دفاع عن مواكب اللطّامين



كتابات - د.فخري مشكور



اغلب العراقيين يعرف -بالمشاهدة او برواية الثقاة-مواكب اللطم التي جرت العادة على تسييرها ايام محرم حزنا على استشهاد ابي الاحرار.



وبغض النظر عن الموقف من هذه المواكب (تاييدا او شجبا، تطويرا او محافظة) باختلاف الاذواق والمنطلقات،فهناك ملاحظة اتفق عليها المؤيدون والمعارضون وهي تشكل ظلما فاحشا للقائمين عليها ، فالفريقان يجمعان على وصف هذه المواكب بالفوضى،ويصفان كل عمل غير منظم بأنه(مثل مواكب اللطم)، الامر الذي دعاني للبحث عن الحقيقة ميدانيا وعدم الاكتفاء بالتصورات الافلاطونية التي يلجأ اليها اغلب الكتاب الشرقيين في بحثهم للمسائل الميدانية ذات الطبيعة التخصصية.



يممت وجهي شطر مقر احد مواكب اللطم قبل محرم بايام فوجدت الاستعدادات قائمة قبل حلول المناسبة، فاللطامة يدركون جيدا ان الاستعداد للحدث ينبغي ان يتخذ قبل وقوعه.



بعد حوالي ساعة التأم جمع اللطامة وبدأت جلسة التخطيط للموكب بحضور جماعي، فاللطامة لا يؤمنون بالعمل الفردي الذي يقوم على الزعيم الاوحد او المصدر الاعلى او القائد الضروروة او الاب القائد او غير ذلك من اقنعة الفردية التي تشكل ترجمة غير امينة لفكرة التوحيد أو شرحا امينا لفكرة الدكتاتورية.



بدأت جلسة اللطامة بحديث موجز لكبيرهم الذي اشار الى ضرورة الاستفادة من دروس موكب العام المنصرم بالاضافة الى تجارب المواكب الاخرى،فاللطامة تدرك جيدا اهمية المراجعة النقدية لمسيرة الموكب كما تحاول الاستفادة من تجارب المواكب الاخرى..ظاهرة جديرة بالاحترام.



بعد هذه المقدمة القصيرة فتح "الامين العام لموكب اللطامة" باب الحديث للاخرين للاستماع الى وجهات نظرهم..يا له من قائد ماهر، انه وبالرغم من كونه كبير اللطامين الا انه لم يشأ ان يحرم الموكب من اراء سائر اللطامين الذين لاحظتُ جلوسهم في صفين: اللطامون الاوائل واللطامون الجدد، وعندما اردت معرفة الفرق بين الفريقين لم أرجع الى كتاب "ارشاد الباحثين عن طبقات اللطامين"،فكل اللطامين امامي ..استطيع مشاهدة الفريقين لملاحظة الفرق بينهما ، كما ينبغي ان اسال اللطامين المحترفين دون ان يمنعني شأني ومقامي العالي(...)عن التعلم منهم ما يعرفونه واجهله، فلست عالما بكل شيء ولا عيب في ذلك.



بعد الملاحظة الميدانية والسؤال ممن هم أقل مني(...)عرفت ان اللطامة فيهم كوادر لهم خبرة الفن وان لم تكن لهم قوة الضرب، بينما يملك اللطامة المستجدون قوة الضرب بدون اتقان لاصول الفن.والفريقان لا يستغنيان عن بعضهما في التعاون من اجل انجاح الموكب، ويلعب كبير للطامين دورا في الجمع بينهما ويعتبر ذلك ضروريا لنجاح الموكب-إن كان حريصا على الموكب- أوضمانا لاستمرار زعامته للموكب- ان كان طالب زعامة- لانه يدرك ان اللطامة لا يستبقونه رئيسا اذا فشل الموكب بسبب سوء ادارته،ولا يقتنعون بسهولة بالقاء اللوم على الظروف او على تقصير اللطامين في تنفيذ تعليماته المقدسة.



خلال استعراض الاراء لاحظت ان كبيرهم يستمع باهتمام الى الملاحظات النقدية لموكب العام الماضي الذي وضعت فيه بعض افكاره قيد التنفيذ فاذا بالنتائج تاتي سلبية، فلم يتردد في الاعتراف بخطئه واصدار تعليماته بترك تلك الاقتراحات ومطالبة الاخرين باقتراح بدائل مناسبة.





خلال الجلسة كان انصار الموكب-وهم كثر- يدخلون باستمرار لمقابلة الرئيس لكنه لم يكن يشغل نفسه معهم ولم يكن ايضا يهملهم، فقد اوكل لكل واحد من معاونيه مهمة معينة مقرونة بصلاحيات مناسبة تتيح له التعامل مع الاخرين باسم رئيس الموكب وحل المشاكل بالاستعانة بالصلاحيات الممنوحة له دون ان يتخم اذن الرئيس او يشغل وقته بصغائر الامور، فلم تمنعه فردية الرئيس من تخويله الصلاحيات اللازمة لتسيير الاموراليومية وترك وقت الرئيس للتخطيط والتطوير، او للتعامل مع القضايا الكبرى.







سألت احد اللطامة : اين دَرَس صاحبكم فن الادارة الحديثة؟



أجاب: الارادة الحديدة؟ ماذا تقصد بالارادة الحديدة؟



قلت : اقصد ان تنظيمكم للموكب ممتاز جدا.



قال: اذا لم نفعل ذلك لا يلطم معنا أحد.



قلت:وهل تجتمعون كل عام؟



قال:الاجتماع العادي كل عام واحيانا تكون لنا اجتماعات اضافية حسب الحاجة.



قلت:ومنذ متى يحتل رئيسكم هذا منصبه؟



قال:منذ سنتين.



قلت: والرؤساء السابقون؟



قال:موجودون في الجلسة، لا نستغني عنهم.



قلت:وكيف هي العلاقة بينهم وبين الرئيس الحالي؟



قال: المهم عند الجميع نجاح الموكب، وازيدك: كل رئيس يتعهد بتدريب رؤساء المستقبل منذ اليوم الاول لاستلامه الرئاسة.



قلت:واين يكون موقع الرئيس عندما يخرج الموكب؟



قال:ليس له موقع محدد،يتجول ويلاحظ نقاط الضعف ويحل محل ابسط لطام عند الضرورة.



* * *





في نهاية الاجتماع استاذنت الرئيس لتوجيه كلمة للمجتمعين فسمح لي مع علمه انني لست منهم



وقفت فيهم خطيبا فحمدت الله واثنيت عليه وذكرت الموت وعذاب القبر وسؤال منكر ونكير فبكوا حتى اخضلت لحاهم من الدموع ثم قلت لهم:



ايها اللطامون ، سامحونا فقد ظلمناكم كثيرا