 |
-
لأى صدر منهم تقام النصب????????????
لأى صدر منهم تقام النصب
كتابات - المحامى سليمان الحكيم
أعلن مجلس محافظة بغداد فى الفاتح من الشهر الجارى عن عزمه على اقامة نصب تذكارى للسيد محمد باقر الصدر, هذا العلم العلاّمة الاقتصادى والفيلسوف الاجتماعى الذى لم تسعه علومه فطمح الى سدّة القيادة يقتفى بها أثر السيد الخمينى على طريق الثورة باتجاه دولة الولىّ الفقيه فكانت العاقبة اهدار عقلية فذّة قربانا لنشاط حركى فج لم يستكمل شروط النضج فضلا عن أن الهدف ذاته كان حلما رومانسيا ثبت لاحقا من خلال نماذجه فى ايران وفى أفغانستان انه عند التطبيق يتحوّل الى كابوس ظلامى بمجرد أن ارتطم بأرض الواقع الباردة , وهذه قصة أخرى على أية حال.
ولا شك أن عالم الاقتصاد فى شخص السيد الصدر لا يقرّ اهدار المال العام فى بلد زادت نسبة البطالة بين قواه العاملة عن 60% وتعيش مدنه وأريافه فى ظروف القرون الوسطى من حيث البنية التحتية و من جهة العقلية التى يراد لها أن تهيمن على الوعى الجمعى فيها , وبمبلغ مليارى دينار الذى رصد للنصب التذكارى يمكن على سبيل المثال تشييد مستوصفين كاملي التجهيزات فى اثنين من الأقضية والنواحى العراقية المحرومة من مجّرد مضمّد .
ولقد أسس السيد الصدر نظريته الاقتصادية على مبدأ المبادرة الفردية المقيّدة بالضوابط الاجتماعية وهى فى مجملها تدعو الى دولة الرفاهية التى ترعى مواطنيها علميا وصحيا وتوفر لهم الخدمات من موارد الثروة الوطنية وهى ضد التوحش الرأسمالى وارتهان البلد للشركات العابرة للقارات والامبريالية المهيمنه , وهو يدعو الى تمليك الأرض لمن يحييها أو مناصفة ريعها لمن يزرعها , فأين من هذا كله مدّعى الانتماء لمدرسته من أمثال الجعفرى والعبادى وسواهم الذين ربطوا العراق بمنظمة التجارة العالمية وبقيود صندوق النقد الدولى ونادى باريس وسلّموا اقتصاده للنهّابين واللصوص فبارت تجارته ودمّرت زراعته وشلّت صناعته وسابت ثروته النفطية بلا حسيب ولا رقيب , وهددت الطبقة الوسطى بالاندثار ليقوم مجتمع دولة الأقلية الغنية .
وفكر السيد الصدر الاجتماعى يقبس نوره من السيرة العلوية التى كان رائدها يلبس المرقّع من الثياب ويخصف نعله بيده وهو أمير المؤمنين , وكان فى عشية كل يوم ينفض بيت المال فى ايدى فقراء أمّته ثم يكنسه راضيا مطمئنا واذا جلس للطعام فلا يجمع خبزه بادامين فاما اللبن واما الملح !
وأنا ازعم أن قيادات حزب الدعوة هم شلّة فاشلة من تلاميذ السيد الصدر لم يقرأوا عليه وان قرأوا فلم يفقهوا ومن فهمه منهم لوى لسانه وطوى عقله كشحا عن ذلك الفكر وخاصة بعد أن وصل الى السلطة ووازن بين مبدئيتها التى تتطلب الايثار وبذل الدم والعرق وبين متاع الدنيا وزخرف السلطة ومباهجها .
ولو قيّض للسيد الصدر ان يشهد أيامنا هذه لمضى وحيدا غريبا شأن معظم الرساليين الذين يتسلق مريدوهم على جمجمتهم مستضيئين بدمهم نحو السلطة .
وبات معروفا الآن أن السيد الصدر كان بوسعه ايثار العافية ومغادرة العراق سالما ليملأ الدنيا ضجيجا عن الجهاد والنضال من المهاجر الناعمة فى مغانى اوروبا أو فى أمان حوزة قم , ولكن القائد الحركى فيه أبى الاّ المواجهة مع ما ظنّه خصمه فى الفكر وبناء الوطن وتقدّم الى مصيره برباطة جأش وثبات يليقان بمن سبقه من آل البيت فى مصارعهم وقد قيل وقتها أن صدام حسين أرسل اليه من يغريه بالعفو ان هو طلبه فى استرحام ولكنه رام خلودا لا تيسّره الا الشهادة وكذلك ارتكب صدام أحد أفدح خطيئاته .
أى جانب من تلك الشخصية يليق به النصب المغتصب من لقمة وهناء العراقيين؟ أللمفكر المترفع عن سفاسف الدنيا أو للمصلح الاجتماعى الزاهد أو للمناضل الذى جاد بحياته ؟
وفيما لو اقيم ذلك النصب وقبيل رفع الستار احتفاء به فسيباغت الناس فى الشورجة وجميلة وبقية المراكز التجارية فى العراق بزمر السيد مقتدى تطوف عليهم لاغتصاب الخاوات وتحصيل الأتاوات من أجل اقامة أنصاب للسيد الوالد, واذا كان نصب السيد باقر قد اقيم بأموال محافظة بغداد فان أنصاب السيد محمد صادق سيموّلها منتظرو المهدى فواحد فى موقع الحادث الذى أودى بحياته وآخر فى مدينة الثورة ونسخة فى كل محافظة جنوبية يطالها ارهابهم , وباعتبار أنه - مفيش حد أحسن من حد- كما يقول أهل مصر فان السيد باقر الحكيم يجب أن يحصل على حصته من الأنصاب بعد الأزلام المصّورة العملاقة التى يظهر فيها شقيقه الى خلفه فى كل ركن وساحة أمكنه التسلل اليها .
وأستأذن الجهات المسؤولة فى السماح لى بتنبيهها الى أن هذه الأنصاب لا بد لها من حماية من عبث الارهابيين الذين يعادون اصحابها ومن السلفيين الذين يحرّمونها ومن الفقراء الذين سيجدون فى حديدها مصدر رزق لعيالهم ومن الشباب المراهق الذى لا يجد فى العهد السعيد الذى حرّم الرياضة سوى الساحات متنفسا لطاقاته , كما لا بد لهذه الأنصاب من صيانة دائبة من غبار الصحراء التى باتت تطوّق بغداد ومن وحل الأمطار ومن فضلات الطيور وحرارة شمسنا اللاهبة! ولماذا لا نختصر المسألة كلها فتقام ادارة مستقلة بمديريها وكادرها ومستخدميها لشؤون الأنصاب والنوافير وطلاء الأرصفة فقد ضاق الشعب العراقى بالهدوء المسالم الذى يرين على أيامه ولم يبق من مشاكله سوى تلك المتعلقة بتجميل مدنه .
تظهر لمدن الأرض مع مرور الأزمان معالم جمال يقيمها فنانوها فى حين أنه يتعيّن على الأفذاذ الذين يتحكمون بالعراق أن ينشئوا مدنا لأنصابهم .
2006- 6-4
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |