انعقد في مدينة القدس الشريفة ليلة المعراج ( 27 / رجب ) عام ( 1350هـ )
( 1933م ) مؤتمر إسلامي لتدارس سُبُل التعاون في نشر الثقافة الإسلامية والدفاع عن البقاع المشرفة وقضايا اخرى ذات علاقة بالأمة فدُعي إليه كبار علماء المسلمين بما فيهم العلامة الكبير الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله ...
فلما وصل الشيخ تقدم الوجهاء الفلسطينيون والعلماء المشاركون إلى استقبال الشيخ كاشف الغطاء وكان في مقدمتهم مفتي القدس الشيخ الحسيني
ذات ليلة طلب منه المفتي وكذلك مفتي نابلس الشيخ محمد تفاحة ــ وكان من أكابر علماء فلسطين سنا ــ والمشرف على المسجد الأقصى أن يرتقي المنبر بعد صلاة المغرب وكان عدد الحاضرين يبلغ سبعين ألفا امتدت صفوفهم إلى خارج المسجد
لقد فوجىء الشيخ كاشف الغطاء بهذا الطلب والإلحاح ولكنه رغم ذلك ارتجل أمام جمهور الحاضرين فافتتاح خطبته بقوله تعالى : " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " 1 سورة الإسراء
واسترسل في الحديث حول هذه الآية ثم ربطه بالمواضيع التي من أجلها جاءت الدعوة إلى المؤتمر
وبعد أن أنهى خطبته التي سحرت المستمعين بحلاوة عباراتها وعمق دلالاتها طلبت منه لجنة المؤتمر وأكابر الموجودين أن يصلي بهم جماعة فاستجاب لهم الشيخ واقتدت به الالوف من تلك الجموع الغفيرة وهو حدث عظيم في التاريخ الإسلامي وكذلك تركت خطابات الإمام كاشف الغطاء في المؤتمر آثارا بليغة قد حُفرت في ذاكرة التاريخ السياسي الإسلامي للقضية الفلسطينية.
إنّ ما يرفضه الإسلام هو الانصهار والذوبان بالآخر فكراً وسلوكاً، بما يفقده هويته وأصالته ويُميّع شخصيّته، إنّه يربأ بالمسلم أن يخجل بهويّته والتزامه ومظهره الإسلامي فينسحق أمام الآخر وحضارته ويميل مع كلِّ ريح متخلِّياً عن دينه وتقاليده، ويدعوه في المقابل إلى أن ينفتح على الآخر، لكن من موقع العارف بدينه وهويته، الواثق بنفسه، المعتزّ بانتمائه إلى الدين الذي يعلو ولا يُعلى عليه حجّةً ومنطقاً عقيدةً وشريعة.
الشيخ حسين الخشن
[ العقل التكفيري .. قراءة في المفهوم الإقصائي ]