شكرا للزميل ثائر الزنج على رأيه.
الزميل زيد النار:
أنا قرأت نهج البلاغة و فهمته، و أعتقد أنه يحوي على آراء فلسفية، لكن الآراء الفلسفية لا يُقال عنها آراء علميّة. فهناك سوء فهم- عندي على أقل تقدير- بمدى صحة أستخدام مفردة "علمي" فيما نتناقش فيه. فإذا كنا نتحدث عن قضيّة دينيّة~إجتماعيّة فأنني لا أجد أي ترابط بينها و بين العلم أو العلميّة. لا أرى وجه مقارنة بين العلوم و الدين، فمن جهة لا يوجد علم يساعد على أختيار النظام الأخلاقي الأمثل للفرد مثلا، و لا يوجد تأثير مباشر لعلم على المذاهب السياسيّة أو الأيدلوجيات الكبرى، و لم نسمع عن نظام "فيزيائي" لأدارة الدولة، أو نظام "علم المثلثات" في الممارسة الأجتماعيّة. مسألة شرح العالم على أس علميّة تنفع للقضايا الماديّة البحتة، لأن العلم يتعامل مع المادة و لا علاقة له في ما ورائها من "أخلاق" و "سياسة" و "معتقدات" و "فن" .... ألخ.
الدين - في المقابل - لا يجب أن تكون له علاقة بالعلوم و ممارستها، و يجب أن تنحصر علاقته (كتيارات الفلسفة الصغرى) بالفرد و المجتمع من الناحية السياسية و الأخلاقية و الأجتماعية و الفكريّة العليا المتمثلة بالمذهب الفكري للبلاد أو المجتمع. و يمكن للدين التدخل بالمسارات العلميّة عندما تكون ذات تأثير إجتماعي كقضيّة الإستنساخ أو الإجهاض أو زرع الأعضاء الحيوانية بالإنسان.
ما أراه هو سيطرة الخطاب المادي علينا، و لعل كلمة "عِلم" قد غزت حياتنا بسبب أمرٍ خطير و هو "سرعة الحياة" مما يعني أن الآلات و المصنوعات قد سيطرت علينا و على طريقة تفكيرنا (أو سيطرت على بعضنا) و هذا ما يريد الدين و الفلاسفة التنبيه له و أنقاذ الإنسان من قبضة الآلة و أعادة جوهره الحضاري من أخلاق و صدق و نبل بغض النظر عن تطوره المادي و الصناعي. إن كتاب الفيلسوف Kant "كانط" (The Critique of Pure Reason) قد كُتب لمعالجة العميانيّة الإنسانية تجاه العلوم، خصوصا و أنها عميانيّة قد وصلت أوجها بحقبة كانط، حيث أعلن بعض المتبجحين (بعام 1789) أن كل أسرار الكون سيكشفها العلم خلال الثلاثون سنة التالية، و من جديد يعلن العظيم كانط تفوقه و تفوق أسلوبه الفلسفي العميق بمعالجة المشكلة العويصة التي ولدتها الفلسفة المادية عندما أرجعت الإنسان (و بالتالي حياته و مسالكه الفكرية و الأجتماعية) للمادة، و بما أن التفسير الوحيد للمادة هو العلم، فأن حياة الإنسان مرتبطة بالعلم، و لكننا نعود لأصل الدائرة المفرغة و نعلن أن العلم لا يحل محل الدين أو العقائد الفكريّة الكبرى. هذا ناهيكَ من أن العلم متغيّر باستمرار، و هو يعلن دوما بأن كل ما يتوصل إليه غير مثبت و لذا فهو غير مطالب بالدفاع عما يعلن عنه.
و بما أنني أعتبرك مؤمنا لا ماديا، فأنني سأخمن بأنك عنيت معنا آخر للعلم، و هو المعنى العربيّ القديم (لغويا) إلا أن الخطأ عند حضرتك هو أستخدامك له على شكل حديث مما أثار التناقض. فكلمة "عِلم" باللغة العربيّة لا تعني الكلمة الإنجليزية Science فالأولى تتحدث عن "تخصص" و "الدراية بالشيء" و هكذا يقال "علم التفسير" و "علم الفقه" و "علم الكلام" و "علم الإجتماع" ... ألخ. أما في المفهوم الغربي فالعلم هو كل ما يخص المجالات البحثيّة في المادة، و رغم و جود مسميات مثل Political Science إلا أنها تبقى تسميات رمزيّة حديثة لما كان يسمى قبلا Political Philosophy حيث وجد أن التسمية الأخيرة لا تناسب موضوعيّة المادة التي تتناول دراسة النظريات السياسيّة، إلا أنها لا تدرس الفلسفة السياسية لأن الأخيرة إنتاج فردي.
هذا من جهة، و لو أنزلنا المفهوم "العلمي الحديث" عن نهج البلاغة، فأنه سيبقى كتاب تربوي فيه لمسات فلسفيّة إلهيّة، إلا أنه لا يستدعي أن يكون كتاب تنبؤات و أعتبر هذا مبالغات سببها الإنغلاق الفكري.
الزميل محمد المترفي:
الإمام علي (ع) شخصية عظيمة، و من أهم جوانب عظمتها أنها رسمت هذه العظمة بشكل أخلاقي و سياسي، لا بشكل إعجازي كمعرفة الغيب و ما إليه. إن واقعنا السياسي لن يغني عنه إن عرف الإمام علي بما سيجري أو لا، فلن يتغير شيء لأنه لم يخبرنا كيف نرد عليهم أصى (فيما لو كان كلامك حقيقية)، و بنفس الوقت الإمام علي لا يحتاج هذا لكي يبرز مقامه المحفوظ، و بلى أعرف نظريات الشهيد الصدر، لكني لاحظت أنك تعرف عن علماء "شيعة" فقط، و هذا الإنغلاق بينما تجهل فلاسفة إسلاميون عمالقة كبن رشد و الرازي و عبد الوهاب المسيري و محمد إقبال و كذلك لا أظنك مهتم كثيرا بالفلسفة اليونانية رغم تأثيرها على المذهب الشيعي. المهم، أطالبك بأن تنظر للإمام علي كدور تربوي و أن تقتدي به، و أرجو أن يكون لرأي صدى طيب عندك.
تحية