ربما لا يتصور الاحتلال الأمريكي أنه بعد أن ينفض سامر الاحتفال بمقتل أبو مصعب الزرقاوي بعد 3 سنوات من المطاردة الشرسة أن سرادقات العزاء لقوات ومناصري الاحتلال ستزداد ولن تنفض إلا برحيلهم في ظل توقعات تبشر بأن ينقلب السحر علي الساحر ويتحول اغتيال الزرقاوي إلي انتصار كبير للمقاومة بعدما تخلصت أمريكا وبيدها من الفزاعة التي كانت تشهرها في وجه المقاومة وتتهمها باستهداف المدنيين والشيعة.

محيط: افتكار البنداري

editor@moheet.com



فوسط تصفيق حاد من المحيطين به من بعض مندوبي وسائل الإعلام المنتقاة ورجال وأنصار الاحتلال الأمريكي اعتقد رئيس الوزراء العراقي نور المالكي أن إعلانه عن نجاح قوات الاحتلال في اغتيال زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي سيوصل رسالة إلي الشعب العراقي بأن الزرقاوي هو رأس المقاومة وأن سقوط هذا الرأس سيعجل بشكل أكيد بسقوط باقي الجسد متناسيا أن معادلته : المقاومة = الزرقاوي هي معادلة غير سليمة ويكشف زيفها التعرف علي الاختلافات القائمة بين تنظيم الزرقاوي وبين بقية فصائل المقاومة فيما يخص الهدف من حمل السلاح ومواجهة الأمريكيين في الأساس إضافة إلي الموقف من بقية الطوائف والفصائل العراقية .


المالكي وزاده .. فرحة لن تطول

وفي ذلك يقول الكاتب يوسف مكي في موقع " التجديد العربي" أن الساحة العراقية تشهد ثلاثة قوي تحمل السلاح في وجه قوات الاحتلال..

الأولي : هي مجموعة الزرقاوي نفسها والتي تتسمى بـ قاعدة بلاد الرافدين، ولا يستهدف برنامجها تحرير العراق من الاحتلال. وقد جاء ذلك بوضوح في خطاب الزرقاوي الأخير، حين قال إننا كنا نبحث عن الأمريكيين، وهاهم جاؤوا لنا، ومكنونا منهم. وهو يستنكر أن يتوقف المجاهدون عن القتال ويتجهوا إلى العملية السياسية، باعتبار ذلك خروجا عن أهداف الجهاد. بمعنى أن الهدف هو شن حرب استنزاف مستمرة، يبدو هدفها عدمي، وغير واضح.. بمعني أن مشروعها استشهادي، وهو لاستغراقه في هذا النهج، تبنى مواقف تكفيرية بحق القوى التي تتبنى مواقف مغايرة لرؤيته .

القوى الثانية: هي قوي إما تعمل لحسابها الخاص وتستهدف الضغط على قوات الاحتلال الأمريكي لتحقيق مكاسب ذاتية، من خلال حصولها على حصة أكبر في العملية السياسية، أو أنها تعمل لحساب قوى خارجية أخرى، تدير معركتها مع الإدارة الأمريكية على أرض العراق. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى القوى المتحالفة مع إيران، فهذه القوى تحدد مواقفها مع إدارة الاحتلال، بناء على درجة اقتراب أو تصادم الجمهورية الإسلامية مع الإدارة الأمريكية وهي تتركز في بعض مناطق الجنوب العراقي . وعلى هذا الأساس، فإن مقاومة هذه القوى للاحتلال الأمريكي يغلب عليها الطابع الموسمي، وهي مرهونة باتجاه بوصلة العلاقات الأمريكية - الإيرانية.

أما القوى الثالثة: فهي المقاومة العراقية الوطنية والإسلامية المستقلة وتمثل حسب بعض التقديرات 80% من عناصر المقاومة. وتضم تشكيلات ومنظمات عديدة، في مقدمتها جيش محمد وكتائب ثورة العشرين، والجيش الإسلامي، وفصائل أخرى. وتدعم هذه القوى مجموعة من التنظيمات المدنية داخل العراق وخارجه، وتضم أحزاباً ومنظمات قومية وإسلامية. ويتمحور برنامجها السياسي علي الهدف الأسمى للشعب العراقي والشعوب الإسلامية جميعا وهو طرد قوات الاحتلال من العراق. وإقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي. وترفض هذه القوى كل الحكومات والمؤسسات والقوانين التي صدرت منذ احتلال العراق. وترفض المشاركة في العملية السياسية في ظل وجوده.

