مصر.. الإيرانيون الجدد
مع إعلانها وضع الحجاب، طالبت الفنانة المصرية حنان ترك بأن تكون السينما المصرية على غرار السينما الإيرانية. هكذا بكل بساطة، أو قل بكل تبسيط. وبالطبع لن أناقش قضية حجاب الفنانة من عدمه، فهذه قضية شخصية، وليس لدي منها موقف، سواء تحجبت أو لا.
ولكن يقال في السعودية «خذ علومهم من صغارهم»، أي تستطيع أن تتعرف على رأي الكبار من خلال الصغار. وفي هذه الحالة يعني أن هناك من يسير على النموذج الإيراني، في كل شيء.. حتى وإن كان للهاوية. فالفنانة تطالب، أو هكذا سمعت ممن نصحوها، بأن تكون السينما المصرية، التي تتمتع بحرية نسبية، ويتمتع نجومها بحظوة في مصر والعالم العربي، إعلاميا وماليا، مثل السينما الإيرانية التي تعاني من القمع والاضطهاد.
ويبدو أن الفنانة لا تعرف، أو تتجاهل، ما يواجهه الفنان أو المثقف الإيراني حتى يخرج فيلمه للناس! كما أنها قد لا تعرف أن إيران من دول المنطقة التي تضيق بمثقف، وتجن من مقال. ولا تعرف أن الفيلم الإيراني يصور خلسة، ويؤتى برجال ليقوموا بدور النساء!
وهي لا تعرف أن الأفلام لكي تشاهد دوليا لها سوق تهريب، وأن ما تحظى به دوليا لا يعدو أن يكون اهتماما دوليا كل الهدف منه إغاظة نظام طهران. فغريب أن تجد من يتمتع بحرية، نسبية بالطبع، يتمنى أن يقمع ويكبل!
الإطالة في قضية الفنانة تشتيت أنظار عن المشهد الحقيقي، وهو أن حولنا، بل بيننا، من يؤمنون بالنموذج الإيراني، ويريدونه، أي بمعنى آخر يريدون نموذج السيطرة والتسلط. وإنْ شئنا أن نسمي الأشياء بأسمائها فهي محاولة للقفز على السلطة من خلال السيطرة على المجتمع، أي الثورة الهادئة.
والغريب أن من يقومون بهذا الدور هم أنفسهم الذين كانوا وما زالوا يشتكون من تسلط الحكومات العربية وسيطرتها. والمقصود هنا هو الجماعات التي تسعى إلى فرض نموذج الوصاية وجرِّ المجتمعات إلى الخلف، فمرة يرفعون شعار الإسلام هو الحل، واليوم إيران هي النموذج.
القضية أكبر من قضية فنانة تعلن وضع الحجاب، فوضع الحجاب من عدمه حق شخصي لا نزاع عليه، وهذه قناعتي. لكن الخطر يكمن في أن هناك من يحاول فرض النموذج الإيراني في المنطقة، الذي أبرز خصومه ليس أميركا، ولا دول المنطقة، بل مثقفو إيران وأدباؤها.
tariq@asharqalawsat.com