 |
-
الأبعاد التربوية في الثورة الحسينية
محمد القصاص
حينما نجلس أمام المنابر الحسينية ونتطلع للطرح الملهم عن مصيبة واقعة الطف.. لا نكتفي بالنياح أو اللطم على الصدور فحسب بل نرتشف الكثير من الأمور التي تدور في فلك واقعنا.. لأن مجالس العزاء على الامام الحسين عليه السلام وأنصاره ليست مدارس إلهية ترجع الناس إلى الله تعالى فقط.. وإنما تعكس بالإضافة إلى السيرة الخلقية الوسائل والأهداف النبيلة التي ضحى بالغالي والنفيس من أجلها.. ولهذا فإن ثورة الإمام الحسين أعطت درسا للبشر بأن يكونوا أحرارا في دنياهم فيتخذون القرارات التي تخدم عقيدتهم من دون ضغط خارجي مهما كان نوع هذا الضغط.
ومن المجالس العزائية التي نتزّود منها.. يتضح لنا أن الدين ليس مجرد عبادات شكلية وإنما هو نظام ومنهج حياة يعتصر الإنسان في كل مكان وزمان.. وصدق الدمستاني شاعر أهل البيت بالقول: (إنما الدنيا أعدت لبلاء النبلاء). ولو اتجهنا إلى خلق وسيرة أبي عبدالله الحسين لوجدنا أنه ضحى كثيرا في دنياه ولهذا ظلت ذكراه باقية خالدة يتوارثها جيل بعد جيل. ومن الأعمال الخلقية التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام وهو بين الجيوش المحتشدة لقتاله تقديمه الماء لأصحاب الحرّ الرياحي الذين كلفهّم ابن زياد بمهمة اقتياده حيث كانوا في غاية التعب والعطش عند قدومهم اليه في هجيع الحر. وفي موقف له وهو يبكي سألته أخته السيدة زينب (ع) عن سبب بكائه فرد عليها: أبكي على هؤلاء الناس الذين سيدخلون النار بسببي، أي بسبب قتله وأنصاره فقط لأنهم دافعوا عن المظلومية بإعلاء كلمة الحق.. وبعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام في وقعة الطف وجد على كاهله الشريف أثراً بليغاً كأنه من جرح عدة صوارم متقاربة وحين عرف الشاهدون أنه ليس من أثر جرح عاديّ سألوا علي بن الحسين عليه السلام عن ذلك فقال: (هذا مما كان ينقله من الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين). أما فيما يتعلّق بأخذ العبرة من سيد الشهداء سلام الله عليه فقبل كل شيء يجب أن نعلم لماذا اختار الإمام سلام الله عليه وأبناؤه وأصحابه طريق الشهادة وبهذه الطريقة المفجعة؟ ولعلّ زيارة الأربعين تجيب عن هذا التساؤل حيث جاء فيها: «ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة«. وقد استخدمت كلمة «عبادك« لتشمل كافة الناس أي أنها لاتقتصر على الشيعة وحدهم بل جميع العباد وبذلك فإن الإمام الحسين سلام الله عليه باستشهاده قد فتح مدرسة تربوية للجميع بث فيها روح مقارعة الظلم ليتحمّلوا الشدائد والمصاعب حتى يذوقوا طعم السعادة وجاء أيضا في خطابه الشهير الذي حذّر فيه أعداءه من غرور الدنيا وفتنتها قائلاً: (عباد الله اتقوا الله، وكونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت لأحد، وبقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء، وأولى بالرضا، وأرضى بالقضاء، غير أن الله تعالى خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء فجديدها بال، ونعيمها مضمحل، وسرورها مكفهر، والمنزل بلغة، والدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقوا الله لعلكم تفلحون). ونرجو أن نكون قد وفيّنا ببعض ما علينا تجاه أبي عبدالله الحسين عليه السلام ولو بمقدار ما تحمله رأس الإبرة من بلل البحر!!.
اخبار الخليج 19 - 2 - 2005
خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ.
nmyours@gmail.com
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |