مهدي البرتغال الدّون سيباستيان
في يوم الأربعاء منتصف جمادى الأولى سنة 982 من الهجرة، الموافق للرابع من شهر آب (أغسطس) 1578 م، وقعت معركة شهيرة بين المسلمين المغاربة بقيادة الملك السّعْدي عبد الملك وأخيه أحمد المنصور وملك البرتغال الدون سيباستيان. قدم الدون سيباستيان بجيشه البرتغالي لتنصير المغاربة! ومعه شراذم من مرتزقة ألمان وإيطاليين انضموا إليه على ملء بطونهم والفوز بالمغانم مع النصر الموعود!. نزلوا أولاً بثغر مدينة طنجة ومنها تحركوا إلى الرّمْلة المسمّاة بأبي غاض من فحص مدينة طنجة، قرب قنطرة " عصماء " على وادي مضى من أعمال مدينة القصر الكبير.
قتل الدون سيباستيان ولم يصدق البرتغاليون بذلك فحصل لهم انتظاره تماماً كما ادعت فرق الشيعة في إمامها الأسطوري الذي سموه: محمد!!؟؟. فالبرتغال حتى هوسهم هذا، فقد ادعوا رجعة "انان كان موجوداً" كما فعلت المُختارية والكيسانية في ادعاءها مهدوية محمد ابن الحنفية ( هو ابن علي بن أبي طالب من غير فاطمة الزهراء ).
هجنة جوبا الثاني
نجد التهجين بالتربية والتنشئة ممثلاً خير تمثيل عند جوبا الثاني ( 25 ق.م ~ 23 م ) أحد ملوك الشمال الإفريقي الجاهلي، الذي سيعبد كوكبة مهجنة من آلهة الإغريق والرومان والمصريين والفينيقيين سواء!.
فالإمبراطور الروماني ذو السلطة المطلقة، التي لا يحول دونها رادع، والذي بوسعه أن يعدم ملايين العبيد ويقدمهم طعماً سائغاً للسباع في ملهاة جماهيرية، والذين يعاملون كمنقولات وأثاث هو ما كان يطلق عليه الرومان ويا للعجب!: مجتمع القانون!.
وليس غريباً أن يكون السعيد في هذا المجتمع هو ذلك الذي جاء في وصف الشاعر الروماني هوراسيوس لذلك الدّهري الجاهلي النموذجي:
إن السعيد هو ذلك المـــرء وحده
الذي يستطيع أن يقول إن اليوم يومــه
والذي بوسعه أن يقول للغد ـ مطمئنـاً ـ :
هات ( أسوأ ) ما عندك، فقد عشت يومي!
قد تتغير أسماء الآلهة، وقد تتغير حبكة الأسطورة أو تهجن، لتتقمص وتتمظهر في أشكال وأدوار أخرى وشتى، إلا أن الهيكلة العامة والقصد والمرمى والغاية فيها كلها تظل واحدة:
التحكم في وعي البشر وشل إرادتهم وتخدير ملكاتهم العقلية ومصادرة مصائرهم وأقدارهم، من أجل التحكم فيهم واستعبادهم.
رقصة المَهادي البرتغالية
لم يمض وقت قصير حتى بدأ يظهر أناس يدعون أنهم " الدون سيباستيان "!.
