نظرية الحكم حسب الأسلام تحتاج الى وقفة طويلة. تحتاج ان تستلهم تجارب الشعوب المختلفة وكيف وصلت الى ما وصلت اليه الآن. النظرية تحتاج حسب ظني الى تعريف دقيق لأهدافها. بمعنى الى ماذا تهدف الحكومة الأسلامية. العدالة، الأنسان، الرفاهية. ام ان الهدف هو فرض الحجاب والصلاة والأحكام والحدود.

اتوقع ان القانون الألهي في الحكم -وليس النظرية- ينطلق الى ان يكون الأنسان بكرامته وقيمته محوراً لأي حكم. وان هنالك نقطة لا يتحدث الكثيرون من الأسلاميين عنها وهي التداخل الأخلاقي الأنساني مع الجوانب الحياتية المختلفة للأنسان.

هنالك اهتمام متعاظم بدراسة الدين كأسلوب متطور للأدارة الحديثة. واكثر هذه النظريات في علوم الأدارة تصدر الى العالم من بوسطن، عاصمة علوم الأدارة. حيث ان المحور الرئيسي الذي يوجه علم الأدارة في العالم حالياً هو الأتجاه "اللين" في التخطيط والسلوك الأداري في المؤسسات بسبب تعقد الظروف والمواقع في كافة المؤسسات في العالم. والنظرة تنطلق الى موقع الأنسان كانسان بخطئه وصوابه وبضعفه وبقوته وبقواه العجيبة التي تجعله كائناً يطوع اعقد البيئات واصعبها، مقدرة الأنسان على التعلم وتصحيح الخطأ. ولكن هذا الجانب فقدت المؤسسات الحديثة التركيز عليه ولكن تبنته الديانات وهو ما جعل علماء الأدارة يوجهون انظارهم الى محاولة فهم الدين كأسلوب ادارة متطور وفعال.
ومن هذا المنطلق يعتبر الأسلام هو الديانة الوحيدة التي تمتلك شريعة تتحدث بشكل قانون في العالم، يصلح ان يقال عنه انه يؤسس لمجتمع ودولة يمكن ان نزعم انها الأصلح في عالم اصبح يتعب من اساليب قديمة بدأت تفقد بريقها وديناميكيتها.

مسألة محورية الأنسان في الأسلام مقارنة بكافة الديانات يمكن تبينها من خلال هذا المثل الرمزي والواقعي. الديانات الأخرى تستعمل الآلة، بجمودها وانعدام الروح فيها كطريقة للدعوة الى الأتصال بالله، كالناقوس عند المسيحيين والبوق عند اليهود او الأساليب الأخرى التكنولوجية للدعوة الى العمل او تنظيم الوقت، الا الأسلام انه استعمل الصوت الأنساني كأسلوب مميز للدعوة الى الله وعبادته وتنظيم الوقت انه الأذان.

التداخل بين القاعدة الأخلاقية والبنى المادية شيئ مميز في الدين الأسلامي اعترف به اعداؤنا ونحن لم نكتشفه او بالأحرى لم نستطع ان نفهم آليات تطبيقه في واقعنا. قرأت كتاب الأقتصاد الأسلامي للبروفسور السويدي سامويلسون اعترف فيه وبموضوعية بنجاح الحلول الاسلامية لقطاع الأعمال والأقتصاد، وخاصة فيما يتعلق بتحريم الربا والفوائد وكيف ان اكثر البنوك والمؤسسات المصرفية بدأت تدرس الفائدة في الغاء التعامل بالفوائد الربوية واستخدام اساليب اخرى بديلة عنها . لسببين ، السبب الأول هو الجانب الأخلاقي للموضوع والسبب الثاني هو العائد الضخم من هذه التعاملات بدلاً من التعامل الربوي. اذ ان العائد من التعاملات اللاربوية يصل احياناً الى 200% بينما الفوائد لا تزيد عن 10% في احسن الظروف.

هنالك تداخل ثالث هو ان الأنسان حسب الأسلام جزء لا يتجزء عن الكون، وفيما ينفصل غير المسلم انفصالاً تاماً عن محيطه الكوني بسبب تعقد الحياة وصعوبتها، يبقى الأنسان المسلم مرتبطاً بحركة الشمس والأرض والقمر والكون وموقعه في الأرض، ان الأنسان جزء من الكون والطبيعة بكل جزيئاته وذراته مخلوق وعابد لأله واحد.
.
الأنسان والأخلاق والكون ثلاثة جوانب جوهرية في النظرية الأجتماعية الأسلامية، والتي تمثل الدولة جانباً مهماً من هذه النظرية العظيمة.