وهذه القوى تعلن صراحة أن هدفها ليس الاستمرار في محاربة الأمريكيين من أجل الحرب ذاتها وإنما هدفها يقتصر على الاستمرار في العمل المسلح من أجل تحرير العراق، وتعويضه من قبل الأمريكيين عن الخسائر التي لحقت به جراء الاحتلال. ولا تمانع من إقامة علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة بعد رحيل جنودها عن بلاد الرافدين. إن برنامجها هو مشروع حياة وليس استشهاداً. بمعنى أن الشهادة ليست غاية نهائية، وليست هدفا مستقلا قائما بذاته.

والمجاهدون في هذه الفصائل علي علم بصعوبة استحالة إلحاق هزيمة عسكرية شاملة وسريعة بالقوات الأمريكية، نتيجة للقدرة التدميرية الهائلة التي تمتلكها وإنما يكون سبيلهم لإلحاق الهزيمة بالاحتلال عبر الحاقه بالهزائم السياسية عبر تصاعد الخسائر والكلفة في صفوف جنوده واتساع دائرة المعارضة للحرب عالميا، وتعميق الأزمة الاقتصادية في أمريكا وهروب الجنود من ثكناتهم، وعندها يدرك المحتل أنه لا قبل له سياسيا بالاستمرار في الحرب. ويقرر الخروج من البلاد التي احتلها، بعد عمليات تفاوضية يحكم نتائجها توازن القوى على الأرض ومستوى الدعم والتأييد الذي تلقاه المقاومة من جهة، ومستوى قوة المعارضة في البلد الأم للمحتل .

كما تختلف هذه القوي جذريا مع الخطاب السياسي للزرقاوي فيما يخص العلاقات مع بقية ألوان الطيف العراقي فبينما يحرض الزرقاوي على الطائفية وقتل "الرافضة" ويقصد بهم الشيعة تنطلق المقاومة العراقية من أن العراق لكل العراقيين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية وتشترط لتحقيق برنامجها السياسي تدعيم الوحدة الوطنية العراقية التي ستساهم في توسيع رقعة حرب العصابات في أنحاء العراق لتتحول لحرب الشعب، وهي لحظة التحرير الحقيقي للعراق.

المقاومة هي الرابح الأول من مقتل الزرقاوي

وفي رأي خبير الجماعات الإسلامية الدكتور ضياء رشوان في تعليقه لقناة " الجزيرة " علي نبأ مقتل الزرقاوي فإن المقاومة الحقيقة - والمتمثلة في القوي الثالثة السابق الإشارة إليها وهي 80 % من جملة عمليات المواجهة للاحتلال - لن تتأثر بمقتل الزرقاوي بل ستربح كثيرا وتستعيد مكاسب كانت قد خسرتها بسبب بعض العمليات والتصريحات المنسوبة للزرقاوي والتي تخالف عقيدة المقاومة ولذا سيكون غيابه نقطة ايجابية لصالح المقاومة لأن الأمريكيين استمروا في استخدام هذه الفزاعة في صبغ القوي العراقية الشريفة بسمات الإرهاب والطائفية واستهداف المدنيين .

وأوضح رشوان أن الزرقاوي كان قد خسر في الفترة الأخيرة قطاعات كبيرة كانت تسانده معنويا أو ميدانيا بسبب تزايد تطرف خطابه السياسي وجنوحه لممارسات رأينا كيف أن قيادات رسمية في تنظيم القاعدة كأسامة بن لادن والظواهري اعترضوا عليها منها موقفه من الشيعة والقيام بتفجيرات في غير مرمي الجيش الأمريكي . وأن فصائل المقاومة ذات الطابع الإسلامي والوطني المعروفة بالعمليات التكتيكية الحقيقية والمؤلمة للجيش الأمريكي نشرت بيانات تتبرأ من بعض عمليات الزرقاوي وهو ما زاده عزلة في الفترة الأخيرة .

وتوقع رشوان فيما يخص العمليات الميدانية بعد مقتل الزرقاوي أننا سنري تفجيرات هنا وهناك ظهر منها فور الإعلان عن مقتل الزرقاوي التفجير الذي وقع في بغداد انتقاما لمصرعه من قبل الأعضاء الموجودين في هذا التنظيم . ومن المتوقع أن عدد العمليات في مرحلة الانتقام ستزداد ثم تتبعها مرحلة سيحاول التنظيم خلالها إعادة قوته فيها وبالتالي يبقي التنظيم الآن بلا قيادة واضحة ولكنه سيزداد ضعفا او يتفرق مجموعات خاصة وأن خلفاء الزرقاوي غير معروفين الآن بالاسم والشخص الوحيد الذي كان معروفا باسمه كاملا هو الزرقاوي ( احمد فاضل الخلايلة ) ويصعب علي تنظيم مثل هذا أن يظل دائما مجهول الهوية لأن هذا سيثير مشاكل كثيرة .