أول المنتحلين لهذه الأسطورة الناشئة، كان راهباً، ابن عشرين سنة في أول أمره، يوم أن خرج وادعى أنه " الدون سيباستيان ". الراهب هذا كان قد تعرف على أرملة رجل قضى في المعركة واعتنت به. بدأ أمره بالتجوال في الأرياف مدعياً أنه نفسه شارك في المعركة، ثم يشرع في الرطن بكلام يقول لمستمعيه انه لهجة مغربية! حفظها من وطيس المعركة!. بعض السذج ظن أنه ربما يكون الملك الذي اختفى!، ثم هاهو يظهر بعد سبع سنوات من العقوبة الذاتية!. أما الدعي فقد بدأ يتعلم من مما يدعيه الأتباع فيه، ليحكم إخراحه على مسرح الخرافة. اتفق أولاً مع شخصين ليصحباه وليمثلا حاشية الملك الغائب في غيبته الصغرى!. كان أحدهم يقول بأنه "كريستوفار دا تافورا": الحاجب المقرب لدون سيباستيان! وادعى الآخر أنه الأسقف "غاروا"!. أأخذ الراهب هذا كله من "أبواب" الشيعة! أو"نوابها؟" ، ربما! فالرجل راهب وإلى ذلك التاريخ لم يكن بالمستحيل على الرهبان، بعد سقوط الأندلس، الوقوف على مقولات الفرق الإسلامية، وإن المرء لا يحتاج إلى استدعاء مثل هذه الفرضية ما دام التخريج يكاد يكون نمطياً لدى الكثير من الشعوب كما مرّ!.
تسامعت أخبار ما يقوم به هذا الثلاثي المرح إلى سلطات لشبونة وتعرفوا على الدعي بسهولة، لأن الدون سيباستيان كان عمره في حدود الثلاثين، ذا طول، مع بياض بشرة، وشُقرة شعر، بينما الدّعي في العشرين من عمره بقامة متوسطة وبشرة سمراء وشعر ولحية ضاربة كلها إلى السّواد!.
قائد الأسطول فرانسيس دريك
أُلقت السلطة القبض على الرجل وصاحبيه، إلا أنه أصر أمام التحقيق أنه لم يدّع قط أنه الملك دون سيباستيان، وإنما الناس هم الذين كانوا يطلقون عليه ذلك!. اقتنعت المحكمة بعد مقارنة شهادته مع شهادة غيرة وحكمت عليه بالأشغال الشاقة إلا أن صاحباه، لم تسعفهما شهادة الشهود فأعدما. وما دامت هناك حياة، فلن يدفن الأمل! لذلك عندما انهزم الأسطول الإسباني أمام الجزر البريطانية على يد أسطول السير فرانسيس دريك سنة 1588 م فر الدّعي إلى فرنسا وأمضى ما تبقى من عمره بإعانات مالية من فرنسا!. وتوالى الأدعياء!.
الطور البرازيلي للمهدوية السيباستيانية
بقايا قلعة الحشاشين بسوريا
ثم انتقلت السيباستيانية إلى البرازيل، المستعمرة البرتغالية. في الطور البرازيلي نكاد نلمس طور الحشاشين أصحاب الحسن بن الصباح بن علي الإسماعيلي ( 428 هـ ~ 518 هـ/1124 م ) في قلعة "ألموت" ما وراء النهر، مع حشاشيه. أنطونيو فيسنت مندس ماسيل، مستشار العبيد الذين حرّرتهم الجهورية البرازيلية رغماً عنهم! ومدعي النبوة! جان أنطونيو قبله لم يكونوا يعلمون بالهندسة ولا بالحساب وعلم النجوم ما كان يعلم منها الحسن الصباح في فلعته المنيعة، رغم بعد الشقة بينهم وتقادم الزمان، إلا أنه عندما أعلنت جمهورية البرازيل سنة 1889 م أو جمهورية الشيطان كما كان يسميها الوعاظ العبيد بعد مرور 311 سنة على موت الدون سيباستيان نعلم يقيناً أن الأسطورة تعيش حياتها الخاصة بها بعيداً عن التاريخ وبمعزل منه.
