقاومة الانجليز وترك الحكم يذهب من بين ايديهم ، في محاولة منه لأخذ "العبرة" من تجربة المقاومة ، بعدم تكرار "الخطأ القاتل" هذه المرة. ولذلك فهو لا يمانع بل يفرح كثيرا لقيام بعض السنة بشن حملات عسكرية وفدائية ضد المحتلين الجدد اعتقادا منه بان المحتلين سوف يعاقبون المقاومين بحرمانهم من السلطة في المستقبل.
ورغم طائفية هذا النمط من التفكير فانه ينطوي على سذاجة كبيرة ، حيث يعتقد او ينام على وعود الامريكان السابقة التي قدموها لمن زار واشنطن من الشيعة بأنهم سوف يعطون الحكم للشيعة او لمن تعاون معهم في السابق جزاء مواقفهم الودية ، وهو لا يدرك ان الأمريكان نكثوا بوعودهم سريعا وان أخوف ما يخافونه اليوم هو الشيعة و الحركة الاسلامية ، وهناك أخبار او تصريحات لمسؤولين امريكان في مجلس الامن القومي تحذر من الشيعة و بالذات من المجلس الاعلى وتدعو الى ضربه بقوة تماما كما ضربت جماعة الأنصار في كردستان.
وعلى فرض وفاء الأمريكان بوعودهم واعطاء الحكم للشيعة ، فانهم بالطبع لن يعطوا الحكم للشيعة ليطبقوا الشريعة الاسلامية او يقيموا حكما اسلاميا او شيعيا ، وانما سوف يبحثون عن رجل علماني تابع لهم بشدة لكي يسلموه السلطة ، ولن يمانعوا بأن يتحول الى ديكتاتور جديد ، كما تحول حكام "سنة" مثل صدام الى ديكتاتوريين وطغاة في الماضي.
ولن يعدم الامريكان رجالا جاهزين من السنة العلمانيين لتقديم خدماتهم وولائهم مقابل تسليم الحكم اليهم ، في سباق مع اخوتهم الشيعة على السلطة و الحكم.
وحتى اذا اخذ الطائفيون الشيعة الحكم في المستقبلمن امريكا فان الطائفيين السنة لن يستريحوا او يقبلوا بالأمر الواقع وسف يعملون بالتأكيد على قلب الطاولة على الحكام الشيعة واخذ الحكم منهم في المستقبل بالاستعانة بالقوات الأجنبية المحتلة. وهكذا سوف ندخل في مسلسل لا ينتهي من الصراعات السياسية وانماط الحكم الديكتاتورية وبصور الاستعانة بالاجنبي والاستقواء على أبناء البلد. مما يهدد سلامة الوطن و الأمة ويبقي الأجنبي مسيطرا الى الأبد.
في حين ان الحل الجذري لهذه الأزمة ينحصر في التخلي عن الحسابات الطائفية ، وعن الاستعانة بالأجنبي من اجل السيطرة على كرسي السلطة ، و ينحصر في العودة الى الشعب واستمداد السلطة منه عبر صناديق الاقتراع ، وفي اشاعة جو من الوحدة والمساواة وعدم تضخيم الخلافات الطائفية البائدة ومحاولة الأخذ بالثار ممن حكموا في الماضي ، فللحقيقة لم يكن أحد من الطغاة و بالذات الطاغية الهارب صدام سنيا بمعنى الكلمة و انما كان بلا دين ، وان من يحاول ان يقتدي بسيرته الطائفية و الديكتاتورية هو بلا دين حتى لو كان ينتمي الى الطائفة الشيعية بالوراثة.
اذن فلماذا لا نعمل سوية على استعادة حريتنا و استقلالنا بمحبة واحترام لجميع من يعيش معنا في البلد الواحد؟