صدام حسين .. المقاومة لا ترتبط بالرؤوس

ومن تجارب التاريخ وحصاد العمليات المشابهة سواء علي أرض العراق أو غيره يتأكد للمتابع أن المقاومة ليست مرتبطة بشخص أو رمز أو فصيل، وإنما ترتبط بوجود الاحتلال كما لا يخفي علي ذكاء الشعوب العربية والإسلامية حول دلالة الإعلان عن مقتل الزرقاوي وعدد من أنصاره في هذا التوقيت وأنه جاء لينعش قلب الرئيس الأمريكي جورج بوش ووزير حربه الذي قُض مضجعهما كثيرا باستعار نار المقاومة بالتوازي مع الإعلان عن عدد من العمليات الأمريكية القذرة مثل مقتل مدنيين بدم بارد في الاسحاقي والحديثة وسامراء وغيرها والتي أوصلت شعبية بوش وزمرته أمريكيا وعالميا إلي القاع .

ويتناسى المهللون للاحتلال الأمريكي وزمرته أنه في يوم السبت 13 ديسمبر 2003 تم الإعلان في حشد إعلامي كبير وبما يشي بانتهاء الحرب علي العراق عن القبض على الرئيس العراقي صدام حسين واعتبر جورج بوش وبلير وكل الذين ساهموا في الحرب العدوانية أن هذا الحدث "يوم تاريخي" بالنسبة إلى "الشعب العراقي" و"المجتمع الدولي" ممنين النفس بأن يخمد اعتقال صدام حسين المقاومة الوطنية التي طالما قدموها على أنها "أعمال إرهابية" تقف وراءها "عناصر من النظام القديم وأجانب ينتمون إلى شبكة الإرهاب الدولي التابعة لتنظيم القاعدة وغيرها" .


صدام .. تحول بالاعتقال لبطل حقيقي للمقاومة

وبعد مرور عامان ونصف علي اعتقال صدام حسين بل والعديد من قيادات حزب البعث السابق وتقديمها للمحاكمة لم يزد العراق إلا توهجا بنيران المقاومة واتساع رقعة المؤيدين لها من الشعب العراقي وشعوب العالم الحر يصحبها انهيار بوش وبلير ورامسفيلد وأعوانهما إلي القاع السحيق حتي وصلت شعبية بوش في أحدث استطلاعات الرأي إلي 29 % وهي أدني نسبة تصل إليها شعبية رئيس في تاريخ أمريكا بل وطورت المقاومة التي لا تتبع لا حزب " البعث " و لا تنظيم " القاعدة " من أساليبها التكتيكية في ميدان القتال بشكل أدي إلي إصابة ما لايقل عن مائة ألف أمريكي بأمراض نفسية وعصبية .





وتلت واقعة اعتقال صدام حسين عمليتا اغتيال الشيخين أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي قائدي مقاومة فلسطين فما كان بعد عامين من غيابها إلا ازدياد قوة المقاومة حتي وصلت علي أكتاف الشعب الجريح إلي سدة الحكم .

وفي النهاية مهما كان الاختلاف حول أبو مصعب الزرقاوي فيما يخص عدم تنسيقه مع المقاومة العراقية الإسلامية والوطنية السنية الأخري وقيامه بالتبرأ من بعض ألوان الطيف العراقي وخاصة الشيعة وتكفير بعضهم - هذا إن صحت الشرائط الصوتية المنسوبة إليه والتي تحوي هذا المعني - فإنه يظل المتفق عليه أن أبو مصعب الزرقاوي كان مشروعا جهاديا لم يكن يهدف إلي أي مكاسب دنيوية أو ذاتية بل فقط محاربة المحتلين والمعتدين وإن غاب عنه بسبب ضعف خبرته وبعده عن بقية فصائل المقاومة الإسلامية إتباع استراتيجية عسكرية قتالية تقوم علي التجميع بين مذاهب المسلمين لا التفريق بينها والتوحد حول هدف واضح وهو إخراج الاحتلال بكل الوسائل .

ويبقي أن الرهان علي بقاء أو ضعف المقاومة لا يكون بمقتل شخص أو ظهور آخر بل علي استمرار العرب السنة في التوحد والتحلق حول المقاومة المسلحة الشريفة التي اشتهروا بها .أما إذا وقع المحظور واقتنعوا بأن السياسة أفضل لهم، وهي بديل مقنع فإن الموقف سيغدو خطيرا بكل المقاييس.