هنا في البرازيل تغنى المحرومون بعد أن شربوا مسكر "الجورما" وبعد أن دخّنوا "العشب المُقدّس وبعد أن خرجوا خارج العالم:
إن عالَماً رائعاً سيظهر!،
ويغتني الفقير!،
ويعود الشيخ إلى صباه!،
ويصبح الأسود أبيض البشرة،
ويدخل الجميع مرحلة الخلود!،
ويأتي هذا العالم الرائع، عندما يظهر الملك سيباستيان!،
وعندما تفتح الأرض لتحرره!،
ولا بدّ أن تُفتح الأرض،
ولا بد أن نساعدها وندفعها لذلك!،
ولكن الأرض لا تسمع!،
والأرض تتخلّى!،
وسنستخدم أنفاسنا حتى النّفس الأخير!،
الأرض الدّم!،
الأرض عطشى!،
الأرض عطشى للدماء!،
ولِتُحَرِّرْ الأرضُ المُشبَعَة الملك سيباستيان!،
بالدم وحده!،..بالدم!..بالدم.!..
لا نحن لسنا في حسينية ولا في عاشوراء! وإنما في البرازيل، في جمهورية الشيطان!. وتسيل الدماء غزيرة، لأنهم وهم تحت التخدير يقتلون قرابين بشرية!. وفي سنة 1930 م، بعد مرور 352 سنة على تغييب الدون سيباستيان في معركة وادي المخازن، حدثت أزمة تموين في المدن وخرج أنبياء يبشرون برجوع الدّون سيباستيان وهم يكرزون:
بعد ليلة النار سيظهر دون سيباستيان،
وعندها سَتُفتح الخزائن ثانية، وستمتلئ بالمؤن!،
وبفضل الملك، سيعُمُّ الرّخاء،
وسيظهر دون سيباستيان ثانية!،
ويتحقّقُ الرخاء!.
مهدي ابن عربي الحاتمي الوحدوي الوجودي الصُّوفي
يقول ابن عربي الحاتمي الأندلسي (أنظر ما قلناه في حقه في كتابنا: الانقلابات البولصية في الإسلام" ضمن هذه السلسلة من كتب الحوار المُحَضِّر) الذي سود به الفصل 360 من كتابه " الفتوحات المكية " عما سيفعله المهدي إذا خرج:
يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص. أعداؤه مُقَلِّدَة العلماء أهل الاجتهاد، لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم. فيدخلون كرهاً تحت حكمه، خوفاً من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه. فليس له عدُوّ مبين! إلا الفقهاء!؟ خاصّة. فإنهم لا يبقى لهم رياسة ولا تمييز عن العامة، بل لا يبقى لهم علم بحُكْم إلا قليل. ويرفع الخلاف عن العالم في الأحكام بوجود هذا الإمام!. ولولا أن السيف! بيده لأفتى الفقهاء بقتله! ولكن الله يظهره بالسيف! والكرم فيطمعون ويخافون فيقبلون حكمه من غير إيمان، بل يضمرون له خلافه. يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم. أسعد الناس به أهل الكوفة. يبايعه العارفون! بالله من أهل الحقائق!؟!؟ عن شهود! وكشف! وتعريف إلهي. له رجال إلَهيون يقيمون دعوته وينصرونه. وهم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله. وهم تسعة!؟ على أقدام رجال من الصحابة. قال الله تعالى: فيهم : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وهم من الأعاجم ما فيهم عربي!، لكن لا يتكلمون إلا بالعربية!؟. لهم حافظ ليس من جِنسهم!؟ ما عصى الله قط، هو أخص الوزراء وأفضل الأمناء!؟..الخ.
ولِكلٍّ سيناريوه الخاص به وإخراجه المختلف، حسب هويّة مهديِّهِ وقبيله، ويتفق كل الاتفاق مع هوس وهلوسة الموروث الوثني القديم، بل َيتنزّل وِفق سعة خيال ومِخيال المخرفين الجدد، في تكرارية لا تَكِلُّ ولا تَمِلُّ من إعادة الإنتاج والتدوير، إما بالتهجين وإما بالتلفيق على ما اعتادت المنطقة وألِفَتْ!.
وابن عربي مُدّعي الكشف!؟ لم يكشف له أن السيوف سترفع!!!؟؟.
قلت: ويسمونه " الشيخ الأكبر!!؟؟ " وما كذبوا!، لكن في التخريف!.